شامة بيضاء في اليوم السابع

ش

القدس: من رنا القنبر: 13-10-2016ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية مساء اليوم في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “شامة بيضاء” للكاتبة إيمان زيّاد ويقع الكتاب الصادر عن دار دجلة للنشر والتوزيع في الاردن في 103 صفحة من الحجم المتوسّط.
بدأ النقاش ابراهيم جوهر :
في شامتها البيضاء تفيض الكاتبة “إيمان زيّاد” بجرأة أنثوية متحدّية شبح الظلم والموت والفراق لترسم عالمها المشتهى كما تريد وتتمنى. لذا فإنها تحاور آخرها ليكمل معادلة الحياة، والآخر المعشوق ناجته بوله وعشق وأحلام، وهو أيضا استقرار وفرح وانسجام، وهو الطفولة البعيدة التي تبحث عنها في واقع قاس لا يرحم.
وهي تهدي نبضاتها هنا إلى الإنسانية قبل غيرها لأنها تدري أنّ هذا العذاب الذي يدمي قلب الإنسان إنما هو بسبب عدم التعرّف على الحب، فبالحب يزرع الإنسان بساتين الحياة فتزهر عشقا وجمالا واستقرارا بعيدا عن الأقنعة واللصوص والقتل والدماء.
تكررت ألفاظ بعينها في أكثر من نبضة للكاتبة أو خاطرة أدبية محمّلة برؤية ورؤيا وبوح، وهذا التّكرار نبع من تقارب الفترة الزمنية لكتابة هذه النبضات وليس – كما أرى – مقصودا لذاته.
من هنا تكررت لفظة “نهد” و”إصرار” و”أقنعة” وقد يلمس القارئ حزنا ولوما ورغبة بأن يكون الإنسان “حجرا” بلا مشاعر لما تجرّه تلك المشاعر من متاعب وشقاء على المستويين الفردي والوطني العام.
ورغم الوضوح في البوح والتعبير عن الرّغبات الإنسانية لدى “إيمان زيّاد” إلّا أن غموضا وترميزا اعترى هذا البوح وكأنها تقول: هذه الحياة لا توفّر لنا الراحة والبساطة والبراءة بل علينا التّعب لفكّ رموزها وأسرارها.
وفي الصفحة الأخيرة كتبت الكاتبة بدل الفهرس عبارة ذات دلالة وهي تشكّل مفتاحا للاقتراب من عالمها. كتبت: “ثمّة حزن بين الأرقام… وفرح”. وقد أحسنت التوصيف، فالحزن هو الطاغي في مواجهة الفرح المنتظر.
وقال محمد يوسف قراعين:
اللون الأبيض يتحلل في قوس قزح, فينتج ألوان الطيف السبعة. فهل تريدنا إيمان أن نجد في صورها النثرية, كل ما في صدرها من معان مشرقة ومعتمة مرت بها؟ حيث تبدأ بسلام ولو أنه غث, ولكن سرعان ما رأت روحها تمشي على الشوك بسبب الفراق. تستمر في عرض الصور التي توضح ما تستطيع أن تقدمه من عطاء, في صور جميلة من الفن التشكيلي, التي تحتاج إلى تمعن وتبصر في الفلسفة, عند رؤية دبيب النمل مثلا في رقصة هادئة, كأنها أجراسٌ ثملة تحتك, كما نهدين في ليل عاصف.
استمتعت بتركيب هذه الصور, ووضعها في قالب ارتاحت إليه الكاتبة, وتريد من القراء أن يشاركوها في تأملها, غير أنني لم أعد أميل في هذه السن, إلى اللوعة والتلوع, بل أستملح الصور الجميلة المباشرة, التي تريحني, حيث لا أجد يدا تخرج من رأس, أو رجلا تنطلق من كتف, مع عين تبحلق بك في الصدر, يرسمها الفنان بحرفية تدعو إلى التمعن والتفكر لاجتلاء المعنى في ذهن الرسام. قد تعجبني الصور المباشرة في…صورة الشمس على صورتها حين تشرق شمس أو تذر مثلا.
الصور 22-59 مباشرة وجميلة, فقلب الكاتبة يشتعل بثورة تحتاج إلى سلام وسكينة, ويحلق خيالها في الكائنات الفضائية عاليا, كنخلة محملة بالرطب, تنحني لأجله . ولكن الحزن الهائل يغلف المسافة بينهما كسكين حاد, فيغادر الحنين ويحل الفراق. هو يقص أثرها ليلحقها, ولكنها تمسح الأثر بخرقة مبلولة, وهذا منتهى الدلال. لوحات بين رغبة وتمنع وصد حتى تنتهي الحكاية.
النصوص لا تشكو من ظلم المجتمع, مثل أخرى قرأناها, بل هي لوعة الحب, فهذه حال المحبين, فتظلمها بَطر, ومن لا يحتمل لوعة الحب فليتجنبه, وهل تريدين يا سيدتي كما قال شوقي لجارة الوادي, أن يجمع الزمان ليكون يوم رضاك؟!
ثمة نصوص تثير الفضول وحب الاستطلاع:
101 أن يفزع الحمام الغافي, ويركض بملابس النوم إلى مرمى بندقية… أهذا حب؟ هذا ليزر!
105 تعريف جديد للاختناق, ليس بالغرق ولا كتم الأنفاس…إلخ, هو توقف الوقت تماما عند غيابك, فيقول الواحد: ساعاتي أيام وليالي شهور, والأسبوع يزيد على سنة أو أكثر.
107 هذه أضغاث أحلام.
109 ما ذا لو تحالفنا مع وجه القمر؟ لماذا لو؟ ما الذي يمنع؟
114 أستغرب أن يُعلِن الذكور نساءهم على حبل الغسيل. ولو! وين النخوة؟
123 ليتني أصير لفافة تبغ, تحرقني, فأسافر إلى صدرك دخانا, ثم أعلَق. هذه أكثر من دعوة أبي فراس الحمداني حين يقول: إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر.
وقالت نزهة الرملاوي :
شامة مشاغبة تراقص ضلعي، تجذرت فيه
حتى خجل الليل من سمرتها!
شامتي العذبة؛ نهاري اللؤلؤي …وبها أبدأ مطلعي
بهذه الكلمات بدأت الكاتبة ايمان زياد نصوصها النثرية، في كتاب حمل عنوان “شامة بيضاء “، يقع الكتاب الصادر عن دار دجلة للنشر والتوزيع في الأردن في 103 صفحة، من الحجم المتوسّط.
لقد شد العنوان انتباه القارئ؛ فأخذ يتجول بين الكلمات المنثورة، ويغذي روحه من سلاسة الكلمات، وفيض المشاعر التي غطت مساحات كبيرة من تلك النصوص، وإن تعمقنا في العنوان، نجد أن الكاتبة تعمدت تلوين شامتها باللون الأبيض، مع أنها أفصحت في نصها الأول، أن شامتها سوداء خجل الليل من سمرتها، فقد بينت للقارئ السبب في ذلك، معللة أن ألوان قوس قزح إذا اختلطت مع بعضها البعض، سوف تظهر بلون أبيض للعيان، وإذا استبدلنا الألوان بالعواطف، سنجد أن عواطف الكاتبة تفاوتت ما بين فرح وشوق وعذاب وألم وحنين، ونجدها امرأة ذات أجنحة، تصافح نحل الأرض وتمضي ليلتها، هي امرأة لا تريد إلا أن تكون امرأة كبقية النساء، جئن ليبعثن الحياة بكف الهواء، ويمطرن بالحب أنغام الرعاة. هن المزاريب يجمعن في افواههن ريق السماء…وبالرغم من تلك الصفات الرقيقة التي ألصقتها الكاتبة بالنساء، إلا أنها عادة لتذكر أنهن وطن مبتور اللسان ومبتور السيقان ومغتصب النهد ص56 و57.
صورت الكاتبة بنصوصها معاناة المرأة في مجتمعنا الشرقي، وطالبت أن لا تكون عبدة في سوق النخاسة، وأن النساء خسرن الرهان لأن الذكور يقلمون الكلام المشتهى
ويعلقون نساءهم …على حبل الغسيل..ص89
فبالرغم من تعاظم لغة الأنا واستجداء العطف في نصوص الكاتبة؛ الا أنها أوغلت في بيادر أشواقها وحبها للجنس الآخر، وكانت جريئة جدا في سرد مفرداتها، فقد ندمت أنها لم تقبله وتقتل شوقها إليه، وقد أعلنت في نص لها، أنها تفقد بوصلتها وأسئلتها..ويأخذها المد كريشة عصفور سقطت دون مقاومة وبلا شعور، ص60.
في الصفحة63 قالت: اقترب حد الإلتصاق..
حتى تتفرق أنفاسك في حدقة عيني
اقترب حد التوحد حتى ننسى من نكون ص63
تميزت نصوص الكاتبة بالخيال الواسع، ورقة المعاني وعذوبتها، ويتمثل ذلك بهذا النص
ماذا لو بقينا نغزل الغيم ( كنزة) للشتاء
ونرصف رغبتنا بالصور؟
ماذا لو أضعنا حكمة العاصفة
واتخذنا من شعائر الطير طعم المطر؟
ماذا لو تحالفنا مع وجه القمر؟ ص85
وقالت أيضا: جوعى الحب؛ يموتون مرارا
ويقتات على جثثهم الحنين..
وكتبت للأرض معبرة عن الألم الذي يعتصرنا إثر غياب المقاومة ساخرة:
من نهد الأرض نرضع أطفالنا
نقيم ولائم الحرية
في عروق الزعتر والميرمية
والبندقية الغافية في رحم اللوز
ظلت تناجي يدا غائبة
كي تغفر صدأ الزناد. ص32
لقد تميزت نصوص الكاتبة بالجرأة والعمق والاختزال، وفاضت بالتشبيهات والصور البلاغية و ..واللافت للقارئ أنها لم تعنون النصوص، بل استبدلتها بالأرقام .
هناك بعض الكلمات جاءت مكررة ككلمات النهد، نهدين الشفاه، السرير، صدر عار، الرغبة، الرغبات، القبل، القبلات، المقدس، رحم امرأة، الصدر، الظهر، أزرار القميص، الحب، الصلاة.
الكاتبة قدمت لنا في كلماتها وجملها ما عبرت به عن ذاتها ونفسيتها..فرسمت لنا صورا لونتها بمشاعر واضحة المعالم تكاد أن تكون مفصلة، وخاصة في علاقتها مع الجنس الآخر، فوجدنا جرأة في خيالها وحقائق أحاسيسها، عبرت عنهما بوهج شديد، وقد أثرت بعض نصوصها بدعوات نضالية للتحرر، ونادت من يتحللون من انتمائهم للوطن ويسرقونه في الصفحة 34 إلى:
ليس الوطن صوتا كفيروز
ليس رحبا كجنة هلامية،
الوطن يتحلل من إحرام الإنتماء
يقص حبله السري ويمضي بعيدا…
فسيروا على بساط الغنائم بلا اقنعة.
وكتبت رشا السرميطي :
بدأت الكاتبة نثر كلماتها منذ الاهداء تهدهد سرير القارئ على الورق، تطلعه على هواجسها وتشاركه في أفكارها المختلفة، والمجنونة أيضًا، تلك التي تنبض بالحب والحلم والحياة، المفعمة بالصراخ والجدل والرغبة، في حالات اشتعالها، وانطفائها، ومابعد الرمَّاد حضرَّت لأحدهم هدية غير تقليدية اتخذت عنوان:” شامة بيضاء” ذاك العنوان الذي لم يكن فطريًا، فقد اعتاد الناس على اللون الأسود للشَّامة، مما يدعو القارئ ليفكر في سرِّ هذه
الشامة البيضاء؟
أتراها شاخت، فابيَّضت؟
أم أنَّها فقدت لونها من كثرة الخوف والألم وشدَّة الحزن، بالتالي فقدت أصالتها.
مقطوعات إيمان زياد النثرية منذ الأولى تحكي عن شامة مشاغبة اتخذتها مطلعًا لحكاية امتدت في (١٢٩) قطعة تفاوتت بين البهاء والألق والجمال في جرأة أنثويَّة ملحوظة، وبعضها الآخر لم يعجبني، لأسباب كثيرة أذكر منها ذاك الاتصال المرهق للقارئ، فقد تمنيت لو فصلت بين المقطوعات بعناوين ومضامين تقلل من الرتابة، وتفضي للقارئ بفسحة للتأمل والتفكير، أقل ارهاقًا وتكثيفًا ربما..
من المتعارف عليه أنَّ النثر أحد أقسام الفنون الابداعية وغالبًا ما يقارن بالشعر إلا أنهما مختلفان، رغم أنَّهما قريبان جدًا في اللغة والابداع والموسيقى، ثلاث ركائز يجب توفرها، ولكن الشعر كما نعلم يتقيَّد فيه المبدع بوزن وقافية، أمَّا النثر فلا قيود تفرض على المبدع، وإن كان بين الشعر والنثر مواطن خلاف فإنَّ بينهما مواضع اتفاق، فكلاهما تعبير عن المشاعر والأفكار الإنسانية، وهما وسيلة الانسان يوصل عن طريقهما أفكاره و مشاعره وأحاسيسه إلى الآخرين باستخدام اللغة الأدبية العالية التي تنساب الأفكار العذبة من جميع أجزائها لتروي ظمأ المتلقي وتقدّم له حلولا واقتراحات جديدة و أفكارًا غير مسبوقة، وتثير في نفسه مشاعر وتساؤلات عديدة.
أتقنت الكاتبة إيمان زياد كتابة خواطرها التي حددت لها الوجهة والاتجاه، فأسبرت متعمقه بالحب والعشق والاشتياق، متماهية حد اللانهاية تتحدث عن اللقاء والفراق والقبلة والعناق الجسد والروح السرير والمكان وكذلك الزمان ضمن مشاعر جياشة امتلأت معظم الخواطر بها.
بدت اللغة عالية على بعض الأوتار في بوحها، الصور البلاغية والتشبيهات متقنة عند كثير من الومضات الأدبية التي جاد بها قلم كاتبتنا، الموسيقى التي بحثت عنها خلال تصفحي كانت واحدة مما أرهقني كقارئة، أن أتنقل في مئة صفحة على ذات الوتيرة التي لم أتوقعها، رغم بلوغها لمعاني عميقة، لكنني أرى ضرورة التقسيم والتنويع إذ إنَّ المواضيع متقاربة وملتصقة بعض الشيء في غالبيتها.
من بعض الخواطر التي أعجبت بها، تقول:” مذ رحلت/ وأنا أجرب/ فضَّ علاقتي بالباب”، وتقول أيضًا:” يجيئ الحب سريعًا/ فتخطفنا المعجزات/ وحين يسيل الملح/ المبلل بالنَّدى/ نرى عورة الخطيئة/ ونوغل في الغياب”، ” ومشينا إلى الفراق/ كل يجر المسافة نحوه/ يهضمنا العناد.. كلقمة مرَّة”. ” أسمعني عتابك/ هزَّني قليلاً/ حتى يتساقط خوفي/ كثلج قطني”، وغيرها الكثير مما أعجبتني به اللغة والعمق والنظرة السابرة للذات والنفس في الحب والمشاعر وكذا نبض الانسانيَّة.
ختامًا النثر إبداع عقلي على مريده أن يتراكم لديه كم هائل من المفردات التي لا تأتي إلا بالقراءة والاطلاع، على أن تصاغ تلك المفردات بثوب أسلوبي جميل يفتن كل من ينظر فيه، وفقت كاتبتنا بمضمون كتابها لكنَّ الاخراج الفني وتوزيع البوح أعتقد بحاجة لاعادة نظر.
وكتبت هدى خوجا:
في حديقة من النّصوص النّثرية؛ تفوح عطرا تارة بالأقحوان والنّرجس؛ وتارة بالزّنبق والزّعتر والمريمية واللّوز والجوري؛ وبفاكهة الجولان والألوان المختلفة؛ مع لحن الكلمة والحرف ،تنبعث ظلال وعبق الكلمات؛ والنصوص في شامة بيضاء، مع الكاتبة إيمان زيّاد
كان الإهداء بملء ما يسعد الأمل بياض الغيم ومتشعبا، ومن ضمنه لأجل كل امرأة ظنت أن الكون سينصفها، وما زالت معلقة في عنق الموت.
للألوان جمالها وسرّها الدّفين في النّصوص، ما بين أبيض وأسود وأحمر، وفرح وحزن وتشاؤم وأمل، كتمان وتصريح؛ شمس وغروب، جنازة وحبّ، وأحيانا تمرد على البياض؛ ليعم السّواد وظلمة الليل الدّامس، وخلع حذاء الصّبر والهروب حافية.
كيف الصّمود؟
اصمد كضلع زيتونة حتّى يجفّ الدّم
شبّهت الظلم بمارد فرّ من قارورة الموت ص 49
أنصفت النّساء بوصفهنّ” أوراد السّلام جئن يبعثن الحياة بكفّ الهواء”ص56 والاهتمام بأحاسيس المرأة والرّفق والرّقة بالتعامل معها
أسئلة وإجابات.
قل لي ماذا تبقّى لي منك ؟
غير دخان سجائرك
كيف جئت وحدك؟ أسئلة تنتظر الإجابة
ما هو الوطن الّذي تبحث عنه الكاتبة؟
ص77 ” الأطلس
يمسك زنّار الدّولة ويشده كيف يشاء، سأفتش عن وطنٍ آخر
لم يحلق شاربه بعد.
وفي المطر والعراء والصّمت؛ سنفتح المظلة ياسمينا ” يجلب دمشق إلى راحتي ” ص79
وفي النّهاية الموت والسّواد والتّشاؤم ،ثمّ إضاءات الحياة ما بين أبيض وأسود؛ ومد وجزر تحلّق بنا الكاتبة، العيد الفرح أم الحزن وليل ونهار ومرآة تكسر العطر المأسور.
وقال نمر القدومي:
” عصفورٌ يهزُّ القفص وينتظر أن يموت الغول من أثر السّعال” .. إنها أنثى غَلَبَ عليها شكل إمرأة تحمل سوطا تجلد فيه أقدار الزمن، وتبقى تحسُّ بمذاق ذلك الصّوت الخافت آتيا إليها من أعماقها. إنه لا يتوقف أبدا، يخزّك بإستمرار الى مواصلة البحث وراء خيالات المجهول؛ ففي الرّوح ثقب أسود يبتلع الأشياء، تخشى أن يعود إلى دواخلها فيُدفن في قلبها. رصفت الكاتبة الفلسطينيّة “إيمان زيّاد” نصوصا شديدة الكثافة والإختزال في مجموعتها النثريّة الأولى “شامة بيضاء” الصّادرة عن دار دجلة في الأردن عام 2015 والتي تقع في 104 صفحات من الحجم المتوسط. تميّزت هذه النثريات بجدليّة ذاتيّة، وروح مستنفرة تعيشها الكاتبة بطريقة وأسلوب لا يعيشها إنسان عادي. لا شيء عندها يتوقف أو يتجمّد، ولا شيء يموت أو يتلاشى، فهي تؤنسن الجماد وتبعث فيه الحياة المستمرة، ويبقى خيالها يصارع هذا التحدي القائم على الحياة الإنسانيّة بصورتها الواقعيّة.
“إيمان” الباكية الضاحكة، الفَرِحة الحزينة والجريئة في طبيعتها، تبحث عن الإجابات بنفسها. هي إمرأة تعشق السّيطرة على الواقع، ولا تتقبّله إلاّ كما هي تشاء، فتبسط جناحيها لتكون طائر محبّة يبعث في البشريّة بذرة الخلود من أجل السعادة الأبديّة. تابعت الشهيد، فيما لو لم يستشهد، وأكملت له أحلامه، وتابعت السّجين، فيما لو لم يُسجن، وأكملت له باقي حياته في خيالاتها الورديّة. قالت “سأبسط كفي حديقة تتأهب بين شقوقها المراجيح… ” تطول يد الكاتبة لتمسك وتمنع الألم والأذيّة ، وأيضا تمنع موت الأطفال في وطننا العربي، وبذلك تجاوزت الأزمنة والأمكنة بإحساسها الصّادق. أما العنوان فقد يثير تساؤلات ويستفز القارئ ليستمر في البحث عن مفتاح السّر الذي تحويه أبعاد “الشامة البيضاء” ، فتعطيه مساحة من التخيّل أو التّوهم، ومساحات من التأويل هو في حاجة لها لإدراك ما وراء الأشياء .إنها الشامة المشاغبة الغير عادية والغامضة حد الوضوح، فاللون الأبيض في الثقافة العربية له دلالات ورموز فرح وأمل وتسامح وحُب، في حين لم تخل غالبية النصوص من الدلالات المؤلمة من موت يتخفّى بين السطور تارة ويظهر تارات، أو أكفان تنتظر أصحابها في وطنٍ مُعذّب!!
إعتمدت الكاتبة “زيّاد” لغة سلسة بسيطة، وأحيانا نجد في كلمات النٌَص الواحد زُخرف الأبعاد المختلفة والخيال الخلاٌق، فهي تُصيب الحَدَث بعينٍ ثاقبة، وتُشرّح روح القارئ حتى نهاية الحكاية. لديها عمق في التصوير تعكس جمالية بلاغية تتمتّع بها وذلك من خلال نصوصها المائة وتسعة وعشرين؛ إنها نصوص حادّة ومُسننّة ولها تركيباتها الخاصّة التي تحوي جملاً قصيرة ذات قوة ومتانة، مما يستدعي من الزائر التوقّف والتفكّر. فقد تلوّنت هذه النصوص وفقاً للأوضاع العاصفة بالحجر والبشر، وتم قصدا تجريدها من العناوين حتى لا يتقيّد القارئ بضيق الخيال والفكر. كذلك تنوّعت بين قصيرة ومتوسطة وومضات بعد أن آتت أُكُلها تحت مظلّة الإطار الإنساني وقضايا الوطن والطفل والطبيعة والمرأة والروح الإنسانيّة، وما زالت “إيمان” تصرخ .. وطني يجرفه السّيل فتاتا.
وقالت هدى عثمان :
في سكون الليل
يحتلني
وجهك
أقفز إليهِ
شامة بيضاء
يراودها
أمل باللجوء . (نص 58) .
هي انثى تحمل شامة بيضاء تبحث عن اللجوء والفرح, إنها الكاتبة إيمان زياد في مجموعة نصوص نثرية تقع في 103 صفحات من الحجم المتوسط بلا عناوين لدار دجلة للنشر .
إلا أن الكاتبة تغمز لنا في نهاية الكتاب بعنوان وحيد فهرس لتخبرنا أن ” ثمة حزن بين الأرقام…والفرح ” .
تجتمع أعضاء الجسم بكثرة ,وبصورة ملفتة مؤثرة عميقة,جريئة, جميلة وبصور مختلفة تحمل قوة عاطفة الانثى بلسان الأنا الفردي ما بين الألم والحنين ,غياب الحبيب ,الوطن والإنسان .
عض قلبي
لا أحتمل جوع عينيك . (نص 7)
وفي نص آخر
بأصابع قدمي
أروم جدران البئر . (نص 12 )
نلاحظ تكرارا للمفردات في أغلب نصوصها النثرية مما يفقد من قيمة النص, فحبذا لو تداركت الكاتبة تكرارها للمفردات وتريثت في إختيارها للكلمات خصوصا وأنها تمتلك ثروة لغوية جميلة .
الكلمات التي تتكرر هي ( قميص- نهد -سرير- قلبي صدر -غيم -وغيرها ).
فكلمة “قميص” على سبيل المثال الا الحصر تتكرر بشكل ملحوظ في اكثر من نص .(النصوص التالية _ 38, 85 ,2 124, 129 ).
وكلمة نهد في النصوص التالية ( 70, 68 ,62 ,37 ).
وقالت رائدة أبو صوي:
شامة سوداء عبارة مألوفة وصورة نراها باستمرار …أما شامة بيضاء!
العنوان أثار فضولي .وشجعني على قراءة الكتاب .
توغلت بين السطور وفي الحروف .
بحثت عن السبب وراء هذا العنوان اللافت والمثير للقاريء .
غلاف جذاب، انجذبت نحو الكتاب كما تنجذب النحلة نحو زهرة برتقالية تتدلع تحت خيوط الشمس الذهبية في الصباح .
في زمن ازدادت به البقع السوداء على صفحات الحياة البيضاء .اشتاقت أرواحنا للون الأبيض .
نحن بأشد اللهفة للنقاء والصفاء والطهر الذي تحمله كلمة أبيض .
في مقدمة الكتاب وجدت راحة وهدوءا وأنا أتجول بين النصوص.
وجدت ذاتي .لم أكن وحيدة كما كنت أعتقد قديما التي تتألم للمشهد العام .
كلمات بسيطة ولكنها تقع ضمن [السهل الممتنع] لا يستطيع الكتابة عنها الا كاتب أو كاتبة لديه الأدوات والثقة بأن هناك أمل قادم .
تغويني الفلسفة جدا .وفي هذا الكتاب فلسفة .
كلمات كالندى على زهر الياسمين سقطت على قلبي وعقلي فانتعش بها كل جزء من أجزاء جسدي .
{ وطني مليء بالكائنات الفضائية …بعضها الآن يتسلق قفصي الصدري!
ص(25 )
تشبيه قوي للحالة التي نعيش فيها .
و “مذ رحلت وأنا أجرب فض علاقتي بمقبض الباب” ص (28)
نوافذ ضيقة انبعث من خلالها الضوء الأبيض …بصيص أمل في النثريات .
كنت أتمنى لو أن الكاتبة جعلت المحطات أطول والأستراحة والتمتع في النثريات أكثر.
الكاتبة أوصلتنا الى منتصف البئر وقطعت الحبل فينا .
تركتنا في حالة من الأنبهار وسؤال حائر يقف أمامنا ويصرخ بصوت عال:
وماذا بعد ؟.
وقد شارك بالنقاش : عبدالله دعيس ، وطارق السيد، وماجد فتياني، وخضر ابو ماضي ، وسهير زلوم .

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات