إضاءة على رواية زمن وضحة بقلم:دعاء عليان

إ

وضحة اسم بدوي  أصله عربي ويعني الجليّة، البيّنة ، البيضاء.

أما زمن وضحة فهي رواية وليدة القرن الحادي والعشرين للأديب المقدسي جميل السلحوت، أهداها لحفيدته لينا  وليدة  أواسط  العقد الثاني  من ذات القرن.

إهداء مميز للجميلة لينا التي أظنّها ستقرأ الرّواية ذات وعي لتعود إلى زمن لم تعشه وربّما لم تسمع عنه، كما حصل معي أنا  ابنة أواخر العقد ما قبل الأخير من القرن العشرين.

صدرت رواية “زمن وضحة” قبل أيام عن منشورات مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 224 صفحة من الحجم المتوسّط. صمّم غلافها  الفنّان شربل إلياس.

تعكس الرّواية تفاصيل الحياة الاجتماعيّة بأبعادها المختلفة في قرية فلسطينيّة لا يهمّ اسمها، وفي حقبة زمنيّة معينّة أظنّ بعض ملامحها تتكرّر في عصرنا الحالي.  ويخوض الكاتب في ذكر تفاصيل الحياة هناك معرّجًا على أحداث  مهّدت الطريق لحدوث  ما أصفه  بالانقلاب على مظاهر التّخلف والرجعية والتقليد الأعمى .

فالقرية التي  تدور فيها أحداث الرواية تشكل بيئة حاضنة لآفات اجتماعية عديدة مثل الزّواج المبكر، وتعدّد الزّوجات بدون مبرّر منطقي، ورضوخ المرأة للظلم بل ومساهمتها في ظلم نفسها، وعدم تعليم البنات، ونبذ العلم والمتعلمين، وتحكيم الجهل والجاهلين  لحلّ المشاكل الاجتماعيّة والطبّيّة المختلفة، وكذلك التّعصب للرّأي ولسطوة العائلة، والتّقليد الأعمى للأسلاف، وما يتّصل بهذه الظواهر وغيرها من تفاصيل.

هذا  الغشاء  الذي وضع على أعين سكان القرية  ساهم في  خسارات كبيرة  لسكّانها. وهي ليست خسارات ماديّة ولا خسارات أرواح فحسب، بل خسارة لكلّ معاني السّعادة والتّرف التي  حُرم منها سكّان القرية. ولكن في ذات الوقت، كان لوجود الأمل والعمل دور بارز في انتشال القرية من مستنقع التّخلف والمساهمة في تطويرها والنهوض بها. وما  كانت جهود الدكتور ممدوح وزوجته  ريتا لتثمر لولا وجود بعض الأشخاص المتمرّدين على واقعهم الأسود.

و للتحوّل في شخصية “عارف” من عارف المجنون إلى الأستاذ عارف دلالات كثيرة.، منها  تأثير البيئة المحيطة بالإنسان على أدائه وإنجازه ، وأهمية  العزيمة والإصرار والثّقة بالنّفس في رقيّ الإنسان وتغيير حاله، وكذلك أهمية وجود عناصر مساندة فعالة، وأشخاص على قناعة تامّة بدورهم في تغيير واقعهم إلى الأفضل في دعم الفئات الأكثر تهميشًا والنّهوض بواقعها.

أما من النّاحية النّفسية،  فقد قرأت بين سطور الرّواية انعكاسات لحالات نفسيّة مختلفة لبعض شخصيّات الرّواية شكّلها الواقع الاجتماعي المحيط.

فبهيّة التي  طال وصفها بالعاقر كانت العنصر الأضعف في بيت العائلة لأنّها “لا تثمر”، وبالتّالي كان عليها الرّضوخ لكلّ الإملاءات والعذابات المفروضة عليها لتحافظ على زواجها، وربّما في سرّها لئلا تعود إلى جحيم آخر لا يقل عن جحيم عيشتها  مع حماتها اللئيمة.

وفي ذات الوقت، بهيّة  الزوجة من حقّها أن تصبح أمًا . فكانت تجد في العناية بأبناء زوجها  شيئًا يعوّضها عن الحرمان الذي عاشته، إلى أن مَنّ الله عليها وأكرمها بأن أصبحت أمًا بالجسد والقلب.

ونساء القرية اللواتي حرمن من  الابتهاج بزواجهنّ  والاحتفال به  كما يردن، والرّقص على أنغام  الفرح، كُنّ يبحثن عن أيّ فرصة لفعل ذلك. حيث كُنّ يجدن في الرّقص في أفراح الأخريات فرصة  لتعويضهنّ عن ذلك النّقص، وهؤلاء وجدن في ليلة  حنّاء وضحة  مثلًا فرصة لا تعوّض لذلك. وفي ذات الليلة وذات السّياق، رأينا إسقاطات ثقافة المجتمع التي تفرض أنماطًا معيّنة من التّصرفات على الفتيات اللواتي تطاردهن عيون الباحثات عن زوجات لأبنائهنّ، وكذلك على تصرّفات الرجال الذين كانوا يعلمون جيّدا أثناء الدّبكة أنّ هناك أعين تختطف النّظرات إليهم.

والسّؤال الآن: لماذا “زمن وضحة” بالتحديد؟

رأيت في شخصيّة وضحة مزيجًا من أشياء مختلفة ربما افتقدت إليها معظم بنات جيلها ونساء قريتها. فوضحة من القليلات المحظوظات اللواتي أتيحت لهن الفرصة للدّراسة حتى الصّفّ السّادس الابتدائيّ في تلك الفترة. وهي أيضًا فتاة جريئة في قول الحقّ أو انتقاده ضمن ما أوتيت من إمكانات محدودة، فكانت قوّة شخصيّتها وإدراكها لما يحصل حولها عوامل مساعدة في التّغيير الذي حصل  على حياتها وحياة سكان قريتها.

كما وأن عزيمتها وإرادتها ودعمها لريتا  تظهر أنّها لم تكن تقبل بكل ما يجري حولها، وبأنّ قناعاتها تخالف ما يفرض عليها.

أمّا فيما يتعلق بلغة الكاتب، فهي لا تختلف بطبيعة الحال عن أسلوبه المعتاد والمتمثل في استخدام اللغة البسيطة المباشرة في الطّرح مع تضمين العاميّة لتناسب الغرض الذي  كتب لأجله العمل الأدبيّ. وضمّن الكاتب في روايته أشعارًا وأمثالًا واقوالًا وكلمات بالعاميّة تعكس الثّقافة السّائدة في بيئة الرّواية.

في النّهاية، قد يرى القارئ نوعًا من التهويل والمبالغة في وصف ما ذكر من أحداث وتصرفات وردود فعل في الرّواية. لكن المنخرط في تفاصيل  بعض التّجمعات التي تعيش حتى يومنا هذا، يجد أنّ ملامح التّخلّف الاجتماعي والحضاري ما زالت موجودة ، وإن اتّخذت أقنعة أخرى.

27-10-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات