الاستيطان حرب مفتوحة

ا

تثبت الأيام أنه كلما تحدث مسؤول فلسطيني أو عربي أو دولي عن السلام في الشرق الأوسط ، فإن اسرائيل تقوم باجراء على أرض الواقع يُبعد امكانية الوصول الى السلام ، فأي خطوة نحو الرغبة في تحقيق السلام يُقابلها ابتعاد اسرائيلي بألف ميل الى الخلف ، فبدلاً من اقامة الدولة الفلسطينية في العام 2008 كما وعد الرئيس الأمريكي المنصرف جورج دبليو بوش ، فإن اسرائيل اختتمت ذلك العام ببدء حرب تدميرية هائلة على قطاع غزة .

واذا كان العالم يرى في اتفاقات أوسلو الموقعة في أيلول 1993 بداية لتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير واقامة دولته المستقلة ـ فإن اسرائيل بدلاً من انهاء احتلالها قد ضاعفت بناءها الاستيطاني في الصفة الغربية ، وأقمات جدارها التوسعي ، ومزقت الضفة الغربية الى أشلاء متباعدة تمنع اقامة الدولة الفلسطينية ، وبعد مؤتمر أنابوليس في نهاية العام 2007 الذي دعا الى وقف الاستيطان ، تضاعف الاستيطان مرة أخرى .

ويبدو أن حكومة أولمرت – ليفني – باراك المنصرفة ستختم فترة حكمها على طريقة ذلك التعيس الذي طُلب منه أن ينهى أتباعه عن الطلاق الذي يرددونه بمناسبة وبدون مناسبة ، فرّد عليهم قائلاً ” عليّ الطلاق سأمنعهم ” فهذه الحكومة بدلاً من أن تترك دعوة للسلام ، فإنها تركت مشروعاً يتمثل بحرب مفتوحة ستجعل تحقيق السلام ضرباً من ضروب الخيال . وذلك باعطائها التراخيص اللازمة لإقامة ما يزيد على 15300 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية المحتلة ، ووضعت الخطط لاقامة أكثر من 5800 وحدة سكنية استيطانية في بقية أجزاء الضفة الغربية .

واذا ما أخذنا بعين الاعتبار الى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة يقارب النصف مليون شخص ، منهم حوالي ” 220 ” ألف مستوطن في القدس الشرقية ، فإن هذا العدد سيتضاعف في السنوات القليلة القادمة في حالة تنفيذ المخطط الاستيطاني الرهيب الجديد .

وبما أن الصراع يتمحور في أساسه حول الأرض فإن الأعمال الاسرائيلية على أرض الواقع قد حصرت التواجد الفلسطيني في المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية ، وحاصرت هذا التواجد بجدران التوسع الاحتلالي ، ومزقت هذا التواجد من خلال وجود أكثر من سبعمائة حاجز عسكري ، اضافة الى الطرق الالتفافية ، وعزل الأراضي الزراعية لتبقى

احتياطاً جاهزاً للمشاريع الاستيطانية المستقبلية ، وهذا كله في المحصلة ينزع الأرض من مالكيها الشرعيين ، ومن شعبها الشرعي ، ويضع هذا الشعب أمام خيار وجود صعب ، سيكون التطهير العرقي مصيره .

ومع أن الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي المحتلة قد بدأ منذ اليوم الأول للاحتلال في حرب حزيران 1967 ، والذي تمثل بهدم حارات المغاربة والشرف والنمامرة في القدس القديمة ، وبناء حيّ استيطاني يهودي مكانها ، فإن هذا الاستيطان لم يتوقف يوماً واحداً ليشمل بقية أجزاء الضفة الغربية والجولان السورية المحتلة ، وعدة مستوطنات في قطاع غزة ثم هدمها أثناء الانسحاب الاسرائيلي الشكلي من القطاع في العالم 2005 .

وقبلها بناء مستوطنة ” ياميت ” في سيناء المصرية والتي تم هدمها في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل .

ومن غير المفاجىء أن المستوطنات الاسرائيلية تقام على رؤوس الأشهاد ، وعلى مرأى ومسمع العالم وبتمويل أمريكي في غالبيته ، وفي تحد واضح لقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي ، ولاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري ، إلا أن العالم وخصوصاً الدول صاحبة النفوذ والتأثير في الصراعات الدولية لم تحرك ساكناً . ويلاحظ أن اسرائيل في تنفيذ سياساتها الاستيطانية وحروبها غير المبررة تصاحبها حملات دبلوماسية مكثفة في الحديث عن رغبتها في تحقيق السلام ، بينما أفعالها تثبت عكس ذلك تماماً .

واذا ما كانت المجموعة الأوروبية وأمريكا واللجنة الرباعية تدعو الى عدم الاعتراف ببعض فصائل المقاومة الفلسطينية ومنها حماس ما لم تعترف باسرائيل وبالاتفاقات السابقة وبمتطلبات الرباعية الدولية ونبذ ( العنف ) وهذا ما أكدت عليه هيلاري كلينتون في مؤتمر اعادة أعمار قطاع غزة في شرم الشيخ بمصر في الثاني من آذار الحالي ، ولقي دعماً من الدول العربية . فإن ذلك لم يترافق بما يوازيه من طلبات على اسرائيل تنفيذها ومنها وقف الاستيطان الذي يشكل حرباً مفتوحة ،وازالة الحواجز العسكرية واطلاق سراح الأسرى والاستعداد للانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي المحتلة كبادرة حسن نية لتحقيق السلام الدائم والعادل في المنطقة والذي لن يأتي الا باقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف وايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات