رواية الخاطئة في اليوم السابع

ر

القدس: 17-9-2015 ناقشت ندوة اليوم السّابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “الخاطئة” للروائيّة المقدسيّة مزين برقان، وتقع الرّواية الصادرة عام 2015 والتي صمّمت غلافها الفنانة سماح داود في 415 صفحة من الحجم المتوسط.

وقال جميل السلحوت:

تدور أحداث الرّواية حول الخيانة الزّوجيّة، حيث أنّ بطلة الرّواية  امرأة متزوّجة وأمّ لطفل، وتعشق طبيب أسنان، وتبني معه علاقة حبّ وغرام، والرّواية رغم التحفظات على البناء الروائي واقعيّة حتى النّخاع، وإن بنت الكاتبة حبكتها من خلال خيال واقعيّ أيضا، وتعتبر هذه الرّواية واحدة من الرّوايات التي لا تكاد تكون موجودة في الأدب الفلسطينيّ الذي يطغى عليه الهمّ السّياسيّ في غالبيّته العظمى، فهي تغوص في قعر المجتمع لتأخذ نموذجا هو موجود على أرض الواقع ليس في المجتمع الفلسطينيّ فحسب، بل في المجتمعات كلّها.

ويلاحظ أنّ الكاتبة برقان قد استغلّت قدرتها في السّرد؛ لتغوص في لواعج المرأة التي تخون زوجها، فبطلة الرّواية تعيش تناقضا واضحا بين غرائزها وشبقها وتعلّقها برجل آخر غير زوجها، وبين كونها زوجة لرجل مخدوع ووالدة لطفل بريء. وهي تعيش عذاباتها من الخيانة الزّوجيّة التي تمارسها، لكنّها في نفس الوقت كانت تعيش ملذّاتها مع عشيقها، وتناقضاتها هذه جعلتها تكذب على زوجها المخدوع فتدّعي المرض تارة لتبرّر لزوجها سبب بكائها من سلوكها وقناعاتها المتناقضة، ونجحت في ذلك، وعندما اختارت الكاتبة أن يكون عشيق الزّوجة طبيب أسنان لم يكن اختيارا عبثيّا، بل لتسهلّ على بطلة الرّواية كيفيّة اللقاء بعشيقها في عيادته الطّبّيّة.

نجحت الكاتبة في تصوير نفسيّة المرأة العاشقة وتعلّقها بعشيقها وغيرتها عليه، تماما مثلما نجحت في تصوير نفسيتها وهي تخدع زوجها، وتهمل طفلها وبيتها.

استغلّت الكاتبة شبكة التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” بطريقة جيّدة كي تراقب البطلة مسلكيّات عشيقها طبيب الأسنان من خلال صفحته، وما تنشره “عشيقتان أخريتان” انتحلتا أسماء مستعارة، واستغلّت ذلك جيّدا في بناء روايتها، لكنّها وقعت في خطأ فمثلا”أميرة الكون” اسم مستعار، أي أنّها تختفي خلف هذا الاسم الوهميّ، فتقول” أمّا الصّورة الثّانية فكانت تظهر فيها “أميرة الكون” وحدها، أخذت أتأملّ صورتها، تأمّلت طويلا وجهها في الصّورة”ص 365، فكيف نشرت صورتها الحقيقيّة وهي تتخفّى خلف اسم مستعار؟

وفي صفحة 369 تحدّثت على لسان بطلة الرّواية أنّ الأسير سامر العيساوي الذي خاض أطول اضراب في التّاريخ قد أطلق سراحة في ديسمبر 2013، وأنّه أعيد اعتقاله في السابع من تموز 2012. وتختتم الكاتبة روايتها قائلة على لسان بطلة الرّواية.” لن تهدأ امرأة بتناول وجبة الحبّ بطريقة خاطئة، مهما كانت تلك الوجبة شهيّة، ولذيذة ومغرية، لا تحملنا أوجاع أخطائنا، بل نحن نحمل كلّ آلام أخطائنا.”

ويلاحظ أنّ الكاتبة كانت معنيّة باطالة روايتها فدخلت في توصيفات كان يمكنها الاستغناء عنها.

وقال عبدالله دعيس:

تحكي الكاتبة في رواياتها المتعاقبة عن العشق، وتطرق باب الحبّ بكل جرأة، وتتخطّى الحدود التي لا يرغب كثير من الكتّاب تجاوزها، لتحكي قصة عاشق أو عاشقة يتلوّع في أتون العشق والاضطراب النفسيّ، في مجتمع قد لا يتقبّل هذا ولا يعترف به، أو يترفّع عنه ساترا له أو متناسيا لوجوده أو منكرا له. لكنّ الكاتبة ترفع الغطاء بجرأة، وتكشف ما يحرص كثيرون على إخفائه، فتصيغ قصص عشق تسبر من خلالها أغوار النفس الإنسانيّة وتصف خلجاتها وتقلباتها، وتبيّن لحظات قوّتها وأزمان ضعفها.

وكما يوحي عنوان الرواية، فإنّ الكاتبة تحكي قصة امرأة اكتوت بنار العشق الممنوع، ودخلت في صراع نفسيّ، تتقاذفها لحظات الضعف والتمسّك بالعشيق، ولحظات عذاب الضمير والشعور بالخطيئة. فهيام، بطلة الرواية، امرأة لها زوج يعطيها مساحة واسعة من الحريّة ولا يقوم بالدوّر الرجولي المتسلّط، وطفل كان يمكن له أن يملأ حياتها بهجة وسرورا، لكنّها لا تقنع بدفء هذه العائلة وعلاقاتها النظيفة الطاهرة، وتقع في عشق طبيب الأسنان الذي تداوم الذهاب إلى عيادته وتتعلّق به تعلّقا مرضيّا مريعا، فيملك قلبها وعقلها، ولا تستطيع أن تنسى طيفه، ولا تستطيع الابتعاد عنه حتى عندما يعاملها بكل برود وعدم اكتراث. وفي المقابل تهمل بيتها وزوجها وابنها، وتقضي ليلها ونهارها تفكّر في حبيبها الذي لا تجد وسيلة للظفر به، أو متصفحة لحاسوبها تراقب صفحة الفيسبوك الخاصّة به، تتحرّق غيرة ولظى بسبب علاقته بنساء أخريات. فتعيش صراعا حادّا بين عشقها وبين مبادئها ومعتقداتها وقيمها التي تربّت عليها في مجتمعها المحافظ.

شخصيّة الراوية الرئيسيّة (هيام) هي المسيطرة على الرواية، فكل أسطر الرواية تبيّن ما يدور في صدرها وما تشعر به. وقد استحدثت الكاتبة طريقة في التعبير: فالبطلة تخاطب حبيبها  (ثائر) وكأنّه ماثل بين يديها، تحدّثه عمّا يجول في خاطرها، وعن عائلتها، وعن نفسه، وتصف له ما قام به وما يقوم به، فتبدو الرواية وكأنّها خطاب موجّه إلى هذا الطبيب الذي لا يعنيه شيء مما يدور في نفس هذه المعذّبة. وقد استفزّني أنها تخاطب هذا الرجل حتّى عندما تتكلم عن تقصيرها بحق ابنها وعن خجلها من والدها ووالدتها، فحتّى هذه المشاعر تبثّها له وكأن كل الدنيا قد تلخّصت في هذا الشخص الخائن لمعاني الإنسانية وشرف مهنته.

والكاتبة تعبّر عن مشاعر المرأة العاشقة، وخلجات نفسها وخفقان قلبها ورومانسيّتها بكل شفافيّة وصراحة، فتجعل القارئ يعيش في داخل هذه النفس ويفهمها. ولكن، ماذا تريد الكاتبة أن تقول لنا عن المرأة؟ هل هذه المرأة حقا هي نموذج للمرأة العربيّة؟ هل ما يدور في نفس هيام فعلا يدور في نفوس فئة من النّساء؟ لا أعلم الإجابة على هذه الأسئلة، لكنّني أعتقد أن ما واجهته هيام لم يكن إلا حالة مرضية شاذّة بعيدة عن طبيعة النساء. فالمرأة، كما كلّ أنثى، تتعلّق بأبنائها وتضحّي من أجلهم بكل شيء، ولا أظنّ أنّ امرأة متّزنة قد تودي بعائلتها من أجل نزوة عاطفيّة، فالمرأة أسمى من ذلك وأعظم. أعتقد أن الكاتبة بعملها هذا شوّهت صورة المرأة وقزّمتها وجعلتها مستعبدة لشهواتها ونزواتها بعيدا عن أنوثتها.

وتُظهر لنا الكاتبة، في هذه الرواية، الحبّ وكأنه مرتبط بالخطيئة كما يرتبط بالعذاب والمعاناة والشقاء. أين دفء الحب وسموّه؟ أين المرأة التي تحيط عائلتها حبا ورعاية، والرجل الذي لا يرى الحبّ إلا في حضن زوجته الدافئ وبين أبنائه؟ وهل تطرح الكاتبة في هذه الرواية قضيّة جديدة أو تعالج مشكلة في المجتمع الفلسطينيّ، الذي اختارته ليكون حاضنا لشخصيّات روايتها؟ لا أظنّ ذلك، ولا أعتقد أن هذه الرواية تقف على المشاكل الاجتماعية الحقيقيّة التي قد يعاني منها هذا المجتمع.

يجد القارئ لهذه الرواية نفسه يدور في حلقات مفرغة، ويسبح في بحر متلاطم من مشاعر هذه المرأة وعواطفها. تتكرر الفكرة نفسها مرّة بعد مرّة، وصفحة بعد صفحة. يبحث القارئ عن أحداث جديدة تروي فضوله وشغفه للقراءة، فلا يجد إلا ما تكرّره هيام عن مشاعر حبّها وشعورها بالخطيئة والذنب. وإن كان يُحسب للكاتبة قدرتها على تطويع اللغة لتعبّر عن الفكرة ذاتها مرّات ومرّات بصياغات متعدّدة وجمل إنشائية متنوّعة، إلا أن هذا التكرار أفقد الرّواية عنصر التشويق اللازم لمتابعة القراءة وأضعف حبكتها، فكانت الرواية طويلة جدا، مع أنّ أحداثها قليلة ومحدودة، وكان يمكن اختصارها في صفحات قليلة لتؤدي الغرض الذي كتبت من أجله.

وقد ظهرت في الرواية بعض الشخصيات والأحداث التي لم تضف إليها شيئا. فمثلا شخصيّة معاذ زميل هيام في الشغل، الذي ظهر فجأة في أواخر الرواية، والذي كان يحبّها ويحاول الاتصال بها أحيانا؛ لم يكن لها أي دور في إثراء الرواية، وكان بالإمكان الاستغناء عنها بسهولة ويسر. وقد أقحمت الكاتبة بعض الشخصيات الوطنيّة الحقيقيّة في روايتها الخياليّة هذه. فلماذا ذكرت الأسير سامر العيساوي والطفل الشهيد محمّد أبو خضير والمجاهد أبو عبيدة؟ ما علاقة هؤلاء الأبطال بالخاطئة والخطيئة؟ وما الذي أضافه ذكر هؤلاء على أحداث الرواية وحبكتها؟ أعتقد أن الكاتبة لم تكن موفّقة في ذلك؟

وأتساءل أيضا، لماذا اختارت الكاتبة شخصيّة طبيب الأسنان ليكون المعشوق؟ خاصة وأن إحدى رواياتها السابقة “لحظات خارجة عن الزمن” كان بطلها المتزوج (بهاء) يعشق طبيبة أسنان، ويتردد عليها في عيادتها. نفس الفكرة تتكرّر مرة أخرى في هذه الرواية؟ فهل اختيار طبيبة أسنان ثم طبيب أسنان دون غيرها من المهن محض صدفة؟ أم ربما له علاقة بأبعاد نفسية تريد الكاتبة أن تحكيها؟ أم أنّ لها علاقة بما قاله فرويد عن المرحلة الفميّة؟ ولماذا لم يشعر بطل رواية “لحظات خارجة عن الزمن” (بهاء) بالذنب والخطيئة لإهماله زوجته وانسياقه وراء عشق طبيبة الأسنان كما فعلت هيام في هذه الرواية؟ هل تريد الكاتبة أن تخبرنا أن طبيعة الرجل غير المرأة؟ أم تريد أن تعزز فكرة أن الرجل يستطيع أن يتنكّف لزوجته دون أن يشعر بوخز الضمير؟

رغم القدرة الواضحة للكاتبة على الصياغة اللغوية الجميلة والمعبّرة إلا أنّها استخدمت الكثير من التشبيهات غير المستساغة، مثل قولها عن حبيب بطلتها “بعيد عنّي سنة ضوئية أو أكثر.” أو تشبيهها لبطلتها أنها تدور في فلك حبيبها كالقمر الصناعيّ، وأنه يحيطها غلاف من الحزن كالغلاف الجويّ. وبعض الأحداث غير منطقيّة، فكيف استطاعت هيام أن تحمل منسفا إلى عيادة الأسنان التي عادة ما تغص بالمرضى، كما وصفتها الكاتبة؟

نهاية الرواية غير مقنعة، فقد انتهت الرواية كما بدأت. بدأت بهيام تعشق ثائر وتتألم لبعده، وانتهت بهيام وهي ما زالت تعشق ثائر رغم فتور مشاعره تجاهها، وتتعذب لفراقه وتسعى للقائه حتى بعد أن حذفها من قائمة أصدقائه على الفيسبوك. فهيام الخاطئة بدأت خاطئة وانتهت خاطئة، وحتّى عندما تحوّلت فجأة إلى واعظة في نهاية الرواية لم تتخل عن خطيئتها.

إن للكاتبة مزيّن يعقوب برقان قدرات هائلة في تطويع اللغة، وصياغة العبارات، ويبدو من كتابتها أنها صاحبة ثقافة واسعة وإطلاع على الأدب العالميّ، وتمتلك الخيال والحس المرهف والقدرة الكبيرة على وصف العمق النفسي لشخصياتها، فحبذا لو سخّرت قدراتها هذه في موضوع يمسّ مشاكل المجتمع وهموم الإنسان الفلسطينيّ، لكان أكثر تشويقا وإثارة وأكثر نفعا.

شارك في النقاش عدد من الحضور منهم: ابراهيم جوهر، نزهة أو غوش، رفيقة عثمان، سوسن عابدين الحشيم، طارق السيد وديمة السمان.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات