نمر القدومي: رواية “رولا” ونافذة القدر

ن

الأديب ” جميل المسلحوت ” يَبذُر التّربة بحروفه الخصبة ويختلس موسيقى السّماء التي تسوق الغيوم المُحمّلة بحبّات المطر الماسيّة. يكاد الغرس بِحِملهِ أن ينحني مُثَقّلا بروائع الحكايات والعِبر، وصنوف البدائع البلاغيّة الجميلة. نَتَفيّأ ظِلاله الوارفة ونقطف ثمره اليانعة .

في روايته “رولا” الإجتماعيّة السياسيّة الصّادرة عن دار الجنديّ للنشر والتوزيع  في القدس، والتي تقع في (189) صفحة من الحجم المتوسّط لعام 2016، كان “خليل” بداية الحكاية، إعتقلته سلطات الاحتلال مباشرة بعد عام 1967 ، ليقبع في سجونها أربعة عشر شهرا. هذا الشاب المقدسيّ إبن بلدة (جبل المكبّر) عَزَّ عليه أحوال وطنه بعد الهزيمة، وبكت عيناه دما حين رأى المسجد الأقصى يحترق أمامه. في الماضي ولأسباب غامضة تبنّته عائلة بريطانيّة ثريّة وهو في الرابعة عشر من عمره؛ ليسكن معها في لندن. عاش في كنفهم شهرا مُكرّماً مُعزّزاً ليعود إلى أحضان أهله، ويبدأ تعليمه الجامعيّ. في ذلك الوقت خاض علاقة غراميّة مع إبنتهم “ستيفاني”. وقد جاءت من بلادها عندما عَلِمتْ بالإفراج عنه؛ لرؤيته ولتشبع شهوة الفتاة الأجنبيّة المُحَلّقة في عالم الرّذيلة. حملت له مبلغا كبيرا من المال كهديّة من عائلتها. خرج “خليل” عن أخلاقيات الإنسان الشرقيّ المُنحدر من عائلة قرويّة مُحافظة؛ ليعيش في تخبّط فِكريّ وسلوكيّات غير مقبولة وضعت قدما له في الجنّة وأخرى في النار.

عَمَدَ الكاتب في مجريات الأحداث أن يصف لنا الأماكن التاريخيّة، والموثّقة في الروايّة بالمعلومات الدقيقة خلال تِجوال “خليل” مع “ستيفاني” في طرقات مدينة القدس وبلدتها القديمة، المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، جبل الزيتون وكنيسة الجثمانيّة، طنطور فرعون وقصر المندوب الساميّ. كذلك زارا مدينة بيت لحم وكنيسة المهد فيها.

الأديب “السلحوت” شحن للقاريء شخصيّة “رولا” مُسبقا، ووضعها أمام عيون “خليل” لِيُغرم بها من أول نظرة. تلك الفتاة المقدسيّة يتيمة الأمّ والتي تعيش مع زوجة والدها الشرّيرة، وأب مُغترب بسبب الحرب. بخطوات جريئة لم تعتدّ عليها الفتاة الشرقيّة في ذلك الوقت، تقرّبتْ من “خليل” وأُغرمتْ به على وجه السّرعة أيضا، فكانت اللقاءات السّريّة، المحادثات الجانبيّة وعيش المراهقين.

أمّا الحدث الأهمّ الذي فجّره الكاتب فهو أنَّ “خليل” مبتور اليد (أكتع) منذ الطّفولة بسبب التخلّف السّائد آنذاك حين كان يلجأ الكثير من النّاس إلى التّداوي بالطّب العربيّ (المُجَبّر) الذي أفقده يده؟

مفتاح الفرج في حياته كانت تلك النّقود الكثيرة التي حصل عليها. فقد ساعد والده في بناء منزل كبير للعائلة، وساعد نفسه في شراء أرض في مدينة رام الله، وأقام عليها شقّة فاخرة. كذلك قام بامتلاك بعض الدونمات في منطقة بيت حنينا. توقف عن الدّراسة وعقد العزم على إنشاء مكتبة لبيع الكتب في مدينة القدس. تزوّج من “رولا” لتتحرّر هي من إحتلال زوجة أب لإرادتها وحريّتها وإنسانيّتها.

إستخدم الأديب في روايته اللّغة البسيطة المحكيّة التي لم تخضع لقواعد اللّغة، وبأسلوب الحوار بيت الشّخصيّات. كانت المعاني والكلمات صحيحة وجديّة وقريبة من الواقع. وقد عايشت تصرّف وسلوك المجتمعات في ذلك الوقت. بعض المعاني كانت عميقة، والبعض الآخر إمتاز بالسّطحيّة. لا شكّ أنَّ حقيقة الحكايات يكون لها دائما الأثر الكبير في عاطفة القاريء، خصوصاً أنَّ خطوط الأحداث كانت متقاطعة ومتشابكة بين شخصيّات الروايّة.

الحبكة واردة في مُجمل الرواية، والشّوق يُلاحق شخصيّة “خليل” لمعرفة مُستقرّ حاله ! بحث القاريء عن “رولا” منذ البداية، إلاّ أنَّ الكاتب وبطريقة ذكيّة أظهرها في مواقع قليلة جدا من الروايّة؛ ليختارها عنوانا رئيسيّا له.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات