اعترافات عاهر سياسي

ا

 

 

 

على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس شاهدنا مسرحيدية ”اعترافات عاهر سياسي” تأليف وتمثيل عفيف شليوط، اخراج ماهر فراج وانتاج مسرح الأفق في “شفاعمرو”.

المضمـــــون:

تطرح المسرحيدية ومضات لاذعة وساخرة لجوا نب من المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون الذين عضوا بالنواجذ على تراب وطنهم، وبقوا فيه في نكبة العام 1948 أي عند قيام الدولة العبرية، رغم ما يتعرضون له من استلاب لقوميتهم، إضافة إلى سلب أراضيهم وأملاكهم، كما تعرج على الازدواجية التي يتخبطون فيها، والتي تتأرجح بين انتمائهم لشعبهم الفلسطيني وأمتهم العربية وبين جنسيتهم الاسرائيلية.

وتتعرض المسرحيدية باسلوب كوميدي يجعل المشاهد ” يضحك من شرّ البلاوي ” التي يشاهدها .
وبطل المسرحيدية شخص وصولي انتهازي لا تهمه إلا مصالحه، فهو نفسه ضحية للواقع المفروض عليه، ولذا فإنه يستغل ذكاءه للعب على أكثر من حبل حتى يحقق أهدافه الشخصية، وذلك من خلال استغلال التناقضات التي يعيشها أبناء جلدته، فهو مثلا يتطرق إلى مرحلة دراسته في المدرسة حيث كان يفرض عليه دراسة اللغة العبرية من خلال تعليمه نصوصا دينية يهودية من “التناخ”، وفي حصة التاريخ كان يدرس ” تاريخ الهجرات اليهودية إلى أرض اسرائيل”.

أما التاريخ العربي خصوصا المعاصر منه وتحديدا ما يتعلق بحركات ا لتحرر فلا ذكر لها، وحتى اللغة العربية فإنهم يدرسون فيها الأدب العربي القديم، أما الأداب العربية الحديثة فلا وجود له، لذا فإنه يكرر أكثر من مرة بيت الشعر من معلقة امرىء القيس الذي يقول:
مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل

وفي المرحلة الجامعية وأثناء دراسته في جامعة حيفا يعرج على الصدامات التي كانت تحصل بين الطلبة العرب واليهود، حيث يهتف الطلبة اليهود: ” الموت للعرب ” وهذه اخلاقيات القوي التي لا تعرف العيب، في حين يهتف الطلبة العرب ” للمحبة بين اليهود والعرب ” وهذه أخلاقيات ا لضعيف المهزوم الذي لا يملك إلا أن ” يقبل اليد ا لتي لا يستطيع أن يعضها ، أما بطلنا فإنه غير معني لا بهؤلاء ولا باولئك.

وعندما عاد إلى قريته استغل الأوضاع العائلية والعشائرية فأخذ يجند الناس للتظاهر ضد رئيس المجلس المحلي، مما أجبر الأخير على مهادنته، وسلمه إدارة قسم المعارف والثقافة، فاستغل المنصب لتحقيق أهدافه، لكن طموحه لم يتوقف عند هذا الحدّ، فعاود استغلال المواطنين، وتزوج ” وسيلة ” بنت احدى العائلات الكبيرة، مما جعله ينجح في الوصول إلى رئاسة المجلس المحلي، ثم واصل لعبته إلى أن وصل إلى عضو في البرلمان “الكنيست”، وا نتقد تصرفات بعض أعضاء الكنيست العرب في موالاتهم لاسرائيل، ومزاوداتهم القومية، كما انتقد مواقف بعض الدول العربية التي تستقبل وزراء ومسؤولين اسرائيليين كبارا، في حين ترفض السماح بدخول الفلسطينيين إ ليها بحجة “عدم التطبيع” مع اسرائيل.

وفي النهاية يتعب ا لبطل من المراوغات فيقرر العودة إلى حبيبته الأولى ” صفاء ” التي رفضته دائما، وصفاء تمثل هنا ا لنقاء.

الــــديكــــــور:

كان الديكور في غاية البساطة، حيث ارتكز على ” ارجوحة ” يستعملها الممثل وقت الحاجة للدلالة على الضياع وعدم الاستقرار، كما استعمل ثماني أعمدة حديدية لاستعمالات متعددة، فمرة كانت ترمز إلى المدرسين، وأخرى إلى ا لجماهير، أو إلى شخصيات متعددة مثل رئيس المجلس المحلي، أو الحبيبة، وكانت تربطها قطع من القماش الأبيض الشفاف موحية بالزجاج الذي كان يختبىء الممثل خلفه، وقد استغل المخرج ماهر فراج هذه الأدوات بطريقة جميلة.

الأداء الفنـــــي:

عفيف شليوط كاتب النص، فنان متميز، ومخرج متميز، ودراسته للاخراج وا لتمثيل أفادته كثيرا في الوقوف على خشبة المسرح، وفي تجسيد عدة شخصيات بطريقة احترافيه لافتة للأنتباه، ومع ان مسرح “المونودراما” تصاحبه صعوبات كبيرة وكثيرة، إلا أن حضور الممثل وتمكنه من استيعاب ا لنص الذي هو كاتبه كان سببا كافيا لتقديم عمل مميز، فقد شاهدناه ممثلا رائعا، وحكواتيا وراويا أكثر روعة.

المؤثرات الصوتيـة والموسيقى:

كانت مناسبة وجميلة، وقد نجح المخرج والممثل في وضع مقطع من قصيدة “القدس عروس عروبتكم” للشاعر العراقي مظفر النواب عندما تحدث عن مواقف بعض الدول العربية من الفلسطينيين داخل الدولة العبرية، وربطها بما يسمى ” التطبيع “.

وفي النهاية تبقى المسرحيدية إضاءة لجوانب من معاناة الفلسطينيين داخل الدولة العبرية، جاءت بطريقة ساخرة بعيدة عن الشعارات والخطابية، وتتمثل روعتها في ان بطلها سلبي ا نتهازي لا هدف له إلا تحقيق مصالحه الشخصية، فهل تهدف المسرحيدية إلى تعرية هذا الصنف؟؟
ربما…… فكل الاحتمالات قائمة.

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات