الشكوى لغير الله مذلة

ا

يتشدق القادة الاسرائيليون، والاعلام الاسرائيلي كثيراً بما يسمونه “طهارة السلاح الاسرائيلي” و “أخلاقيات” الجيش وأذرع الأمن الاسرائيلية وانضباطهم، غير أن الوقائع على أرض الواقع تثبت العكس تماماً، اللهم الا في واحده ، فالشهادة لله وللتاريخ ومن خلال معاناتنا التي وصلت الى ثلاثة وأربعين عاماً تحت الاحتلال، فإن الجيش الاسرائيلي جيش نظامي، وأذرعه الأمنية نظامية، وكلهم منضبطون، ينفذون أوامر قياداتهم، وما انفلاتهم الذي يجري في الأراضي المحتلة الا تنفيذ دقيق للأوامر الصادرة اليهم.

وانتفاء “الطهارة” عن السلاح الاسرائيلي تؤكدها حوادث كثيرة منها: دير ياسين، قبية، الطنطورة، الدوايمة ، كفر قاسم ، مدرسة بحر البقر ، قانا ، صبرا وشاتيلا ، مخيم جنين … الخ يضاف اليها آلاف المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين من أطفال ونساء وشيوخ الذي قتلوا بدم بارد بدون أي ذنب اقترفوه.

وما الممارسات التي يمارسها الجيش الاسرائيلي على الحواجز العسكرية المقامة في الضفة الغربية الا انتهاك خطير لحقوق الانسان،ولكافة الأعراف والقوانين الدولية، لما فيها من مسّ بكرامة وحرية الفلسطينيين الذين يعبرونها، أو الذين يتجنبون المرور بها في اختيارهم لأهون الشرور، فنساء فلسطينيات كثيرات جاءهن المخاض وأنجبن أطفالهن عند هذه الحواجز، ومرضى لاقوا حتفهم عندها لمنع الحواجز لهن ولهم من الوصول الى المستشفيات.

والقوانين الاسرائيلية التمييزية العنصرية التي لا تسمح للمقدسيين الفلسطينيين من حملة الهوية – الزرقاء – الاسرائيلية، وللاسرائيليين فلسطينيين ويهود من حمل فلسطيني في سياراتهم من الضفة الغربية المحتلة، يندى لها جبين القوانين والقانونيين في كافة أرجاء العام، فالقدس الشرقية المحتلة التي ضمتها اسرائيل من جانب واحد اليها بقرار من الكنيسيت في 28 حزيران 1967، قامت اسرائيل بتقسيم قراها الى أقسام وأجزاء، بعضها يدخل حدود البلدية حسب التقسيمات الادارية للمحتلين، وبعضها يقع خارج هذه الحدود، وجاء جدار التوسع الاحتلالي الاسرائيلي ليؤكد هذا التقسيم، وهذا أدى الى انقسام بعض العائلات وحتى الأسر الى قسمين، قسم داخل حدود البلدية وقسم خارجه، وبالتالي فإن التواصل بين القسمين أصبح ضرباً من الخيال، كما أن آلاف الفلسطينيين يعيشون داخل حدود البلدية، وهم لا يحملون الهوية الزرقاء التي تتيح لهم حرية التنقل، وذلك لأنهم هربوا من بيوتهم في حرب حزيران 1967 من ويلات الحرب، وعندما جرى احصاء السكان لم يتواجدوا في بيوتهم، فلم يحصلوا على الهوية الزرقاء، مع أنهم عادوا الى بيوتهم، والمأساة العنصرية تتمثل أن حملة الهوية الزرقاء لا يستطيعون حمل أي شخص لا يحمل هذه الهوية في سياراتهم، مهما كانت صلة القرابة معه، كأن يكون زوجا أو أحد الوالدين أو أحد الأبناء أو البنات، أو الاخوة والأخوات، أو الأعمام والأخوال أو الأجداد … الخ حتى ولو كان مريضاً يريد نقله الى المستشفى .

والأكثر مرارة، والأكثر اذلالاً ما يجري في بعض القرى المقسمة مثل قرية السواحرة التي تقع على بعد أقل من خمسة كيلو مترات من سور القدس القديمة، فهذه القرية جرى ضم منطقة جبل المكبر منها، والمعروفه باسم السواحرة الغربية الى البلدية باستثناء حيّ الشيخ سعد الذي أصبح بجبروت الاحتلال – قرية منفصلة – والجزء الشرقي من القرية يقع خارج حدود البلدية أيضاً، ومقبرة البلدة موجودة في جبل المكبر، وجميع مصالح المواطنين مرتبطة بالقدس.

وفي لفتة “انسانية”؟ من المحتلين، فقد وضعوا معبراً على مدخل حيّ الشيخ سعد، ومعبراً آخر على مدخل السواحرة الشرقية، وهذان المعبران اللذان يشبهان المعابر الحدودية بين الدول المتحاربة، والمجهزة بممرات ضيقة بين الأسلاك الشائكة، وبوابات كهربائية لا يسمح بعبورها الا لحملة الهويات الزرقاء من سكان جبل المكبرفقط، وبشروط لمن يحمل تصريحاً من أبناء حيّ الشيخ سعد والجزء الشرقي من القرية، وفي حالة وفاة شخص من هذين الجزئين فإن دفنه في مقبرة البلدة – داخل حدود البلدية – يحتاج الى تصريح، ويسمح بدخول ما لا يزيد عن خمسين شخصاً – ضمن شروط معينة – مثل تحديد أعمارهم بما لا يقل عن أربعين أو خمسة وأربعين أو خمسين عاماً ، حسب مزاج الضابط المسؤول .

ومن المضحك المبكي على سبيل المثال أن من يعبر معبر الشيخ سعد من سكان جبل المكبر لحضور جنازة أو للتعزية بقريب متوفى، لا يسمح له بالعودة عبر المعبر اذا كان عنوانه مكتوباً في بطاقة الهوية – السواحرة – وليس جبل المكبر، علماً أن القرية اسمها السواحرة، وجبل المكبر أحد جبالها فقط ، وهو الأكثر شهرة من القرية لارتباطه باسم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه- الذي وقف على قمته عندما جاء القدس فاتحاً، وهلّلّ وكبر وخرّ ساجداً لله، عندما اكتحلت عيناه برؤية القدس، فأطلق أصحابه على الجبل جبل المكبر، ففي 25 آب 2008 على سبيل المثال توفيت المرحومة الحاجة صبحة ابراهيم شقير، وهي من سكان حيّ الشيخ سعد، وعندما ذهب أقاربها من سكان جبل المكبر للمشاركة في جنازتها وعزائها ،لم يُسمح لمن كان عنوانه مسجلاً في بطاقة الهوية – السواحرة – وعندما جرى نقاش مع الضابط المسؤول قال له أحدهم : ان السواحرة هي جبل المكبر وبإمكانك أن تسأل قيادتك أو البلدية عن ذلك، ردّ عليه الضابط : أنا القانون ولن أسأل أحداً، ولن أسمح لك بالعودة اذا ما دخلت ، وهكذا ..

كما أن دوريات حرس الحدود تتعمد ايقاف الباصات العامة،وتفتيش بطاقات الهوية،ومن لا يحمل الهوية الزرقاء خصوصاً النساء، فإنه يتعرض الى مساءلات واهانات، واحتجازه في مناطق منعزلة ومشبوهة، ومن ثم ابعاده الى خارج حدود البلدية، حتى ولو كان امرأة متزوجة، ووالدة لأطفال يقيمون في جبل المكبر، ويحملون الهوية الزرقاء …. وهكذا

فإلى متى ستستمر هذه المعاناة ؟والى متى سيبقى الرأي العام العربي والعالمي ساكتاً عليها؟

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات