بدون مؤاخذة- دين سيف أم دين رحمة

ب

يتَضح يوما بعد يوم الدّور الذي يلعبه الدّواعش في المنطقة العربيّة، ومدى الأذى الذي يلحقونه بالعرب بشكل عام وبالمسلمين بشكل خاصّ، وتشويههم لصورة الاسلام حتى في نفوس وعقول المسلمين أنفسهم، فجريمة ذبح الأقباط المصريّين في ليبيا رافقها بيان القتلة الذي جاء فيه:”الحمد لله الذي بعث محمّدا بالسّيف رحمة للعالمين” وهذا تدليس وتشويه للفهم الصحيح للاسلام، فقد خاطب القرآن الكريم  خاتم النبيّيبن عليه الصّلاة والسلام بقوله:

“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” فهل قرأ القتلة الارهابيون هذا؟ وإن قرأوه هل يفهمون معانيه؟ وإن فهموها هل يطبّقونها؟ وهل هم مسلمون حقا، أم أنّ لهم دورا لتشويه الاسلام والمسلمين يقومون بتطبيقه؟ وما هي”الجناية” التي ارتكبها العمّال المصريّون الذين يبحثون عن لقمة عيشهم وعيش عائلاتهم حتى يتمّ ذبحهم بهذه البشاعة؟

وعودة مرّة أخرى لمن يموّلون ويدرّبون ويسلّحون هؤلاء القتلة؟ لقد قامت فرنسا وحلف النّاتو بشنّ هجمات جوّيّة على الجيش الليبيّ لاسقاط حكم الرئيس الليبيّ السّابق معمرّ القذّافي، و”دفاعا عن حقوق الانسان الليبيّ”ونجحت في ذلك، وبغضّ النّظر عمّا لنظام القذافي وما عليه، إلّا أنّ من ساعدوا في اسقاط نظامه يساعدون في تخريب ليبيا، وقتل شعبها والعمل على تقسيمها، تماما مثلما فعلوا في العراق عام 2003، وهم يرفعون شعار”تحرير العراق من الدكتاتوريّة” وكانت النتيجة تدمير العراق وقتل أكثر من مليون مدني عراقي، وتشريد ملايين العراقيّين، ونشر نار الفتنة الطائفيّة والعرقيّة في هذا البلد العظيم.

والبلدان العربيّة التي تموّل الدّواعش بأوامر أمريكيّة  لن تكون في منأى عن خطرهم، بل ستتساقط هذه البلدان واحدة تلو أخرى بعد تدميرها وتخريبها، حتى يتسنّى تطبيق “مشروع الشرق الأوسط الجديد” باعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة بعد انهاك وتدمير الجيوش الوطنيّة، وبعد قتل ملايين البشر، ويبدو واضحا أنّ كلّ دول المنطقة مستهدفة من “مجاهدي الدّواعش” باستثناء دولتين هما اسرائيل وتركيا، وكلتاهما تموّلان الدّواعش وتنسقان معهم. لكن المستفيد في النهاية هو الدّول الامبريالية التي تواصل نهبها لخيرات هذه البلدان، وطبعا اسرائيل التي تتخطى أطماعها التوسّعيّة والاقتصاديّة حدود فلسطين التّاريخيّة.

ويخطئ من يعتقد أنّ الدّواعش يستهدفون المسيحيّين والأزيديّين وحدهم من منطلقات دينيّة طائفيّة، فغالبيّة ضحاياهم من المسلمين، وتحديدا من المسلمين السّنّة الذين يرفعون شعار “حمايتهم” من الخطر “الشّيعيّ” المزعوم. وما المستهدف إلا الأرض العربيّة ومواطنيها بغضّ النّظر عن دينهم ومعتقداتهم وأعراقهم. وما استغلال عباءة الدّين الاسلاميّ لتنفيذ هذه الجرائم وهذه الأعمال الارهابيّة إلا لاستغلال العاطفة الدّينيّة لبسطاء المسلمين ليكونوا وقودا لحروب الدّواعش، التي لن تتوقّف قبل انتهاء اعادة تقسيم المنطقة.

إنّ الجرائم التي يرتكبها الدّواعش في العراق وسوريا وليبيا ولبنان ومصر وغيرها، يجب أن تتصدّى لها الشّعوب أيضا، وعلى “العلماء” من رجال الدّين أن يتصدّوا للفكر الدّاعشيّ الذي يجد له ملاذا في فكر بعض الأقدمين الذين أساؤوا فهم دينهم وأفتوا بغير علم. وهل يدرك المسلمون قبل غيرهم أن لا مقدّس في الدّين الاسلاميّ سوى القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة الصحيحة، وما تبقى هو رأي بشر يحتمل الخطأ والصّواب.

17-2-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات