استحالة السّلام مع نتنياهو

ا

بعد اثنين وعشرين عاما على اتفاقات أوسلو، وما صاحبها من مفاوضات أقلّ ما يمكن وصفها بالعبثية، أصبح في حكم المؤكّد أنّ اسرائيل الرّسميّة تريد التوسّع لا السّلام. وأنّ أطماعها التوسّعيّة تتعدّى حدود فلسطين التاريخيّة، ولتأكيد ذلك يمكن الرّجوع إلى كتاب بنيامين نتنياهو الذي صدر بدايات تسعينات القرن الماضي وترجم إلى العربيّة تحت عنوان”مكان تحت الشّمس” وما مشاركة اسرائيل في المفاوضات إلا من باب العلاقات العامة وفن إدارة الصراع الذي تجيده بطريقة لافتة أمام الرأي العام العالمي، وقد قامت حكومات اسرائيل المتعاقبة بتوسيع حربها الاستيطانية في الضّفة الغربية وجوهرتها القدس منذ أوسلو وحتى الآن وضاعفتها مرّات ومرّات لمنع إقامة دولة فلسطينية. ومن يتابع النّشاط الاستيطاني سيرى أنّها نجحت في ذلك، ولا تزال مستمرة في أعمالها الاستيطانية، وتصريحات نتنياهو عشيّة الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية بأنّه لن يسمح باقامة دولة فلسطينية ليست عفوية، بل تعبير عن حقيقة موقفه، وما تراجعه عنها بعد الانتخابات إلا من باب التكتيك السّياسي الذي يأتي ضمن العلاقات العامّة أيضا.

وقد أثبتت سنوات ما بعد أوسلو أنّ اسرائيل كلما اقترب الفلسطينيون بشكل خاص والعرب بشكل عام من السلام مترا، كلما ابتعدت عنه اسرائيل كيلومتر. ومعروف أنّ المشروع الصهيوني طويل الأمد يقوم على التّوسّع والاستيطان والحروب الاستباقية، ساعدهم في ذلك الدّعم الأمريكي اللامحدود لاسرائيل في كافة المجالات من جانب، وضعف وهوان النظام العربيّ الرّسميّ اللامحدود من جانب آخر.

وفي الواقع فإن الحديث عن دولة مستقلة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧بعاصمتها القدس الشريف، أو دولة ثنائية القومية على فلسطين التاريخية ضمن موازين القوى الحالي، ليس إلا مجرّد أحلام كمن يبحث عن الماء في السّراب.

فاسرائيل الاستيطانية التّوسعيّة قضت على امكانية قيام دولة فلسطينيّة في الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧، ولن توافق على اقامة دولة ديموقراطية ثنائية القومية، بل هي تطالب الفلسطينيين للاعتراف بها كدولة يهودية لطرد مواطنيها الفلسطينيين من ديارهم. ولن تغيّر اسرائيل من سياساتها العدوانيّة ما لم يتغيّر العرب أنفسهم في كيفية التعامل معها، ومعروف أنّ السلام يحتاج إلى قوّة لتحقيقه كما هي الحرب.

وموقف الحكومات الاسرائيلية وخصوصا حكومة نتنياهو الحالية والسابقة أيضا سيكون كارثة على اسرائيل نفسها، لأنّ القويّ لن يبقى قويّا، والضعيف لن يبقى ضعيفا، وإذا ما لجأت بعض القوى العظمى إلى انقاذ اسرائيل من شرور وحماقة قادتها، وشجّعت وعملت على فرض المقاطعة على اسرائيل، كما فعلت مع حكومة جنوب افريقيا العنصريّة في تسعينات القرن الماضي، مما أجبرها على اجراء انتخابات ديموقراطية، سلمت بموجبها الحكم للأكثرية السوداء التي يمثلها حزب المؤتمر الذي كان يرأسه الرّاحل نلسون مانديلا. فإنّ المقاطعة قد تجبر اسرائيل على الرّحيل من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، لكن اللافت ـ مع الأسف ـ أنّ حملات المقاطعة العالمية لاسرائيل يقابلها انفتاح عربيّ رسمي على دولة الاحتلال.

9 -6-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات