بدون مؤاخذة- ترامب يقرع طبول الحرب

ب

عندما انسحبت إدارة ترامب من الإتفاق النّووي مع ايران، لم يكن خوفا من امتلاك إيران للأسلحة النّوويّة، فقد كانت مفاعلاتها النّوويّة تحت مراقبة وكالة الطّاقة النّوويّة التّابعة للأمم المتّحدة، وإنّما كان انسحابها بناء على طلب الحكومة الإسرائيليّة برئاسة نتنياهو، وذلك لخوف الحليفين من صعود إيران كقوّة إقليميّة، وهذه يشكّل تهديدا لإسرائيل التي تتفوّق وبدعم أمريكيّ على دولّ منطقة الشّرق الأوسط مجتمعة؛ لتبقى حارسا للمصالح الأمريكيّة في المنطقة. وعندما بدأت الإدارة الأمريكيّة بحشد أساطيلها في المنطقة، لم يكن ذلك لتهديد ايران بداية، وإنّما لتخويف دول الخليج النّفطيّة وابتزازها ماليّا لصالح الخزينة الأمريكيّة، وقد استطاعت أمريكا تجييش أنظمة دول الخليج وغيرها لمعاداة إيران، حتّى وصلت بها إلى مرحلة التّطبيع والتّنسيق الأمني والعسكري مع اسرائيل التي تستمر في احتلال الأراضي العربية. ويخطئ من يعتقد أنّ أمريكا قد تخلت عن مشروعيها “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم دول المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، و”صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني التّوسّعي بعد فشلها في حربها على سوريا. ومع أنّ المشروع الأمريكي لم يبدأ بالحرب على سوريا، وإنّما سبقه بالحرب على العراق عام 2003 وتدميره وهدم دولته وقتل وتشريد شعبه، وتبعها بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 2006، وبتقسيم السودان عام 2011، وبالحرب على ليبيا عام 2010، وبالحرب على اليمن عام 2015. وقد نجحت أمريكا بتجنيد عرب ومسلمين للإنابة عنها في حروبها في المنطقة العربية. ونجحت من خلال وكلائها بزعزعة لبنان واستقراره في محاولة منها للقضاء على المقاومة اللبنانية.
ويخطئ أيضا من يعتقد أنّ أمريكا لا تجرؤ على مهاجمة إيران، بالرّغم من ترسانة الصواريخ الهائلة الإيرانيّة. وفي تقديري أنّ أمريكا التي تشدّد حصارها الإقتصاديّ على إيران، تريد استنزاف إيران بشكل قويّ، تماما مثلما فعلت مع العراق بعد عام 1991، حتى استنزفته ووجدت فرصتها المناسبة في احتلاله وتدميرة في مارس 2003. وأمريكا التي تسيطر على منابع البترول في المشرق العربيّ، لا تزال من خلال أساطيلها وقواعدها في المنطقة تسيطر على منابع البترول في سوريا والعراق، ولا تزال تنفذ ضرباتها وقصفها للقوى التي تعتبرها تهديدا لمصالحها في هذين البلدين. وكلّ ذلك يصبّ في مصلحة حليفتها اسرائيل.
من هنا يأتي اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشّعبي أبو مهدي المهندس في بغداد. فالعراق لا يزال تحت السّيطرة الأمريكيّة، وما حكومات السّرّاق واللصوص التي حكمت العراق بعد احتلاله ونهبت أموال الشّعب العراقي إلا وكلاء ينفّذون السّياسة والمصالح الأمريكيّة، لذا ثار الشّعب العراقيّ ضدّهم. وأمريكا التي تريد إبعاد إسرائيل عن أيّ صراع مع إيران حفاظا على إسرائيل، اختارت بغداد مكانا لإغتيال الجنرال الإيراني سليماني؛ كي يكون الرّدّ الإيرانيّ في العراق بعيدا عن إسرائيل.
واللافت أنّ المتأسلمين والمستعربين فرحون بالإغتيالات الأمريكيّة، وكأنّها تصبّ في مصلحة الإسلام والعروبة! ويبدو أنّهم لم يتّعظوا من الحرب التي شاركوا فيها لتدمير سوريا وقتل وتشريد شعبها. وكأنّهم لا يعلمون بأنّ أمريكا مسؤولة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة، ولم يسمعوا باعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وباعترافها لضمّ اسرائيل للجولان السورية المحتلة، وقبل هذا وذاك بسيطرتها على منابع البترول العربيّ.
وإذا كانت أمريكا تبعث رسالة تهديد عسكريّ لإيران باغتيالها الجنرال سليماني، فإنّها تخطئ الحسابات في كيفيّة الرّدّ الإيراني، وأين وكيف سيكون؟ فمشعلو النيران يعرفون متى يشعلونها، لكنهم هو وغيرهم لا يعلمون متى ستنطفئ، فإيران التي تبلغ مساحتها حوالي مليون وستمائة وخمسين ألف كيلومتر مربّع، قادرة على استيعاب ضربات أمريكيّة قويّة، وقادرة على إلحاق خسائر فادحة بالأساطيل والقواعد الأمريكيّة في المنطقة. وقادرة على إغراق أمريكا وحليفتها إسرائيل، وحلفائها في المنطقة في مستنقع يصعب عليهم الخروج منه. لكن الخاسر الأكبر هم العرب الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصّراع، وارتضى لهم حكامهم أن يخرجوا من التّاريخ مهزومين.
3-1-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات