سامي الجندي: صراع الاجيال في رواية عشّ الدبابير

س

عشّ الدبابير للأديب جميل السلحوت رواية للفتية لكنها تصلح لكل الاعمار ، هي رواية اجتماعية ووطنية وتاريخية، وفيها ايضا روعة الاتصال بين الأجيال المختلفة ، الأحفاد والآباء والأجداد، وفي الرواية يكمن الحس المرهف للكاتب في استجلاء وتبيان الشر والخير ، الخزعبلات والحقيقة ، القوة والعدالة .

لقد نجح الكاتب في تغذية الرواية بقصص شعبية تخدم الفكرة مثل قصة الكهف المسكون ، والثعلب وقانون الجور وقصة الوزير والضريبة .

الجيل الجديد تمثله رباب وفراس وهما من ابطال الرواية، فيهما انطلاقة الشباب وروح البحث والعلم والتحدي .. بينما جيل الآباء ممثل بصفية ومازن، وهما يمثلان حلقة الوصل بين الجدة عائشة التي تعتبر بطلة رئيسية من ابطال الرواية وبين احفاده رباب وفارس .

مازن وصفية همّهما تربية الأبناء التربية الصالحة ، وتوفير الأجواء الصحية لصقل شخصيتهم بالعلم والمعرفة ، مع احترام العادات والتقاليد بما يتلاءم مع روح الحقيقة والعدل والأمان .هما يعلمان حقا بأن فراس واصدقاءه هم من اشعلوا النار امام الكهف، حيث وليمة العصافير وليس العفاريت والجن ، لكن يجب احترام الجدة والرجال الكبار حتى وإن فهموا الأمر بصورة مغلوطة .

شخصيات الرواية جميعها من منطقة شرق القدس ” السواحرة والمكبر ” والكاتب نجح في رسم صورة لباب العامود ايضا في سنوات السبعينات والستينات ، حيث كانت بائعة الفستق السوداني تتربع تحت قنطرة الباب ورائحة تحميص الفستق تفوح فتجتذب الزبائن .

في الرواية برز الشر بوضوح ممثلا بالاحتلال الصهيوني وممارساته وآثاره الاجرامية ،كالحواجز والجدار ومصادرة الاراضي والضرائب والتعدي بسبب وبلا سبب على كل ما هو فلسطيني، بلا تفريق بين كهل كبائع البرقوق أو صبي صغير كفراس .

الرواية تصلح للمكتبة العربية عامة لتعريف الانسان العربي على عادات وتقاليد وحياة أبناء جلدته الفلسطينيين قبل الاحتلال الصهيوني وخلاله ،وهذه كلها تشكل قاسما مشتركا مع معظم العرب ، وتصلح ايضا للمكتبة الفلسطينية خاصة كون الانسان الفلسطيني سيجد فيها حين قراءتها أشياء يعلمها، وأخرى تفسير لأشياء قد يتساءل عنها أو سمع بها .

العدالة والقوة .. العدالة تأخذ الوجه الخاطئ حين تمارس من قبل الاحتلال الذي نراه ينتهك العدل بكل قذارة وصلف .

بينما العدالة تأخذ شكل التسامح العربي الأصيل حين تكون القوة بين انسان صالح مثل الشيخ ابو سمير حين سامح سائق الفورد ، لقد كان مثالا نموذجيا ، والتسامح كان مئة بالمئة وليس مجزءا ولم يترك للاحتلال وقانونه أيّ مجال لمحاكمة السائق .

اعتقد بان الكاتب نجح بصياغة افكاره دون رمزية مغرقة حول كيفية العلاقات ، أو حسب تفكيره حول كيف يجب أن تكون العلاقات بين ابناء الشعب الواحد . فالمثال الجيد كان على لسان الجدة عائشة حين روت كيف كان أهل شفا عمرو والجليل يعاملونهم بلطف وكرم وقت أن حطت بهم الرحال بجوار شفاعمرو ، والكاتب كرر جملة ” ان الظلم لن يدوم عدة مرات، وهذا تأكيد ايجابي ، بل وقد دعم هذه الحكمة بحديث نبوي شريف ” حول الجراد وبيت المقدس ” .

عودة قصيرة الى صراع الأجيال:

الجيل الجديد مع انه باحث وسريع التفكير والقرار والسؤال الى أنه عنيد في بعض الأحيان ، كرباب حين رفضت دموع المعلمة واعتذارها .

الجيل الجديد يخضع افكاره للتجربة كرباب وأجوبة امتحان الرياضيات، وفراس مع الجاذبية . الجيل الجديد شجاع الى درجة التهور كما بدا في تجربة عش الدبابير .

الجيل القديم كالجدة عائشة لا يناقش حديث الكبار ويأخذه كأمور مسلم بها مثل حكاية وادي الدكاكين والعفاريت ، لكن لا يخلو من الحكمة مثل رأي الحاجة عائشة حول عش الدبابير ، لو لم تهاجم من قبل الفتيان لما دافعت عن فراخها وعشها فلسعتهم .

الجيل الوسط كالأب والأم فهم جيل ضائع بين القديم والجديد، ويحاول التوفيق بين العلم والفكر من جهة، وبين العادات والتقاليد من جهة أخرى ،ويحاول اعطاء الابناء فرصا اكبر للخروج من دائرة الخزعبلات والمسلمات غير الصحيحة الى دائرة العقل والتحدي.

يبقى أن نقول أن الرواية جميلة وهادفة،ولا يُؤخذ عليها سوى اخراجها وغلافها غير الموفقين

 

 

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات