والتين والزيتون

و

 قال تعالى :” والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ” صدق الله العظيم،لقد أجمع المفسرون على أن المقصود بالتين والزيتون هو بيت المقدس وأكنافها، لأنها البلد الذي ينمو فيه التين والزيتون، ومنها عرج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه الى السماوات العليا، ومهد رسالة المسيح عليه السلام” وطور سنين ” هو جبل في سيناء كلّم الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام من على ذلك الجبل، والبلد الأمين هو مكة المكرمة أطهر بقعة في الأرض، وبهذا القسم من الخالق سبحانه وتعالى فإنه يجمع بين الديانات السماوية الثلاثة.

ويكفي”التين والزيتون” شرفاً ذكرهما في القرآن الكريم، اضافة الى الفوائد الغذائية والصحية في ثمار هاتين الشجرتين والتي أقلها تنشيط الذاكرة. ومع ادراك المسلمين لأهمية هاتين الشجرتين الا أن الشعب الفلسطيني يعاني في الوصول الى حقول التين والزيتون لقطف ثمارها، ومع أن فلسطين مزروع فيها أكثر من اثني عشر مليون شجرة زيتون غالبيتها مزروعة منذ أكثر من ألف سنة، ويشكل الزيتون وزيته عامود الاقتصاد الزراعي الفلسطيني، لما يمثله من دخل ثابت قد يكون وحيداً لعشرات آلاف الأسر الفلسطينية، فهو يغطي احتياجات الاستهلاك المحلي، ويصدر من زيته عشرات آلاف الأطنان، أما التين المجفف ( القُطّين) فلم يعد موجوداً الا في حالات نادرة، والذي يغطي السوق المحلية هو(القُطّين) التركي المستورد،إلا أن الفلسطينيين يعانون في قطف يمار أشجار زيتونهم.

وحرمان الفلسطينيين من قطف ثمار زيتونهم ناتج عن عربدة المستوطنين الاسرائيلين، الذين يستوطنون الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بقوة السلاح وبحماية الجيش الاسرائيلي، وكأن المحتلين لم يكتفوا بمصادرة مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية للبناء الاستيطاني، وللشوارع الالتفافية، ولبناء جدران التوسع الاحتلالي، وما صاحب ذلك من اقتلاع ملايين أشجار الزيتون والتين والأشجار المثمرة، فأطلقوا سوائب مستوطنيهم يحرقون حقول الأشجار وفي مقدمتها أشجار الزيتو ، أو ينشرونها ويكسرونها على مرأى ومسمع وحماية الجيش الاسرائيلي، بل وصلت الأمور الى درجة الاعتداء الجسدي على المزراعين الفلسطينيين .

وقد أثار هذا الانفلات الاستيطاني المخالف لكافة الأعراف والقوانين الدولية حفيظة جهات أجنبية كثيرة، فقد شاركت وفود متطوعين أوروبيين بالمئات في قطف ثمار الزيتون الفلسطيني في الموسم الماضي، ليشكلوا دروع حماية للمزارعين الفلسطينيين أمام اعتداءات المستوطنيين التي لم تجد من يردعها،كما شارك ممثل الاتحاد الأوروبي والقنصل الأمريكي العام في القدس المحتلة في قطف الزيتون أيضاً ، حيث صرح الأخير بأنه من غير المفهوم اعتداءات المستوطنين هذه، وليته تساءل ندماً عن تصرفات ادارات بلاده الحالية والسابقة الداعمة للاحتلال والاستيطان مالياً وعسكرياً وسياسياً، ومعروف أن جرائم المستوطنين لا تتوقف عند الاعتداء على المزارعين وأشجارهم ومحاصيلهم، بل تتعداها الى ما هو أكبر من ذلك، وهذا الانفلات الأرعن يتمترس خلف فتاوي دينية، فالحاخام مردخاي الياهو الذي كان حاخاماً رئيساً في السابق ويعرف بأنه”أحد قادة الصهيونية الدينية” أصدر فتوى تؤيد سلب كروم الزيتون من الفلسطينيين وأن بيوت الفلسطينيين تعود لليهود،وهذا يستدعي وقفة دبلوماسية شجاعة لاثارة موضوع الاستيطان في المحافل الدولية، كونه يمثل جريمة العصر ، وهو السرطان الذي يقتل أي محاولة للبحث عن حلّ عادل ودائم للصراع العربي الاسرائيلي .

ومن اللافت للانتباه أن الاعتداء على المزارعين الفلسطينيين والحاق الأذى بهم لا يقتصر على المستوطنيين الاسرائيليين فقط، بل يتعداه الى المؤسسة الحاكمة في اسرائيل، فجدار التوسع الاسرائيلي الذي يعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، يعزل القرى الداخلة قهراً في حدود البلدية عن أراضيهم الزراعية، فعلى سبيل المثال فإن مزراعي جبل المكبر لا يستطيعون قطف ثمار زيتونهم المزروع في حيّ الشيخ سعد أحد أحياء جبل المكبر غير الداخلة في حدود البلدية، وان قطفوها فإن الجنود الذين يحرسون الحواجز العسكرية -خصوصاً الحاجز المقام على مدخل الشيخ سعد – يمنعون المزارعين من ادخال محصولهم الى بيوتهم في المكبر، لكبس بعضها لاستهلاكهم المنزلي وعصر المتبقى لاستخراج زيته وهكذا.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات