جرس الانذار

ج


مجموعة “جرس الانذار” القصصية للمبدع عفيف شليوط ، صدرت هذه المجموعة التي صمم غلافها وائل واكيم، وتقع في 83 صفحة من الحجم الصغير عام 1996، عن منشورات “الأفق” في شفاعمرو.

عرفنا عفيف شليوط كفنان مسرحي، وقد شاهدنا له مسرحية “اعترافات عاهر سياسي” التي مثلها بمفرده، ولقيت ردود فعل ايجابية، وها نحن نلتقي معه كقاص، ففي مجموعته هذه عشرة نصوص قصصية وسأحاول الحديث عن عدد من هذه النصوص:-

– جرس الانذار:-

هذه القصة التي تحمل المجموعة اسمها، واضح أن الكاتب قد أبدعها في السنة الأولى من الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي ابتدأت في كانون أول 1987، وما أحدثته من انعكاسات على الشارع الاسرائيلي ، وعلى الرأي العام العالمي ، ويتصور الكاتب فيها اجتماعا حضره عدد كبير من رجال السياسة والفكر والمجتمع والخبراء والعلماء”ص25 ، وواضح من سياق القصة أن هؤلاء من اليهود الاسرائيليين، اجتمعوا لمناقشة تأثيرات الانتفاضة على المجتمع الاسرائيلي والدولة العبرية، بحيث يقف رئيس الجلسة ليعلن: “نحن نعيش لحظات عصيبة، العالم كله يعادينا، ويستنكر أعمالنا وينعتنا بالقتلة والسفاحين” ص26 ويقترح ثالث “من الناحية المادية يمكننا شراء وكالات صحافة لا صحافيين فقط”ص26.
وينتهز ضابط عسكري شاب ممن يخدمون في الضفة الغربية ويتصادم مع المتظاهرين ليعلن: “ان كل الأسلحة المتطورة والحديثة التي بحوزتنا، عجزت عن سحق هؤلاء المتظاهرين، انهم يرفضون الموت، انهم لا يموتون”ص27 ولما كرر اصرار الفلسطينيين على الحياة “تدخل حراس الاجتماع، أخرجوه بالقوة من القاعة، وهو مستمر في الصراخ” وهذا الضابط الذي يبدو أن ضميره قد صحا على جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، لم يعد مقبولا من مجتمعه فاتهموه بالجنون “هزّ أحد الحضور رأسه بأسى ، وهمس في أذن زميله:- مسكين هذا الشاب، أراد أن يصبح ذا مركز، فاقتادوه الى مستشفى الأمراض العقلية” ص28.
وفجأة يظهر شبح في داخل القاعة… بعض الحراس يخرجون أسلحتهم الرشاشة ويشرعون باطلاق النار على الشبح، لكنه لم يتأثر بالطلقات النارية”ص29، ويتعرف أحد الجنود الحضور على الشبح “انني اعرفه، لقد قتلته في غزة، انه فلسطيني.. قتلته بيديّ “ص29، والكاتب سحب في موضوع الشبح هذا الثقافة الشعبية الفلسطينية التي ترى أن الضحيّة تطارد جلادها، وتقتص منه بأن تقلب حياته جحيما، وقد تقوده الى الانتحار، فالموروث الشعبي يؤكد أنّ من قتل طلما يطارد قاتله، ويعود الى المكان الذي قتل فيه مرّة كل عام في ذكرى مقتله ليروي قصة مقتله، فها هو شبح الفلسطيني يطارد قاتليه في عقر دارهم، لذلك عندما طلبوا من الشبح الحديث في القصة، قال:- “لا تغرسوا رؤوسكم في الرمال كالنعامة، ثم وقف وسار باتجاه الحائط الذي دخل منه” ص30 أي أنه يطالبهم بأن يعوا أن سبب الانتفاضة هو الاحتلال الذي يمارسه الاسرائيليون على الفلسطينيين، وعليهم أن يتنبهوا لهذه الحقيقة بأن ينهوا احتلالهم، فهم السؤولون عن أعمال العنف المختلفة.
وفي هذه القصة لم يتطرق الكاتب الى الانتفاضة الفلسطينية، والى الاحتلال، وموقف الاسرائيليين منه بطريقة مباشرة، لكن يمكن فهم ذلك من بين السطور، وهذه قمة الابداع.

_ قصة خلف الجدار الزجاجي:-

هذه القصة هي العمود الفقري لمسرحية “اعترافات عاهر سياسي” التي شاهدناها على خشبة المسرح الوطني، وفيها تعرية للوصولية والانتهازية، والتذبذب القومي ، وتذبذب الانتماء عند أبناء الشعب الفلسطيني داخل الدولة العبرية، وحيرتهم بين مشاعرهم الوطنية، وانتمائهم القومي، وبين وجودهم كمواطنين في الدولة العبرية، وانتهازية البعض للرقص على كل هذه التناقضات لتحقيق مكاسب ومناصب شخصية.

قصة عالم ذكور:-

مضمون القصة يتمحور حول الثقافة الذكورية في مجتمعنا الذكوري، ونظرته الدونيّة للمرأة، وموقفه حتى من فتاة اغتصبت في بيتها، ومع ذلك قتلها والدها، وسط تأييد الأخرين له، ويسخر الكاتب من المجتمع الذكوري الذي يريد تذكير كل شيء حتى اللغة، ويسرح في خياله الى الغاء كل الأسماء المؤنثة، وقتل كل الاناث، بما في ذلك اناث الحيوانات، ليصبح المجتمع مجتمع ذكور، وليتوقف تكاثر الأجناس الحيوانية لعدم وجود اناث، وليموت بعدها جميع الرجال باستثناء واحد “يدعى آدم، فخاف على الإنسان من الانقراض، فطلب من الله ان يهبه امرأة ليحافظ على ذريته، فوهبه الله امرأة سماها حواء، وكان ما كان، وتكاثر الانسان، وعادت المرأة من جديد الى عالمنا” ص11.

– مذكرات “عتصمائي” فاشل:-
تتحدث هذه القصة عن عامل مستقل، أي يعمل على حسابه الخاص، فيظنه الآخرون بأنه ثري مع أنه مدين بشكل كبير، ولا يستطيع تسديد ديونه، وسأتوقف قليلا عند هذه القصة، والتي يبدو من خلالها مدى تأثر الكاتب بالثقافة العبرية واللغة العبرية، وذلك واضح من خلال استعماله للكلمات العبرية حتى من عنوان القصة مثل:
ـ عتصمائي:- وتعني مستقل.
الريبيت:- وتعني الفوائد البنكية “الربا”.
العملوت: عمولة البنك.
أرنونا:- ضريبة المسقفات.
ومن التأكيد أن قارئا لا إلمام له باللغة العبرية، لن يستطيع فهم هذه القصة، وهذه قضية ليست في صالح الكاتب.

ـ اسلوب الكاتب:- عفيف شليوط معروف ككاتب وفنان مسرحي، أكثر منه كاتب قصة، وثقافته المسرحية واضحة في أسلوب كتابته للقصة خصوصا، قصة عالم ذكور” وقصة “خلف الجدار الزجاجي”، وغيرها، ويمكن اعتبار المزج بين تقنية القصة والمسرحية أمرا لصالح الكاتب، وهو اسلوب متميز لا يقوى عليه أخرون، والكاتب في قصصه مزج بين السرد القصصي وبين السرد الحكائي، ويمكن مشاهدته في القصة الواحدة قاصا، وحكواتيا أيضا حتى أن نص “سأصدر جريدة” هو أقرب الى الحكاية منه الى القصة، و”مدينة البحر” هو أقرب الى الخاطرة منه الى القصة أو الحكاية.

أخراج الكتاب:-

لا أبالغ في القول إذا قلت بأن هذه هي المرأة الأولى التي أشاهد فيها كتابا، بغض النظر عن مضمونه، أرتفاعه أكثر من ضعف عرضه، فهو أشبه ما يكون بالمفكرات والتقويمات السنوية التي تصدرها بعض المؤسسات، ليسهل وضعها في الجيب، وتلجأ بعض المطابع لمثل هذا الاخراج، للاستفادة من بقايا الورق، في اصدار بعض الكتب، بدلا من القائها في النفايات، كما أن دار النشر أهملت سنة النشر فلم تذكرها، وانما ذكرها المؤلف في الصفحة 83 عند تعداده لمؤلفاته وسنوات نشرها.

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات