أن تموت ووطنك محتل

أ
صالح محمد ابراهيم السلحوت-61-مواطن فلسطيني عادي من جبل المكبر-القدس الشريف،كادح بسيط كل همّه ان يعيش حياة آمنة هادئة كبقية خلق الله،لم يحلم ببناء قصر أو اقتناء الأطيان وأفخر السيارات،متزوج وأب لابن ذكر واحد-رائد-وثلاث بنات،كان يحلم بأن يفرح بزفاف ابنه الوحيد،ويعتبر ذلك قمة سعادته التي لا يفوقها سوى رؤية أحفاده،غير أن الاحتلال لم يتركه وشأنه،حيث اختطف المحتلون وحيده في 28-11-2002،وغيبوه خلف القضبان بحكم جائر وصل الى اربعة عشر عاما،قضى معظمها ولا يزال في سجن نفحة الصحراوي على حدود صحراء سيناء المصرية.
كان رائد على وشك الزواج الذي مهد له ببناء شقة صغيرة فوق شقة والديه،بناها بيديه حجرا حجرا ومدماكا مدماكا،عمّرها وجهزها قدر امكانياته المحدودة،واستدان من بعض الأقارب والأصدقاء،لكن فرحته لم تكتمل،فقد دفع ضريبة الوطن،هذا الوطن الذي حمل همومه طفلا وشابا يافعا،لم يسكن شقته الجديدة،ولم ينم فيها ليلة واحدة،ولم تكتمل فرحته بالخطبة والزواج،تماما مثلما لم تكتمل فرحة والديه وشقيقاته وأقاربه ومحبيه بأن يروه عريسا وأبا كبقية ابناء جيله.
والداه صالح وأمينة وشقيقاته يجلسون امام بيتهم الفقير ينظرون الى شقة رائد بحسرة،لا يدخلونها وقد غيّبت السجون صاحبها،لم يستعملوا الشقة ولم يؤجروها،فكيف يتأتى لهم ذلك وصاحبها خلف القضبان؟
-صالح لم يتمكن من رؤية فلذة كبده الوحيد منذ وقوعه في الأسر قبل ثماني سنوات،فقد حال وضعه الصحيّ دون ذلك،لكن شوقه لرؤية رائد زاده وهنا على وهن ومرضا على مرض.
-رائد يتقلب في سجنه قلقا على والده،يكتم اشواقه أمام والدته وشقيقاته اللواتي يزرنه في سجنه،يستحلب الصمود والقوة من السماء ويحاول التخفيف عليهن،فهو رجل البيت حاضرا وغائبا،يدرك تماما ان الأحزان والضعف لن تحل المشكلة، يُطير أشواقه وتحياته وأمنياته لوالده ويكظم غيظه وشوقه كي لا يحبط معنويات والدته وشقيقاته الصابرات،يعدن من الزيارة فتسألهن:كيف حال رائد؟فيجبن بابتسامة مصطنعة:الحمد لله انه بخير ومعنوياته عالية،انتسب الى جامعة بار ايلان ويدرس العلوم السياسية.
-رائد وابن عمّه محمد سليمان الذي اعتقل معه في نفس الساعة فقدا اكثر من عزيز وهما في السجن،لقد فقدا عمهما المرحوم موسى،وجدتهما المرحومة عيشة،وابناء العم المرحومين الحاج سمارة والحاج اسماعيل،وعددا من الاصدقاء والنسايب والأحبة،بعثا من السجن رسائل تعزية بكل راحل.
-وتزداد الاوضاع الصحية لصالح سوءا منذ بداية العام 2010،فشل كلوي والتهاب رؤي،وفيروس لعين في الدم،وكلما ازدادت آلامه ازداد شوقا لابنه الوحيد،يستسلم للمرض ويرضى بقدره ويحمد الله على قضائه وقدره،ويسلم الروح لباريها مساء الاحد28-3-2010 حاملا اشواقه وأمنيته برؤية ابنه الوحيد،دون ان تتحقق تلك الأمنية،فترك لوعة أبكت بواكيا،رحل ابو رائد وهو من القلائل الذين لم يؤذوا أحدا، ولم يغتابوا أحدا،رحل بصمت كما عاش بصمت،فله الرحمة ونسأل الله ان تكون معاناته وصبره في ميزان حسناته،وأن يسكنه فسيح جناته،ولا حول ولا قوة الا بالله،ونسأل الله أن يفك أسر رائد ومحمد وكافة الأسرى.
30-3-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات