رفعت زيتون:رواية هوان النّعيم تفضح الأكاذيب والهزائم

ر

 
هوان النعيم رواية جديدة للأديب المقدسي جميل السلحوت مكونة من 173 صفحة من الحجم المتوسط،صدرت في أواخر كانون ثاني –يناير- 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.
في هذه الرواية يضعنا الكاتب أمام واقع هذا الشعب ومأساته منذ بدايتها وصفحتهاالأولى، مظاهرات وحربٌ وقمع وعسكر، وكأنّ هذا البلد قُدّر له أن يعيش ويموت في غياهبِ القيد والسجن والجرح.حتى أن الكاتب أبى إلا أن يكمل رسم كلّ ألوان هذا الواقع وبكافة أبعاده
 في هذه الصفحة الأولى ، فعرّج على الكذبات الكبرى كتلك الانتصارات الوهمية التي كانت تنطلق من أبواق إذاعات “العروبة والقومية” آنذاك، وكأنّ هذه الكذبات أيضا وتماما كما الخيبات هي جزء لا يتجزّأ من اللوحة العامة .
 وبذلك يكمل كاتبنا رسم لوحة روايته وحكاية هذا الشعب في صفحة واحدة، والتي كانت أولى صفحات الرواية وطبعا لم يجهد الكاتب ريشته كثيرا؛ لأنّ اللوحة كانت بلون واحد فقط يمكنكم أن تتخيّلوه. وليزيد الغصّة بالقصّة جعل من الشّاب الأكثر اندفاعا وحماسة للتدرّب، لتحرير الوطن أكتعا، وكأنه يبترُ يدَ الأمل في غدٍ أفضل وهذه صورة حقيقية صاغها الكاتب بذكاء.
عادت بنا القصة إلى أحداث حرب حزيران 1967 بكل تفاصيلها العامة، على مستوى الشارع والحكومات والجيوش، حيث الخيانات الكبيرة،وعدم الاستعداد وتكالب الأمم على هذا الشعب بما في ذلك بعض الحكومات العربية. عادت بنا الرواية إلى ذلك الجهل الذي عشّش في عقول الكثيرين إلى درجة تصديق ما لا يصدق، حتى عندما رأوا الحرب تنتهي دون حرب، وعندما رأوا الجيش الأردني ينسحب من القدس بأمر من القيادات العليا الى خط الدفاع الثاني – المرسوم مسبقا – يتساءل عبد الودود: إلى أين ينسحبون؟
فيجيب أبو علي- وما زال يعيش الكذبات الكبرى التي عشّشت في رأسه ورؤوس الكثيرين- أن الجيش سيصعد على جبل الطور؛ لأنه مكان مرتفع وسيسهل من هناك تدمير القوات المعادية.
هذه الكذبات التي ما زلنا نصدق شبيهاتها إلى يومنا هذا، ولكنها اليوم كذبات ألكترونية، وذات طابع علمي، وتأخذ بعدا إنسانيا، وطبعا أصبحت مرتبطة بالمصالح أكثر من أي شيء آخر.
هذا الجهل المقيت التي جعل الحاجة فاطمة تصدق أن الطائرة التي سقطت يومها كان بسبب “جراح” أصيبت بها من طلقات أطلقها مسدس أخيها قبل سقوطها بيوم .
أعجبني هذا التركيز في الرواية على هذا الجانب المهم والحقيقي، وهو المستوى الفكري للشعوب، والذي لو لم يكن كذلك لما استطاعت تلك الحكومات أن تمرّر على شعوبها ما تريد . وكأنّ الكاتب يريدنا أن تكون الثورة الأولى للربيع الجديد على جهلنا قبل حكوماتنا .
وعودة الى الرواية والتي أعتبرها أفضل روايات كاتبنا، ربما لأنها لامست الجرح الأكبر والقضية الكبرى، فأقتبس كلام داود في القصة ص45 ( ليس مطلوبا من السوفييت أن يحاربوا
نيابة عنا، فلا ينقصنا الرجال، لكن تنقصنا القيادات الحكيمة والقادرة على بناء جيوش كفؤة ومتعلمة، والذي يحارب اليوم هو العلم والتكنولوجيا) وأقول أن هذه هي خلاصة التجربة والحكمة والمعركة والتاريخ، وأظنها بدأت في هذه  الثورات التي نشاهدها اليوم إذا أخلص من كان وراءها، ولم تلعب بها أيادٍ لا يعلمها الا الله.
إنها بضع كلمات لو فهمت بشكل صحيح لكانت أساسا متينا لبناء بنيان الدولة الحديثة القوية القادرة على خوض حرب التحرير.
نقاط كثيرة أخرى تناولتها الرواية، وأهمها قضية العمالة والتي تمثلت، بتعاون أبي سالم وغيره مع سلطات الاحتلال، وكيف ساهموا في ترسيخ وتدعيم وبقاء دولة الاحتلال، وقد تناولها أديبنا الاستاذ ابراهيم جوهر بشكل موسع .
بعض الملاحظات التي لا بد منها وأختلف مع الكاتب عليها والاختلاف قطعا لا يفسد للودّ قضية. فقد ورد في الصفحة 32 أن الطيران العسكري يطير على ارتفاعات منخفضة، ويصطاد كل من يلبس الزيّ العسكريّ، وهذا ليس وصفا دقيقا لأن الكثير من المجاهدين والشهداء لم يلبسوا الزيّ العسكريّ، وكذلك أن الطيران لم يكن بهذه الرحمة، ولم يستثنِ أحدا، ولذا سقط الطفل والشيخ والرجل والمرأة. وسقطة أخرى كانت في قضية الجنود الذين وزعوا السردين والشوكلاته على الراعي والشاب – وربما أن هذه الحادثة كانت حقيقية – ولكنها تعطي
تعميما لا يستحقه جيش الاحتلال، بأنه جيش رحيم وحضاري، وبمجرد أن انتهت المعركة أصبح كالحمل الوديع، وأذكر ما ذكره لي والدي- رحمه الله- من ترويع للناس، وكيف ألقوه ورفاقه أرضا، وجمعوا الناس في باحات الحرم الشريف، وكيف أنهم سلبوه ساعة كانت في يده وإن شاء الله نعيدها يوما ككل شيء سلبوه، فهم لم يكونوا كراما، وإنما سلبوا الناس أمنهم وأشياءهم، ولكن لعلّي ألتمس العذر للكاتب الذي أراد توضيح فكرة ألحقها بهذه القصة وخلاصتها أّنّ هذا الجيش لديه الفائض من الطعام، فكان يوزعه حتى على أعدائه، بينما الجيش العربي يكاد لا يجد ما يسدّ به رمقه أفراده. ولكني أعتقد أن الحادثة لم تخدم الفكرة بقدر ما خدمت هؤلاء الجنود، وقطعا الكاتب معه كل الحقّ في ذكر هذه القضية ككل التفاصيل الضرورية الأخرى وكلها حقيقية، وقد حدثني والدي أيضا أن النوتردام الذي ورد ذكره
في الرواية قد استعاده الجيش العربي والثوار أكثر من مرة بالهجمات على
الإسرائليين، وأن ذلك كلفهم الكثير، ولكنهم كانوا يتركون هذا الموقع الحسّاس
عندما يجوعون، ولا يجدون من يدعمهم بالعتاد والغذاء.
هذه الرواية لكاتبنا جميل السلحوت ناجحة بامتياز فقد نجحت بِسرد الكثير من التفاصيل والأحداث على المستوى العربي والفلسطيني، وكذلك أنها تطرقت للعديد من أسباب النكبات والخيبات، وطرحت بعض الحلول كذلك .
 هذه الرواية ارتقت في مستوى الحوار النفسي وتحليل الذات.
ندوة اليوم السابع – القدس
15 \ 1  \ 2012
.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات