رواية “رولا” لجميل السلحوت في اليوم السابع

ر

القدس: 24-12-2015 ناقشت ندوة اليوم السّابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”رولا” للكاتب جميل السلحوت، والتي صدرت مؤخّرا عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، وتقع في 189 صفحة من الحجم المتوسّط.

ممّا يذكر أنّ رواية “رولا” هي الجزء الجزء السّادس في سلسلة الكاتب الرّوائيّة “درب الآلام الفلسطيني”، وهي بالتّرتيب: (ظلام النّهار، جنّة الجحيم، هوان النّعيم، برد الصّيف والعسف) وجميعها صدرت عن دار الجندي للنّشر والتوزيع في القدس.

افتتح النّقاش ابراهيم جوهر فقال:

القدس ترفض الاحتلال وتحرس نقاءها وبقاءها

يخصص الأديب (جميل السلحوت) رواية (رولا) التي تشكّل الجزء السّادس من سباعيّة (درب الآلام الفلسطينية) للحديث عن القدس بناسها ومكانتها، وجغرافيتها وفنادقها وشوارعها وحاراتها وأسواقها وطعامها. وتبرز عاطفة الشّوق والتعلّق بالمدينة التي لا تشبهها مدينة في حوار (خليل) معها، وفي تخيّلاته وولهه حتى وهو مع تلك الفتاة اللندنيّة التي يشتهيها ولا يحبّها .

في (رولا) يركّز الكاتب على الثّقافة الاجتماعيّة المحلية، ويعرّج على مقابلها في الثّقافة الأوروبّيّة، ولا ينسى الإشارة للعلاقة التّلاحمية القائمة في المدينة بين أبنائها من الدّيانتين الإسلاميّة والمسيحيّة.

في سرده الرّوائي لمسيرة الآلام الفلسطينيّة بما حملته من جهل ثقافيّ علميّ، وتجهيل سياسيّ ينتصر الكاتب للخلاص الوحدويّ الوطنيّ بعيدا عن انتظار المخلّص القادم من وراء الحدود، لذا بدأ أهالي قرية أبي سالم- المتعاون الذّليل مع الاحتلال بالتّنكّر له والتّهرب من مقابلته والتّعامل معه، حتّى إنّهم رفضوا دفنه في مقبرة البلدة والصّلاة عليه.

والقارئ لسلسلة جميل السلحوت بشكل عامّ سيجد ألوانا من مكوّنات الفهم الثّقافيّ الاجتماعيّ، معبّرا عنها بالأمثال الشّعبيّة، واللغة المحكيّة وعادات الأكل وطهي الطّعام وأنواعه ومسمّياته وطريقة تناوله، وفي نماذج الشّخصيّات ومواقفها من الحياة. إنّها سلسلة تحمل ثقافة مرحلة ينهيها الكاتب في هذا الجزء (رولا) ببدايات مشاركة المرأة في اتخاذ قرارها بالتعلّم والزواج، والعمل واختيار الشّريك في القرية- النّموذج التي تدور الأحداث على أرضها وبين أشخاصها وفي فضائها.

لينتهي هذا الجزء الذي حمل عنوان (رولا)- ذا الدلالة على اشتراك المرأة بالفعل الحياتيّ الحقيقيّ- مع بدايات حرب تشرين 1973م.

وقال محمد عمر يوسف القراعين:

ساق الله  أيام زمان عندما كنت أقرأ القصّة أو الرّواية للاستمتاع بجمالها لغة وأسلوبا وموضوعا. لم أهتم بهدف فتاة غسان لجورجي زيدان مثلا، أو غزازيل ليوسف زيدان ولا حتى لأولاد حارتنا لصاحب النوبل نجيب محفوظ، سوى أنّها مجموعة قصص تصف معاناة ناس مسحوقين، رمتهم أقدارهم تحت سيطرة نظّار الوقف المستغلّين، وأتاوات الفتوّات القساة.

أمّا الآن فلم أعد أنام ملء جفوني عن شواردها كما يتبجح أبو الطيب، بل أسهر جراها أيّ الرواية وأختصمُ، لأصل إلى حقيقة الهدف من ورائها وتوجهاتها، حتّى أنّ الغلاف أصبح ملوّنا لغاية في نفس يعقوب، يتفنّن البعض باستقرائه حتى أنّه لم يعد وسيلة لغاية، بل غاية في حدّ ذاته.

أمّا روايتنا رولا فقد طوحت بي في قصصها بين مناسف أبو كامل في جبل المكبر، وسجن الرّملة وشواطئ يافا والأميركان كولوني وباب الجديد وحارة السعدية، حيث القبّة الحمراء على رأي الكاتب والتي هي المئذنة الحمراء كما أعرفها. هذه الأماكن تروي حكايات ناس يعيشون على البساطة، يبالغون بإكرام الضّيف، حتى ولو كان ذلك على حساب ضيق ذات اليد، فالمنسف عندهم مثل طبخة المجدّرة، وآخرين يهبون حياتهم للدّفاع عن الوطن، ولكنّهم لا يتورعون عن اقتناص اللذة من جسد فتاة أجنبيّة تنتقل هنا وهناك لأجل المتعة، وفئة ثالثة يتابعون الحياة العاديّة طلبا للسّترة، بتطوير بيت يأوون إليه وفتاة تناسبهم، تتحمل أعباء الحياة معهم. كلّ هؤلاء نجدهم في عائلة أبو كامل، المزارع ميسور الحال، صاحب مزرعة كبيرة يعيش على ما تنتجه من ثمار وأغنام، تسهّل عليه تكليف أبنائه كامل وصالح بذبح الخرفان، وتحضير المناسف من قبل زوجتيه أمّ كامل وأمّ خليل وصالح.

واللافت للنّظر أنّ أبناءه الثّلاثة، مع كونهم متنوّرين في تطلّعاتهم الطّموحة بحياة الواحد في شقّة مستقلّة، واختياره الزّوجة المناسبة بنفسه، لا الّتي تزكّيها أمّه، ويؤمنون على عكس كبارهم بتغريب الزّواج والابتعاد عن زواج البدل، إلا أنّهم لم يكملوا تعليمهم مثل أختهم زينب الجامعيّة، مع أنّ المختار أبو سعيد الذي جاء يطلب يدها إرضاءً لابنه المهندس سامح، لا يؤمن بتعليم البنات إلا للمرحلة الابتدائيّة فقط.

ومن حسن حظّ زينب التي ترفض الزّواج قبل أن يتحرّر أخوها خليل من السّجن، أن أفرج عنه من سجن الرّملة، بعد قضاء أربعة عشر شهرا، فتمّت مراسيم الزواج، بعد تعارفها مع خطيبها في بيتهم بحضور أخيها، وكان الزّواج بعد منتصف السّتّينات “سُكّيتي” بدون سهرات سامر وحناء وأغان، وحتى بدون بدلة زفاف بيضاء للعروس بسبب الأوضاع بعد النّكسة، مع أن صورة الغلاف لعروس تلبس ثوب زفاف أبيض، ربّما لأنّ الرّواية كتبت بعد عودة الغناء والفرح. “بالمناسبة أنا تزوّجت سكيتي سنة 1955 بعد النكبة.”

خليل له دور بارز في الرّواية، فهو ناشط سياسيّ نقابيّ، له أصدقاء نقابيّون مثل فؤاد وجورج وعائلته، الذين يسهّلون له الاتّصال بصديقته ابنة العائلة الإنكليزيّة، التي تبنته وأتاحت له زيارة بريطانيا، كما أرسلت له عشرة آلاف جنيه استرليني مع ابنتهم ستيفاني التي جاءت لزيارته في القدس، وأقامت معه أسبوعا في الأميركان كولوني، حيث قضى خليل معها ليالي حمراء. غيّر هذا المبلغ الذي كان يساوي خمسة وثلاثين ألف دولار حياة خليل، إذ بنى لأخويه بيتين، وأصبح من أصجاب الأراضي وفيللة في الماصيون في رام الله، سكنها مع رولا الفتاة المقدسية التي أحبّته لنشاطه الوطنيّ، فتزوّجها أخيرا بعد انصراف ستيفاني، كما أنّه افتتح مكتبة في شارع صلاح الدّين للكتب والصّحف السّياسيّة، وذلك لرغبة الشّباب بنشر الثّقافة والوعي بين المواطنين. “تعاملت في السّبعينات مع مكتبة كالتي وصفها الكاتب، إلا أنها لم تعمر طويلا.”

الرّواية كما يقول المؤلّف جزء من سباعيّة درب الآلام الفلسطيني، لذلك جاءت تحمل هذا الهمّ المتمثّل بالاحتلال الجاثم بسجونه وعملائه، وتشجيع الشّباب لترك الأرض جهلا منهم، للعمل في ورشات الاحتلال، لذلك ركّز أبو كامل على ما تدرّه مزرعته من ثمار الأشجار والخضار والحبوب، التي تسبب له الاكتفاء الذّاتيّ، وما يفيض عنه ينال الحبايب والجيران جزءًا منه. وبدوره أجاد المؤلّف بالمعلومات التي ضمّنها عن المكان في الرّواية، مارا من يافا نحو القدس، حيث تولى مهمّة دليل سياحيّ داخل البلدة القديمة وخارجها من أسواق ومعالم دينيّة هامة، بادئا بالمسجد الأقصى حتى بوائكه فكنيسة القيامة والمهد، ولم ينس كنيسة الأمم، التي جعلتني أشعر بالتّقصير لأنّني لم أزرها إلا بعد أن بلغت السّتّين من العمر، مع ضيف أجنبيّ طلب زيارتها.

العنصر النّسائيّ في الرّواية كان محدودا بحريم السّلطان أبو كامل، وابنته زينب التي راعت التّقاليد، فلم تجتمع مع خطيبها إلا مع أحد المحارم، على عكس بنت المدينة رولا، التي تبدي إعجابها بخليل لوطنيّته وتعرض عليه الزّواج، فلا يستهجن أهله منها ذلك، فعيب البنت على أهلها، وابنهم لا يعاب ما دام كسيبًا حتى ولو شرّق وغرّب مع ستيفاني، فشرف العائلة مصون. والسّائد أنّ عيب الرّجل وشرفه في جيبه وتجنّبه للخيانه، كما ظهر في الرّواية، لأنّ للوطن حقّا على الجميع تقديسه، ونحترم كلّ من يهب نفسه للدفاع عنه، ومن يدخل السّجن من أجل كفاحه الوطنيّ مثل خليل بطل الرّواية، ونحتقر الخونة العملاء مثل أبو سالم، الذي تبرّأت منه زوجته وابنه، وحتّى الكابتن نمرود الذي لم يهتمّ أن يموت أبو سالم مثل الكلاب.

تشير الرّواية إلى بعض العادات الحسنة، مثل الأخذ بخاطر أهل الميّت واستئذانهم من قبل ذوي العريس، وتعريف بالأكلات والأمثال الشعبيّة، وحبّذا لو أشارت إلى أنّ المناسف ليست قدوة حسنة “عالرّايح والجاي”، لما يسبّبه الكرم الزّائد من ضغط على جيب المعسرين. وأخيرا ظهر للجميع الضّرر الذي كان يسببه طبيب العظام الشّعبيّ ” المُجَبر”.

وقال نمر القدومي :

رواية ” رولا ” ونافذة القَدَر

الأديب ” جميل المسلحوت ” يَبذُر التّربة بحروفه الخصبة ويختلس موسيقى السّماء التي تسوق الغيوم المُحمّلة بحبّات المطر الماسيّة. يكاد الغرس بِحِملهِ أن ينحني مُثَقّلا بروائع الحكايات والعِبر، وصنوف البدائع البلاغيّة الجميلة. نَتَفيّأ ظِلاله الوارفة ونقطف ثمره اليانعة .

في روايته “رولا”، كان “خليل” بداية الحكاية، إعتقلته سلطات الاحتلال مباشرة بعد عام 1967 ، ليقبع في سجونها أربعة عشر شهرا. هذا الشاب المقدسيّ إبن بلدة (جبل المكبّر) عَزَّ عليه أحوال وطنه بعد الهزيمة، وبكت عيناه دما حين رأى المسجد الأقصى يحترق أمامه. في الماضي ولأسباب غامضة تبنّته عائلة بريطانيّة ثريّة وهو في الرابعة عشر من عمره؛ ليسكن معها في لندن. عاش في كنفهم شهرا مُكرّماً مُعزّزاً ليعود إلى أحضان أهله، ويبدأ تعليمه الجامعيّ. في ذلك الوقت خاض علاقة غراميّة مع إبنتهم “ستيفاني”. وقد جاءت من بلادها عندما عَلِمتْ بالإفراج عنه؛ لرؤيته ولتشبع شهوة الفتاة الأجنبيّة المُحَلّقة في عالم الرّذيلة. حملت له مبلغا كبيرا من المال كهديّة من عائلتها. خرج “خليل” عن أخلاقيات الإنسان الشرقيّ المُنحدر من عائلة قرويّة مُحافظة؛ ليعيش في تخبّط فِكريّ وسلوكيّات غير مقبولة وضعت قدما له في الجنّة وأخرى في النار.

عَمَدَ الكاتب في مجريات الأحداث أن يصف لنا الأماكن التاريخيّة، والموثّقة في الروايّة بالمعلومات الدقيقة خلال تِجوال “خليل” مع “ستيفاني” في طرقات مدينة القدس وبلدتها القديمة، المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، جبل الزيتون وكنيسة الجثمانيّة، طنطور فرعون وقصر المندوب الساميّ. كذلك زارا مدينة بيت لحم وكنيسة المهد فيها.

الأديب “السلحوت” شحن للقاريء شخصيّة “رولا” مُسبقا، ووضعها أمام عيون “خليل” لِيُغرم بها من أول نظرة. تلك الفتاة المقدسيّة يتيمة الأمّ والتي تعيش مع زوجة والدها الشرّيرة، وأب مُغترب بسبب الحرب. بخطوات جريئة لم تعتدّ عليها الفتاة الشرقيّة في ذلك الوقت، تقرّبتْ من “خليل” وأُغرمتْ به على وجه السّرعة أيضا، فكانت اللقاءات السّريّة، المحادثات الجانبيّة وعيش المراهقين.

أمّا الحدث الأهمّ الذي فجّره الكاتب فهو أنَّ “خليل” مبتور اليد (أكتع) منذ الطّفولة بسبب التخلّف السّائد آنذاك حين كان يلجأ الكثير من النّاس إلى التّداوي بالطّب العربيّ (المُجَبّر) الذي أفقده يده؟

مفتاح الفرج في حياته كانت تلك النّقود الكثيرة التي حصل عليها. فقد ساعد والده في بناء منزل كبير للعائلة، وساعد نفسه في شراء أرض في مدينة رام الله، وأقام عليها شقّة فاخرة. كذلك قام بامتلاك بعض الدونمات في منطقة بيت حنينا. توقف عن الدّراسة وعقد العزم على إنشاء مكتبة لبيع الكتب في مدينة القدس. تزوّج من “رولا” لتتحرّر هي من إحتلال زوجة أب لإرادتها وحريّتها وإنسانيّتها.

إستخدم الأديب في روايته اللّغة البسيطة المحكيّة التي لم تخضع لقواعد اللّغة، وبأسلوب الحوار بيت الشّخصيّات. كانت المعاني والكلمات صحيحة وجديّة وقريبة من الواقع. وقد عايشت تصرّف وسلوك المجتمعات في ذلك الوقت. بعض المعاني كانت عميقة، والبعض الآخر إمتاز بالسّطحيّة. لا شكّ أنَّ حقيقة الحكايات يكون لها دائما الأثر الكبير في عاطفة القاريء، خصوصاً أنَّ خطوط الأحداث كانت متقاطعة ومتشابكة بين شخصيّات الروايّة.

الحبكة واردة في مُجمل الرواية، والشّوق يُلاحق شخصيّة “خليل” لمعرفة مُستقرّ حاله ! بحث القاريء عن “رولا” منذ البداية، إلاّ أنَّ الكاتب وبطريقة ذكيّة أظهرها في مواقع قليلة جدا من الروايّة؛ ليختارها عنوانا رئيسيّا له.

أمّا إذا تكلّمنا عن الخيال، فسنجد أنَّ الكاتب خَلَقَ له مُرتكزات مساعدة في فضِّ أيّ عُقدة تقف عائقا أمام استيعاب ما يجري؛ تلك الأموال الطّائلة كانت عاملا أساسيّا في سعادة “خليل” وبناء مستقبله. كذلك عائلة “أبو جورج” المُطاوعة ساعدت في حلِّ بعض المآزق في حياته. أمّا عودة الطبيب والد “رولا” من الغربة ولمِّ شمله، فقد سارع المسير في زواجه منها. بينما إعتراف “خليل” بعلاقته الحميمة مع “ستيفاني” لم يكن له ردّة فعل كبيرة من قِبل حبيبته. تهافت الفتاتين على شخصٍ عاجز يُثير بعض التساؤلات المُحيّرة؟

الكاتب لم يبخل علينا من خزانته المليئة بالأمثال الشعبيّة؛ ليُعيد إحياء ما اندثر منها. كذلك لم يتردّد في إظهار بعض الآفات الإجتماعيّة المستفحلة من فِكر ضيّق، الزّواج التّقليدي وإندساس العمالة بين النّاس ومصيرها المحتوم. كما أنَّ الأديب تغزّل بصور الطبيعة الجميلة، فوصف شجرة التّين، كروم العنب وتراب الأرض الذي يفترشها الناس حُبّا وشكرا لعطائها الذي لا ينضب. كما أشار إلى آثار الإحتلال البغيضة على الشّباب والمغريات الماديّة لهم، التي دفعت الكثيرين للهرب من العلم والتّعليم إلى سوق العمل. نوّه أيضا إلى مسألة المشاكل الدمويّة (الطُّوَش) وتدخل المخاتير لفضِّ النّزاعات والمعروفة بالعَطوة والصّلحة العشائريّة.

أختمُ وأقول أنَّ جمال الفتاة حياؤها، بَيْدَ أنَّ جمال الجسد والشكل فتَبْتَلِعَهُ الأيّام والسّنون. أمّا رواية أديبنا، فستبقى مرجعا ونبراسا لأحداث الماضي الأليم ومآسيه.

وقال عبد الله دعيس:

الشخصيّات في رواية رولا

رواية رولا هي الجزء السّادس من سلسلة (درب الآلام الفلسطينيّ) للكاتب المقدسيّ جميل السّلحوت، في هذه السّلسلة يعرض الكاتب لوحات اجتماعيّة للحياة في فلسطين في الفترة التي أعقبت النّكبة مرورا بحرب عام 1967، ويختار عرب السّواحرة كنموذج لحياة سكّان الرّيف والبادية، ومدينة القدس كنموذج لحياة المدينة في هذه الفترة التي شهدت تغيّرات كبيرة في النّسيج الاجتماعيّ ليس فقط بسبب الظّروف الخاصّة للشعب الفلسطينيّ في ظل النّكبة والاحتلال، وإنّما بسبب التّطور الكبير في جميع مناحي الحياة والذي حدث في جميع أنحاء العالم، والتّأثيرات الثّقافيّة التي حدثت بسبب الانفتاح بين دول العالم وشعوبه. فسلسلة درب الآلام الفلسطينيّ تتخطّى آلام الشّعب الفلسطينيّ؛ لترسم لنا أيضا صور الفرح، وتبيّن لنا عادات وتقاليد هذا المجتمع والتّغيرات التي طرأت عليها على مرّ السّنين.

يختار الكاتب شريحة من المجتمع ويلقي الضّوء عليها، ويحرص أن تكون هذه الشّريحة واقعيّة تعكس بصدق صورة المجتمع بشرائحه المختلفة: المتعلّم والجاهل والمناضل والعميل، لا يمجّد أحدا ولا يعطي أحدًا أكبر من قيمته، ولا يجعله مجتمعا مثاليا، بل هو كغيره من المجتمعات فيه الخير والشرّ. وشخصيّاته هم بشر يصيبون ويخطئون، يكونون أقوياء أحيانا ويضعفون أحيانا أخرى. فالقارئ يشعر أن هذه الشّخصيّات تمثّل أشخاصا حقيقيّين نعيش بينهم ونعرفهم. وينتقي الكاتب أسماء الشّخصيّات؛ لتعكس صورة المجتمع بأطيافه المختلفة، وتعكس الزّمان والمكان الذي تدور فيه الأحداث، وتعطي صورة عن الشّخصيّة نفسها. وسأحاول هنا أن أستعرض بعض الشّخصيّات وخصوصيّة أسمائها.

تحمل الرّواية عنوان رولا، وهو اسم لأحد شخصيّاتها، وإن لم تكن الشّخصيّة الرئيسيّة في الرّواية. أعتقد أنّ اختيار اسم رولا لتكون عنوان الرّواية له دلالة معيّنة أرادها الكاتب، علما أنّ الرّوايات الخمس السّابقة في ضمن السّلسلة لم تحمل اسم أحد الشخصيّات ولا حتّى شخصية خليل الأكتع الذي هو الشخصيّة الرئيسيّة في هذه السّلسلة. رولا فتاة تظهر فجأة في حياة خليل الذي خرج حديثا من السّجن بعد أن قاسى أنواع العذاب والتّنكيل. هذه الفتاة جريئة جدّا تتخطّى جميع القيود الاجتماعيّة المقبولة في الرّيف أو المدينة، وتتقرّب من خليل لتفوز به زوجا في نهاية الرّواية، وهي أيضا عانت من ظلم زوجة الأب كما عانى خليل من قبل بسبب الجهل.

اسم رولا يناسب هذه الشخصيّة تماما ويعكس الفكرة التي أرادها الكاتب من وراء استحداثها. فرولا أو رلى هو اسم قبيلة عربيّة ذكرها قيصر المعلوف في قصيدته التّي خلّدت قصّة عليا وعصام في قوله:

رولا عرب قصورهم الخيام ومنزلهم حماة والشآم

واسم رولا أيضا محرّف من أسماء أجنبيّة مثل الاسم اللاتيني (ريجبولا) وهو أيضا مشتقّ من كلمة الرّوال وهو لعاب الخيل، فالاسم يجمع بين أصالة البادية وخشونتها وبين الحداثة والانفتاح على الغرب، ورولا في الرّواية هي الشّخصية التي تجمع هذه الصّفات. وهذه الرّواية تتميّز عن السّلسلة بأنّها بداية لانفتاح وانطلاق خارج المجتمع المغلق في السّواحرة، وابتعاد عن العادات والتّقاليد القديمة والتّحرر من بعض قيود الجهل، والابتعاد أيضا عن العادات الحسنة، وابتعاد البعض عن التّمسك بالأخلاق العربيّة الإسلاميّة الفضلى بسبب التأثّر بالغرب والاحتلال. لذلك أرى أنّ اختيار اسم رولا ليكون عنوانا للرّواية كان موفّقا.

نلحظ اختلافا كبيرا في شخصيّة (أبو كامل) في هذه الرّواية. فأبو كامل هنا شخص مختلف يتقبّل التّغيّرات التي طرأت على المجتمع ويتعايش معها، فابنته زينب تدرس في كليّة بير زيت، ولا تعود إلا يوم الخميس، ويستمع لرأي زوجته فاطمة. لذلك نرى أنّ شخصيّة أبو كامل تطغى على شخصيّة كامل الذي كان دوره في السّابق اقناع والده بالابتعاد عن العادات السيّئة، أمّا وقد حدث التّغيّر في شخصيّة (أبو كامل) فقد أصبحت شخصيّة كامل ثانويّة.

أمّا العميل أبو سالم فيكون مصيره مثل كلّ أمثاله من العملاء، يتخلّى عنه القريب والبعيد، ويلفظه الضّابط نمرود بعد أن أصبح عديم الفائدة له، ويتبرّأ من ابنه سالم وزوجته قبل أن يموت غريبا ولا يجد من يدفنه. هذه النّهاية القاسية لأبي سالم لن يسلم منها أيّ عميل باع ضميره وخان وطنه.

تبدو زينب متمرّدة نوعا ما على التّقاليد، تريد أن تختار زوجها بنفسها، وأن تعيش بطريقة تختلف عن بنات جيلها وبنات بلدتها بعد أن تعلّمت، لكنّها لا تتنكّر لأهلها أو للعادات والقيّم الأصيلة في مجتمعها. وتتزوّج سامح وهو شخصيّة متّزنة طموحة، مثقّف نهل من ينابيع العلم، ونجح في عمله كمهندس في مدينة رام الله، لكنّه لم يتخلّ عن جذوره في بلدته، وتزوّج ضمن العادات والتّقاليد الحسنة لبلدته.

أمّا خليل فقد كانت شخصيّته مختلفة تماما عن خليل الذي عرفناه في الأجزاء الأولى من السّلسلة. فخليل ذاك الطّفل الذي كان ضحيّة الجهل وفقد ذراعه، ثمّ أصبح خليل الطّالب في كليّة بير زيت والأستاذ المتنوّر، ومن ثمّ المناضل الذي قضى أربعة عشر شهرا في سجون الاحتلال تحمّل فيها كل صنوف التّعذيب، وكان مثالا للشّجاعة والصّمود، يتحوّل إلى شخص يغرق في مستنقع الرّذيلة والإسفاف ويبيع كلّ تقاليده وتربيته ودينه، وعادات مجتمعه وعقيدته عند أول إغراء لفتاة إنجليزيّة جميلة، فيصبح خليل الغارق في أدران الرّذيلة، الذي لا يتورّع عن شرب الخمر أو الكذب على عائلته ووالده، الضّعيف أمام ستيفاني السّاحرة، ويتلقّى الأموال منها مقابل الليالي الحمراء التي يقضيها معها، ثمّ يستخدم هذا المال الحرام في زواجه وامتلاك المكتبة والأراضي والبيوت، فأصبح خليل شبيها بعليّان المخنّث الذي يصادق يهوديّا شاذّا. كنّا نتمنّى على الكاتب أن يحافظ على صورة خليل التي رسمناها في خيالنا في الكتب الخمسة الماضية وخاصة في رواية العسف.

واستحدث الكاتب أيضا في هذه الرّواية شخصيّة جورج وزوجته سلوى ووالدته، وأراد بذلك أن يشير إلى المقدسيّين المسيحيّين، الذين هم جزء أصيل من النّسيج الاجتماعي في مدينة القدس، ويشتركون مع المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم وطريقة حياتهم إلى حدّ كبير، لكنّ الكاتب جعل جورج العربيّ يسهّل لخليل لقاءاته الماجنة مع ستيفاني الإنجليزيّة، ويقدّم له الخمور ضاربا بعادات المجتمع المسلم الذي يعيش فيه عرض الحائط، لا أعتقد أن جورج بهذه الصفات يعطي الصّورة الفعليّة للمجتمع المسيحيّ المحافظ في فلسطين.

وفاة عبد الرؤوف الذي لم يكن رؤوفا بأحد، وتسبب في بتر يد خليل، كان إيذانا بعصر جديد اختلفت فيه أسماء الشّخصيّات من حمدة وأم فالح وسعديّة ونايف أبو خنانة؛ ليطلقوا على أبنائهم أسماء مثل ياسمين وجمال. الاختلاف في أسماء شخصيّات الجيل القديم في القرية والجيل الجديد، يعكس التّطور الذي حدث على مجتمع القرية وخروجها من دائرة التّقليد.

رواية رولا لوحة اجتماعيّة وصفت صفحة من تاريخ المجتمع الفلسطينيّ في الفترة بين عامي 1967 وَ 1973 .

وكتبت ديمة جمعة السمان:

رولا” رواية للكاتب جميل السلحوت جمعت بين التوثيق والتشويق.

رسائل قصيرة بثها الكاتب تحمل أكثر من عبرة لكل من يعتبر.

لم تخرج “رولا” عن درب أخواتها اللواتي سبقنها كثيرا.. فالألم  يصر ألا يفارق الانسان الفلسطيني.. بل يلتزم بمصاحبته أينما ذهب.. وكيفما اتجه..  فهو القدر.. على الرغم من أن الكاتب حاول أن يبدد هذا الشعور  بقليل من الأحداث التي اتخذت طابعا لونه بلون الأمل يوهمك بأن الوصول الى نهاية النفق بات قريبا.. خاصة وأنه لم يبق سوى جزء وحيد.. فالسلسلة سباعية.

خرج خليل من السجن بعد أربعة عشر شهرا .. ابتاع محالا تجاريا وفتحه مكتبة.. وبنى بيتا في أرقى مناطق رام الله.. وتزوج من فتاة مقدسية من عائلة ملتزمة أحبته وبادرت في مصارحته بمشاعرها.. وما كانت ستيفاني البريطانية سوى نزوة عابرة.. وبالمقابل فلا يعني خليل لها سوى تحفة أثرية شرقية تبهرها.. وتزوجت أخته زينب من المهندس سامح الذي أحبها وأسعدها وبادلته الشعور ذاته.. وتزوج أخوهما صالح وبنى بيتا بمساعدة خليل الذي دعمه ماليا من المبلغ الكبير الذي أرسلاه له أبواه البريطانيان اللذان تبنياه قبل نحو ست سنين.

ولم ينس السلحوت أبا سالم العميل للاحتلال الاسرائيلي.. الذي ما كان سوى كلب للكابتن نمرود الذي استغله أسوء استغلال.. فقد كشفه أهل بلدته.. وعرفوه على حقيقته.. وتبرأت منه زوجته وابنه سالم. ومات بعيدا عن أهله هاربا من عيونهم.. يشعر أنه سيقضي مقتولا.. فتشرد وهرب بعيدا عن بلدته. وفعلا مات وحيدا كالكلب.. ودفن دون أن يصلى عليه.

هي رسالة من الكاتب أنّها نهاية كلّ من يبيع وطنه وشعبه لصالح المحتل. وقد وفّق بها.

كان هناك حصة كبيرة للأمثال الشعبية التي خدمت الرواية يشكل جيد.. لم تكن دخيلة على النص.. بل ذابت في النص وأخذت مكانها براحة دون اقحام.

وقد تطرق الكاتب بشكل ملحوظ إلى طبيعة الحياة الاجتماعية في فلسطين في بداية السبعينات.. فقد كانت العادات والتقاليد تهم المجتمع أكثر من ” الدّين”.. كان الاهتمام برضاء المجتمع أكثر من الخالق. فقد كنت تسمع كلمة ” عيب” كثيرا.. وقليلا ما تسمع كلمة “حرام” . كانت علاقة خليل مع صديقته البريطانية ستيفاني علاقة زوجين.. ولكنه حرص أن لا يعلم بها أحد من أبناء بلدته. كان يشرب الويسكي والنبيذ عند عائلة أبو جورج  في القدس وكأنها عادية. المهم أن لا يعلم به أقرباؤه ومعارفه ممن يرفضون هذه الممارسات. وكأن التقدم والحياة الراقية لا تكون سوى بممارسات السلوكيات التي كان يرفضها المجتمع المغلق، حتى ولو كانت هذه الممارسات تتنافى مع التربية الدينية.

برز الاختلاف بالثقافة واضحا في الرواية أيضا.. بين الريف والمدينة.. وبين المدينة العربية وبلاد الغرب.. وقد ركز الكاتب عليها كثيرا.. من خلال النظرة للمرأة وحريتها.. ومن خلال علاقة الشاب بعائلته وارتباطه بأسرته. فلم تتقبل ستيفاني قلق والديّ خليل عليه عندما بات خارج منزله دون اعلامهم.. وفسرت الأمر على أنهم يتعاملون معه كأنه طفل.

فالدفء العائلي وارتباط الأسرة ببعضها البعض لا يفهمه الغرب.. بل يعتبره اختراقا لخصوصية الفرد.

عنصر التّشويق في الرواية كان عالٍ.. إلا أنّ حجم المعلومات التي ضخها الكاتب للقاريء.. والتي وثقها  عبر الصفحات ال 190 كان كبيرا جدا.. اكتظ في بعض الصفحات.. فما كان من السهل مجاراته. حيث  أن تفاصيل تاريخ القدس تحتاج إلى مجلدات..  طالت في بعض المواقع.. وكانت سببا بإرهاق القارئ. أمّا العبر فكانت كثيرة ومتنوعة خدمت العمل الروائي بنجاح.

وكتبت هدى خوجا:

قدّم الكاتب الرّواية بطريقة أدبيّة وفنيّة متنوعة تتناسب والمنظومة الاجتماعية، صفحة الغلاف موفقّة ومترابطة مع المضمون الدّاخلي للرّواية، حيث تضمن الغلاف لصورة عروس بثوب أبيض دلالة على الطّهارة والنّقاء والقدس عروس العروبة، وطريق مجهولة المعالم، وصورة المختار وإمام الجامع ونوافذ صغيرة لبيوت أهل القرية، والطالبات بمدرسة دار الطّفل، ومجموعة من الأسوار والقضبان والأيادي الّتي تعانق فجر الحريّة.

تطرّق الكاتب لعدّة مشاكل تربويّة اجتماعيّة منها التّسرب من المدارس للعمل في ورشات البناء،ومعالجة قضايا اقتصاديّة، العادات والتّقاليد والمفارقات وعقد بعض المقارنات بين ثقافة المقدسي والهندي، وجرأة استيفاني وحياء رولاص167

من الشّخصيات في الرّواية أبو عليان عبد الرّؤوف ،حيث يمثّل الجهل والخرافات، بتسببه في بتر يد خليل وشللها.

زينب  الشفافيّة والبساطة وعدم التّكلّف:

رولا بدأت بالظّهور في ص65 حيث نستدل عليها من أبيات الشّعرص66، الشّجاعة والعروبة والفروسيّة.

ستيفاني تتوافق مع الانتداب البريطاني.

أبو سالم الخائن:

عرج الكاتب على عدّة أماكن وأحياء بسلالة وفن، مع بيان الجوانب التاريخية والدينية والتراثية للأماكن، وربطها بالموروث الثقافي والتاريخي بأسلوب قصصيّ مترابط وشيّق.

ص69 القدس القديمة التاريخ والأمل والنّصر والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، حي اتّسمت الصّور بالتناغم والجمال، والتسامح والمحبة بين الديانتين الاسلامية والمسيحيّة ،من خلال صداقة خليل وجورج والعائلة، تطرّق الكاتب لعدّة  أخلاقيات منها الكرم والجود في استقبال الضيوف وذبح الخراف البلدية والأكلات الشعبيّة مثل المنسف والمفتول.

النهاية اختتمت بياسمين الفرح والنّقاء ونور المعرفة والضياء

توصيات واقتراحات :إجراءات  دراسة وتحليل  رولاوسباعيّة درب الآلام والقصص المرتبطة بها ،في الكليات المجتمعية والجامعات في أقسام اللغة العربيّة والتّاريخ والعلوم السّياسيّة وأخذ العبر  والاستفادة منها في الأبحاث.

وكتبت رفيقة عثمان:

تعتبر الرواية مُكمِّلة للرّوايات السابقة، كتأريخ لحياة فئة من الشعب الفلسطيني، والتي تعيش في القرية؛ وخاصَّة جبل المكبِّر جنوبي مدينة القدس؛ في الحقبة الزمنيَّة الواقعة ما بين السنوات: 1967-1973.

طغت على الرواية ذكر أسماء لأماكن متعدِّدة، ومواقع تاريخيَّة هامَّة، وأسماء قرى، ومدن مختلفة تبدأ من شمال فلسطين، حتى جنوبها. قارئ الرواية يلاحظ هذا التراصّ والتدفُّق في ذكر تلك الأسماء بشكل ملحوظ؛ كأنَّه استعراض لهذه الأماكن تخليدًا لها؛ ممَّا يُضعف من التشويق في سرد الأحداث.

هذه الرّواية انسابت كسابقتها دون تحديث في أحداث الرّواية، إلَّا أنَّ هنالك تغييرات طفيفة بالأسماء، بدلا من وضحة، صار اسم حديث وهو رولا، وياسمين وفقًا لتغيير الزمن؛ كذلك النظرة الدونيَّة للمرأة ما زالت عالقة في أذهان الآباء والأجداد. (كما ذُكر صفحة 160- ” إحدى بنات نايف أصيبت بجرح دام برأسها… لم يأخذوها إلى المستشفى كونها أنثى.”

اختار الأديب عنوانًا للرِّواية باسم رولا، التي أُعجب بها البطل السيِّد خليل، كما نعته الروائي (بالأكتع)، وتزوَّجها، حيث لم يكن لها دور خلال السرد في الرواية، إلَّا بضع صفحات قبل نهاية الرواية؛ من صفحة 162-181.

ورد تضارب في الرواية بعدم تحديد اليد المبتورة للسيِّد خليل، صفحة 122 ذُكر “لكن خليلا فقد يده اليسرى..”، وفي صفحة 123 ورد ” هذا الحاج عبد الرؤوف … هو السبب في قطع يدي اليمنى“.

كما ورد تضارب في حقيقة البطل عندما حُظِر من التجوُّل خارج إقامته، عندما طلبت رُلى بأن يأخذها إلى يافا، أجابها بأنه محكوم بعدم مغادرة مكان إقامته: صفحة 163: “قلت لك سابقًا بأنَّني ممنوع من الخروج خارج حدود القدس”، بينما في صفحة 185، ذُكر بأنَّ خليل سافر إلى حيفا لقضاء شهر العسل: “سافر العرسان إلى حيفا في سيَّارة خليل لقضاء شهر العسل في فندق على قمَّة الكرمل”. كذلك غادر خليل وعروسه إلى الفيلا في رام الله.

نهاية الرواية كانت سريعة جدًّا، خاصَّةً فيما يتعلق بعلاقة خليل ورلى، والإنجاب طفلة وطفل في صفحة واحدة، صفحة 185.

في رواية رلى كانت اللهجة العاميَّة المحكيَّة هي الغالبة، وتكاد اللغة الفصحى تضمحل في هذه الرواية؛ يبدو أنّ الأديب استخدم اللهجة المحكيَّة وِفقًا للمكان الذي دارت فيه الأحداث.

هنالك مأخذ في نصّ الرواية على كيفيَّة تعارف بين خليل ورلى في اللقاء الأوَّل،  صفحة 64 ، بعد إلقاء خليل للمحاضرة ، ” صافحته، وطبعت قُبلة على كلّ وجنة من وجنتيه.. وطبعت القُبلة الثالثة على شفتيه وهي تقول اسمي “رلى”.  يبدو لي غريبا من فتاة شرقيَّة ان تتصرف بجرأة كهذه، كما وصف الأديب رلى بالخجولة في سنوات السبعينات،  وخاصَّةً في لقاء تعارف جديد، يبدو لي بأن هنالك مبالغة لهذا السلوك الذي يتشبَّه بسلوك الغرب، في نظري لم تتوصَّل الفتاة الشرقيَّة، وخاصَّة في فلسطين، لهذه الدرجة من التحرُّر حتى في زمننا هذا.

تُضاف هذه الرواية على سابقاتها، للمكتبات العربيَّة، لتأريخ الأحداث والأماكن، وأرشفتها للأجيال القادمة.

وكتبت سوسن عابدين الحشيم:

حكى الكاتب قصة الشباب زمن حرب النكبة وبعدها في مدينة القدس المحتلة، عنصر المكان كان واضحا إنّها القدس بشوارعها وأزقتها وبيوتها وشوارعها،  كان الكاتب يوظف اللغة المحكية طواعية لتناسب سكان منطقة جبل المكبر المحاذي لمدينة القدس، كما تطرّق إلى ذكر أحداث القدس بعد النكبة من حرق للمسجد الأقصى والاعتقالات المتتالية، تركيز الكاتب كان على المعالم التاريخية للقدس التي أزالها الاحتلال وما زال يحاول طمس هذه المعالم، حيث وثق الكاتب في روايته المسجد الأقصى والقدس بأبوابها وحواريها، استخدم أسلوب السرد القصصي، فيحكي قصة بطل الرواية الشاب خليل وأدخل اسماء الأمكنة والمساجد والكنائس الموجودة في القدس من خلال تجوال خليل في شوارع القدس العتيقة، أدخل الكاتب شخصية الفتاة البريطانية ستيفاني ليجمع بين الاسلامية والمسيحية في علاقتها الحميمة مع خليل، وعلى إثرها استطاع الكاتب وصف الكنائس الموجودة داخل أسوار القدس وحولها كالجثمانية والقيامة والفادي “الملخص” والمهد بحيث ذكر أماكن وجودها، ومناسبة بنائها ومن بناها وزمن هذا البناء، فكانت الرواية ثوثيق تاريخي للمعالم الاسلامية والمسيحية المقدسة على حد سواء لشعوب العالم وليس لأهل القدس فقط، ها هي أهم وأقدس بقاع الأرض تدنس تحت وطأة وجور الاحتلال الغاشم دون محاولة انقاذها من العالم الخارجي، كأن هذه الأرض المقدسة هي لأهل القدس فقط،، محاولة الكاتب إقناع القارئ بالاهتمام والتمسك بالمكان وهنا المقصودة  القدس، فينهي قصته أنّ  يتخلى خليل عن الفتاة البريطانية؛ ليتزوج من أهل بلده الفتاة المقدسية رولا والتي تمثل القدس الساحرة بجمالها الخلاب، والآسرة للقلوب فيصفها الكاتب على لسان خليل …… بل للقدس سحر لا يوجد في مكان غيرها … من يعيش في المدينة أو يدخلها زائرا، فإنها تسبغ عليه من جمالها… تنثر عطورها عليه… يكسوه فضاؤها ثوبا شفيفا لا يرى بالعين المجردة …. وكأنها تأسره بذلك حتى يعود إليها مرّات ومرّات… المدينة تعرف ناسها وعشاقها… وتعرف غزاتها أيضا…. تحتضن العشاق …. تسكت عن الغزاة بعض الوقت، فان لم يرحلوا عنها تبتلعهم وتلقي بهم في مزابل بعيدة …. وهذا ما أراد الكاتب إيصاله للقراء فالغزاة لا بدّ أن يرحلوا يوما ما وتتحرّر القدس إن شاء الله.

وكتبت رولا خالد غانم:

مضمون الرواية: تناولت الرّواية المجتمع الفلسطيني بكلّ شرائحة في فترة أواخر  ستّينات القرن العشرين، أي بعد حرب حزيران عام 1967 ونتائجها الكارثيّة. وإن سلطت الضّوء على عائلة أبي كامل كونها إحدى فئات هذا المجتمع، التي عانت حيث اعتقل ابنها خليل، وليست هذه هي المرّة الأولى التي يتطرق بها الكاتب إلى موضوع السّجون والأسرى، فروايته السّابقة “العسف” جميعها عن حياة الأسْر.، فنحن محتلون، وهذا تسبّب بأسر شعبنا بأكمله، فكان حضوره أمرا طبيعيّا لدى الكتّاب الفلسطينيين، ومعظم المقاومين كان يزج بهم  في سجون الاحتلال الغاشم، كخليل بطل هذه الرّواية، فقد كان ناشطا سياسيّا تعرض للسّجن رغم صغر سنّه، ممّا أثّر على بعض أمور أسرته، حيث تم تأجيل حفل زفاف شقيقه صالح، وعزوف شقيقته زينب عن الخطوبة حتى يتحرّر، فلا مكان للفرح في ظل أسر خليل.

نقلت لنا الرواية صورة صادقة عن هذا المجتمع في تلك الفترة، حيث تمّ نصب خيمة لاستقبال المهنّئين فور خروج خليل من السّجن، ضمّت جميع الأهل والأحبّة الذين توافدوا ليشاركوا عائلة أبي كامل فرحتها.

ومن القضايا المهمّة التي تطرّقت إليها الرّواية هي  العلاقة الأخويّة بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيّين، فخليل كان يتردّد على عائلة صديقه جورج  باستمرار فتفتح قلبها له، والعكس صحيح أيضا.

كان خليل على علاقة بفتاة انجليزيّة تدعى ستيفاني، وهي فتاة لعوب لا تصلح لأن تكون زوجة خليل المستقبلية، فهي فتاة مغايرة عن الفتاة العربيّة لها ثقافتها وعاداتها التي من خلالها بحثت عن متعتها بدون ضوابط، وهذا  يتناقض مع عادات وتقاليد مجتمعنا العربي، ممّا جعل خليل يرفض أن تكون زوجة له. وهي أيضا لم يكن الزّواج وارد في حساباتها، وعندما فكّر خليل بالزّواج اختار  الفتاة المقدسيّة رولا الطالبة في جامعة بير زيت. وهي بدورها من لفتت انتباهه إليها، وعرضت عليه أن تكون زوجته.

القدس في الرّواية:

تدور غالبيّة أحداث الرّواية في مدينة القدس التي جاء فيها وصف دقيق وتعريف لبعض ملامحها التّاريخيّة والحضاريّة، فقد وصف الكاتب مدينة القدس بمعالمها، وذكر أسماء أماكن مهمّة فيها مع نبذة تعريفيّة عنها، ممّا أعطى الرّواية رونقا وأهمية، ولا غرابة في ذلك، فالمدينة تسكن قلب أديبنا الذي يسكنها ويعيش فيها.

اللغة: مزج الكاتب بين اللغة الفصحى واللهجة المحكيّة، كما نطق بها أهلها، فأثّرت في القارىء، وزادت من عنصر التّشويق الحاضر أصلا. ووظف الكاتب بعض الأغاني والأمثال الشعبية والأشعار والآيات القرآنية التي خدمت النّصّ.

طرحت الرّواية بعض العادات والتقاليد السّلبية للتّنفير منها، فتطرقت لقضية الجهل والتّخلف في العلاج آنذاك، فقد خسر خليل يده نتيجة هذا الجهل على يد عبد الرؤوف المجبّر الشّعبيّ الجاهل والمعتدّ بجهله ظّنا منه أنّه هو الصّحيح.

الأسلوب: اعتمد الكاتب لغة انسيابية تخللها حوار باللهجة المحكيّة، رغم أن الكاتب ضليع جدا في اللغة، وذلك لتناسب شخوص روايته الشّعبيّين، وربّما لأنّه يكتب لجميع فئات المجتمع، وليس للمثقفين فقط، فكانت روايته قريبة من القلوب حتى كادت تلامسها.

شخصيّات الرواية: تعدّدت شخوص الرّواية، لكنّ خليل كان بطلها الرّئيس، وقد تعرض لتجربة اعتقالية قاسية زادت من صلابته وقوة شكيمته. وستيفاني الفتاة اليؤسطانيّة السّهلة التي تثير الاشمئزاز. والفتاة المقدسّية رولا التي عانت في حياتها الكثير، وضحكت لها الدنيا في نهاية الرواية.

خاتمة الرواية: جاءت مقنعة ومرضية للقارىء حيث تزوّج خليل من رولا  وأنجبا  طفلين، وتزوّجت شقيقته زينب من سامح الذي فرش الورود في طريقها. الرّواية تخلو من الأخطاء باستثناء كتابة اسم رولا بالألف الممدودة على الغلاف، ويبدو أنّ الكاتب تعمّد ذلك للفت انتباه القارئ، وقد بالألف المقصورة داخل الرواية، وهذا هو الصّحيح.

أمّا نائلة أبو طاحون فقد كتبت:

يعود بنا الرّوائيّ المقدسيّ جميل السلحوت ليكتب لنا عن حقبة تاريخيّة مهمّة وحرجة من تاريخ الصّراع الفلسطينيّ والمنطقة العربيّة، من خلال عمل روائيّ جديد ومتميّز “رواية رولا”  بعد أن كان قد رصد لنا في رواية سابقة “زمن وضحة” أحداث مرحلة شكّلت بداية هذا الصّراع . لكن كان رصدا ثقافيّا وفكريّا واجتماعيّا لمرحلة سياسيّة لا زالت آثارها ممتدّة حتى يومنا الحاضر، ثم يستكمل هذا الرّصد لواقع الحياة والمتغيّرات الفلسطينيّة في رواية “رولا” التي تشكلّ الجزء السّادس من مسلسله الرّوائيّ “درب الآلام الفلسطينيّ” لكن بالقاء دائرة أوسع من الضّوء لتشمل الحياة السياسيذة على الّعيد الفلسطينيّ والعربيّ، ولم يغفل الكاتب بكلّ تاكيد عن ابراز ما رافق ذلك من تغيّرات اجتماعيّة وفكريّة واكبت الواقع الفلسطينيّ في تلك المرحلة.

تتحدّث الرّواية عن مرحلة حرجة أخرى في التّاريخ الفلسطينيّ هي مرحلة النّكبة الثّانية لفلسطين،  واحتلال كامل التّراب الفلسطينيّ، إذ يمتدّ زمن الرّواية ما بين 1967- 1973-  أي بعد حرب حزيران 1967 والتي خسرنا فيها ما تبقّى من فلسطين، بما في ذلك جوهرتها القدس أيضا، بل وامتدّ الاحتلال ليشمل الجولان السّوريّة  وسيناء المصريّة.. هذه الحرب التي صفعت جبين الأمّة العربيّة عامّة والشعب الفلسطينيّ خاصّة، فما أفقنا من نكبة العام 1948حتى لحقتها هزيمة 1967 وما نتج عن ذلك من تمزّق نسيج المجتمع الفلسطينيّ في دول الشّتات واللجوء، والهجرة القسريّة والطّوعيّة إلى مختلف دول العالم .. هو زمن الهزيمة والانكسار والخذلان، إذ تتطرّق الرّواية إلى ما آل إليه الحال من تخاذل الموقف العربيّ للقضيّة الفلسطينيّة، وعدم الدّعم الجادّ إلا من خلال عبارات جوفاء هزيلة من الشّجب والاستنكار الخجول، ومن ثمّ الخلود في صمت مطبق .. وصوّرت الرّواية هذا الواقع المرير من خلال التّركيز على حادثة حرق المسجد الاقصى في 21-8-1969، ورواية تفاصيل تلك الحادثة الخطيرة وما رافقها من أحداث وتظاهرات عمّت كامل المدن الفلسطينيّةـ بما في ذلك الدّاخل الفلسطينيّ، وتستعرض الرّواية الآثار المدمّرة التي طالت المسجد الاقصى جرّاء ذلك الحريق المتعمّد؛ لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ولطمس الهويّة الفلسطينية والتّراث الفلسطينيّ في القدس وبالتّالي الغاء الوجود الفلسطيني فيها.

فالقدس كانت ولا زالت جوهر الصّراع العربيّ الاسرائيليّ، والمساس بها وبمقدّساتها خط أحمر؛ لما لها من مدلول تاريخيّ، ثقافيّ، دينيّ وتراثيّ، وحالة الغليان التي ترافق هذه القضيّة تحتاج لمواقف عربيّة ودوليّة جادّة، لما لها من تأثير على كامل المنطقة العربيّة والدّوليّة ، لكنّ الرّواية تستعرض لنا حالة الضّعف العربيّ والاستكانة؛ ليقتصر بردوده من خلال شجب واستنكار وعبارات لا تقدّم ولا تؤخّر . هذا هو الموقف الذي استعرضته لنا الرّواية، لتنكأ الجرح الدّامي وتحرّك فينا ألَمّ ذلك الجرح .

ولكي يعمّق الكاتب قضيّة القدس أكثر فقد ترك أحداث الرّواية تدور داخل المدينة .. ويختار منها شخوصها أيضا، فها هي عائلة أبو كمال والد خليل بطل الرّواية، عائلة ريفيّة بسيطة تحيا وفق عادات وتقاليد وقيم بسيطة متوارثة، وأفكار لا تكاد تختلف عن أفكار تلك الطّبقة في تلك المرحلة، لكنّ الكاتب يقف ليصوّر لنا بعض التّغيّرات في الفكر والسّلوك التي طالت هذه الطّبقة، وبدأت تتسلل إليها رويدا رويدا. فها هي زينب فتاة تدرس في معهد بيرزيت، ومقيمة بسكن للطّالبات هناك، الأمر الذي لم يكن مألوفا في رواية” زمن وضحة”- بداية خمسينات القرن العشرين- إذ كان تعليم البنت وخروجها إلى مدرسة خارج حدود قريتها أمرا غير مألوف ولا مقبول؛ لنجد ذلك يتغيّر الآن ويصبح خروج الفتاة للتّعلم أمرا يقتضيه حالة الابتعاد عن بعض العادات البالية القديمة .

وممّا جاء في الرّواية  لفت الانتباه لسياسة التّجهيل الممنهجة من قبل المحتلّين، وتزييف المنهاج الدراسيّ  والحقائق التّاريخيّة، وكيف أنّ الطّلاب تسرّبوا من المدارس بحكم الواقع الذي فرض عليهم؛ ليلتحقوا بالعمل في ورشات البناء الاسرائيليّة، وكذلك الأهالي تركوا أراضيهم الزراعيّة بورا، بحجّة أنّ انتاجها مرهون بموسم الأمطار غير المنتظمة  وغير المضمونة، وحاجتهم لعمل يؤمّن لهم دخلا ثابتا، وهذا بالطّبع لا يخفى على أحد بأنّها إحدى السّياسات الصهيونيّة لسلخ الفلسطينيّين عن أرضهم ومصدر رزقهم،  وتجيير الأيدي العاملة منهم لصالح بناء المستوطنات ، لكن الرّواية تردّ على هذا التّزييف للحقائق بسرد حقائق تاريخيّة ثابتة بكل تفاصيلها، فللقدس حضور طاغ في الرّواية، فعلى أرضها تدور مجمل الأحداث وشخوصها هم من أبنائها … فما من موضع ذكر فيها اسمها إلا وتغزّل السّارد بجمالها، واستنشق عبق التّاريخ في معالمها . بوصف دقيق راح يحصي لنا معالمها ويذكر تفاصيل وحقائق عن أماكنها الدّينيّة والتّاريخية والاسلاميّة والمسيحيّة ، والرّواية مكتظة بأسماء لمعالم وجبال وبوابّات وقرى مهجّرة ويدوّنها ويخلد أسماءها، ويذكر تاريخها وما طالها من تدمير وتغيير على يد آلة البطش الصهيونيّة  لتمحو معالمها وتغيّر هويّتها، و كلّ ذلك ليحفظ للقدس مكانتها وتراثها وارثها وتاريخها، ويؤكّد تواجدنا وحقّنا المسلوب فيها، كاتبنا يعشق القدس ويظهر ذلك في كلّ تلك التّفاصيل، كيف لا وهو ابن القدس نشا في أزقّتها وفي أحضانها، وترعرع على روابيها واستنشق هواءها، ومن غيره يستطيع أن يحدّثنا بكل تلك التّفاصيل إلا ان كان عايش كلّ ذلك؟

والرّواية تسلّط الضّوء على قضيّة أخرى مهمّة في تاريخ نضالنا السّياسيّ، وهي قضيّة لا زالت تلقي بظلالها القاتمة على المشهد الفلسطينيّ والعائلة الفلسطينيّة،  وتشغل بالهم ألا وهي قضيّة الأسرى، وقد عالجت الرّواية ذلك من خلال الشّخصيّة الرّئيسيّة في الرّواية، وهو خليل  الذي اعتقل لمدّة أربعة عشر شهرا دون محاكمة، ثم تحرّر ليتحدث عن معاناة المعتقلين، وليكون بالقرب من أسرته معينا لهم، وبخروجه تعمّ الفرحة، فكلّ المشاريع كانت مؤجّلة لحين خروجه. وهنا كنت أحبّذ لو أنّ الكاتب أضفى على شخصيّة خليل هالة بطوليّة؛ كي يتعاطف معه القارئ، فقضيّة الأسرى قضيّة هامّة ورئيسيّة في نضالنا من أجل حرّيتهم، ولأنّ الأسير يخرج من المعتقل بأفكار وقيم عظيمة ورسالة سامية، فكنت أتوقّع منه أن يرفض ستيفاني ويثور على رغباته ويوقفها عند حدّها، خاصة وأنّها استغلّت طفولته وبراءته.

حملت الرّواية اسم إحدى شخصياتها وهي “روﻻ” طالبة جامعيّة..وابنة طبيب يعمل في الكويت حالت ظروف الحرب دون عودته..تعلّق قلبها بخليل قبل أن تراه..وتكون خياره للزّواج عاملا بنصيحة المقرّبين “من طين بلادك لطّ على خدادك.”

أبدع الكاتب في رسم نهاية من باع ضميرة للشّيطان وكان عونا للمحتلّ على أبناء بلده..فها هو لا يأمن على نفسه، ويبيت ليلته مرعوبا بعد ضربه في باحات الأقصى، فيقرّر الرّحيل عن بلدته مخلّفا وراءه أسرته التي تخلّت عنه وتركته يواجه مصيرة المشؤوم وحده، فيلجأ للضّابط المسؤول عن تجنيده، فيكون ردّه “إذا قتلوك لن يحدث شيء كلب ومات، وهذا مصير الكلاب الهرمة “.  ويموت ميتة الكلاب الضّالّة، وفي هذا عبرة لكلّ من سوّلت له نفسه بالخيانة.

وكما نرى فهذه الرّواية تبقى عملا أدبيّا غزيرا بمفرداته وأحداته وشخوصه .. وبلغته التى امتزجت بالاحداث والشّخوص من خلال وصف دقيق بمفردات غاية في البلاغة والأناقة والصّور البديعيّة الجميلة .. كيف لا وهي تتحدّث عن هموم وطن وشعب، وعن القدس وما تمثّله لشعبها ولأمّتها ..جاءت في الرّواية أحداث مشوّقة، لها تأثيرها في النفس، وجاءت اللغة توافق قساوة الأحداث وروعتها في آن واحد، إذ أنّ قدسنا الجميلة هي سيّدة الحدث، فكانت العبارات التي تصوّرها تتحلّى بوصف رائع، وتشابيه وصور بليغة تهيم عاطفة ووجدانا من قلب الكاتب نفسه.. ولا شكّ أنّ اللغة الدّارجة جاءت لتعكس الهويّة الفلسطينيّة في الحوار الدّائر بين الشّخوص، ممّا أعطى أحداث الرّواية واقعيّة .

وأخيرا لا نملك إلا أن نثمّن هذه الرّواية بوصفها عملا أدبيّا أنيقا، يضجّ بالأحداث لفترة تاريخيّة لا زالت جذورها تمتدّ لحاضرنا المعاش حاليا، وكأنّنا نقرأ أحداثا يوميّة متجدّدة.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات