برج اللقلق في ندوة اليوم السابع

ب

القدس:21-4-2016 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس  رواية برج اللقلق للأديبة المقدسيّة ديمة جمعة السمان، صدرت الرواية عن  مكتبة كل شيء الحيفاويّة عام 2016، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ طالب الدويك،  وصمّمها وأخرجها فنّيّا شربل الياس في 466 صفحات من الحجم المتوسط،

ديمة جمعة السمان :

– ولدت في القدس الشريف وتلقّت تعليمها في مدرسة شميدت، وبعد الثّانوية درست ” علم اللغات ” في جامعة بير زيت .

– حاصلة على دبلوم عال في الاخراج التّلفزيونيّ.

– – عملت في الصّحافة حيث عملت في بعض الدّوريّات التي كانت تصدر في القدس ومنها : – مجلة الأسبوع الجديد، مجلة مع النّاس، صحيفة الصدى، صحيفة مرايا.

–  شغلت عضوا منتخبا في الهيئة الاداريّة لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيين .لعدّة دورات.

– متزوّجة من المحامي علي أبو هلال، وأنجبا ثلاثة اطفال: يارا ، يزن ، وراني .

–  تعمل الآن مديرا عامّا في وزارة التّربية والتّعليم الفلسطينيّة .

–  كتبت القصّة القصيرة، الخاطرة، المقالة، اضافة الى أعمالها الرّوائيّة وهي:

–  القافلة، صدرت عن منشورات دار الهدى في كفر قرع عام 1992

–  الضّلع المفقود، صدرت عن دار العودة للدّراسات والنّشر في القدس في كانون ثاني 1992

–  الأصابع الخفيّة، صدرت عن منشورات دار الكاتب في القدس عام 1992

–  جناح ضاقت به السّماء، صدرت عن مؤسّسة ابداع للنّشر في أمّ الفحم عام 1995

–         ثنائيّة “وجه لزمن آخر” و”بنت الأصول” عامي 2010 و 2011 عن الهيئة العامّة المصريّة للكتاب.

–         رحلة ضياع- دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس 2010.

–         غفرانك قلبي- دار الجندي للنّشر والتّوزيع- القدس.

وقال جميل السلحوت:

الكتابة عن القدس ليست جديدة على الرّوائيّة المقدسيّة ديمة جمعة السّمان المولودة في القدس القديمة، والتي تنحدر من عائلة مقدسيّة عريقة، تعيش في المدينة، تعرف مقدّساتها، أسواقها، أزقّتها، حاراتها، عادات وتقاليد أبنائها المقدسيّين، ونمط وأسلوب حياتهم. فقد سبق وأن أدخلت القدس في روايتها الأولى “القافلة”، وثنائيّتها “وجه لزمن آخر” و” بنت الأصول” التي دارت غالبيّة أحداثها في القدس، وها هي تعود إلينا هذه المرّة برواية من ألفها إلى يائها عن مدينتها القدس، فأحداث هذه الرّواية في القدس وأبطالها مقدسيّون من أسرة مقدسيّة واحدة، واسم الرّواية يحمل “برج اللقلق” أحد المعالم التّاريخيّة المشهورة في مدينة القدس، وتحديدا في حارة باب حُطّة في القدس القديمة، داخل الزّاوية الشّماليّة الشّرقيّة لسور المدينة التّاريخيّ .

ويمتدّ زمن الرّواية قرنا كاملا تقريبا، أي من أواخر العهد العثمانيّ حتى نهاية القرن العشرين،  وأديبتنا ديمة السّمان التي تلتقط الأحداث بعيني صقر، والمستمعة لدبيب النّمل كثيرة السّؤال وكثيرة الاستماع الى ما تجود به جعبة والديها وأجدادها وشيوخ وشيخات مدينتها، عن تفاصيل  الحياة التي عاشوها في مدينتهم، وحتّى التّي نقلوها بالتّواتر عن أبائهم وأمّهاتهم فيما يتعلّق بالمدينة المقدّسة، كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟ عدا عن قراءتها الدّؤوبة لكلّ ما يكتب عن تاريخ المدينة المقدسّة، وما كتبه عنها الرّحّالة الذين زاروها، يضاف إلى ذلك معاصرتها الشّخصيّة للأحداث في العقود القليلة الماضية، فهي ابنة المدينة التي ولدت وترعرت ولا تزال وستبقى فيها، وواضح أنّ الكاتبة المقدسيّة لم تكتفِ بالتّاريخ الرّسمي المكتوب عن المدينة، فلجأت إلى التهام الرّواية الشّفويّة عن المدينة ومواطنيها بعاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما سيراه الكاتب في روايتها هذه”برج اللقلق” والذي لا ولن يتوفّر لغيرها من المقدسيّين، الذين لم يعيشوا الحياة المدينيّة في القدس، كونهم يعيشون في ريفها.

واذا كانت القدس تشكّل أحد هموم كلّ عربيّ ومسلم ومؤمن، فإنّ هموم القدس تشكل همّا شخصياً لكاتبتنا، فهي تعتبر المدينة بيتها الذي تسكنه، ومن هنا جاءت روايتها لتشكّل إضاءة جميلة لسيرة هذه المدينة التي أرهقتها الاحتلالات والغزوات المتعاقبة عليها.

وقد اختارت الكاتبة أن يكون المكان الرّئيس لأحداث روايتها “برج اللقلق” الذي يحمل اسم الرّواية، وهو مكان تاريخيّ تصفه الكاتبة في السّطر الأوّل من الرّواية قائلة: ” هناك في الطّرف الشّرقيّ الشّماليّ لسور مدينة القدس العظيم .. داخل عمق البلدة القديمة يقع بيت آل عبد الجبّار .. في منطقة اسمها برج اللقلق من حارة باب حُطّة.”

وبرج اللقلق منطقة مرتفعة تُشرف على المسجد الأقصى المبارك، ويشرف على جبال القدس، وعلى معالم المدينة الدّينيّة والتّاريخيّة، من مساجد وأديرة وكنائس ومدارس ومتاحف.

وبالتّأكيد فإنّ الأطماع الاستيطانيّة التي تستهدف المكان، كما تستهدف المدينة برمّتها هي التي استفزّت مشاعر الكاتبة، خصوصا وأن عائلتها المقدسيّة تسكن هذا المكان منذ مئات السّنين، فكان هذا البركان الذي انفجرت حممه بهذه الرّواية .

وقد استهلّت الرّوائيّة روايتها بوصف دقيق للمكان، ثم شرعت تتحدّث عن الأوضاع الاقتصاديّة البائسة في أواخر العهد العثمانيّ التّي عاشتها الأسرة، التي يتناوب أبناؤها البطولة الرّوائية جيلا بعد جيل، إنّها أسرة ” آل عبد الجبّار ” التي دفنت الجدّ الأوّل للأسرة في باحة البيت قرب شجرة “بطمة ” عمرها مئات السّنين. فكان قبره وسيرته منارة يهتدي بها أبناء وأحفاد العائلة، يعيشون على أمجاده ويسيرون على هديه، ويستمدّون منه العزيمة والارادة الصلبة .

ففي أواخر العهد العثمانيّ، تمّ تدمير الاقتصاد، وازدادت الضّرائب، وازداد نهب الأتراك لخيرات البلاد، وازداد الظّلم والمظالم، ومع ذلك فإنّ أسرة عبد الجبار التي توارثت السّيادة الاجتماعيّة لم تستسلم، فكان رأسها دائم البحث عن مصدر رزق جديد، فبعد أن أغلق حانوته لضيق ذات اليد عمل “عتالًا” في باب الخليل، وخاض صراعات مريرة مع معشر “العتّالة”، الذين رأوا فيه منافسا عنيدا لمهنتهم ومصدر رزقهم، وبعد صراعات أدخلته السّجن، عمل حطّابا، يحتطب من البراري، ويخزن حطبه في مغارة “الهيدميّة” وهي كهف عظيم تزيد مساحته عن الدّونم الواحد، لا يزال قائما تحت مقبرة باب السّاهرة ما بين باب العامود وباب السّاهرة، وهنا توغل الكاتبة في وصف الأحوال المعيشيّة للمقدسيّين، كما تصف المدينة نفسها، حيث كانت تغلق أبواب القدس القديمة من ساعات الغروب وحتى شروق الشّمس، لحماية المدينة من اللصوص والغزاة، ومن الذّئاب المفترسة، حيث كانت الضّباع تصل إليها، وكانت زقاق المدينة القديمة تضاء بمصابيح الزّيت، التي كانت توضع على مفارق الزّقاق، ثم تتحدّث عن مقاومة المقدسيّين بشكل خاصّ والشّعب الفلسطينيّ بشكل عامّ للأتراك الذين طغوا وتجبّروا، وعاثوا في الأرض فسادا، إلى أن جاء الانتداب البريطانيّ، حيث انفرجت الأوضاع الاقتصاديّة قليلا، وانتهى عصر المجاعة الذي صاحب أواخر العهد العثمانيّ، لكن ذلك كان مصاحبا لفتح باب الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، تمهيدا لاقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين، ممّا دعا الفلسطينيين إلى المقاومة، وكان لأسرة “آل عبد الجبّار” وخصوصا رأسها دور رئيس في المقاومة .

وتحصل النّكبة الأولى في عام 1948 حيث هزمت الجيوش العربيّة التي بنى الفلسطينيّون عليها آمالا كبيرة، وتعرّج الكاتبة بعد ذلك إلى ثورة 23 يوليو 1952 في مصر والتي قادها الرّئيس الرّاحل جمال عبد الناصر، الذي توالت المؤامرات عليه لاضعافه واسقاط حكمه، فكان العدوان الثّلاثي على مصر في 29 تشرين أول 1956 لتتوالى الأحداث إلى أن تصل إلى حرب حزيران 1967، والتي احتلّت فيها اسرائيل ما تبقّى من فلسطين التّاريخيّة، اضافة إلى صحراء سيناء المصريّة، وهضبة الجولان السّوريّة. وتتواصل المقاومة ويسقط الشّهداء من آل عبد الجبّار ومن غيرهم، ثم تأتي حرب تشرين عام 1973 وبعدها في العام 1977زيارة الرّئيس المصريّ محمد أنور السّادات لاسرائيل، واتفاقيّات كامب ديفيد إلى أن انفجرت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في كانون أول 1987، وليشارك فيها الشّعب الفلسطينيّ بمختلف أعمار أبنائه بدءا من الأطفال، ومرورا بالشّباب وانتهاءا بالشّيوخ .

وتطرح الكاتبة في الرّواية قضيّة العمالة للاحتلال من خلال ” ليث ” حفيد عبد الجبّار من ابنته نفيسة، الذي سقط في براثن العمالة من خلال الجنس والمخدّرات، فباع العقارات للمحتّلين، ووشى بالمقاومين، وليقتل في أواخر الرّواية على يد والدته بعد أن عاد الى رشده دون علم والدته، واستعد للقيام بعمليّة استشهاديّة يكفّر فيها عن ماضيه الأسود، ولتنتهي الرّواية بأن تفجّر والدته نفيسة “الحفيدة ” نفسها بالحزام الذي كان معدّا كي يفجر ليث نفسه به .

الأسلوب :

استعملت الكاتبة في روايتها أسلوب السّرد الرّوائي الذي يطغى عليه عنصر التشويق؛ فيوقع القاريء في حباله، ولا يتركه إلّا وقد أتى على الرّواية رغم طول صفحاتها، ويلاحظ أنّ الرّوائيّة قد أدخلت أسلوب الحكاية ولو بشكل قليل في روايتها، وهي قضيّة لا تكاد تخلو منها أيّ رواية .

الخيال :

القارىء لأعمال الرّوائيّة ديمة السّمان لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليقف على الخيال الجامح الذي تتحلّى به، وخيالها في هذه الرّواية هو من باب الخيال الواقعيّ الذي يصهر القارىء في حيثيّات العمل الرّوائيّ. ويبدو أنّ مضمون الرّواية هو الذي سيطر على الكاتبة، فدمجت الخيال بالواقع، وخرجت لنا بملحمة روائيّة تشكّل اضافة نوعيّة للرّواية العربيّة، ومتميّزة فيما يُكتب عن المدينة المقدّسة .

اللغة:

تكثر الكاتبة من الصّور البلاغيّة والتّشبيهات الجميلة في روايتها، مما يدغدغ مشاعر القارىء الحاذق.

الأمثال الشعبيّة :

استعملت الكاتبة عشرات الأمثال والحكم والأقوال الشعبيّة، لدعم مواقف شخوص روايتها، وقد استعملت هذه الأمثال في مواقعها الصّحيحة، ممّا يشير إلى أنّ الرّوائية المقدسيّة تتحلّى بثقافة شعبيّة واسعة، وهذه قضيّة لصالحها ولصالح أعمالها الرّوائيّة.

ملاحظة :

تحرّكت في الرّواية عشرات الشّخصيّات التي سيطرت عليها الكاتبة بشكل قويّ، لكن يؤخذ عليها أنّ أسماء الأحفاد كانت مثل أسماء الأجداد، فمثلا علي بن عبد الجبّار بن عليّ بن عبد الجبّار بن عليّ. .. إلخ ونفيسة هي حفيدة نفيسة، ومع أنّ هذه المعضلة في الأسماء موجودة في مجتمعنا بشكل واسع، إلاّ أنّها تضع القارىء في حيرة من أمره في تحديد الفوارق بين شخصيّة الجدّ وشخصيّة الحفيد.

يبقى أنّ نقول أنّ أديبتنا استفادت كثيرا من التّاريخ الشّفويّ للمدينة ولمواطنيها، وهذا قد لا يتسنّى لغيرها، لأنّه لم يعش المرحلة، ولا يعرف طبيعة الحياة الاجتماعيّة لمواطني المدينة، ومن هنا يأتي تفرّدها وتميّزها عندما تكتب عن مدينة عظيمة كالقدس، لكنّها لم تكتب تاريخا بل كتبت رواية غير مسبوقة.

وقال عبد الله دعيس:

الضعف والبطولة في رواية برج اللقلق

برج اللقلق، عنوان عريق ينبع من قلب القدس العتيقة، يتعالى هناك، ليطلّ على ساحة الأقصى الشريف بقدسيّته وجلاله، ويرقب جبل الزيتون وجبل المكبّر. وتتداعى حوله حارات القدس القديمة؛ لتحكي قصّة المدينة، وقصة الإنسان الذي عاش فيها وتشبّثت جذوره بتربتها، كما شجرة البطمة القديمة في حوش بيت عبد الجبّار.

تحكي رواية برج اللقلق قصة المكان، وقصّة الإنسان العربيّ المسلم الذي يشغل هذا الحيّز. يتناغم المكان والزمان معا، لينتجا القدس التي ترفض بقوّة كلّ دخيل، وتفضح كلّ عميل. المكان هو برج اللقلق، وبيت عبد الجبّار القديم الذي قهر السنين، وبقي ثابتا راسخا يدلّ على أصالة المدينة، وشجرة البطمة التي تظلّل قبر الشيخ عليّ منذ مئات السنين. وكما المكان، يبقى الإنسان راسخا في هذه الأرض: يهلك عليّ ويخرج عليّ آخر، ويهلك عبد الجبّار ويخرج عبد جبّار آخر. أمّا نفيسة فهي حكاية المرأة القويّة التي تحمي عائلتها وزوجها وبيتها ومدينتها، وتهلك نفيسة لتخرج نفيسة أخرى، ولتنتهي رواية برج اللقلق عندما تفجّر العجوز نفيسة، حفيدة نفيسة الأولى، نفسها في حافلة للصهاينة، لتعلن ميلاد نفيسة أخرى وعبد الجبار وعليّ آخرين، وتعلن أنّ هذه الحلقة المباركة ستبقى، وأنّ المحتلّ سيذهب كما ذهب من سبقوه. أمّا قبر الشيخ عليّ فيبقى، ويبقى أحفاده يروون الأرض بدمائهم ويلفظون كلّ عميل.

هذه الرّواية تحكي قصص البطولة والضّعف على هذه الأرض، والصراع الدائم بينهما؛ فهذه المدينة الصامدة البطلة، تضعف أحيانا وتسقط بيد الأعداء، لكنّها تتعالى على الفناء وتنجب الأبطال الذين يحيلون ضعفها قوّة، وهزيمتها نصرا. فالبطولة تبرز دوما من أحشاء الضعف، لكنّ الأخير لا يتلاشى ولا يفسح المجال للبطولة أن تسود.

تبدأ الحكاية في مدينة القدس، أواخر العهد العثمانيّ. مدينة يعمّها الجهل ويسودها الخوف، حتّى أنّها تغلق بوّاباتها على أبنائها مساء؛ تخشى الأرواح الشرّيرة وقطّاع الطريق، وتستسلم لقدرها تحت حكم مَن يسرق خيراتها وهي تتلهّى بجهلها وجبنها. لكنّ البطولة تتجسّد في عبد الجبّار، حفيد الشيخ عليّ الذي جاء فاتحا مع صلاح الدين الأيوبيّ، فيكسر جدار الخوف، ويخرج خارج حدود المدينة ليلا هازما فكرة الشياطين والأرواح، ليزيح ببطولته غشاوة من جهل لازمت النّاس عقودا وأضعفتهم.

ثمّ يضعف النّاس أمام المجاعة التي اجتاحت المدينة. فينكسرون للجوع، ويصبحون أكثر شراسة من الوحوش والأرواح التي كانوا يخشونها من قبل. ويتصارع النّاس من أجل لقمة العيش، ويتحوّلون إلى وحوش كاسرة. ويبرز هنا نوع آخر من البطولة: تظهر نفيسة، زوجة عبد الجبّار، تدافع عن قوت عيالها وتنتشلهم من براثن الموت جوعا. أمّا عبد الجبار فيركب طوف البطولة مرّة أخرى، ويقود النّاس في ثورة ضد الأغنياء والمتسلّطين، ينتزع الأرزاق التي حجبوها عنهم.

لكنّ عبد الجبّار القويّ، الذي تحدّى عصابة اللصوص وأبطل الخرافة، ما يلبث أن يضعف أمام الجهل والخرافة مرّة أخرى، ويقع فريسة لهما. فنراه يخشى جدّه الميت وتلتبسه كوابيس جدّه الذي يحضر ليلا ليجلده، وينصاع لهذا الكابوس حتّى أنّه يطلّق زوجته نفيسة. أمّا نفيسة فتتحدّى هذه الخرافة، وتنطلق ليلا لتطفئ السراج الذي يضيء قبر الشيخ عليّ؛ فهذا السراج عنوان للجهل، يعود النّاس ليضيئونه عند كل هزيمة.

ويضعف النّاس أمام الجهل. يظهر بعض المتعلّمين الذي يدركون حقيقة الأمور، أمثال الأستاذ حيدر والأستاذ عبد العظيم فيما بعد، لكن هؤلاء أيضا يقعون ضحيّة جهل من نوع آخر، جهل يجعلهم لا يدركون ما يدور حولهم من مؤامرات، ويقفون في صفّ العدو دون أن يشعروا، فتتحول بطولتهم إلى هزيمة وعلمهم وبالا عليهم.

يرضخ الناس للاستعمار الإنجليزيّ برهة من الزمان، خاصة بعد أن تتحسّن أحوالهم المعيشيّة مع قدوم الإنجليز وتنتعش تجارتهم، لكنّ هذا الضعف لا يدوم طويلا حين يهبّ الناس في ثورة ضدّ الانجليز، يكون عبد الجبّار بطلا فيها، يتشرّد في الكهوف والجبال؛ لينكّل بالعدوّ ويقضّ مضاجعه.

يدب الرعب في قلب أهل المدينة بعد مجزرة دير ياسين واستهداف القنّاصة اليهود لعابري السبيل في أزقة المدينة وطرقاتها، لكن عليّ ابن عبد الجبّار يحمل راية الجهاد بعد أبيه، ويدافع عن القدس، ويصمد أمام الصهاينة الذين حاولوا احتلالها في عام 1948، ويخسر ذراعه بعد أن ينكّل بالعدوّ ويحمي المدينة.

ويعود الجهل والضعف عندما يركن النّاس إلى الجيوش العربية التي دخلت فلسطين وتسلّمت زمام الأمور، لتسلّم البلاد لقمة سائغة للعدوّ، وتثبّت له دولة وحدودا. ويمضي النّاس في جهلهم، فتخدعهم الخطابات الرنّانة والوعود الكاذبة التي دأب الزعماء العرب على ترديدها، حتّى كانت الكارثة وسقطت القدس في أيدي الأعداء عام 1967. وهنا يهبّ عبد الجبّار وحفيده عليّ، رغم عجزهم وضعفهم، ويُقتلون على ثرى مدينتهم التي قضوا حياتهم منافحين عنها.

وكأنّ الهزيمة تجلب الجهل والضعف في أحضانها، فنرى رجال عائلة عبد الجبّار يريدون أن يقتلوا نساءهم بأيديهم أثناء الحرب خوفا على عرضهم، ثمّ يعودون بعد الهزيمة؛ ليقدّسوا قبر الشيخ عليّ ويؤمنوا ببركاته وقدراته الخارقة.

وبعد الهزيمة والضعف، يعود عبد الجبار الحفيد، ليصبح مناضلا ينقل السلاح للفدائيّين ويقضي سنوات عمره، ويستشهد في سجون الاحتلال. وتبرز البطولة والضعف على أشدها في نهاية الرّواية: فالأحفاد عليّ وشروق وجهاد مناضلون أشدّاء يقفون في وجه العدوّ بشراسة وقوّة، بينما يسقط ليث في براثن العمالة. وتتصدى له أمّه نفيسة، فتقتل ولدها بيديها لتمنعه من بيع البيت الكبير في برج اللقلق للأعداء، ثمّ تضحّي بدمها، لترسم مسيرة المدينة ومسيرة عائلتها من جديد.

برج اللقلق رواية رائعة، تحكي تاريخ مدينة القدس، في لحظات قوّتها ولحظات ضعفها، على مدى قرن من الزمان،. تتقلّب المدينة وتنتقل من احتلال إلى احتلال، ويضعف أهلها تحت سياط العدو وسياط الجهل، لكنّهم دوما يعودون إلى أصالتهم، ويبرز من بينهم الأبطال الأقوياء. وتبقى شجرة البطمة العتيقة تخبّئ في عبّها السلاح، ويبقى قبر الشيخ عليّ في ظلها، يبعث العزّة والاعتزاز بالماضي التليد من جانب، ويرمز للجهل والضعف من جانب آخر.

وقال نمر القدومي:

“برج اللَقْلَق” … ملحمة  فلسطينيّة

عرفتُ طريقي إلى تلك القلعة، واحتسبتُ خطواتي بتأنٍّ والقلوب خفّاقة، تصاحبها مشاعر جيّاشة. حملتُ الكلمات بين أيادٍ مُرتجفة، والعبارات سبقتْ زماني وأصبحتْ حكاية، وجلستُ في أفياء شجرة البطمة تراقبني أرواح مَن عاشوا هنا في السّنوات الخالية. عنهم كتبتْ الأديبة المقدسيّة “ديمة السّمان” في روايتها الجديدة “برج اللَقْلَق” الصّادرة عن مكتبة كل شيء في حيفا للعام 2016 والتي تقع في 464 صفحة من الحجم المتوسّط. تلك الأرواح حاضرة وونيسة لمن ساروا على درب أهل المدينة المقدّسة وبلدتها القديمة، ولا تزال الرّوايات متوارثة، وأحاديث كبارنا لا تخلو من الحقيقة الممزوجة بالخرافة، والمُطعّمة برائحة البخّور المُعتّقة، والصّلوات والابتهالات الحثيثة حتى لا تصيب أهل بيوتهم اللعنة؛ باب حُطّة، الواد، حارة السّعديّة، باب الخليل، باب العامود وعقبة الخالديّة، وما يُضحك السّن أنّهم أناس يستمتعون بترويج الإشاعة.

الفكرة جدًا جميلة ورائعة، ووفاء الوطن حرّك إحساس الكاتبة، فقصص الماضي هي جزء من التّاريخ والتّراث والأيّام المجيدة. أمّا إستحضار ما إندثر منها والبحث عن الأصالة، فهو واجب على كلّ مَن يتمتّع ضميره بالصّحوة الوطنيّة والقوميّة العريقة. الأديبة “السّمان” إستقتْ الأحداث برويّة، ونبشتْ أوراق التّاريخ المكتوبة والمرويّة، ووقفتْ من على برجها اللقلقيّ لتُعيد عقارب الزّمن ما ينيف عن المائة سنة. تمنّتْ لو مدّتْ لعائلة “عبد الجبار” يد المساعدة، تسدّ جوعهم وتروي ظمأهم أيام المجاعة، أو تحميهم من طغيان وإستبداد الدّولة العثمانيّة المريضة، ومكر الاستعمار البريطانيّ وانتدابه على فلسطين المُحتلّة، وكذلك تحميهم من أخطبوط الحركات الصّهيونيّة. كما أنّها لو تستطيع إرضاء خاطر الجدّة “نفيسة” من هيمنة الرّجال وتسلّطهم وعصاهم الغليظة، فلا شيء في عينيها سوى الدّموع، وفي قلبها غصّة. إنَّ “باب السّاهرة” أشبه بحكاية “باب الحارة”، ففي اعتقادهم تجوب الجان والعفاريت، وينتشر قطّاع الطرق ليلاً في شوارع المدينة، أو امكانيّة هجوم بربريّ يسلب منهم آخر درهم ولقمة معيشة.

الأديبة الكاتبة، وبلغة جميلة وجذّابة، امتلكتْ مشاعرنا، وعشنا وقلمها تفاصيل الحكاية المقدسيّة. إستطاعتْ أن تغزو صميم العاطفة، ونتعلّق بنتائج تكون لأرواحنا مُرضية، وشغف الشّوق طال منذ البداية وحتّى النّهاية. إنّها مجموعة من قصص مثيرة أهلها يجعلون من الحبّة قبّة، وهذه حقيقة واقعيّة! إنَّ وتيرة الحركة والأحداث أبدًا لم تكن ثابتة أو مستقرّة، بل تعلو وتهبط كما لو أنَّ القلب مُثبّتْ على جهاز المراقبة. انتقتْ الأديبة لنفسها المعاني والكلمات المناسبة ذات الألحان الدّراميّة، فالرّواية إجتماعيّة وسياسيّة وكذلك إنسانيّة. لقد حملت في طيّاتها عبء وهموم أهل المدينة، وما تحلّوا به من ترابط وتعاضد وأخوّة وشجاعة في الدّفاع عن أرضهم وشرفهم، ومحاربة مَن تؤول له نفسه بالخيانة، إنّهم وحّدوا الظلم والتّشرد والجوع، وأصبحوا في نظر الوالي عصابة، وفي نظرنا إنّها شهامة.

ما أروع تلك الأمثال الشّعبيّة، المتداولة باللغة المحكيّة، والتي تخاطب العقل والجسد بعمق المعاني المقصودة، فكانت سلاحًا بيد الأديبة أحيتْ به الشّمس في أطراف الدّنيا البعيدة. ولم تزل تُبهر القرّاء بملكة السّجع وترانيم القافية، والصّور الخياليّة الجميلة في عباراتها المميّزة. الحبكة والبلاغة اللغويّة تتعاظم في كلّ مرّة، وذلك مع إشتداد الأزمة، فتراها تقف في كلّ ركن أو حجر أو على كلّ ناصية من البرج المطلّ على ساحة المعركة. إنّها مخطوطة بالأفراح والأتراح مزخرفة، بالماضي والحاضر متواصلة، وبالأصول والعادات ما زالت محكومة، نقشتها الأديبة وعلى أسوار القدس وضعتها، لتبقي عراقتنا أمام العالم مُخلّدة. إنَّ الرّواية تزخم بالآيات القرآنيّة التي تعطي النّصوص رونقًا وقوة ومتانة، أمّا لغة الحوار فحافظت على العربيّة الأصيلة. كذلك نجد الابتسامة العفويّة، فلم تفارق محيا القرّاء في كثير من المواقع بسبب ظرافة الأحداث، وما آلت إليه أحوال الدّنيا بعد حياة السّذاجة؛ الشيخ ” علي” مؤسس العائلة، في قبره يفعل المعجزات، وإنّها من السّماء لكرامة، وما زالت تنمو بين أهل بلدته تلك الخرافة، إلاّ أنَّ القارئ قد يتوه في تحقيق القدر للأمنيات بالمصادفة، ولن أبالغ بأنَّ الرّواية كانت لها أيضًا نصيبًا من الدّمعة.

تنقّلتْ بنا الكاتبة “ديمة” بطريقة وحبكة فنيّة نابعة من ذاكرة التّاريخ النّابضة، فكان للشّعب الفلسطينيّ إستبساله وجهاده، وأنَّ له صولة في المقاومة الفرديّة، إلاّ أنّه واجه صولات كثيرة من الخيانة والهزيمة المُدبّرة، رافقها ضعف الحالة الماديّة والعسكريّة والسّياسيّة. كانت بمثابة مسرحيّة آمنة تقاسمتْ فيها القوى الكبيرة أراضي الأوطان العربيّة، وعلى رأسها فلسطين، التي لا زالت حتى الآن الوحيدة المُغتصبة. إنَّ أصابع الاتّهام أكثر من أصابع اليد الواحدة، ولو جئنا بمثلها مائة مرّة، رُفعتْ الأقلام وجفّتْ الصّحف ونحن نبكي حال الأجيال القادمة. إنّها رواية جمعتْ في صفحاتها همومًا فاقت النّفس البشريّة، فعائلة “عبد الجبار” كغيرها من العائلات الفلسطينيّة الصّامدة، توارثت الشّجاعة والوفاء، وقدّمتْ التّضحية وصانتْ الأمانة. كانت لها جولات عبر السّنين والأجيال تفخر بها الأمّة، ففيها من الدّروس ما لم نتعلّمها البتّة، وأنّها مرجع ثقافيّ وتاريخيّ وإنسانيّ، من المهمّ أن يتعلّمه أطفال فلسطين والعالم على مقاعد الدّراسة.

وتحدثت سوسن عابدين الحشيم فقالت:

برج اللقلق رواية مقدسية بحتة عرضت فيها الكاتبة  سلسلة الأحداث المأساوية التي مرّت بها القدس، ابتداءً بالحكم التركي المستبد في آخر أوقاته لفلسطين، ومرورا بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الاسرائيلي الغاشم، تمكنت الكاتبة بتسلسلها في سرد وقائع الرواية عن طريق التاريخ الشفوي الذي يصف بدقة وصدق ما جرى في القدس، وحياة أهلها وحاراتها وأزقتها، فكان زمن الرواية قرنا من الزّمن، واجهت فيه القدس جميع أصناف العذاب والظلم والاستبداد من قبل من احتلها، استخدمت الكاتبة أسلوب السرد الواقعي في روايتها، حيث تصف حالة عائلة مقدسية سكنت برج اللقلق أحد معالم حارة باب حطة في القدس، كان عنصر التشويق جليا في الرواية، فمن بدأ بقراءتها لا يمكنه التوقف إلا ليرى ما سيحدث فيها من أوجاع وهموم واجهتها هذه العائلة، والتي تمثل باقي العائلات المقدسية في تلك الحقبة من الزمن، حلقت بنا الكاتبة في هذه الرواية في خيالها الواسع باستخدامها صورا تمثيلية للشروق والغروب بطريقة رائعة جدا، وقد تمكنت الكاتبة من التأثير على قرائها في التعاطف مع شخصيات الرواية، وما آل عليهم من جوع وحرمان، ينهب الجيش التركي خيرات أهل البلد ويترك أهلها يعيشون حياة ضنكى، وبعد انهيار الحكم التركي يأتي الجيش البريطاني ليحكم ويستبد باهل البلد، ويفتح باب الهجرة اليهودية الى فلسطين، يثور أهل البلد ويدافعون بكل قوتهم لمنع هذا الظلم الواقع عليهم لكن دون جدوى، فاتفاقيات الدول الكبرى وتعاهداتهم كانت أكبر وأقوى من هذا الشعب الأعزل، وعد بلفور لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين واتفاقية سايكس-بيكو وتقسيم الوطن العربي وتجزئته من قبل بريطانيا وفرنسا كان سهل التطبيق، والشعوب العربية في حالة يرثى لها من الفقر والحرمان والجهل، تحاول أن تنهض من هذه الحالة التى خلفتها لها الدولة التركية، والتي لقبت في آخر عهدها بالرّجل المريض. انتهت الرواية في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت في شتى أنحاء البلاد، ذكرت الكاتبة اندلاع الثورات التي قام بها المواطنون للدفاع عن بلدهم وأرضهم المغتصبة من قبل عصابات بني صهيون، والتصدي لهذا الاخطبوط الصهيوني الذي استولى على أرضهم دون وجه حق ،،،،، فعائلة عبد الجبار وهي العائلة المقدسية وغيرها الكثير من العائلات قدمت أبناءها شهداء للأرض والبلد يحاولون استرجاع البلد، فكان الشباب يضحون بعمرهم فداءً لوطنهم المسلوب.

وكتبت رائدة أبو الصوي:

تطايرت الأحرف من بين أصابعي كفراشات شهر نيسان البيضاء، ركضت خلفها والتقطتها وأنا في منتهى السعادة .الحمد لله رب العالمين على نعمة وجود أدباء وكتاب وصحفيين لديهم الأمكانية للتفوق والأبداع والتميز .

رواية {برج اللقلق }المعلم التاريخي الذي يقع شمال شرق سور القدس بين باب الساهرة وباب حطة، للأديبة والكاتبة المقدسية {ديما جمعة السمان} استطاعت أن تكشف الستار عن غزارة في العطاء والأبداع لدى الكاتبة .عندما تكتب ابنة القدس عن القدس، تعطي المكان حقه لأنها مرتوية بحب القدس والأنتماء لكل ذرة من ذرات القدس .

رواية {برج اللقلق} تخلق نوعا من التوحد مع المجتمعات المحيطة بنا، وتؤكد أن الهمّ العربي واحد .عندما بدأت في قراءة الرواية وجدت نفسي كطفلة صغيرة على بساط الريح، تجولت في صفحات روايات من الماضي .رواية بين القصرين للكاتب نجيب محفوظ وعلاقة أمينة بسي السيد في جمهورية مصر العربية .ومن ثم وجدت نفسي في رواية الكاتب الذي أعشق رواياته حنا مينا ورواية {نهاية رجل شجاع} …وجدت مفيد الوحش حاضرا بقوة في رواية {برج اللقلق} في شخصية بطل الرواية {عبد الجبار} ووجدت مسلسل “باب الحارة”كأن الكاتبة المقدسية {ديما السمان } أرادت الأشارة الى أن الهمّ العربي واحد والقضايا التي تشغل بال المواطن العربي واحدة، من فقر وبطالة وظلم .

تاريخ قديم زمن الأتراك والوضع الذي كان في ذلك الزمن .

طرحت الكاتبة في روايتها الكثير من القضايا وتركت للقارئ مساحة واسعة في التفكير .

ما أشبه اليوم بالأمس عندما تعرض الكاتبة الأحداث التي وقعت في تلك الفترة، من يتأمل ما وراء الصور والاستعارات يجد الحكمة والرسالة التي أرادت أن توصلها الكاتبة لنا من خلال الرواية .

الجهل والخرافات التي كانت تتحكم في عقول الناس في تلك الفترة وأثرها في التخلف .

اختيار الكاتبة للقبور له ما ورائيات، لأن الكثيرين تظنهم أحياء وهم أموات، ماتت المشاعر لديهم .في ص 68 وجهت رسالة في منتهى القوة وهي “لا يصح أن يرقد جبان غادر الى جوار وفي شهم”الكاتبة كانت موفقة جدا في اختيار الأسماء للشخصيات .

لكل امرئ نصيب من اسمه

وجدنا عبد الجبار بطل الرواية رجلا يعطي قبيلته ويعمل في البداية حمّالا، ومن ثمّ في التحطيب .وكانت شخصيته قوية جدا .عبد الجبار .

أما زوجته {نفيسة} فكانت كالجوهرة النفيسة .أبو رعد كان صوت بلا فعل .

حتى ابناء عبد الجبار “علي وعطاف وتوفيق وسامح”جميعها أسماء قوية .

رواية {برج اللقلق} مثل قطعة الماس كلما تصفحت داخلها وجدت المزيد المزيد من الأبداع .

وكتب جمعة السمان:

أجمل ما تميزت به رائعة ديمة السمان برج اللقلق :–

–         جمالية اللغة.. إذ تشعر وأنت تقرأها أن الحرف يُمسك بيد الحرف لتتشكل كلمة جميلة.. وكذلك الكلمة تُمسك بيد الكلمة لتقرأ جملة بديعة.

.. ذات معنى يُشبعُ العقل.. ويُطرب القلب والروح.. جوقة موسيقية لا يشذّ فيها عازف.. ولا يخرجُ عن اللحن نغم.

–         الخيال مُنبثق من وحيّ أجواء بُرج اللقلق.. وحارة باب حطة.. وبلدة القدس القديمة ..ليكون داعما للنص.. ومُذكرا بالتاريخ.. وكاشفا عن حقبة من الزمن.. ذات تراث مجيد عريق.

–         قُدرة الكاتبة على إقناع القارئ أن إنسانا ميّتا استطاع أن يحكم حيّا بأكمله.

دامت ديمة السمان ابنة القدس البارة.. ودام قلمها يُخلّدُ بمثل هذه الروايات عظمة تاريخ القدس.. وعراقة تُراثها.

وكتبت نزهة أبو غوش:

يقدم (لوبوك) طريقتين في تقديم الراوي للمروي هما:

أ. الطريقة البانورامية: وفيها يكون الراوي عليما بكل شيء (الداخل الخارج، الغائب والحاضر) لذلك فهو لا يتردد في التغلغل في الحكاية واجتياحها عن طريق الوعظ او اصدار الاحكام، ويكون دور الراوي على وفق لهذه الرؤية أساسيا في تلقين القارئ، كل ما يحتاجه لإتمام عملية الفهم.

لقد اختارت الرّوائيّة ديمة السّمان راويا يعلم بكلّ شيء يحدث في الرّواية، وقد قدّم هذا الرّاوي الأحداث مباشرة للقارئ. يعلم عن شخصيّات الرّواية، ويتغلغل في الأحداث بشكل واثق. يصدر أحكامه على الشّخصيّات. منهم القويّ، البطل الوطني المضحّي، نحو شخصيّة عبد الجبّار مثلًا ؛ كذلك حكمه على الشخصيّات البسيطة المسطّحة الّتي تساهم في تطوير الاحداث، وتساهم في تعدّد وجهات النظر، نحو شخصيّة الغضنفر،وشخصيّة أبي زيد وأبي الرّعد، ونفيسة… مثال صفحة 95:

الرّاوي يشرح مشاعر نفيسة المطرودة من بيتها:

” رحلت نفيسة عن البيت تختلط دموعها بدموع أولادها..أنّات عذاب ينفثها صدر الأُمّ على أولادها. تخرج وترى الجوع أشباح موت يرفرف فوق رؤوس فلذات أكبادها”

من هنا يكون دور الرّاوي أساسيًّا في عمليّة تلقين القارئ، وتوصيله لعمليّة الفهم، وبالتّالي تكون عمليّة القراءة أكثر سهولة، كما حدث في رواية برج اللقلق، حيث عرض علينا الرّاوي الأحداث مفتوحة دون غموض أو تساؤلات.  صورة النّاس الّذين يسكنون داخل أسوار القدس. خوفهم، بساطتهم، معتقداتهم بالشعوذة والمشعوذين، والأرواح. خوفهم من المجهول خارج الأسواق. عدم الجرأة والمغامرة؛ ثمّ تمييز شخصيّة عبد الجبّار الّذي كسر حاجز الخوف، وحاول بناء مشاريع يعتاش منها، مثل مهنة الحطّاب، أو العتّال. نلحظ هنا بانّ الرّاوي لديه المعرفة المطلقة يقولها دون أن يشارك أو يتدخّل بالأحداث. الرّاوي هنا يلتزم استخدام ضمير الغائب ، هو. ربّما هذه  التّقنيّة تعطي الفرصة لأن يكون الرّاوي ساردًا جيّدًا، لكنّه لا يعطي النمط الدّرامي للكاميرا، وتصوير المشاهد الدّرامية للأحداث، كذلك يبتعد عن تقنيّة السّرد الذّاتي، والوعي الذّاتي.

وجهة نظر، أو تصوّر الكاتبة السّمان عكستها على لسان الرّاوي في بعض من أجزاء الرّواية، حيث عكست هذه التّصوّرات والخيالات على الواقع المرير الّذي تعيشه الرّوائيّة السمان في ظلّ احتلال، قامع مسيطر على الفلسطيني عامّة وعلى المقدسي خاصّة. مثال ص 461:

قال ليث:

”  والله أنّها توبة نصوح…أريد أن تصنع لي حزامًا ناسفًا ألفّه حول جسدي دليل توبتي”

“كذلك صفحة 464: في الصّباح الباكر حوالي السّاعة السّابعة والنّصف تقريبًا سمع دوي انفجار…هزّ القدس من أقصاها إٍلى أقصاها” المعنى هنا بأنّ نفيسة هي الّتي فجّرت نفسها.

وجهة نظر الكاتبة تجاه من يبيع ارضه ووطنهفي ص 399:

–        “من أين لك هذا؟

–        من مدينة تل أبيب….وفّقني الله وعملت هناك.

–        – أقول لك أبعدوا ابن خالك، جهاد إِلى مرج الزّهور، وتقول خذي عدّي النّقود؟….. رمت النّقود في وجهه وقد نسيت شوقها إليه وخوفها عليه… يا عديم الأصل، ألا يشدّك إِلى أجدادك جذور؟ ….خذ مالك وارحل، وابن القصر الّذي تحلم به…أمّا أنا فإِنّني حجر من حجارة هذه الدّار لا يزعزعه زلزال”.

وجهة نظر الكاتبة من الرّجل العميل للمحتل في نظرته لذاته، ص 416:

” أشعر أنّني سمكة ملّ البحر وجودها…فباتت تهرب إِلى دوّامات الموت.. قبل أن يلفظها اتلبحر وتلقى مصيرها”

وكتبت هدى خوجا:

رواية برج اللقلق من الغلاف المتناسق والبارز العنوان، وجمال الألوان إلى جولة رائعة في ثنابا الروايّة، تحلق بنا الكاتبة ديمة السّمان برقة وقوّة العبارة والتراكيب والجمل، والأحداث والحبكة الجاذبة للقارئ.

الغلاف متناسب وألوانه يشع منها ضوء الشمس الذّهبيّ الساطع  بالأمل، حيث نجد داخل الرواية المحافظة على التّراث والقيم من جيل إلى جيل آخر، من خلال ضريح الولي الشّيخ عليّ، وقد برزت عدّة شخصيات منها نفيسة زوجة عبد الجبّار التّي احترقت بشرّ عملها، حيث يرجع العمل إلى صاحبه إن خيراً فخير وإن شراً فشر

شخصية عبد الجبار الوالد والجد العصامية والعطاء والتضحية والشّهادة،

ليث الفساد في المجتمع وسبب الانحراف، والأسماء تتوافق مع الشّخصيات والسّمات المتميّزة لها ،كان دور المراة بارزا جدا في الرواية، وقوّة المرأة وصمودها واضح كلّ الوضوح في الرّواية، حيث شروق الفتاة الجامعة المعتدة بنفسها وقوّة الفتاة المقدسيّة الجامعيّة، ونفيسة العمة والجدّة وفرض آرائهنّ تارة والاقناع تارةً أخرى وموقف نفيسة ص،ص27،10

وعدّة مواقف واضحة للمرأة في الرّواية و”ص118 ومن يجرؤ وزوجته نفيسة لهم بالمرصاد”. تم تجسيد المشاهد والأحداث بصورة رائعة وإبداعيّة، وتداخل الدّمع والابتسامة والحزن، مثل وصف بيت عبد الجبار الدّقيق، صور جميلة حتّى التنك الصّدئ زرع به

أجمل الزّهور مع امتزاج عطر شجرة الياسمين الكبيرة ص5، والدّعوة إلى العمل لصحيح البدن ص9، والعمل الشّريف لعبد الجبّاروالكدح من أجل لقمة العيش ص108

واحتواء الأمثلة الشعبية الجميلة المترابطة مع الموقف، وبيان أصالة ووحدة وتضحية أهل برج اللقلق، وكم ستحتوي تلك الشجرة على اسرار وحوار وأفكار متنوّعة وأمور شتّى، نعم إنها شجرة البطمة في برج اللقلق.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات