قمر عبد الرحمن وقصيدة الهايكو

ق

عن نادي”الهايكو العربي” صدرت مجموعة “صلاة الدّموع”للكاتبة الفلسطينيّة الشّابّة قمر عبد الرحمن، وقد شرّفتني بإرسالها إلكترونيّا لي.
عندما طالعت “قصائد الهايكو” هذه تذكّرت ما سبق وقاله الرّاحل العظيم محمود درويش،”دعوا الكتّاب الشّباب يكتبون ويجرّبون فقد يأتوننا بجديد لا نعرفه.”
ومع تأكيدي على أنّ قصائد الهايكو يابانيّة المنشأ جديدة علينا نحن العرب، فأنا شخصيّا لم أسمع “بالهايكو” إلا قبل بضع سنوات لا تتجاوز عدد أصابع اليدين. ولم أطلّع إلا على شذرات منها، لكنّ هذا لا يعني تجاهلها، تماما مثلما لا يعني أنّها قد تكون بديلا للشّعر العربيّ بتفعيلاته وبحوره المعروفة. لكنّها تعني حتما أنّ شبابنا يبحثون عن جديد يتناسب وعصر السّرعة الذي اجتاح العالم بفعل التّطوّر العلمي والتّكنولوجيّ والإلكتروني. فهل يأتي انجذاب بعضهم لقصيدة “الهايكو” استجابة عفويّة لدعوة محمود درويش السّابقة التي لم يسمعوها ولا قرأوها ولا انتبهوا لها؟ أو هل يشكّل هذا نبوءة مسبقة لملك الشّعر؟
ما علينا، سنعود لقمر عبد الرّحمن و”لقصائدها” التي قرأتها مرّتين، الأولى للإطّلاع والثّانية للمتعة والإستفادة. وقد توقّفت عند العنوان “صلاة الدّموع” متملّيا، فالصّلاة تعني الدّعاء، والدّموع لها أسباب ومعانٍ متعدّدة، ومنها دموع الحزن” و”دموع الفرح” و”دموع اليأس” و”ودموع النّدم” ودموع الإستجداء”…إلخ. وهذا يعني أنّنا أمام فلسفة لها جذورها في ثقافتنا الدّينيّة، ففي معتقداتنا أنّ الصّلاة والدّعاء بخشوع مصحوب بالبكاء سيستجاب. لكنّ تساؤلاتي لم تدم طويلا عندما دخلت إلى فاتحة “الدّيوان” التي يحمل عنوان الكتاب اسمها، ” أنا أجيد الصّلاة بدمعي
ماذا عنك؟
أتجيد ترتيل عينيّ”؟
وبهذه الكلمات التّسعة، اختصرت الكاتبة رواية الحبّ الطويلة، بتكثيف لغويّ لافت، فإذا كان أحد أطراف الحبّ يعبّر عن لواعجه بالدّموع، فإنّه يتساءل عن شريكه الآخر إذا ما كان يجيد قراءة وفهم هذه الدّموع بخشوع وإيمان؟ وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنّ حبيب الكاتبة أو حبيبة الكاتب بشكل عامّ ليس شرطا أن يكون من لحم ودم، لكنّه تعبير مجازيّ عن مكامن النّفس البشريّة.
وتواصلت قصائد “الدّيوان” بلغة رشيقة، مكثّفة، لا تخلو من الموسيقى، وجزء منها يمكن اعتباره أقصوصة أو ومضة، لكنّها في المحصّلة تبقى أدبا، طرقت الكاتبة في مضامينه أكثر من باب دون تكرار.
ولننتقل إلى نصّ أخر يختصر مأساة مرّ بها شعبنا ولا يزال وهي:
“مخيّم اللاجئين
لأجل الحبّ والوطن
تزوّجنا بالمقبرة”
فاحتلال الوطن وتشريد الشّعب وقتله سبب للمقاومة، التي ضحّى من أجلها كثيرون، تاركين الأحبّة؛ ليتزوّجوا في الدّار الآخرة.
يا إلهي كم موجع هذا النّصّ!
لن أتطرّق لكلّ النّصوص لأنّ كلّ نصّ منها رواية بحدّ ذاته، وهذا طبعا لا يغني عن قراءة هذه النّصوص والتّمتّع بجماليّاتها.
يؤخذ على الدّيوان أن صفحاته غير مرقّمة.
فتحيّة لقمر عبدالرّحمن التي لا أعرفها ولا تعرفني.
12-7-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات