ديوان “عيون القدس” والمدن الحزينة

د

صدر ديوان”عيون القدس” للكاتبة الفلسطينيّة نبيهة راشد جبارين عام 2014، عن منشورات الأفق للثّقافة والفنون، ويقع في 90 صفحة من الحجم المتوسّط.
والكاتبة نبيهة راشد جبارين من قرية زلفة قرب أمّ الفحم، تكتب القصّة القصيرة، قصص الأطفال، القصيدة، المقالة والخاطرة، وسبق أن قرأت لها كتيّبا جمعت فيه أغاني الأطفال الشّعبيّة.
عنوان الدّيوان: هذا العنوان “عيون القدس”هو عنوان القصيدة الأولى في الدّيوان، فمن هم عيون القدس الذين تعنيهم الشّاعرة؟ ونجد الإجابة في القصيدة الأولى فالعين الأولى هو الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب فاتح القدس فهو :
” أعاد للقدس عزّا ومجدا قد خبا،
بجيش إيمانه كان الخطابا.” ص 12.
وأمّا العين الثّانية فهو صلاح الدّين الأيّوبيّ محرر القدس من الفرنجة فتقول:
” وبعده صلاح الدّين مقداما أتى،
لا ينثني عن النّصر ارتيابا،
وتجمّلت عيون القدس له لمّا أتى،
فاستقبلته وكحّلت أهدابا.” ص12.
أمّا العين الثّالثة فهي: “وما زالت عيونها، بشوق ترتجي،
ناصرا يأتي ويفتح للنّصر أقفالا وأبوابا.” ص13.
تهدي الشّاعرة أغنياتها في هذا الدّيوان إلى:” كواكب الأرض الزّاهرات، إلى مدن بلادي السّاحرات، مواطن الجمال والآيات.” ص7. وهي بهذا تختصر مضامين قصائدها، حيث أنّها تتحدّث عن مدن فلسطين التّاريخيّة، القدس، النّاصرة، حيفا، عكا، طبريّا وغزّة، هذه المدن التي تشكّل شاهدا على حضارة وطن وشعب، هذه المدن التي وصفتها في المقدّمة بأنّها: ” سبايا بلادي وعرائسها التي تنتظر من يخضّب كفوفها بحنّاء الحرّيّة والكرامة” ص10.
وشاعرتنا تصف القدس بـأنّها مهد الدّيانات، ومدينة التّعدّديّة الثّقافيّة فتقول:
” يا قدسي
الله أكبر نداء المآذن
وأجراسٌ هناك تُدقّ
تآخت في النّداء والجرس
تستقبل العيون التي عشقت” ص16.
وهي ترى أنّ وصف القدس “بعاصمة الثّقافة العربيّة” لا يفي المدينة حقّها فتقول:
“أعاصمة الثّقافة؟
لا، لا يكفي.
فأنت عاصمة الثّقافة
والآداب والعلم، والدّين والإيمان والحلم والصبر والألم
والتّاريخ والأخلاق والقيم والمجد والعلم
أمّ الثّقافات كلّها أنت” ص16.
وتضيف أيضا بأنّها عاصمة العمران من خلال زخرفة مسجد الصّخرة أحد مساجد الأقصى الشّريف، كما ترى أنّها عاصمة ثقافة المعجزات الدّينيّة:
“عن ثقافة الإسراء والمعجزات
واسألوا القيامة عنها
عن ثقافة العذراء والمسيح والتّكليم” ص17.
وفي قصيدة “زهرة المدائن” ص25 ترى الشّاعرة أنّ تراب الوطن أغلى من الجواهر كلها، وكأنّي بها في هذه القصيدة تختصر تاريخ القدس، فهي أرض الإسراء والمعراج، وأقصاها ثاني المسجدين وثالث الحرمين، وهي الأرض التي بارك الله حولها، وهي تتمنّى قطع اليد التي تآمرت وضيّعت وباعت هذا الوطن، فتقول:
ألا ليت يدًا باعتك يا وطني ….قطعت فلا تبيع ولا تشاري
وتقول أيضا في القصيدة ذاتها:
عروس الشّرق أنت يا وطني…وعزّ المهر من مال وأحرار
وهذا البيت فيه تناصّ مع قول أبي فراس الحمداني:
تهون علينا في المعالي نفوسنا…ومن يخطب الحسناء لم يُغلِها المهر
وهي متفائلة بالنّصر الحتميّ القادم لا محالة فتتساءل:
متى يشقّ الليل عتم ثيابه….ويأتيك بعد الليل فجر الإنتصار.
وفي قصيدة “عروس الجليل” ص29 تتحدّث الشّاعرة عن مدينة النّاصرة، فتصفها بأنّها مدينة عصيّة على الغرباء فتقول:
“أتذكرين كم مرّ الجند عنك، كم مرّوا؟
ومن خلف الجبال الشّمّ قد فرّوا،
وأنت العصيّة وجبالك عالية أبيّة” ص30.
وتصفها أيضا بأنّها ناصرة المسيح ومدينة الإخاء والمحبّة فتقول:
“يا مدينة الصّفيّة العذراء
حاراتك القديمة
والسّوق لا تنام
كنيسة البشارة
المسجد الأبيض والسّلام
ترتفع إلى السّماء أنظارها وتبتهل
عليك يا مريم السّلام”ص31.
وفي قصيدتها “حيفا…يا عروس الكرمل” ص39 تبكي مجد المدينة الغابر، لكنّها متفائلة بالفرج، وتتغنّى بجمال المدينة فتقول:
“ويبقى الكرمل الولهان
يداعب الليل في عينيك
ويمسح الحزن عن مقلتيك
وقلبه محترق وجدا عليك
وغضبا على من سباك.”
وفي قصيدة “طبريّة”ص 43 نجد لوعة على حال المدينة التي ما عادت الصّلوات تقام في مساجدها فتقول:
“المسجدان الكبيران يريقان الدّموع
فيه لا صلاة لا دعاء لا خشوع
هُجّر الإيمان منه فهل من رجوع؟
أين الخيول والصّهيل والدّروع؟
وفي قصيدة “أميرة البحر” ص49 والمقصود مدينة عكّا، تستذكر الشّاعرة مجد المدينة الغابر فتقول:
“وظلّ عرشك بكرا عصيّا يعربيّا”
وتستذكر تاريخ حملة نابليون الذي تحطّمت أساطيله أمام سور عكّا فتقول:”
وفرّ نابليون يجرجر أذيال الهزيمة
خلف أسوار جمالك
لم يبق لجيشه الجرّار قيمة”
وفي قصيدة “جنّة الشّاطئ” ص53 والمقصود هنا مدينة غزّة، تبكي الشّاعرة أمّتها التي ما عاد فيها معتصم، وتركوها محاصرة فتقول:
“لا تستصرخي يا غزّة المعتصما
هو في عصرنا أضحى أصمّا أبكما
لا يهزّه الشّرف الرّفيع ولا الأذى
ويهزّه عرش إليه قد انتمى”
ومع ما تتعرّض له غزّة من عدوان غاشم يستهدف كلّ شيء فيها، إلا أنّها:
“ستظلّ غزّة الحقّ
جنّة الشّاطئ والرّمال.”ص56.
يبقى أن كلّ قصيدة في هذا الدّيوان، تمجّد الأرض والإنسان، وتبشّر بفجر مقادم لا محالة.
26-1-2019

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات