كنان وبنان يصادقان القطط-قصة للأطفال

ك

منشورات دار إلياءحور-أبو ديس-القدس2019

عندما قُرِعَ جرسُ المدرسةِ مُعْلِنًا انتهاء الحصّةِ الأخيرةِ، خرجَ كِنانُ مُسْرعًا قبلَ زملائِهِ، كيْ يُمْسِكَ بِيَدِ شقيقتِه بَنان، ويمشي معها على الرّصيفِ كما أوْصَتْهُ أمُّهُ. فبنانُ لا تزالُ طفلةً صغيرةً، التحقتْ بروضةِ المدرسةِ هذا العامِ، بعد أنْ بلغتِ الخامسةَ من عمرِها، بينما كنان تلميذٌ مجتهدٌ في الصّفِّ الرّابع الابتدائيّ.
وما أن دخلَ كنانُ وبنانُ بابَ حديقةِ منزلِهما، حتّى سَمِعا صوتًا خافتًا حزينًا في زاويةِ الحديقةِ الشّرقيّة، توقّفَ كنانُ يستطلعُ الصّوتَ، وقال لشقيقتِهِ بنان:
هيّا بنا نرى مصدرَ هذا الصّوتِ.
مشيا ببطءٍ على رؤوسِ أقدامِهما باتّجاهِ الصّوتِ، حتّى وصلا زاويةَ الحديقةِ، وهناكَ رأيا خمسَ هُريراتِ يكسوها زَغَبٌ متناثرٌ على جسدِ كلِّ واحدةٍ منها، تتحرَّكُ الهريراتُ ببطءٍ شديدٍ في عشِّها الذي بنتهُ لها والدتُهنَّ بين أعشابٍ برّيّةٍ، وتموءُ حزينةً.
قالَ كنانُ لبنان: هذه قطيطاتٌ صغيرةٌ سآخذُ واحدةً منها، لنربِّيَها في بيتِنا. احتجَّتْ بنانُ وركضتْ إلى البيتِ وهي تقولُ لكنان:
سأخبرُ أمّي عمّا قلتَه يا كنان.
عندما دخلتْ بنانُ البيتَ كانت تتكلّمُ كلامًا متقطّعًا وهي تلهثُ، وقبلَ أنْ تفهمَ والدتُها منها شيئًا، دخلَ كنانُ خلفَها فرِحًا يحملُ بإصبعيهِ الابهام والسّبّابة قطيطًا، فسألتْه والدتُهُ:
ما هذا يا كنانُ؟
أجاب: هذا قُطيطٌ أتيتُ بهِ من زاويةِ الحديقةِ؛ لنربِّيَهُ في بيتِنا؛ كي نلعبَ معهُ، فأنا أحبُّ القططَ.
أمسكتِ الأمُّ القطيطَ بلطفٍ وقالتْ:
هذا قطيطُ صغيرٌ لا يعيشُ بعيدًا عن حضنِ أمّهِ، فهو لا يزال رضيعًا، أرِني من أينَ أتيتَ به كي نعيدَه لأمّهِ.
احتجّ كنانُ وقال: أنا سأبني له بيتًا أفضلَ من بيتِ أمِّه، وسأسقيهِ حليبًا حتّى يكبرَ.
قالتِ الأمُّ: لا مكانَ يُغني الصّغارَ عن أحضانِ أمّهاتِهم، ولا حليبَ يغذّيهم أفضلَ من حليبِهنّ.
حاولَ كنانُ التّمسّكَ بالقطيطِ، لكنّ أمَّهُ حسمتِ الموقفَ، فحملتِ الهريرَ ومشتْ به؛ لتعيدَهُ إلى مكانِهِ في الأفحوص*، وهي تقولُ لكنان:
لو رأتْكَ أمُّهُ وأنتَ تحمِلُهُ؛ لنهشتْ يديكَ بمخالبِها الحادّةِ.
قالَ كنانُ: لكنّ القططَ لا تهاجمُ الانسانَ.
قالتِ الأمُّ: الحيواناتُ تستأسدُ في الدّفاعِ عن صِغارِها.
عندما وصلتِ أمُّ كنان بالهُريرِ قريبًا من بيتِه، رأتِ القطّةَ تتفقَّدُ صغارَها، وتموءُ قلقةً على صغيرِها المفقود. وضعتْ أمُّ كنان القطيطَ قريبًا من بيتِهِ، رمقتْها القطّةُ الأمُّ بنظراتٍ حادّةٍ، اقتربتْ من صغيرِها وهي تموءُ غاضبةً، حملتْهُ بفمِها وأعادتْهُ إلى بيتِها، تمدّدتْ على جانبِها، فالتقطَ كلُّ هُريرٍ من صغارِها ثديًا من أثدائِها، ورضعَ منها، وهيّ تشمُّ رائحةَ كلّ منها وتلعقُ ظهورَها بسعادة.
ابتعدتْ أمُّ كنان بطفليْها وهي تحذّرُهما:
إيّاكُما أن تقتربا من صغارِها، وإذا ما اقتربَ واحدٌ منكم منها، فإنَّ القطّةَ الأمَّ ستهاجمُهُ.
سألتْ بنانُ: هل تحبُّ القطّةُ أبناءَها؟
الأمّ: نعم، القططُ والحيواناتُ كلُّها تحبُّ أبناءَها، وتستميتُ في الدّفاعِ عنها.
كنان: إذا كانتِ القطّةُ تحبُّ أبناءَها، فلماذا تركتْها وحيدةً؟
الأمّ: القطّةُ المرضعةُ تركتْ أبناءَها؛ لتبحثَ عن طعامٍ لها؛ كي تدرَّ حليبَا؛ لترضعَها.
انتبهتْ بنانُ لبطنِ القطّةِ الأمِّ كيف تساقطَ شعرُ فرائِها عنه، فسألتْ أمَّها عن سببِ ذلك؟
أجابتْ أمُّ كنان: القطّةُ الأمُّ تنتفُ شعرَ بطنِها؛ كي تظهرَ أثداؤُها، ليتمكّنَ صغارُها من الرّضاعةِ بسهولة.
عادَ كنانُ يسألُ: ألا تخافُ القطّةُ على أبنائِها من الأفاعي؟
الأمّ: القطّة المرضعةُ لا تبتعدُ كثيرًا عن صغارها عندما تبحثُ عن طعامِها، وإذا ما ظهرتْ أفعى أمامَ صَغارِها فإنّها تفترسُها بسهولة.
بنان تسألُ: هل القططُ تأكلُ الأفاعيَ؟
الأمّ: القططُ تصطادُ الأفاعيَ والفئرانَ والزّواحفَ كالسّحالي والعقاربِ، والحراذين، والحشرات كالخنافس وغيرِها.
كنان: وماذا تأكلُ أيضًا؟
الأمّ: تأكلُ القططُ الخبزَ، اللحومَ، الدّجاج، الأسماك، الألبانَ والأجبان، التي يقدّمّها لها البشرُ، وعندما تجوعُ القططُ ولا تجدُ ما تأكلُهُ، تأتي إلى البيوتِ وتموءُ عندَ أبوابِها، طالبةً الطّعام.
أشفقَ كنانُ وبنانُ على القطيطاتِ الصّغيراتِ وعلى أمِّهنَّ أيضًا، فاتّفقا أن يقدّما طعامًا للقطّةِ الأمِّ حتّى تُدِرَّ حليبًا؛ لتُرضعَ صغارَها، فاختارا صحنًا بلاستيكيّا، يسكبان فيه كأسَ لبنٍ كلّ صباحٍ، ويقدّمانه للقطّةِ، وهما في طريقِهما إلى المدرسةِ، فتلعقُه القطّةُ بلسانِها، وهي تنظرُ إليهما شاكرةً، وهما سعيدانِ أيضّا برؤيتها هي وصغارها. وعندَ الظّهيرة، يأخذان شيئا من طعامِ غدائِهما، ويضعانه في صحنِ القطّةِ، فتأكلُه شاكرةً.
وبهذا اطمأنّتِ القطّةُ الأمُّ وهُريراتُها الصّغيرةُ لكنان وبنان، واعتبرتْهما صديقين، فأخذتْ تقتربُ من أيٍّ منهما عندما تراه، تقتربُ منه رافعةً ذيلها وكأنّها تؤدّي التّحيّةَ له، تحكُّ جسمها بساقِه تداعبُه؛ لتتركَ أثرًا من رائحتِها عليه، وكأنّها تقول: هذا صديقي أنا وحدي! فيمدُّ كنانُ يدَهُ ويمسّدُ على ظهرِ القطّةِ أو القطيطِ، فتتمايلُ بنعومةٍ عليه. لم يفهمْ كنانُ حركةَ القططِ هذه، فسأل معلّمتَه عنها، فأجابته:
” حينما تكبرُ القططُ وتصلُ مرحلةَ البلوغ، فإنّها تبدأُ فى التّعاملِ مع الإنسان- الذي يعتني بها- على أساسِ أنّهُ هو الأمُّ بالنِّسبةِ لها، وهذا ببساطةٍ لأنّهُ هو الذى يتولّى عمليّةَ توفيرِ الأكلِ والاهتمامِ والرّعايةِ والحمايةِ لها، وبالتّالي عندما نمسحُ بكفِّ اليدِ على ظهرِ القطِّ؛ فإنّ كفَّ اليدِ ـ من وُجهةِ نظرِ القطط ـ “لسانُ أمِّه”، حيث أنّ احتكاكَه بظهرها يعطيها نفسَ الإحساسِ، فتبدأُ على الفورِ فى الدّلعِ والاستسلامِ لصاحبِها، مع تكرارِ المسحِ على الظّهر.”
اقتنعَ كنانُ بجوابِ معلّمته، فشرَحَهُ لشقيقتِه بنان ولوالدتِه عندما عاد إلى البيتِ.
وذاتَ يومٍ، وبينما كانتْ بنانُ تحتضنُ القطّةَ وتداعبُها، انتبهتْ للقطّةِ عندما بدأتْ تهزُّ ذيلَها، وهي تركّزُ نظرَها على حوضِ نعناع في حديقةِ البيت، وما لبثتْ أن قفزتْ، والتقطت سحليّةً، كانت مختبئّةً بين النّعناع، وافترستها، فاكتشفت بنانُ أنّ القطّة تهزُّ ذنَبَها إذا ما غضبتْ، أو حاولتِ الهجومَ على فريستِها.
*الأفحوص: بيت القطّ

2 تعليقان

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات