قضية في المدينة المقدسة في اليوم السابع

ق

قضية في المدينة المقدسة في اليوم السابع
القدس: 4-9-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “قضيّة في المدينة المقدّسة” للشّابّ المقدسيّ اسحاق الطويل الصادر هذا العام عن داري الرّعاة في رام الله وجسور في عمّان، ويقع الكتاب الذي صمّم غلافه الأوّل رامي القبّج في 145 صفحة من الحجم المتوسّط.
افتتح النّقاش ديمة جمعة السمان وأشادت بالرواية.
وقال جميل السلحوت:
واضح أنّ كاتبنا الشّابّ معجب بأدب المغامرات والأدب البوليسي، كما يتضّح من خلال هذا العمل أنّ الكاتب يمتلك خيالا خصبا لا حدود له.
وفي البداية فإنّني أتساءل حول عدم تصنيف الكاتب والنّاشر لهذا الكتاب، فمن قرأه سيجد نفسه أمام رواية اعتمدت السّرد الحكائيّ الذي لا ينقصه التّشويق.
وقد جاء في الرّواية ثلاث حكايات عن جرائم وخرافات خياليّة، قام بحلّ ألغازها المحقّق الشّابّ الموهوب “آدم”، الذي لم يتركه الكاتب ليتحرّك في الرواية بحرّيّته المطلقة، بل كان يوحي للقارئ من خلال السّرد بأنّ “آدم” هذا سيستطيع حلّ اللغز، وهذا ليس في صالح النّص.
وقد احتوى هذا النّص على مئات الأخطاء اللغويّة، كما أنّه الضّعف في صياغة بعض الجمل واضح بشكل جليّ، وتكرار بعض الكلمات مثل “قد” بطريقة تضعف الجملة وتنفّر القارئ.
لم تخلُ الرّواية من الوعظ والارشاد، خصوصا في صفحاتها الأخيرة. وكان بإمكان الكاتب أن يستغني عن الفقرة الأخيرة في الرّواية، والتي هي عبارة عن تفسير لما أراده في النّصّ المباشر، مع أنّه واضح خلال اللغة البسيطة جدّا، وهذا أيضا ليس في صالح النّص.
الرواية تصلح لليافعين.
وكتب سامي قرّة:
ولادة الرواية البوليسية في الأدب الفلسطيني
مقدمة: كتابة الرواية البوليسية في الأدب العربي عامة وفي الأدب الفلسطيني خاصة مغامرة يُستحق القيام بها، فالأدب العربي يكاد يخلو من الروايات البوليسية، ولذلك أية محاولة لإدخال مثل هذا النوع من الأدب وتعميمه ضمن الثقافة العربية جديرة بالترحيب. يتطرق الروائي المغربي شعيب حليفي إلى وضع الرواية البوليسية في الوطن العربي في مقالة له نُشرت في مجلة فصول الصادرة في كانون الثاني 2010 ويقول: “أن إنتاج الرواية البوليسية في الوطن العربي متعثر وشبه منعدم، الأمر الذي لم يسمح بتبلور رواية بوليسية عربية بالمواصفات المعروفة”. وفي هذا السياق تشكل رواية قضية في المدينة المقدسة للمؤلف اسحاق الطويل الصادرة عام 2018 عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور للنشر والتوزيع خطوة أولى متواضعة نحو وضع اللبنات الأساسية للرواية البوليسية في الأدب العربي الفلسطيني. وفي حين نجد أن السواد الأعظم من المؤلفين الفلسطينيين الروائيين منهم والشعراء منهمكون في معالجة قضايا وطنية وسياسية واجتماعية في كتاباتهم، نجد أن المؤلف اسحاق الطويل يتخذ منحًى روائيا جديدا ويقدّم للقارئ رواية بوليسية جديدة قوامها الإثارة والتشويق، إذ يبقى القارئ في حالة شغف واشتياق لاستكمال أحداث الرواية بأكملها عند قراءتها.
الرواية البوليسية: الرواية البوليسية هي قصة غامضة تنطوي على ارتكاب للجريمة واكتشاف الجاني، وفيها تكون عادة الشخصية الرئيسية هي محقق خاص يقوم بحل ألغاز الجريمة عن طريق الملاحظة والتفكير المنطقي وبناء الاستنتاجات. وعادة تتكوّن الرواية البوليسية من خمسة عناصر رئيسية يمكن إيجازها فيما يلي: (1) الجريمة التي تبدو في البداية صعبة الاكتشاف؛ (2) المشتبه به الذي تشير الأدلة الظرفية إلى ارتكابه الجريمة؛ (3) عمل الشرطة وتخبطها في التعامل مع الحدث؛ (4) تدخل المحقق الخاص الذي يتمتع بقوة ملاحظة وذكاء حاد؛ (5) وأخيرًا النهاية غير المتوقعة التي يكشف فيها المحقق هوية الجاني. وهنا يمكن الإشادة بالمؤلف إسحاق الطويل؛ لأنه في كافة القصص الأربعة التي يقدمها لنا في روايته نجد أنه يلتزم بهذه العناصر الخمسة مما يضفي على القصص وحدة الحبكة، أي أن هناك في كل قصة مجموعة من الأحداث ترتبط فيما بينها بعلاقة سببية ولها بداية ووسط ونهاية. ولا يوجد فيها أي حدث أو أي شخصية أو حبكة فرعية لا تدفع الحدث الرئيسي نحو نهايته. فلنأخذ على سبيل المثال قصة “جريمة الغرفة المغلقة” ونحاول معا التعرّف على العناصر الخمسة المذكورة.
الجريمة التي تحدث في هذه القصة هي جريمة قتل. يُخبرنا الراوي إيهاب أنه عندما دخل هو وآدم ومدير الجامعة ريجسكي الغرفة التي صدر منها صرخة مدوية وجدوا “جثة مدرس التربية الرياضية المدرب ديمتري ذي (29) عاما مصابا بطلق ناري في الرأس، وجثة شابة تدعى لودميلا ذات (25) عاما وكان يخرج من فمها زبد أبيض يدل على التسمم” (ص 26). أمّا المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة فهم المدير ريجسكي، ومدرسّة الميكانيكا ليليا، ومُدرسّة اللغة الروسية سارة، ومعلم التاريخ ألكسندر وعامل النظافة سنيجكي. هؤلاء جميعهم كانوا في المبنى الغربي للجامعة حيث أرتكبت الجريمة بين الساعة الخامسة والسادسة. فالأدلة الظرفية تشير إلى أن واحدا منهم أو أكثر قد ارتكب الجريمة، وهذا ما دعا آدم لاستدعائهم؛ لأنه أراد أن يسمع منهم لماذا توجهوا إلى القسم الغربي بذلك التوقيت؟ يحاول فريق التحقيق من الشرطة برئاسة غربشتوف حلّ القضية، لكنه يتخبط ويفشل؛ لأنه لا يحاول الكشف عن تفاصيل القضية، إنما يبني استنتاجاته على ما يُدلي به آدم وعلى الإفادات التي يجمعها ونتائج التحقيق الأولي. فهو يقفز إلى النتائج ويقول بتسرع: “تبدو أنها أسهل الجرائم التي واجهتها وهي منتهية على ما أظن. حيث أن كلاهما قد قتل الآخر” (ص 26). إلا أن آدم يبيّن أن المحقق غربتشوف على خطأ، وبذكائه وفطنته يتلو على غربتشوف مجريات الحدث، ويكتشف عدة أمور غامضة تؤدي به إلى اكتشاف الجاني، كما نرى أن آدم يعاين مسرح الجريمة جيدا؛ كي يكتشف أثارا تمكنه من حل لغز حدوث الجريمة، فيرى ما لا يراه غربتشوف من آثار تقييد أحدثه سلك بلاستيكي على يد الفتاة لودميلا، كما يرى أن هنالك تناقضا بين موقع وجود الجثث في آخر الغرفة والنافذة المسكورة في مقدمة الغرفة، إذ “لم يكن هناك وقت كثير بين صوت تكسر الزجاج وصوت الصرخة التي سمعناها ودخولنا إلى الغرفة” (ص 28). أخيرا يتمكن آدم من التعرف على هوية الجاني بعد سلسلة من الأسئلة يطرحها على المشتبه بهم، والتي يتلاعب بها بهم بطريقة درامية شيقة تؤدي بسارة إلى الاعتراف بأنها هي من قتلت المدرب ديمتري والشابة لودميلا.
إسحاق الطويل وآرثر كونان دويل: بالطبع لا مجال هنا للمقارنة بين كاتب مبتدئ يحاول شق طريقه في عالم الرواية البوليسية مثل الأستاذ إسحاق الطويل، وبين كاتب يعتبر ديناصورا عالميا في مجال كتابة الرواية البوليسية مثل الكاتب الأسكتلندي آرثر كونان دويل. لكن لا بد هنا من إثارة بعض النقاط التي تشير إلى تأثر المؤلف إسحاق الطويل بالكاتب آرثر كونان دويل.
وكما يقول الأستاذ جميل السلحوت في مقالته بعنوان “قضية إسحاق الطويل وأدب المغامرات” الصادرة في موقع وكالة معا الإكتروني بتاريخ 30 أيلول 2018: “واضح أن كاتبنا الشاب معجب بأدب المغامرات أو الأدب البوليسي، كما يتضح من خلال هذا العمل أن الكاتب يمتلك خيالا خصبا لا حدود له”. من يقرأ رواية قضية المدينة المقدسة يشعر وكأنه يقرأ رواية للكاتب الاسكتلندي آرثر كونان دويل، ويبدو جليا أن إسحاق الطويل في روايته يحاول جاهدا إن لم يكن تقليد أو نسخ فعلى الأقل انتهاج الأسلوب الروائي ذاته، الذي يستخدمه الكاتب آرثر كونان دويل في رواياته والذي يتميز باستخدام الجمل القصيرة عامة، وتقديم أكبر قدر من التفاصيل والمبالغة أحيانا في الأحداث بغية خلق الإثارة، كما أن الأحداث جميعها تتبع تسلسلا زمنيا دقيقا. وهذا ما يحاول المؤلف إسحاق الطويل الاستفادة منه في روايته. فلننظر على سبيل المثال لهذه الفقرة التي تحتوي على مجموعة من الجمل القصيرة المتتالية والتي أيضا تثير فضول القارئ لمعرفة من هو الشريك المتواطئ، وما هي الخدعة التي لدى المحقق آدم، وأيضا معرفة ماذا يريد آدم من الفتاة أليس؟ وما هي الأمور التي يحتاجها قبل اللقاء بها . يقول آدم: “أعلم يا سيدي، ولكنها الحقيقة. شكرا لك يا يعقوب، فقد كان لدي شك في ذلك، ولكن ليس أمامنا الآن سوى الوثوق باستنتاجاتنا حتي نطيح بمكسيم.، ولكن قبل ذلك يجب ان نطيح بالشريك المتواطئ، وتوجد لدي خدعة لفعل ذلك. ولكنني بحاجة إلى تعاونكم، وأيضا نحتاج الفتاة أليس في ذلك، فهي تمتلك خبرة في الأجهزة الإلكترونية. أرجو أن تنسق لنا لقاء معها في اليومين القادمين، وأحتاج بعض الأمور قبل لقائنا” (ص 71). يوجد في هذه الفقرة القصيرة وحدها إثنتي عشرة جملة، وكل جملة فيها تدفع بالحبكة الرئيسية إلى الأمام، وفيها دعوة للقارئ كي يستمر في القراءة ليشارك آدم في حل اللغز الذي أمامه.
ويظهر تأثر المؤلف إسحاق الطويل بالكاتب الأسكتلندي في أمرين آخرين أولهما خلق شخصية آدم، والتي هي مرآة لشخصية شرلوك هولمز المحقق التي ابتكرها آرثر كونان دويل في رواياته. اشتهر شرلوك هولمز بمهارته في التفكير والتنكر والتمويه واستخدام معلوماته في مجال الطب الشرعي لحل قضايا جنائية بالغة التعقيد. يصف إيهاب آدم بأنه ذي قدر كبير “من الذكاء ودقة الملاحظة … وهو يعلم الكثير عن علم النفس والجريمة والتاريخ والسياسة والاقتصاد، وباقي العلوم، وهذه المعرفة مع دقة ملاحظته الكبيرة التي كانت السبب الرئيسي لشهرة آدم المحلية والعالمية بعد حل لغز أول جريمة قتل حدثت في الجامعة” (ص 23-24). وبالفعل يُطلق المحقق غربتشوف ولو ساخرا اسم هولمز على آدم، ويُعرف آدم لاحقا بـ “هولمز القرن الحادي والعشرين”. ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن أشهر المحققين في عالم الرواية البوليسية كان لهم شركاؤهم المتميزون، وهم أيضا يقومون بدور سرد الرواية، ومن أمثلة ذلك الكابتن آرثر هيستنغز أعز أصدقاء المحقق بوارو في روايات أغاثا كريستي.
أمّا الأمر الثاني الذي يُظهر بوضوح تأثر الكاتب إسحاق الطويل بالمؤلف آرثر كونان دويل هو ابتكار شخصية إيهاب المرادفة لشخصية الدكتور واتسون الصديق الوفي والمخلص والشريك لشرلوك هولمز، والذي يُظهر إعجابا كبيرا بالمهارات العقلية التي يمتلكها هولمز. وكذلك الأمر بالنسبة لإيهاب، فهو يصبح صديقا مخلصا لآدم ويصاحبه في جميع مغامراته ولا ينفك في التعبير عن إعجابه بذكاء آدم. إضافة إلى ذلك، واتسون هو الراوي الرئيسي في روايات آرثر كونان دويل، كما يجعل المؤلف إسحاق الطويل إيهاب هو الراوي الأساسي في روايته قضية في المدينة المقدسة. وأخيرا حتى أن الطريقة التي يتعرف بها إيهاب على آدم تشابه إلى حد كبير الطريقة التي يتعرف بها الدكتور واتسن على هولمز، والتي نقرأ عنها في رواية دراسة في اللون القرمزي، أي اللون الأحمر الذي يرمز للدماء والقتل. فكلاهما يبحثان عن زميل يشاركهما مكان سكناهم، إيهاب يجد آدم والدكتور واتسون يجد شرلوك هولمز.
الاستدلال الاستقرائي:
يستخدم آدم نهج الاستدلال الاستقرائي لإيجاد الحلول للجرائم التي ينظر فيها ولتحديد هوية الجاني. فعادة وبعد الاطلاع على تفاصيل القضية يتوصل آدم إلى استنتاج معيّن، يحاول إثبات صحته عن طريق معاينة مسرح الجريمة وجمع الاستدلالات منه، أو عن طريق استجواب المشتبه بهم. نقرأ في الفصل الثالث عن آدم وهو يحلل الرسائل التي يُرسلها المجرم الأوكراني مكسيم “تاجر مخدرات وسلاح عالمي … وهو مطلوب دوليا” (ص 48) ويتوصل إلى نتيجة مفادها إلى أن العملية القادمة للمجرم مكسيم سوف تتم في أوكرانيا، كما أنه بدهائه يستطيع أن يستنتج أن العملية السابقة تمّت في جورجيا. وهذا ما يوضحه الحديث التالي بين آدم والمحقق غربتشوف كما نجده في الفصل الثالث من الرواية.
“آدم: يا سيدي … بالأمس وصلت إلى استنتاج … أنت لم تقل لي أين تمّ تنفيذ العملية.
المحقق: نعم ذلك صحيح
أدم: حسنا … إذا كانت استنتاجاتي صحيحة فإن العملية كانت في جورجيا
المحقق: نعم هذا صحيح. كيف تمكنت من معرفة ذلك؟
آدم: بالنظر إلى الساعة الموجودة في المقدمة … وبهذا نعلم متى تمّ تنفيذ العملية، وفي أية دولة”ص 68.
وعندما يدعو آدم إيهاب وأرتيوم أن لا يقلقا “وكما أخبرتكما … في الغد سأخبركما بكافة التفاصيل” (ص 95) أو عندما يقول لإيهاب في مناسبات عدة ان لا يطرح أسئلة كثيرة؛ لأنه لا يستطيع الإجابة عليها، فهذا دلالة على أنه يعرف الكثير إلا أنه يريد أن يتأكد مما يعرفه قبل إعطاء أية إجابات. والمحقق غربتشوف يمتدح آدم ويقول له: “في الحقيقة أعجبني أسلوبك في الربط بين الأدلة والتخمين الجيد لوقائع الأحداث” (ص 29). ويروي لنا إيهاب في نهاية الرواية واصفا الأسلوب الذي يعمل به آدم: “… إن أسلوبه لم يتغير، فلا يصرّح بكل شيء يعرفه إلا بعد التأكد والانتهاء من الأمر”ص 137.
قضية في المدينة المقدسة
تختلف القصة الأخيرة التي يحمل عنوانها الكتاب “قضية في مدينة القدس” عن غيرها من القصص الواردة في ذات الكتاب. هي قصة بوليسية لا شك في ذلك، غير أنها تحمل في طياتها دلالة تهّم القضية الفلسطينية ومدينة القدس وحمايتها والدفاع عنها. ويبدو أن الكاتب له رسالة معينة يريد أن ينقلها إلى القراء، وهي أن وحدة الفلسطينيين وتضافر جهودهم هي من ستؤدي في النهاية إلى حماية القدس والحفاظ عليها. وعلى الفلسطينيين أن يكونوا مثل “حزمة الأعواد مجتمعة” لا يمكن كسرها. كما يبدو أن الكاتب يحاول التحذير من الصفات التي يتمتع بها الكثير من السياسيين الفلسطينيين وصناع القرار وحتى الشعب نفسه وهي الغدر والكذب والخيانة؛ لأن هذه الصفات ستؤدي في نهاية المطاف إلى الهلاك.
خلاصة
قضية في المدينة المقدسة للروائي إسحاق الطويل كتاب بسيط وسهل. هو ليس أفضل ما يمكن كتابته؛ لكنه خطوة أولى في الاتجاه نحو زراعة بذور الرواية البوليسية في الأدب الفلسطيني. وعلى الرغم من بعض الهفوات اللغوية المتناثرة هنا وهناك داخل الكتاب إلا أن القصص التي يحويه مشوّقة وتستحق أن يقضي القارئ ساعة أو ساعتين من عمره في قراءتها. والملاحظة الأخيرة التي أود مشاركتها هي أن الكتاب ليس رواية كاملة متكاملة، بل يتألف من أربع قصص قصيرة مختلفة بطلها واحد، ولذلك هو أقرب إلى مجموعة قصصية من رواية. وإنني أتطلع بشغف إلى قراءة السلسلة الثانية من مغامرات “هولمز القرن الحادي والعشرين” كما يعدنا الكاتب على لسان إيهاب في نهاية الرواية.
وقالت رفيقة عثمان:
يعتبر الأدب البوليسي من فنون الأدب الهامة، ويعتمد على التحرّي والتشويق والإثارة للوصول للحقائق، وهذا النوع من الأدب من أكثر الأنواع قراءة؛ نظرا للغموض الذي يسلب القارئ؛ لمعرفة الحقيقة. أوّل من أسّس الرواية البوليسيّة الكاتب (أرغان ألان)، ومن بعده أمثال (أرثر كونان دويل) مبدع الشخصيّة الخياليّة (شرلوك هولمز) شخصيّة الشرطي المحقّق؛ (المرسال: أفضل الروايات العالميّة للأداب البوليسية، 2016) هذه هي نفس الشخصيّة التي ابتدعها (دويل) لسلسلة المغامرات البوليسيّة في قصصه؛ والتي تبنّاها الكاتب إسحاق الطويل، وعرّبها تحت شخصيّة البطل آدم.
كتب الكاتب إسحاق الطويل، قصّة “قضيّة في المدينة”، والتي احتوت على مئة وخمس وأربعين صفحة، من الحجم المتوسّط؛ وقسّم القصّة الى خمسة فصول. صمّم صورة الغلاف الفنّان رامي القُبّج، الصورة يسودها اللون الأسود، يغطّي صورة للمسجد الأقصى.
قضيّة في المدينة المقدّسة، قصّة بوليسيّة تدور أحداثها حول فك لغز الجريمة، وإلقاء القبض على الجُناة؛ أسوةً بالقصص والروايات البوليسيّة الأجنبيّة.
اختار الكاتب أربعة أبطال؛ لتحريكها في سرد الأحداث، أحد الأبطال هو الراوي نفسه، باسم بهاء، والبطل المحوري الثاني آدم، والشخصيّة الثالثة هو إبراهيم صديق بهاء.
يبدو أنّ الكاتب استلهم قصّته أثناء دراسته في مدينة كييف بأوكرانيا، واستخدم المكان مسرحا لسرد أحداث القصّة، والمكان الثاني هو مدينة القدس؛ لكون الكاتب (الراوي بهاء)، وصديقيه آدم وإبراهيم من مواليد هذه المدينة. لعب آدم دور البطولة، في التحقيق في جريمة قتل شخصين: رجل وامرأة داخل الجامعة التي كان يدرس فيها؛ نجح آدم بالكشف عن الجريمة بالتعاون مع محقّق الدولة، رافقه صديقه بهاء، ومن هنا روى عن بطولات آدم لصديقه إبراهيم؛ لدرجة بأن أصبح آدم يلقّب ب (هولمز القرن الواحد والعشرين)، ووصل إلى شهرة محليّة وعالمية في حل لغز الجريمة؛ وفي الفصل الأخير، نجح آدم في حل لغز وصيّة، لأب بروفيسور من المدينة المقدّسة، بعد توجّه ابنه إبراهيم، لصديقه بهاء، والذي بدوره ساهم في تشجيع آدم في حل اللغز. برأيي إنّ اختيار الكاتب لشخصيّة آدم للتحقيق، وإبراز تفوّقه على المُحقّق المختص، هذا أمر يّقلّل من مكانة المحقّقين، وانعدام الثقة بهم، والنقطة الثانية، هي عندما قام آدم بالتحقيق مع المحاضرين في نفس الجامعة التي يتعلّم بها كطالب، واتّهامه لهم بالقتل، والذين هم من نفس الجامعة؛ أنه أمر غير منطقي وغير أخلاقي.
زمن بداية السرد للقصّة، في أوّل أيلول من عام 2012 كما ذكر الكاتب في الفصل الأوّل كما ذكر الكاتب في الفصل الأوّل صفحة 13. اهتم الكاتب بعنصري الزمن والمكان (الزمنكية(.
لغة الكاتب سهلة وبسيطة، حواريّة وتقريريّة، تكاد تخلو من المحسّنات البديعيّة، والنص الأدبي السردي، ربّما هذا ما احتاجه الموقف لهذا النوع من النصوص؛ ألفت الانتباه لكثرة الأخطاء اللغوية، والنحوية. كان من الممكن التأني وتدقيق القصة قبل نشرها من قبل لجنة مختصة، ترعاها دار النشر؛ ويُلقى اللوم على دار النشر في الأخطاء الواردة بالقصة.
خصّص الكاتب قسطا كبيرا من النصوص والفصول حول حل لغز الجريمة في أوكرانيا؛ بينما الفصل الأخير، اهتم الكاتب في فك لغز الوصيّة في المدينة المقدسة، ومن هنا تناول الكاتب عنوان القصّة.
برأيي لو تناول الكاتب حل الألغاز داخل المدينة المقدّسة فقط، سيكون العنوان مناسبا وموفّقا أكثر.
لا شك بأنّ القصّة يسودها الخيال الخصب، الذي لا يعرف الحدود، والتمييز مع وقائع الواقع، الخيال فاق الواقع بل أكثر من ذلك؛ الخيال في القصّة شكّل عنصر التشويق فيها، وخاصّة نسج الحبكات المتتالية؛ كما يبدو بأنّ الكاتب متأثر بالروايات البوليسيّة، والمغامرات، والمطاردات حول البحث عن الجناة؛ هذا النوع من النصوص الأدبيّة تلائم جيل اليافعين، اللذين يتماهون مع الشخصيّات المغامرة، والعنف، ممّا يساهم في التفريغ العاطفي لديهم خاصّة في عمر المراهقة. هذا الجانب يُحسب للكاتب، في إبداعه بخلق ألغاز بحاجة إلى ذكاء خارق؛ لفكّها وحل رموزها الغامضة.
تطرّق الكاتب لحادثة “تشيرنوبل” عام .1986 حيث تعرض المفاعل النووي المدني للطاقة الكهربائي إلى تفجير كبير، وأصبحت المدينة منكوبة، أجد بأن عرض المعلومات التاريخية من خلال قصة، تُكسب الطلاب معرفة غير مباشرة بأحداث التاريخ، بعيدا عن التعليم المباشر غير المُحبب للطلاب.
يبدو أنّ الكاتب إسحاق الطويل، لديه الموهبة باختلاق الألغاز والمغامرات نحو حل الألغاز، فلا بدّ من تشجيعه بالاستمرار نحو هذا النهج في كتابة الأدب البوليسي، مع مراعاة مواطن الضعف التي وردت في قصّته الأولي؛ بحيث تصبح سلسلة من المغامرات في المدينة المقدّسة، وعرض أعماله على مختصّين قبل نشرها؛ لضمان الجودة. رغبة الكاتب بالاستمراريّة تظهر في نهاية القصّة، صفحة144. ” سأخبركم بحل (القضيّة الجديدة) يا أصدقائي في السلسلة الثانية من مغامراتي مع “هولمز القرن الحادي والعشرين”.
برأيي قصة الكاتب إسحاق الطويل، تعتبر شيقة ومثيرة للأبناء اليافعين، ومن الممكن تعديلها ونشرها بين الطلاب في المدارس.
أجد ضرورة لتشجيع الجيل الصاعد والشبيبة على الكتابة والنشر، ولكن ليس بأي ثمن، هنا يطرح السؤال نفسه، من المسؤول وأيّة جهة تأخذ على عاتقها مسؤوليّة التوجيه والتدقيق؛ لإخراج القصص والروايات بأفضل صورة، فالمكتبات مليئة بالقصص والروايات التي لا قيمة لها، فهي إهدار، لوقت القارئ، وددليل على انخفاض المستوى الفكري والثقافي للأبناء.
وقالت رائدة أبو الصوي:
غذاء عقلي ورياضة فكرية قدمها لنا الكاتب الشاب اسحق الطويل من خلال قضية في المدينة المقدسة، تحد فكري وتقوية الذاكرة والبحث عن المجهول، الإثارة في قراءة الألغاز تنمي الثقافة والذكاء، والفطنة وقوة الملاحظة تقوي الثقة بالنفس وتدرب الشباب على الصبر وطول النفس .
كتاب شيق جدا ومثير وممتع ،خرج عن المألوف ،جاء الكتاب مغايرا.
الذكريات الحلوة استيقظت مع قراءتي لكتاب قضية في المدينة المقدسة .
ألغاز محمود سالم الكاتب المصري الكبير، الرائد في أدب المغامرات .
تربينا على سلسلة الكتب والألغاز التي ألفها للأطفال والشباب ومن أبرزها المغامرون الخمسة ،الكاتب اسحق الطويل رائد في هذا النوع من الادب .
ياريت عنوان الكتاب كان هولمز القرن الواحد وعشرين .
وكتبت سوسن عابدين الحشيم:
يبدو أنّ الكاتب متأثر بالأدب الانجليزي وبقصص تشارلوك هولمز للكاتب الانجليزي ارثر كونان دويل، فالكاتب اخترع شخصية المحقق المقدسي آدم وبراعته في اكتشاف المجرمين والألغاز لقضايا كثيرة، ممّا جعله مشهورا كأفضل محقق، كما شخصية تشارلوك هولمز. استخدم الكاتب أسلوب السرد الواقعي والمنطق في تحليله للأمور واستخدام الافتراضات الواقعية بعيدا عن الخيال . قسم الكاتب الرواية الى أربع قضايا، اثنتين كان المكان فيهما أوكرانيا حيث يدرس أبطال الرواية آدم وإيهاب. كانت القضية الأولى جريمة قتل لفتاة وحبيبها في مبنى سكن الجامعة وسميت بجريمة الغرفة المغلقة، يتدخل البطل آدم ويكتشف القتلة فيذيع صيته في أوكرانيا ويستخدمه الضابط في عمله، ويصبح محققا مشهورا، وتم استخدامه في القبض على مجرم مشهور وبتدخل من الانتربول، وقد لقب بالعبقري لفطنته وذكائه في بيع الأسلحة وتهربه من الشرطة، وعدم تمكنهم من الإمساك به. والقضية الثالثة هي قضية تشرنوبل وحل لغز البيت المسكون، واكتشافه القبو بين البيتين حيث كان الأخ يخفي إخوته اثر الحروق والتشويه على وجوههم بعد احتراق المفاعل النووي في تشرنوبل.. كانت آخر قضية هي في القدس وحل لغز الصناديق واحتوائها على غاز مخدر، كان الأب قبل وفاته قد أوصى أبناءه بفتح الصندوق، وذلك ليعلمهم درسا بالأخوة والاخلاص والوفاء … نجح الكاتب في وصف الشخصيات وسرد الوقائع، وذكر التفاصيل والحبكة في حل الألغاز من قبل شخصية هولمز القرن الواحد والعشرين كما لقبه في الرواية. زمن الرواية هو في التسعينات القرن العشرين، يروي قصصا وقضايا بوليسية، يساعد البطل صديقه إيهاب كما شخصية هولمز في أواخر القرن الماضي ومساعده الدكتور واتسون. عنصر التشويق كان واضحا في الرواية، حيث تسلسل الكاتب بالأحداث، ممّا يشجع القارئ لمعرفة نهاية القصة وحل اللغز الذي كان يفاجئنا به الكاتب، ولكن الرواية كانت تشمل عدة قضايا ولم تأخذ كل قصة حقها، فكل قصة تبدأ وسرعان ما يوصلنا الكاتب إلى النهاية دون ترك المجال للقارئ للتفكير والتحليل. ربما تناسب فئة الشباب هذه الأيام فنحن في عصر التكنولوجيا والسرعة الفائقة في تحليل كل الامور.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: نمر القدومي وماجد الماني.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات