نسب أديب حسين: جنان تزهر في الجحيم

ن

 

 

 

 

 


ها نحن بصدد الجزء الثاني من رواية ظلام النهار للكاتب جميل السلحوت والتي يأتي عنوانها بطباق آخر ليكون (جنة الجحيم). يقع هذا الجزء في 176 صفحة وهو الاصدار الثالث لدار الجندي للنشر.
تدور معظم أحداث هذه الرواية في منطقة جبل المكبر جنوب شرقي القدس كاستمرارية للجزء الأول، لكن معظم الشخصيات هي شخصيات حديثة، مع ظهور قليل لشخصيات الجزء الأول مثل خليل الأكتع، الحاج عبد الرؤوف، أبو كامل. لم تأخذ هذه الشخصيات دورًا مركزيًا في الأحداث مثلما سبق، سوى خليل الذي ظهر بوضوح ونحن على مشرفة من نهاية الرواية صفحة 159، لنلمس تطورًا في شخصيته، وعلى ما يبدو أن الضوء سيعود ليُسلط عليه في الجزء الثالث.
تدور معظم أحداث هذه الرواية حول الانتخابات للبرلمان الأردني، وفترة الاستعداد لها، وتستمر حتى صفحة 120. يطرح الكاتب هذا الموضوع بإسهاب مع تحديد أسماء المرشحين، خطاباتهم، خططهم ووعودهم ومن ثم نتائج الانتخابات. يحيى القارئ يوميات الشخصيات الشعبية البسيطة التي بالكاد تفقه خطط الأحزاب، وتعد كل شخصية العديد من الأحزاب بالتصويت لمرشحيها، ويبقى تأثير العواطف ملحوظًا لدى هذه الفئة، ونرى قوة تأثير المرشح غازي كمال على الفلاحين ومحاولة استدراجه للعواطف من خلال القاء كوفيته أثناء الخطاب، والتركيز على أنه صوت الفلاحين وأنه يرشح نفسه لأجلهم فقط ص 20، فيما يبذل الغالي والرخيص في سبيل الوصول الى البرلمان. لاحظت أن ذاكرة الكاتب تكتظ بالكثير من القصص عن أبناء قريته والتي يسعى الى تأريخها، فأوردها على لسان الشخصيات مثل قصة محمد عم أبو سالم، قصة أبوهاشم الزعفران صفحة 88 ، قصة الشيخ حمروش صفحة 114، وغيرها. في أحيان ٍ كثيرة كان الكاتب موفقًا في طرح القصص، لكن في أحيان أخرى أثقلت القصص على النص.
شخصية الكاتب وروحه تطغي على روايته، تظهر روحه الفكاهية في كثير من المواقف، ونراه في مواقف أخرى حانقًا غاضبًا لحال مجتمعه، وحينًا آخر هادئا مترو يا يحمل أملا بالتغيير، من يعرف الشيخ جميل سيشعر بوجوده، سيراه جالسًا قبالته ينفث دخان سيجارته، ويفرغ ما تحمل ذاكرته من هموم وطرافة عن بيئته.

من طرواحات الرواية
دور الشاب المتعلم، وعلاقة الأباء بالأبناء:
نرى في الرواية مساعي الشبان المتعلمين في القرية لتحسين ظروف المعيشة هناك، فيعودون في كل فترة من أماكن دراستهم سواء كانت في بيروت أو في مناطق أخرى بأفكارٍ لمشاريع جديدة، ونلاحظ مساندة الأهل لأبنائهم ولمشاريعهم وتعهدهم لأقاربهم بالدفع والتعويض في حالة فشل المشروع. رأينا هذا بمشروع الدكان الذي جاء به كايد، مشروع الشحن الذي اقترحه حسن أبو السمن، مشروع زراعة أرض أهالي البلدة بالأشجار المثمرة الذي أتى به داود. هذه المشاريع التي يوردها الكاتب ترينا التطور التدريجي للقرية والعائد الذي تعود به دراسة الأبناء وتعليمهم على القرية من منفعة، نلمس هنا احترام الوالد لأفكار ابنه المتعلم ودعمه.
بينما تختلف العلاقة عند شخصيات أخرى حين يفرض الأب أو الأخ رأيه على إبنه أو أخيه ويقرر مصيره، مثل أبو محمد وأبو سعيد اللذان قررا مصيري يوسف ونايف صفحة 132 دون استشارتهما بإرسالهما الى الارجنتين للعمل، كي يعودا محملين بالأموال الطائلة، دون اهتمام بمشاعرهما أو مشاعر زوجاتهما، كما يفرض أبو سالم الزواج على سالم من ابنة عمه وهو بعد في صف التاسع، هذا الزواج الذي يصبح عالة على الشاب عند تخرجه من دار المعلمين ويدفعه لمعاملتها كخادمة رغم حبها واخلاصها له، علمًا أن هذا الزواج فُرض عليها هي أيضًا ولم يكن سالم فتى أحلامها. ويرد في صفحة 173 على لسان سالم ( لماذا زوجني وأنا طفل يا ربي؟.. لم يكن لي خيار في الزواج.. ولم أكن أعي لماذا يتزوج البشر؟ لكن كثيرين من زملائي في دار المعلمين ـ وهم من جيلي ـ تزوجوا في نفس الفترة.. تزوجوا بناء على رغبة آبائهم.. ما هذه الحياة؟ وما هي حدود سلطة الآباء على الأبناء؟ حتى لو صممت على الزواج الآن فلن أستطيع الخروج عن سلطة أبي.).
التملق
تظهر هذه الميزة بوضوح الرواية وتطغي على شخصية أبي سالم الاستغلالي الذي يحاول أن يكسب من الجميع، يقبض من ممثلي الأحزاب ومن غازي كمال ولا يدخر أية فرصة للاستيلاء على المزيد من الأموال. ويصف غازي كمال أبا سالم ص 102 قائلا:” زلمة رخيص أكثر مما كنت أتصور.. وطماع وقليل حساب.. والمصيبة انه شايف حاله فهمان.. ومش شايف غيره.. سقى الله اليوم والانتخابات خالصة ع شان أخلص منه وأبطل أشوف خلقته المنحوسة”.
كما أن أبا سالم لا يصلي الا رياء أمام الناس كما ورد ص 122.
التملق مستشر في مجتمعنا فها هم أفراد عائلة أبي سالم يكرهونه ويشتمونه في غيابه لكنهم لا يخالفون له رأيًا.
المرأة :
لا تزال المرأة مضطهدة في هذا الجزء مثلما كانت في الجزء السابق، يتم تزويجها دون استشارتها، هذا الزواج الذي يكون غير متكافئ فتعاني من ظلم الزوج في معاملته لها كخادمة مثلما هو حال أميرة مع زوجها سالم ابن عمها.
يظهر تلاحم النساء في سبيل مساعدة بعضهن بعضًا، فها هن يأتين لمساعدة أم سالم يخبزن ويعجن، ويصفهن الكاتب ص 76 (يتصببن عرقًا، يتدثرن بصمتهن، لا يتذمرن ولا يشتكين ).
ويقول عنهن أبو سالم النسوان فاضيات اشغال ، لا شغلة ولا عملة ولا هم دنيا ولا عذاب آخرة بس شاطرات في الأكل والشرب). فيما يظهر موقف مغاير لخضر الذي عمل في المدينة ليرد على أبو سالم ويصف نساءهم بالمظلومات.
عنوان الرواية
يظهر مقصد الكاتب من العنوان في صفحة 157 إذ يقول (غادر الاساتذة أرض الوطن لاستكمال دراستهم العليا، غادروا الجحيم بحثًا عن جنة العلم).
يرى الكاتب أن “العلم جنة” هذه المقولة ترد على ألسنة شخصيات الرواية مرات عدة، فهذه هي الشعلة والأمل لإحالة جحيم الوطن الذي يخيم عليه الجهل والتخلف الى جنة.

أخيرًا إن الرواية ممتعة شيقة الأحداث، لغتها سلسة استخدمت فيها اللهجة العامية استخدامًا صحيحًا. وإن هذه السلسلة التي يكتبها الكاتب جميل السلحوت سلسلة قيّمة في طرحها وأحداثها.

 

 

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات