ظلال قلب لصابرين فرعون في اليوم السابع

ظ

القدس: 18-12-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، أوّل-ديسمبر- الحالي لتناقش بحضورها باكورة اصدارات الكتبة الشابة صابرين فرعون “ظلال قلب” الصادر في الأسابيع القليلة الماضية عن دار فضاءات في العاصمة الأردنية عمان. والكتاب عبارة عن مجموعة نصوص تقع في 117 صفحة من الحجم الصغير، وصممت غلافه الفنانة داليا بدرية.

بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:

هي ظلال قلب وليست قلبا!

يضع العنوان قارئه في ظلال المعنى منذ البداية؛ إنها الأحلام المبتورة، والرسائل التي لم تصل، والأمواج الزائفة ، والذئاب المكشّرة.

في عنوانها لمولودها البكر (ظلال قلب) تنقل الكاتبة (صابرين فرعون) وجعها ووجع وطنها في اغترابهما المتقاطع حينا والمتّسق أحيانا أخرى، وتنقل الغش والخداع والأمنيات التي تصادرها قسوة الواقع بناسه وأحزانه وإخلاف وعوده.

الغربة هي سيدة الموقف في (ظلال قلب) والاغتراب هو السكين النشط وهو يحزّ المفاصل والأعصاب، والبحث عن الصدق وأهله والرغبة في الهدوء والحياة هي زبدة الكلمات ولوحات المعاناة التي استفزت الكاتبة فكانت هذه الظلال التي لفّها الغموض حينا، وأومأت إليها روح الصورة ولغة التعبير الغاضبة حينا.

تنتقد (صابرين فرعون) برمزية مكثّفة النفاق البشري، والكذب، وخيانة الأصدقاء، وتورّم المدن. وهي تمتشق حرفها المحاصر المقهور في محاولة لتكوين كلمة ردّدتها وكررتها (أحبك…) للإنسان والوطن والحياة والمستقبل.

الحب في ثنايا حروف الكاتبة هو المفقود، والبديل الذي يحلّ محلّه هو الكذب والخراب، وهذا ما يؤرق الكاتبة فيدفعها للصراخ المكتوم بالرمز.

يلفت الاهتمام في (ظلال قلب) لغة الكاتبة التي تقترب كثيرا من تكوين الصورة الفنية النابضة بالدهشة والجمال، لكنها لا تطيل التعبير والتكوين، وتختزل لغة التعبير مسايرة لحالة الغموض والضياع والظلم الاجتماعي القائم في مجتمعنا.

ويمكن للقارئ الوقوف على حالة الاغتراب التي سيطرت على الكاتبة بعد اطلاع سريع على عناوين نصوصها التي تمحورت حول (الوجع، والخسران، والغرق، والنقص، والندم، والظلال، والماء العكر، والدموع، ونايات الغربة، والضحايا، والصراخ، والروح العاقر، والعثرات، والخيانات، والدم، والقلب العليل). وهذه المفردات شكّلت معجم الكاتبة التي استعانت به لتنقل مأساة بنات جيلها وهن يعانين من ظلم المجتمع والوطن المحتل بالاحتلال والزيف والخداع.

يمكن قراءة نصوص (ظلال قلب) بلغة القهر والخيبة والأحلام الضائعة في عالم من الزيف يبحث إنسانه المعذب عن خشبة خلاص وزهرة أمل.

وقالت رشا السرميطي:

بدأت الكاتبة -صابرين فرعون- إهداءها لهذا الإصدار، مجيبة على سؤال قد يتبادر لذهن القارئ، الذي ملَّ من غزارة الإنتاج الأدبي الذي غزا أسواقنا المحليَّة، وكأنَّها قبل أن تدعوه كي يقرأها، فيقرأ كتابها، قالت له:” أكتب ليبرأ الجرح، ولتظمأ الأرض، ولنبقى على قيد حلم، أكتب بلسان القهر والغربة والوجع، لأشكر كل من أهداني وأسرتي وجعًا، فقد جعل مني أكثر عزمًا، وتصميمًا للوقوف في وجه الذُّل …. أكتب من أجل أنثى أوصدت الأبواب في وجهها، وقيل لها أنت ضلع أعوج، وأولاً وأخيرًا أكتب لبذرة زرعت في روحي اسمها فلسطين، ولك أنت يا هديَّة الرُّوح..” ص5

ظلال قلب؛ الكتاب المصنف بنوع النصوص الأدبيَّة، والصَّادر عن دار فضاءات للنَّشر في (115) ورقة، كتاب حمل من غلافه، وشكر كاتبته،أضواء واضحة الألوان، حول ما هية النُّصوص ومواضيعها، وكذا حالاتها الشعوريَّة، وكأيِّ كاتب فلسطيني، قامت صابرين بتوظيف وجع قلمها في نصوص عديدة، عن الحبِّ والوطن وأهله، كتبت عن حياة اجتماعيَّة قارصة، وعن مكر انساني بالغ الأسىى، ولم تنس وجع الرُّوح على أرضها، حين جثيَّت ممدّدة بلا حراك، كموتة لم ينته بعدها الأجل. وما أضاف على وضوح مدخل كاتبتنا للنصوص، ما قد رفعت أشرعته الكاتبة مرمر القاسم حول كتابها، في الغلاف الخلفي للكتاب، فبدا للقارئ أيُّ رحلة قد يتوَّجه معها، وإلى أين هو ذاهب على بساط كلمات “عنات” وهي كنية أحبت الكاتبة أن تكون لها، وبها قد اشتهرت عدة نصوص حملت هذا الاسم.

غلاف الكتاب

حمل لوحة رسمتها الفنَّانة المقدسية- داليا بدريَّة، يظهر بها حصان أصيل وعليه سيف وخنجر، وإلى جانبه عروس بالثَّوب الأبيض تماهت ملامحها، وظهرت من شدة بكائها مطأطأة الرَّأس، بين يديها باقة زهور. الألوان البارزة: أزرق يدلُّ في حلكته على الغموض والعمق، بنيٌّ بالعديد من درجاته له لون الدفء والتراب، وربما كانت دلالته الوطن الرجل الحقيقي، الأبيض نقاء لم تلطِّخه الأحداث، والزَّهر بألوانه عنوان للفرح، القمر الهلال بداية جديدة على قارعة النَّص نحو تغيير، ربما قصدت به الكاتبة أن تومئ للقارئ، بأنَّ الظروف مهما قست

على كاتبها، يجب أن يلملم شتات تمزُّقاته، ويمضي نحو الأفق من جديد، متحديًا واقعه مهما كان غليظًا.

بدأت صابرين كتابها عن الوطن الضَّائع، وتأوهات الحاضرين عبر تاريخ يتحطم على حقائق أحداثه، أتبعت تحدث الأزهار والشمس والليل والطبيعة التي رافقت رحلتها، وقد بدا الوطن عنوانًا كبيرًا ملأ نصوص كاتبتنا. قلم عاشقة حدَّثنا عن غربة الوقت ومجتمع محتلٍ ممنوع به الحب، تراق بها الدِّماء وتستباح به الحرمات. تابعت في قصص اجتماعية ومواقف حياتية يمرُّ بها الانسان بفطرته المألوفة، ذكرت تجارب قلمها بلغة عالية، مفهومة، صعبة، ذكيَّة، عاليَّة الرمزيَّة.

ملاحظات عامة:

–         عمق الكاتبة وبروز الفلسفة والتحليل فيما أوردت من نصوص رغم صغر سنِّها، وقد برز ذلك في نصِّها:” من رحم حرة أتيت، من نبض امرأة الثَّورة، من بلاد يقرأ عنها العرب في الصحف، ويستمعون للشجب والاستنكار..” ص9.

–         عذوبة الكلمات وأناقة توصيف المعاني، والرِّقة الغالبة، حيث تقول: ” سل سرب النورس/ وحديقة السوسن/ عن جوريَّة حمراء/ ماذا فعلت بدمي/ سل آدم يا بحر/ عن رفيقة من عرق التراب/ أسكنت جوع الولد..”. ص14.

–         الكتابات الثَّائرة المتمردة على القضايا العديدة التي طرحتها الكاتبة، أذكر منها:” لن نركع/ وخلف تلال الغيم/ ضاقت الأرض/ وخط الدم/ لسيِّدة الشريان/ على كل ذرة من ترابها/ صرخ الولد/ثار الحجر/ رقصت ملائكة السَّماء/ ونادى الشَّهيد الأحياء/ حي على الجهاد”. ص25.

–         وجع الوطن وتأوهات الحاضر الذي ترى به كاتبتنا الأمل ضئيلاً، تقول:” البرد والقبيلة/تتحدى بعضها/ تعبئ أحلامها/ في كؤوس الحقد/ تجعجع/ تغتاب/ تبيع الأوطان/ مقابل ظل آخر/ ..” ص27.

–         الغموض سمة بارزة في نصوص الكاتبة، فقد يحتاج القارئ لوقفة تأمليَّة لفهم مقصودها.

–         جاء العديد من نصوصها محاكاة للذَّات، فقد حدَّثت النَّفس عن مطالبها واحتياجاتها، ندمها وألمها، عشقها وبكائها، فرحها وترحها، والأوقات كانت عندها كالمواسم.

–         ارتحال الكاتبة ما بين نصوصها كان مثل محطات، تحمل القارئ مرافقًا لها، تصوغ الفكرة كمشهد يتلقاه، تتركه متفاعلاً، ثمَّ تغادر فجأة لتترك خلفها الأخيلة والظلال، ولا تتوقف بل تتابع لمحطة أخرى ومشهد ثانٍ به تبرز أفكارها.

–         بدت الأصالة واضحة في نصوصها، فقد ذكرت عدة مدلولات لتراثنا وهويتنا الفلسطينية، أذكر منها، القمح والمنجل، الخيمة، الثوب، الكحل، البرتقال، الضفيرة، فنجان القهوة، العقال الفلسطيني، الزَّيتون وحلمنا بالعودة.

–         هناك أمل، يبزغ من بين ظلال القلب المظلم بسبب بؤس حاله، تقول:” لكل أسئلة الغياب/ زهرة تخرج من النَّص/ بلا قافية/ تعري شفاه الخريف/ وتشفي القصيدة/ ويكتب القمح/ ثورة العشق/ ونتجرع قهوة الشوق على مهل/ فتتوازى الظلال..” ص56.

–         النُّصوص أحيانًا كانت قصصية السرد بقالبها تصلح لأن تكون أقصوصة، وربما لو تفاعلت الكاتبة مع أحداثها لصنعت منها رواية، مثال ذلك النصوص: شريعة، عثرات، خيانات، وغيرها.

–         اللغة عالية، برزت سمات الأدب على قلم الكاتبة صابرين فرعون، فجاءت التشبيهات والرمزية متينة الصياغة، وجذابة للقارئ رغم عدم سهولة فهمها إلا أنَّها كانت بليغة وراقية في نقشها.

وأخيرًا؛ الكاتبة صابرين فرعون (عنات) أظلَّت قراءها بكتابها ” ظلال قلب ” الذي حمل فكرًا وتجارب عميقة، بثَّتها لنا بأسلوبٍ راقٍ، وصيغةٍ هادئةٍ تحتاج تأملاً عميقًا لأخذ العبرة، ومسح العَبرة، ويبقى لقارئ نصها كلمات يضمها كلما احتاج إليها، أو ربما أوجعته الفكرة فاشتاق لضمِّها، ولم يجدها في حياته. صابرين تسجل في اصدارها قلمًا قويًا يرنُّ في ساحة الأدب الفلسطيني، وهي التي رغم صغر سنها وتجربتها الحياتيَّة جاءت لنا بذلك، فغدًا نتوقَّع منها الكثير.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، نسب أديب حسين، جميل السلحوت، عبدالله دعيس،  نزهة أبو غوش، رفعت زيتون، رائدة أبو الصوي، سوسن عابدين الحشيم

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات