التعليم في شيكاغو

ا

تغطي المدارس الحكوميّة كافة مناطق الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وشيكاغو ليست استثناء بالطّبع. والتعليم ليس مركزيّا في أمريكا، لذا فان البلاد مقسّمة إلى “مديريّات” تعليميّة.

كلّ مديريّة لها منهاجها الخاصّ بها، والذي يضعه خبراء تابعون لها. وتتركّز المناهج الأمريكيّة على الموادّ العلميّة التي تناسب عمر الطالب، ولا تعتمد على ضخامة الكتب وكثرة عدد صفحاتها، سبق وأن رافقت أخي في بداية العام الدّراسيّ المنصرم إلى المدرسة لشراء الكتب المقرّرة لابنه الطّالب في الصّف الثّاني عشر، وكانت ستّة كتب منها اثنان يصل عدد صفحاتهما إلى ما يقارب الثلاثماية صفحة، وما تبقى أقلّ من ماية وخمسين صفحة.

ومرحلة التّعليم الالزامي تشمل حتى نهاية الصّف الثاني عشر.

أبنية المدارس:

شاهدت في شيكاغو عشرات المدارس الرّسميّة، دخلت اثنتين منها فقط، واحدة ابتدائيّة والثّانية ثانويّة. وجميعها مدارس مختلطة.

ويلاحظ أنّ المدارس مقسّمّة عمريّا، فمثلا هناك مدرسة للصّفوف الابتدائيّة الأولى، وهناك مدرسة من الرّابع حتّى السّادس وهكذا.

والأبنية المدرسيّة صمّمت لتخدم الطلّاب، فالنّوافذ تحتلّ واجهتين من البناء، وهذا يعني أنّ هناك نوافذ على طول واجهتين من كلّ صفّ دراسيّ، وكل صف مساحته لا تقل عن 36 مترا مربّعا، عدد طلبة الصّفوف لا يزيد عن سبعة وعشرين. والأبنيّة مكيّفة كهربائيّا، للتّبريد في الصّيف والتّدفئة في الشّتاء. وهناك الملاعب المدرسيّة الواسعة والتي تفي باحتياجات الطّلاب.

وفي المدارس الثّانوية شاهدت مواقف للسّيّارات تتّسع لمئات  السّيّارات. وللمدارس الابتدائيّة باصات خاصّة تجوب المنطقة لنقل الطّلاب من بيوتهم إلى المدرسة صباحا، وتعيدهم إليها عند انتهاء الدّوام.

وجبات الطّعام:

والمدارس الابتدائيّة تقدّم وجبتي طعام لطلبتها “فطور وغداء” في حين أنّ الثّانويّة تقدّم وجبة غداء فقط، وهي مجّانيّة في الأحياء الفقيرة ومدفوعة بمبلغ رمزيّ في الأحياء الثّريّة.

وحسب القانون الأمريكي فإن ضريبة السّكن على الأبنية تجمعها البلديّات لتنفقها على التّعليم في حدودها البلديّة، من هنا فان الطّبقيّة تبدو واضحة، ففي المناطق الثّريّة ترتفع ضريبة السّكن، وينعكس ذلك على أبنية المدارس فيها، حيث يشاهد المرء فخامة الأبنية واتّساع الملاعب والحدائق المدرسيّة.

ويلاحظ أنّ التّحصيل العلميّ في مدارس الأحياء الرّاقية أعلى منه في الأحياء الفقيرة، ولذلك أسبابه ومنها مستوى التّعليم والمداخيل لأولياء الأمور، وطبيعة انعكاسه على تربية الأبناء.

أنواع المدارس:

بجانب المدارس الرّسميّة هناك المدارس الخاصّة وهي أنواع أيضا ومنها:

المدارس الكاثوليكيّة: وهي مدارس غير مختلطة، وتقوم على تربية الطّالبات والطّلّاب على القيم الكاثوليكيّة المحافظة. وهي تتقاضى رسوما مرتفعة.

المدارس الاسلاميّة:

وهي مدارس تعنى بتربية طالباتها وطلّابها على القيم الاسلاميّة، وتدرّسهم مبادئ الدّين الاسلاميّ، واللغة العربيّة، ومعلّماتها وطالباتها يرتدين الزّيّ الشّرعيّ، ومن هذه المدارس مدرسة جمعيّة الأقصى في حيّ “بردج فيو” بجانب مسجد “جمعيّة الأقصى” المكوّن من طابقين واحد للرّجال والثّاني للنّساء، وكل طابق فيه قاعتان واسعتان للصّلاة، وتقام فيه صلاة الجمعة مرّتين لكثرة المصلّين، والقانون الأمريكيّ لا يسمح بالصّلاة في العراء، يضاف إلى ذلك برودة الطقس شتاء، وحرارة الجّوّ المرتفعة صيفا والتي قد يصاحبها امطار غزيرة دافئة، وتتقاضى هذه المدرسة 600 دولار على الطّالب شهريّا.

المدارس اليهوديّة: وهناك مدارس دينيّة يهوديّة لم أشاهدها، لكنّني سمعت عنها.

مدارس خاصّة أخرى: ومنها مدرسة لمختلف المراحل الدّراسيّة موجودة في حرم جامعة شيكاغو التي تعتبر واحدة من أشهر عشر جامعات في العالم، ورسوم هذه المدرسة مرتفعة جدّا وتصل إلى خمسين ألف دولار في السّنة، ويلتحق بها الطّلبة في سنّ الثّالثة.

مدارس مونتسيوري:

وهي مدارس خاصّة تحمل اسم رائدتها وصاحبة فكرتها الدّكتورة ماريّا مونتسيوري التي أسّستها عام 1907، وهي تقوم على تنمية الطفل لما يرغب أن يكونه في المستقبل، وتعتمد على التّطبيق العملي والتعليم بالتّجربة والاقناع، والابتعاد عن التلقين، ويتحدّثون في أمريكا بأنّ كل من أبدعوا في العلوم الحديثة والتكنولوجيا هم خرّيجو هذه المدارس. وهذه المدارس ابتدائيّة” حتّى الصّفّ الابتدائيّ السّادس” وغالبيّة طلابها يغادرونها إلى مدارس متقدّمة بعد الثّالث الابتدائيّ.

تنمية المواهب:

تعتني المدارس الأمريكيّة بالمواهب منذ الصّغر، وهناك مختصّون في مكاتب التّربية والتّعليم لمختلف المواهب، ويجري تصنيف الطلبة المتفوّقين في مختلف المدارس من الصّف الابتدائيّ الثّالث، حيث يجري نقل المتفوّقين الموهوبين إلى مدارس مختصّة، مثل مدارس الرّياضيّات والعلوم المختلفة، الفنون والآداب وغيرها. ويرافق الطّالب الموهوب مرافقة بسيّارة خاصّة من بيته حتى المدرسة المختصّة وبالعكس. لذا فلا غرابة ولا داعي للتّساؤل عن أسباب وجود العلماء والمبدعين في مختلف المواضيع.

الأنظمة المدرسيّة:

العقاب الجسديّ والنّفسيّ للطلاب ممنوع تماما، لكن هناك قوانين صارمة ورادعة لحفظ النّظام المدرسيّ، وتطلع ادارات المدارس أولياء الأمور على أيّ مخالفة يرتكبها ابنهم مهما كانت بسيطة، كعدم قيامه بالواجبات البيتيّة المطلوبة منه. واذا ما ارتكب الطالب مخالفة كاعتدائه جسديّا على زميل له، أو إساءته لاحدى معلّميه، فانّه تجري له “محاكمة” يشارك فيها ادارة المدرسة، مندوب عن لجنة أولياء الأمور، مندوب عن مكتب التربية والتّعليم ومندوب عن البلديّة وآخرين، ويوكل بعضّ أولياء الأمور محاميا للدّفاع عن ابنهم كما جرى مع علاء ابن أخي داود الذي تشاجر صحبة  أربعة طلاب عرب مع طالب من أصول تركيّة خارج المدرسة وفي حيّهم السّكنيّ. وكان في “المحاكمة” اثنا عشر شخصا يمثّل كلّ منهم مؤسّسة لها علاقة بالتّعليم، وكان القرار بنقل الطلاب العرب إلى مدرسة خارج نطاق مديريّة التربية والتّعليم التي تقع فيها المدرسة لمدّة عامين، واذا لم ينقله وليّ أمره فإنّه ينقل إلى مدرسة “للمارينز” في ولاية أخرى، ولا يسمح لذوية بزيارته إلّا مرّة في الشّهر، وهناك تطبّق عليه بعض تدريبات المارينز، كالرّكض ستّة كيلومترات في الخامسة صباحا، وتناول الطّعام مع المارينز في دقائق معدودة دون الاعتراض على نوعيّة الطّعام. ولا يجوز للوالدين الاعتراض أو اخراج ابنهم من المدرسة لأنّه في مرحلة التعليم الالزاميّ، وقد نقل أخي ابنه إلى مدرسة تبعد عن بيته ستين كيلومتر.

الحوافز التّعليميّة:

للطّلبة المتفوّقين حوافز تدفعهم إلى مزيد من التّفوّق، فمثلا هناء ابنة شقيقي داود الطالبة في الصّف السّابع متفوّقة، وقد حصلت على شهادة “مرتبة شرف” في كلّ مادّة. أيّ على عدّة شهادات شرف، ومن الحوافز وضع علامة للطّالب المتفوّق تتعدّى العلامة القصوى، كأن يوضع له ماية وعشرة علامات من مئة. كما يجري الاحتفاء به بحضور والديه وأولياء الأمور الآخرين.

أساليب التّدريس:

والتّدريس في المرحلة الثانوية يعتمد السّاعات المعتمدة كما الجامعات، وهناك وحدات تعليميّة مطلوبة من الطالب، ولا غرابة أن تجد طالبا في الصّف التّاسع مثلا يدرس الرّياضيات مع طلبة في الصّف الثّاني عشر، لأنّه استكمل المطلوب منه في المراحل السّابقة.

وهناك ارتباط وتنسيق بين كلّ مدرسة ثانويّة مع عدّة جامعات في منطقتها، ويأتي مندوبون عن هذه الجامعات ليشرحوا للطّلاب عن جامعاتهم، وليشجّعوهم على الالتحاق بها. ومن هنا فإنّ بعض الطّلبة المتفوّقين في المرحلة الثّانويّة قد ينهون ما يصل إلى خمس عشرة ساعة جامعية وهم في الثّانوية.

12 تمّوز 2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات