بدون مؤاخذة- عذرا فراس عمر حج محمد

ب

عرفت فراس حج محمد كشاعر وأديب وصاحب فكر يجيد الغزل من خلال كتاباته، فحسبته زير نساء، والتقيته مرّتين، فوجدته انسانا متديّنا ملتزما منفتحا، مثقّفا هادئا، عفيفا شريفا تقيّا ورعا، يدافع عن الفكر الدّينيّ بوعي لافت، وعرفت لاحقا أنّه تربّى في حزب التّحرير الاسلاميّ، هذا الحزب الذي يتبنّى فكرا “تنويريّا” قياسا بالأحزاب والحركات الدّينيّة الاسلامية.

وفراس عمر حجّ محمّد المطّلع والمطالع لفنون الأدب، إنسان قبل كلّ شيء، له آراؤه التي يجب أن نحترمها، حتّى وإن اختلفنا معه، وقد اختلفت معه ذات يوم دون أن أشعره بذلك، ولم أعتب عليه، وقد لا يدري هو أو غيره حتّى الآن أنّني اختلفت معه، لأنّه وهو عضو في لجنة قراءة لاحدى دور النّشر، رفض الموافقة على نشر رواية لي موجّهة للفتيان، بحجّة تعارضها مع الدّين! لوجود عبارة فيها هي “الدّين لله والوطن للجميع”، وتساءلت في مقالة كتبتها دون أن أشير إليه أو لغيره قائلا: إذا لم يكن الدّين لله فلمن نصلي ونصوم ونزكّي ونحجّ؟ وإذا لم يكن الوطن لجميع أبنائه بغض النّظر عن دينهم ومعتقداتهم وأعراقهم ولونهم فلمن يكون؟ ومع ذلك احترمت رأيه ونشرت الرّواية في دار نشر أخرى،  لكنّني لا أختلف مطلقا مع فراس عمر حجّ محمد الشّاعر والأديب المبدع، لايماني المطلق بأن لا قيود على الابداع، بل إنّني معجب بابداعه الشّعريّ والنّثريّ، فالأديب ليس واعظا في مسجد أو كنيسة، كما أنّه ليس منظّرا في الأخلاق، وهذا ليس جديدا على الأدب العربيّ تحديدا، وقد تطرقت لذلك في المقالة المرفقة في آخر هذه المقالة.

وقد كانت حزني كبيرا، عندما قرأت أنّ فراس عمر حج محمد، الذي يعمل مشرفا تربويا، قد تعرّض للتحقيق والمساءلة من جهتين رسميّتين فلسطينيتين لكتباته مقالة بعنوان” أجمل ما في المرأة ثدياها”، فهل وصل القمع الفكريّ عندنا إلى درجة التّحقيق مع أديب لكتابته مقالة؟ وللتّنويه فإنّ جهتي التحقيق ليستا من الأجهزة الأمنيّة، وإنّما من جهتين تربويّتين تعليميّتين،

والكتابة عن ثديي المرأة والغزل بهما ليس من ابتكارات شاعرنا، فقد سبقه كثيرون إلى ذلك في أدبنا العربيّ، فالشّاعر نزار قبّاني على سبيل المثال لا الحصر يقول في احدى قصائده:

لم يبق نهد أسود أو أبيض

إلا زرعت بأرضه راياتي

لم تبق زاوية بجسم جميلة

إلا ومرّت فوقها عرباتي

فصلت من جلد النّساء عباءة

وبنيت أهراما من الحلمات

ودواوينه تباع في جميع الدّول العربيّة، وفي متناول أيّ قارئ،  ولم يعترض عليها أحد.

وهل هناك من لا يعلم أنّ لكلّ امرأة ثديين، وأنّ ثديي المرأة جزء من جمالها الأنثويّ حتّى نتهم شاعرنا بكشف الأسرار المكنونة؟ وهل يعيب من حقّقوا مع شاعرنا حول مقالته وجود ثديين لكلّ امرأة؟ وهل يعلمون أنّ الانغلاق الثّقافي جزء من هزائمنا التي نعيشها؟

وهنا لا بدّ من الاعتذار لشاعرنا وأديبنا لمجرّد التّحقيق معه، لأنّ التّحقيق بحدّ ذاته يحمل تهديدا بقطع رزقه، عدا عن كونه دعوة لتكميم الأفواه وقمع لحرّية الابداع.

1 نيسان 2016

بدون مؤاخذة- ثقافة التابو

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات