ميرا تحبّ الطّيور

م

منشرورات ايلياءحور-ابو ديس-القدس201-
بينما كان قيسُ وزوجتُه مروة يتسوّقان في المجمّع التجاريّ، مرّوا بمحلٍّ صغيرٍ يبيع عصافيرَ مغرّدةً، كلُّ زوجٍ من العصافير في قفصٍ جميل. وقفتْ ابنتُهما ميرا ابنةُ السّنوات السّبعة أمامَ المحلِّ، أعجبها طائرٌ صغيرُ الحجمِ جميلُ المنظر، له صوتٌ عذبٌ جميل، أمسكت يدَ شقيقتِها لينا التي تكبرُها بعامين وقالت:
سأطلبُ من أبي وأمّي أن يشتريا لنا هذا الطّائرَ الجميل.
لم تكترثْ لينا بما قالتْهُ شقيقتُها ميرا وقالتْ:
أنا أحبُّ القططَ، وأريدُ أن أشتريَ قطًّا.
ركضَتا خلفَ والديهِما، أمسكتْ ميرا يدَ والدتِها وقالتْ وهي تشيرُ بيدِها:
أريد أن أشتريَ عصفورًا مغرّدًا من ذلك المحلّ.
ردّتْ مروةُ على ابنتِها: سنشتريه في المرّةِ القادمةِ؛ لأنّنا على عجلةٍ من أمرِنا هذا اليوم.
تمترستْ ميرا في الأرضِ، رفضتِ المشيَ دون شراءِ العصفورِ، فقال قيس:
هيّا بنا لنرى العصفورَ الذي تريدُهُ ميرا.
أشارتْ ميرا إلى طائرين في قفصٍ واحد، كانا يغرّدان بصوتٍ عذب.
سألَ قيسٌ صاحبَ المحلِّ عن سعرِ عصفورٍ واحدِ من العصفورينِ اللذينِ في القفصِ الجميل.
ردّ صاحبُ المحلِّ: هذان طائرا حسّون ذكرٌ وأنثى، ولا أبيعهما إلا مع بعضهما البعض، ومن يشتريهما هو الرّابحُ؛ لأنّهما يتكاثران في القفصِ. وهذه طيورٌ مغرّدةٌ جميلةٌ، ثمنُها مرتفع.
سألَ قيسٌ عن ثمنهِما: فأجاب صاحبُ المتجرِ: ثمنهما ستُّمائةِ دولار.
أطلقَ قيسُ من فمِهِ صفرةَ استغرابٍ طويلةً وقال:
هذا ثمنٌ باهظٌ لعصفورين، وأشارَ إلى زوجتهِ بأن ينصرفوا.
مدّ صاحبُ المتجرِ يدَهُ إلى أحدِ الرّفوفِ، تناولَ “كرّاسةً وقدّمها لقيسٍ وهو يقول:
اقرأ شيئًا عن طيور الحسّون، وقرّرْ بعدَها.
فتح قيسٌ الكرّاسةَ التي كانتْ تُزَيّنُها صورٌ لطائرِ الحسّون. وقرأ على زوجتِهِ التي كانت تقف بجانبِهِ:
” الحسّونُ “من أجملِ الطيورِ ذاتِ الحجمِ الصّغيرِ المنتشرة في مختلفِ القارّاتِ عدا القارّة القطبيّة، ويُصنّفُ طائرُ الحسّونِ ضمنَ فصيلةِ الشّرشوريّات، كما يتميّزُ بصوتِهِ العذبِ الجميل، وتغريدِه بشكلٍ مستمرٍّ، بالإضافة إلى شكلِهِ المتميّزِ، واحتواءِ ريشِهِ على عددٍ من الألوانِ التي تتوزّعُ بطريقةٍ معيّنةٍ على مختلف مناطقِ جسمِهِ، بحيثُ تُميّزُهُ عن غيرِهِ من الطّيور، فيكونُ لونُ الرّيشِ الصّغيرِ الموجودِ على مقدّمةِ وجهِهِ باللونِ الأحمرِ القرمزيّ، مع امتدادٍ للرّيشِ الأبيض على باقي وجهِهِ وصولا للرّقبةِ، حيثُ ينتشرُ الرّيش الأسودُ، كما يمتدُّ الرّيشُ الأسودُ على طولِ ذيلِهِ وأطرافِ جناحيه، بينما ينتشرُ الرّيشُ الأصفرُ في منتصفِ الجناحين، ويتوزّعُ الرّيشُ البُنّيُّ على ظهرِ الحسّونِ والرّيشُ الأبيضُ على بطنه.”
نظرَ قيسٌ ومروةُ إلى طائري الحسّون في القفصِ، قارنا أوصافَ الحساسين التي في الكّرّاسة معها، فوجداها متطابقةً، اشتريا الحسّونينِ مع قفصهِما.
احتجّت لينا وقالت:
يجبُ أن تشتريا لي قطًّا كما اشتريتُما عصفورين لميرا.
قالتْ لها أمُّها مروةُ: هذان عصفوران، واحدٌ لكِ وواحدٌ لميرا.
غضبتْ لينا وقالتْ بصوتٍ مرتفعٍ:
أنتم تشترون لميرا ما تريد، ولا تشتريان لي شيئا.
فسألتها أمُّها: والألعابُ التي في البيتِ لمنْ؟
لم تُجبْ لينا، لكنّ قيسَ قال: سنأخذ لك قطّا من قططِ خالتك صفاء بعد أن تكبرَ وترتوي من حليبِ والدتِها، فسكتتْ لينا على مضض.
أوصاهما صاحبُ المتجرِ بأنْ يشتريا العلفَ الخاصّ للحسّونين، وأن يضعا لهما مقاديرَ معيّنةً كي لا يسمَنا، كما أوصاهُما بضرورةِ تنظيفِ القفص، وتغيير مياهِ الشّربِ لهما يوميّا.
اشتريا كيسَ حبوبٍ خاصّةٍ زنتهُ ثلاثةُ كيلوغرامات طعامًا للحسّونين، وعادا مع ابنتيهما إلى البيتِ تغمرُهما السّعادة.
جلست ميرا وشقيقتُها لينا بجانب القفصِ، والحسّونان يغرّدان، فقالت لينا:
إنّها يغنّيان لي.
ضحكت ميرا وقالت:
بل إنّهما يغرّدان لي؛ لأنّهما يعلمان أنّني أنا التي أصرّيتُ على شرائِهما.
سمعتهما أمُّهما فقالتْ ضاحكةً: لكلّ واحدةٍ منكما طائرٌ يغرّدُ لها.
لكنّ ميرا قالت: هما لي وحدي، وعندما يكبرُ قطُّ لينا فهو لها وحدَها.
بقيت لينا وميرا بجانب القفصِ حتّى الغروب. أطفأتْ أمُّهما الإضاءةَ في الصّالةِ، فتوقّف الحسّونان عن التّغريد، وقالت لابنتيها:
هيّا إلى الفراش، فقد حان موعدُ النّوم.
صباح اليوم التّالي، كان الحسّونان في قفصهما يغرّدان عند نافذةِ الصّالة، فتجمّع عددٌ من عصافيرِ الدّوريّ حول القفصِ، وكلُّ واحدٍ منها يغرّدُ كما يحلو له، والحسّونان يطيرُ كلّ منهما فرحا مغرّدا إلى جانب القفصِ، كأنّه يرحّبُ بالعصافير الدّوريّة.
راقبت ميرا المنظرَ الجميل، اقتربت من القفصِ وقالتْ:
سأفتحُ بابَ القفصّ كي يطيرَ الحسّونانِ، وسأتركُهما يلهوانِ مع العصافيرِ الدّوريّة. وبعدها سيعودان إلى قفصِهما.
فتحتْ ميرا بابَ القفصِ ليطيرَ الحسّونان، لكنّهما لم يخرجا من القفص، مدّتْ يدَها داخلَ القفصِ وأخرجتهما واحدا واحدا، ألقت بهما في الفضاء ليلحقا بعصافيرِ الدّوريّ، لكنّهما عادا بسرعةٍ، وأخذا يدوران حولَ القفص، ويبحثان عن بابِه.
عندما وجدا بابَ القفصِ دخلاه، وذهب أحدهما يشربُ الماء، في حين أخذَ الثاني ينقرُ طعامَه.
أسرعت لينا تشكو أختَها ميرا لوالدتِهما، فقالت:
ميرا تطلقُ الطائرين اللذين اشتريناهما لها يوم أمس.
ركضتْ ميرا إلى والدتها وقالت:
هذان طائران عجيبان، أُطلقُ سراحَهما؛ ليحلّقا في الجوّ مع بقيّة الطّيور، لكنّهما يرفضان مغادرةَ القفص.
علتْ تكشيرةٌ وجهَ الأمّ وقالتْ:
هذان الطائران منذُ يومهما الأوّل وهما يعيشانِ في أقفاص، ويبدو أنّهما لا يعرفان الحرّيّةَ، وبالتّالي لا يفهمان قيمتَها.
فسألتْ ميرا والدتَها: ما العملً معهما يا أمّي؟
فأجابتْ مروةُ ابنتَها: اتركيهما في القفص.
قالت ميرا: لا حاجةَ لي بطائرٍ سجينِ لا يسعى إلى حرّيّتِهِ.

تعليق واحد

  • قصه اخرى جميله لكن لي ملاحظه صغيره: بما ان الغايه تربويه فاظن ان \الدولارات حتى وان كانت واقع, لكنه واقع قبيح , لغرض التربيه ارى ان استبدالها بدينار, اصوب.
    وشكرا

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات