“ظلام النهار”للكاتب جميل السلحوت رواية حقيقية صادقة.. جاءت متأخرة

&

محمد زحايكةاحتار دليلي في كيفية الحكم على رواية ظلام النهار للكاتب جميل السلحوت.. فمن جهة راقت لي الرواية واستمتعت بها أيّما استمتاع ومن جهة اخرى.. وجدتها دون التجربة والخلفية الثقافية المكتنزة والغنية لصاحبها جميل السلحوت الذي يعتبر من كبار المثقفين الفلسطينيين بحق، فهل قدّم الكاتب السلحوت لنا “ساندويشة” سريعة بعد سنوات من الانتظار.. وأذكر أنني علمت بأن السلحوت بصدد كتابة هذه الروابة أو يعكف عليها منذ خمس عشرة سنة أو عشرين سنة مضت، اذا لم تخني ذاكرتي.. وأزعم أن مثل هذه الرواية تنفع في أن تكون باكورة أعمال لكاتب كبير بحجم ومكانة جميل السلحوت ، أيّ كان يجب ان تصدر قبل نحو 30 عاما على الأقل.. أمّا من هو بقامة الشيخ جميل وما لديه من حصيلة ثقافية، وتجربة غنية على الصعيدين العام والخاص، وهو المناضل القديم الذي كان من أوائل من زج بهم الاحتلال الاسرائيلي في سجونه ومعتقلاته.. فليعذرني الشيخ جميل اذا همست في أذنه أن ظلام النهار مع شديد الاحترام لها لا ترقى الى مستواه الفكري وابداعه الكتابي الا اذا اعتبرنا وسلمنا ان الكاتب السلحوت ليست له سباحة كافية بعد في كتابة الرواية، وأن الرواية هي بنت المدينة وليست نتاج القرية أو الريف.. ولأنه اذا نجح كباحث أو في فن المقالة الصحفية أو النصوص الأدبية الأخرى.. فان هذا لا يعني أنه متمكن من فن الرواية على الوجه الصحيح بعد، على الأقل.
لا شك أن الرواية قد نجحت في رصد وتسجيل مرحلة من مراحل أهلنا في السواحرة.. أولئك أحفاد بني عقبة ، المعروفون بالمروءة وا
إغاثة الملهوف رغم ما قد يعتور بعضهم من العادات السلبية والمتخلفة، فهم جزء من أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان وزمان وليسوا نبتا شيطانيا خالصا أو ملائكيا خالصا.. كما أن اختيار بطل الرواية الذي ذهب في مرحلة ما الى لندن، مربط خيلنا ، كان موفقا ومبررا في رأيي، وذلك لتركيب ذراع اصطناعية له .. وكي تسجل الرواية أن أبناء عرب السواحرة وجبل المكبر خاصة، كان لبعضهم قصب السبق في التجوال في انحاء الدنيا “السبع” في وقت مبكر من القرن الماضي، وليس صحيحا تماما انهم فقط كانوا رعاة أغنام وجمال وخطار ملح، أو صبابين قهوة أو حتى ميليشيات مقاتلة في صفوف الثورة بقيادة البيك عبد القادر، أو قطاع طرق فحسب، في ذلك الزمن .. بل إن للبعض منهم بصمات واضحة في العديد من مجالات الحياة المعاصرة، رغم كونهم كانوا يعيشون حتى وقت قريب في مضارب البدو الرحل ..
وأزعم ان الكاتب نجح في اقناعنا بشخصية بطله الذي حركه بحذق وعلى مساحة واسعة من صفحات الرواية .. وأنه بطل من لحم ودم وليس “سوبرمانا” يهبط بالبراشوت من السماء.. وتعاطفنا مع هذا البطل الشعبي اذا جاز التعبير رغم انه لم يدع البطولة، ولم يمتلك صفات أو مقومات البطل أصلا.. ولكنه امتلك نوعا من ارادة التغيير أو محاولة التغيير على الأقل. وقد شدتني الرواية في العديد من المواقف وانتزعت مني الضحكات أو الابتسامات، وشر البلية ما يضحك، أو أنها حملتني على التأثر في مواقف أخرى وجعلت الدموع تترقرق في عيني. وهذا دليل على صدق أحداث الرواية وأسلوب الكاتب الذي يحرك مشاعر القارئ ويدغدغ عواطفه ويأخذ بمجامع قلبه.
صحيح أن الرواية وأحداثها بدت أكثر اقترابا من الرواية التقليدية التقريرية التسجيلية .. الا أنها تناسب المرحلة التي وقعت فيها أحداثها وهي حوالي منتصف القرن المنصرم. أو انها لم تتعمق أو تتوغل في رصد اللغة الداخلية لبعض شخوصها أو ما يعرف بالمونولوج الداخلي، والحالة النفسية الداخلية لبعض الشخوص المهمة، كما انها كانت ضنينة في وصف الطبيعة والبيئة المكانية المحيطة من تلال وجبال وسهول وكهوف وآثار شاخصة الى غير ذلك، وكنت أود أن أرى في الرواية، عصارة جهد وابداع الكاتب السلحوت، الا أنني لم ألمس ذلك في هذه الرواية ..وهذا يضع مزيدا من المسؤولية على كتفي الشيخ جميل في أن يتحفنا في الأعمال الروائية القادمة، برواية من العيار الثقيل حقا .. تجسّد كل معاني التمرد والنضال ضد التخلف والجهل والأمية واجتراح المعجزات في مقارعة واقع الاحتلال المرّ للتخلص من ربقته البغيضة، والنهوض الكبير نحو بناء مستقبل وحياة تليق فعلا بشعب الجبارين الذي قارع الغزاة الوافدين الى هذه الديار على مر العصور والازمان.
ان ظلام النهار.. بما لها وعليها. صرخة “بتول” رهيبة في وهدة الليل الحالك. وصيحة نارية تملأ الجبال والوديان. بأن المستقبل دائما هو للانسان الحق المتطلع الى نور الحرية والمساواة والاخاء والتعاون لاعمار هذه الارض “المعمورة” بكل صور المحبة والازدهار والتقدم العلمي و الحضاري الانساني .. وانه في البدء كانت الكلمة وكان الانسان ، اقرأوا ظلام النهار، لعل الروح القدس يحل عليكم ويملأكم ثقة وايمانا بحتمية التغيير والانتصار مهما ادلهم ظلام الليل والنهار. 

 

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات