للفساد وجوه كثيرة

ل

اعلان السيد رفيق النتشة رئيس هيئة محاربة الكسب غير المشروع عن أرقام هاتفين ليقدم المواطنون شكاويهم عن الفساد الذي يمارس ضدهم ويستغلهم، قضية ذات أهمية قصوى في محاربة الفساد في مؤسسات السلطة والمؤسسات المدنية، وكان من المفروض أن يكون ديوان للمظالم،لتلقي شكاوي المواطنين منذ نشوء السلطة الفلسطينية، ومع ذلك فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي مطلقاً.

فمن المعروف على المستوى العالمي -وإن بشكل متفاوت- أن بعض الموظفين خصوصاً في القطاع العام يمارسون الفساد، ويحاولون الاغتناء بطرق غير مشروعة مستغلين عدم وجود رقابة عامة، وقوانين صارمة لردعهم، فالمال العام مطموع فيه دائماً، خصوصاً في ظل عدم وجود ثقافة شعبية واسعة تؤمن بأن المال العام ملك للجميع، وأن من يحاول التطاول عليه انما يتطاول على أملاكه الشخصية،وثقافة كهذه يجب أن تبدأ من البيت مرورا بالمدرسة والجامعة،ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة،وهذا ما نفتقره،فحتى الأطفال يدخلون حرمات المدارس خارج أوقات الدوام الرسمي، ويلعبون ويكسرون زجاج النوافذ، ويفتحون صنابير المياه أو يكسرونها .. وهكذا، وحتى مواقف الباصات العامة لا تنجو هي الأخرى من الأذى،وحتى المزروعات والأشجار المثمرة في الحقول لا تنجو من أذى رعاة الأغنام وغيرهم، بل ان الحدائق العامة وحدائق البيوت وأشجار الزينة في الشوارع يطالها أذى العابثين من مختلف الأعمار.

أما في المؤسسات الرسمية والمدنية فإن بعض الموظفين خصوصاً الكبار منهم فإنهم يتلقون الرشاوي، أو ينهبون مال المؤسسة، ويثرون ثراء فاحشاً وظاهراً ولا يجدون من يحاسبهم، وإن اكتشف أمرهم فإن من يفترض أن يحاسبهم قد يكون شريكاً لهم، أو مستفيداً من فسادهم، وبالتالي فإن الملف يغلق بهدوء، لكن الأسوأ من هذا كله أن بعض من مارسوا الفساد قد أصبحوا بالأموال التي اكتسبوها بطرق غير مشروعة شخصيات اعتبارية وحتى قيادية.

واذا كانت الهيئة التي يرأسها السيد رفيق النتشة تأتي لسدّ فراغاً ولتلاحق المفسدين والفاسدين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو:هل هناك قوانين رادعة لردع هؤلاء عند ملاحقتهم قانونياً؟ فإن كانت هكذا قوانين فإنه يجب تعميمها في وسائل الاعلام حتى تكون رادعة لمن تسول له نفسه بذلك، وان لم تكن موجودة فمن حق المرء أن يتساءل عن جدوى وجود هكذا هيئة؟وهل هناك استقلالية للقضاء كي يحكم ابن الأمير قبل ابن الفقير في حالة ارتكابه جناية الفساد؟

غير أن الفساد والافساد لا يقتصر على نهب المال العام، وعلى الرشاوي فقط، بل يتعداه الى ما هو أسوأ من ذلك، فعلى سبيل المثال فإن الجهاز الوظيفي في السلطة يعاني من مشاكل كثيرة لا يمكن تسميتها أو وصفها الا بالفساد الوظيفي، ففي بدايات تأسيس السلطة جرت تعيينات غير مبررة لوظائف كبيرة تتدرج من مدير الى مدير عام وحتى وكيل وزارة دون الاعتماد على الكفاءة، فمن السهل جداً أن تجد أشخاصاً في مؤسسات يتبوأون منصب مدير أو مدير عام لم ينهوا المرحلة الثانوية، أو أنهوها، وتجد موظفاً أو أكثر تحت إمرتهم يحمل الشهادة الجامعية الأولى أو الماجستير وحتى الدكتوراه، ومسماهم الوظيفي هو رئيس قسم أو دون ذلك، وهكذا تسلسل وظيفي هو قتل للإبداع وقتل للحوافز التي تدفع الموظف المؤهل الى التفاني في خدمة سلطته ومواطنيه، فكثيرون من أصحاب المراكز الرفيعة غير مؤهلين، حصلوا على مراكزهم ومسماهم الوظيفي من خلال المحسوبيات التنظيمية أو المحسوبية على أحد المتنفذين الكبار، أما الآخرون فلا ناصر لهم لأنهم يترفعون عن التذيل للمتفذين.

ومن مظاهر الفساد الوظيفي عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، أي عدم وضعه في مجال تخصصه، وهذه موجوده بشكل ظاهر للعيان أيضاً، فلا يعني مثلا أن الحاصل على شهادة جامعية في تخصص ما قادر على ممارسة أي عمل في أي وزارة مثلاً، أو حتى في وزارة تستوعب تخصصه، فمثلاً المتخصص في التاريخ مثلاً لا يستطيع تدريس الرياضيات أو اللغة العربية أو الكيمياء .. الخ

وبما أن السلطة الفلسطينية هي مشروعنا الوطني، والمقدمة لبناء دولتنا المستقلة فإن جهازها الوظيفي يجب أن يكون مؤهلاً ومتخصصاً، وان يُنصف الموظفون المؤهلون حتى نستطيع بناء مؤسسات الدولة على أسس علمية صحيحة، فهل تملك الهيئة التي يقف على رأسها السيد رفيق النتشة الصلاحيات لاعادة النظر في الجهاز الوظيفي مثلاً؟وهذا ما نأمله، ورضي الله عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب وأرضاه وهو القائل(لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه.)

13-3-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات