بدون مؤاخذة- قليلا من احترام الذّات

ب

جميل السلحوت:

بدون مؤاخذة- قليلا من احترام الذّات

يلاحظ أنّ عددا ممّن يعتبرون أنفسهم “باحثين وعلمانيّين ومفكرين وديموقراطيّين ولغويين” وينحدرون من أصول عربية واسلامية، ويعيشون في دول غربية لا يشغلهم ولا يثير اهتمامهم سوى الطعن في العروبة والاسلام، وإذا كان من حق المرء أن يكون حرّا في معتقداته، وحرّا في تفكيره والتعبير عن رأيه، إلا أنّ هؤلاء لا ينطلقون في كتاباتهم من باب النقد البنّاء الذي يدعو إلى الاصلاح، ولا من باب حرية الفكر والمعتقد، وإنما من باب العداء السّافر لأصولهم ولثقافتهم، ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك، فقضية اللغة مثلا، فمن البدهيات أن هناك لكلّ أمة لغتها الخاصة بها، مع التأكيد على أن اللغات تتأثر ببعضها البعض، تماما مثلما هي الحضارات، ولا تكاد توجد لغة من اللغات الحيّة لا يوجد فيها كلمات من لغات أخرى، قد تنقل إليها كما هي، أو محرفّة قليلا، تماما مثلما هي اللغة الواحدة التي تكون فيها لهجات مختلفة، ولا عيب أو ضرر في ذلك، واللغة العربية ليست استثناء بالطبع. لكننا نجد من يشغلون فكرهم وعلمهم و”أبحاثهم” للطعن في اللغة العربية، حتى أنّ القارئ لكتاباتهم يظن بأنه ليس للعرب لغة خاصّة بهم، أو كأنّهم كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض بلغة الاشارات إلى أن تعلموا كلمات من هذه اللغة وتلك، وهذا بالطبع مناف لطبيعة التطوّر البشري على هذه الأرض، فحتى القبائل البدائية في أدغال افريقيا، والتي لم تختلط بغيرها من الشعوب لها لغتها الخاصة التي يتفاهمون بها.

ومن باب الطعن في اللغة العربية وفي الاسلام كديانة، وأنا هنا لا أدافع عن الاسلام ولا عن غيره من الديانات، مع ايماني المطلق بحق الانسان أن يؤمن بواحدة من الديانات أو يكفر بها، فهذا شأنه، لكن مهاجمي العرب والعروبة والاسلام والمسلمين يدعون إلى حرية المعتقد، واحترام حقوق الانسان بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه، لكنهم بهجومهم على العروبة والاسلام يتناقضون مع ما يدعون إليه، وتتفاوت مشاربهم وأفكارهم في ذلك، وبعض من يهاجمون اللغة العربية ويعتبرونها خليط كلمات من لغات أخرى، نجدهم”يدافعون عن هذه اللغة ويزعمون معرفتهم الكاملة والصحيحة لهذه اللغة، ينشرون مقالات و”أبحاثا” يزعمون فيها بوجود أخطاء لغوية في القرآن الكريم! فكيف يجيزون لأنفسهم ذلك؟ ويتناسى أو لا يعلم أصحاب هذه المزاعم أن القرآن الكريم حجّة على اللغة العربية، تماما مثلما هو الشعر العربي القديم من العصر الجاهلي إلى عصر الشاعر البحتري 820م-897م في العصر العباسي، وهو آخر شاعر يحتج بشعره على اللغة، حيث تفشّت اللهجات العامية بعد ذلك نظرا لدخول العجم في الاسلام، وعدم اتقانهم للغة العربية-لغة القرآن الكريم- بسبب الفتوحات الاسلامية وغيرها. فكيف يجيز محدث يزعم أنه يجيد العربية لنفسه الطعن في صحّة لغة القرآن العربية؟

ومع أن الانفتاح على الثقافات الأخرى قضية غاية في الأهمية في عالم أصبح “قرية صغيرة” بسبب التطور الهائل في مجال المواصلات والاتصالات، وما يستدعي ذلك من تعلم لغات أخرى، ومن الترجمة عن هذه اللغات،  فإن المستشرقين الغربيين كانوا أكثر انصافا للغة العربية من بعض أبنائها “المستغربين العاقين” الذين لا يألون جهدا في مهاجمة هذه اللغة، ولنأخذ أمثلة على ذلك:

قال المستشرق الفرنسي رينان: ” من أغرب المُدْهِشَات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرُّحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسب نظام مبانيها، ولم يُعْرَف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبَارى، ولا نعرف شبيها بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة ” .

وقالت المستشرقة الألمانية زيفر هونكه:

“كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم ، وسحرها الفريد ؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة”.

وقال المستشرق الألماني اوجست فيشر :

وإذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب أخر يحق له الفخر بوفرة كتب علوم لغته غير العرب .

وقال بروكلمان   “بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع ، مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا ”

و قال الفرنسي وليم مرسيه:

“العبارة العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تُحَرَّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر مَوْكبا من العواطف والصور .”

وقال الفرنسي لويس ماسينيون :

“اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات ، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني”.

والشواهد كثيرة على ذلك. فهل هؤلاء الغربيون كانوا عربا متعصبين لعروبتهم، أم انهم احترموا علمهم ومعرفتهم؟ وهل من باب “الحريات” و”الديموقراطية” و”حرية الفكر” يجوز مهاجمة أقوام بعينهم ومهاجمة ثقافتهم؟ وهل يجوز ذلك؟ والحديث يطول.

24-11-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات