حمـــــار الشيـــــخ

ح

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني كتابين لجميل السلحوت وهما :

” حمار الشيخ ” الذي يقع في 147 صفحة من الحجم الكبير ومن منشورات اتحاد الشاب الفلسطيني في رام الله عام 2000 وكتاب ” انا وحماري ” الذي يقع في 112 صفحة من الحجم الوسط ومن منشورات دار التنوير في القدس عام 2003 :

وقد بدأ النقاش الكــاتبــة حــذام العــربـــي فقــالــت :-

يحتوي الكتاب على 109 من النصوص المتفرقة والمستقلة موضوعا، تقع ما بين نصف صفحة وصفحتين.

معظم هذه النصوص مذيل بتاريخ كتابتها، ما بين 25/5/1994 و 20/5/1999.

قرأت الكتاب منذ ما يقارب الشهرين واستمتعت بقراءته، ترصد هذه النصوص حياة الفلسطيني فردا وشعبا، أوضاعه الاجتماعية وهمومه المعيشية الحياتية اليومية، كما تتعرض للأوضاع السياسية، كل ذلك خلال حوار بين الكاتب وحماره، تعتمد النصوص النقد الآخر اللاذع أحيانا واستبطنت الموقف السياسي، بما في ذلك الإشارة إلى بعض رموز العمل السياسي وغيره كذلك.

في هذا الكتاب، طلع علينا الشيخ مباشرة وهو قادم من حوار ذاتي مع كتاب يطالعه للمتنبي، مستهلا كتابه بحرف عطف ( وأثناء ) ليأخذ بيد القارئ في رحلة يصطحبه فيها مع حماره إلى ثنايا الذات وشعاب الوطن، يبصره ويلقي بالأضواء الكاشفة على ما يعتمل في هذا المجمع.

فهمت فيما فهمت انه غني عن القول أن الفلسطيني في المناطق المحتلة يعيش ويعايش حالتين من الاحتلال، الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وهذا احتلال واضح المعالم، وعليه فأمر مقاومته مفروغ منه، وهناك احتلال آخر يلوح من بين الحروف والنقاط، انه احتلال الجهل والتخلف والفساد على كافة أشكاله من تسويق الأدوية المنتهية مدة صلاحيتها إلى سرعة ونهب الأموال العامة باستعمال معادلة 8-4-صفر، من العنف ضد النساء إلى العنف والقمع في المؤسسات العامة.

إلا أن اللافت للانتباه في صيغة هذه الحوارات، اختيار الحمار لإلقاء المواعظ والحكم، أو الإفصاح عن الرأي السديد، لقد كتب الفيلسوف الهندي بيدبا رائعته كليلة ودمنة، وجعلها على لسان البهائم والطيور لينأى بنفسه عن كل سوء قد يتعرض له من دبشليم ، سلطان بلاده.

لقد كتب البعض في العصر الحديث، بما في ذلك العرب، حواريات ومذكرات اتكأوا فيها على لسان الحيوان، وفي هذا السياق، يحضرني التساؤل، هل ما زال لدينا الكثير من دبشليم، الأمر الذي يجعل النقد مخاطرة غير مضمونة العواقب؟ أم ان المسألة لا تتعدى حالة إبداع عادية ؟ أما إذا كانت الأولى فكما جاء في الأغنية الله ينجينا من الآت ، واما اذا كانت الثانية فإنها لطيفة ومهضومة على وجه العموم.

الا ان ما اثار انتباهي في هذه النصوص، تلك الحالة من عدم الانسياب والتوافق، تعدت الزجر حينا وبلغت حد العنف المتبادل بين الشيخ والحمار احياناً ( على سبيل المثال لا الحصر ص 63-91 ) ومن جهة أخرى مبالغة الشيخ في العناية بالحمار ( على سبيل المثال ص 54) وقد تواصلت هذه العلاقة ” الجدلية ” من بداية الكتاب حتى النهاية ، فيما عدا بعض المواقف التي أفحم فيها احدهم الآخر.

عموما الحيوانات في موروثنا تحتفظ بالاساس بدور وظيفي في خدمة الانسان، كما ان للبهائم ” مقامات” في هذا الموروث، وقد تم تحديد هذه المقامات استنادا الى نوعية الوظيفة والخدمة المؤداة، فليس مقام الجواد كمقام الحمار مثلا، مع الاحترام للجميع .

اما وقد نسب للحمار ما نسب اليه من بلادة وغباء وغير ذلك ، فقد جاء استنطاقه بالحكم والعبر والنصيحة النصوحة والرأي السديد ليصحح ولو بقليل تلك المسيرة من الاساءة اليه وليعيد الاعتبار الى مقامه ، إلا اذا كان الكاتب قد صوب السهام الي انطلقت على لسان حماره قاصدا متعمدا ليقول لنا : اذا كان حتى الحمار يرى هذا فماذا ترون انتم يا سادة / سيدات يا كرام ؟ !

على الرغم من ظرافة النصوص والنقد الجريء واللاذع الذي اظهرته واستبطنته ، التعرض للخاص كما العام من المظاهر المرضية في المجتمع، لم استطع التوفيق بين محورين بارزين في النصوص. لقد توازيا دونما لقاء وان التقيا كان اللقاء مبتورا وفجا. محور الحكمة الرأى الثاقب، والحنكة، حدة البصر والبصيرة ثم الرؤية الأخلاقية الواضحة البسيطة والملتصقة بإنسانية الإنسان. ومن جهة أخرى محور العنف والتعنيف الذي طغى على العلاقة بين الكاتب وحماره. إذا كان حمار الشيخ بهذه الصفات الحميدة المذكورة أنفا، بخلاف ما عهدناه من الحمار في موروثنا، فلماذا اتسمت العلاقة على وجه العموم بالسلبية والتعنيف، إلا في بعض الاستثناءات ؟ هل أراد الكاتب أن ينوه بهذا إلى ما يشوب علاقاتنا على المستوى العام والخاص بعضنا ببعض؟ وان يفضح الزيف والرياء الذي تنضح به هذه العلاقات الخرساء السطحية والمسطحة؟ هل أراد بصياغة هذه العلاقة على هذه الشاكلة الإشارة إلى ما يعاني مجتمعنا من امراض مزمنة ومستعصية في هذا المفصل التاريخي الذي يمر به هذا المجتمع؟ حيث انهارت الحدود بغزو العولمة, واصبح مدير المؤسسة العامة، الموجود في موقعه لخدمة المواطن يستعمل الحاسوب في موقع عمله، مؤسسة، كملهاة “يلعب” به, ولا يلبث أن يضيق ذرعا بهذه ” اللعبة” فيلقيها جانبا تماما كالأطفال, ويسرع إلى القهوة والارجيلة كل ذلك في وقت دوامه؟

إن الانتقال والقفز بين المدارين, من الخاص إلى العام وبالعكس من سمات هذه النصوص, ويرافق هذا حالة من القلق, عدم الرضا بلغت أحيانا حد التقزز. هل هذا ما أراد الكاتب أن يعكسه لنا في هذه العلاقة غير السليمة أحيانا والمرضية أحيانا أخرى؟

أم انه أراد ببساطة أن يرسم لنا الواقع كما رآه، واقع الهزيمة النكراء التي نعيشها في حياتنا اليومية بأبسط ملامحها وتفاصيلها العينية؟ هزيمتنا بالتخلف والجهل، هزيمتنا باستحكام الزيف والرياء والتركيبة النفسية المشوهة، هزيمتنا الاجتماعية الاقتصادية السياسية، هزيمتنا أمام ” المد الحضاري الآتي من الغرب متزلجا على علبة كوكا كولا وبورغر رانتش ومتأبطا حزمة من دولارات ونظريات” ونحن بين مد وجزر، هرج ومرج أصابنا كما قال المثل ” بين حانا ومانا ضيعنا لحانا”.

للقارىء ان يستشف إذا ما كانت النصوص تسوقه إلى ما قاله دريد بن الصمة: أمرتهم امرى…

أما بخصوص كتاب “أنا وحماري” فإن الكتاب يشتمل نصوصا متفرقة ومختلفة مضمونا, تراوحت بين صفحة وصفحتين للنص. وقد ذيل الكاتب لكل نص بتاريخه. وكتبت هذه النصوص بين

11 -6-1999و21-6-2000 ينحى هذا الكتاب على وجه العموم منحى الكتاب الآنف ذكره{حمار الشيخ}.

استهل الكاتب هنا بمدخل واهداء يعكس تواضعا وعرفانا ودفئا. ثم انهال بقلمه مباشرة يلسع ذات اليمين وذات الشمال.

على وجه العموم, في هذا الكتاب شهد دور صديقنا الحمار الحكيم تراجعا وانحسارا, لصالح صيغة وعظية إرشادية أكثر مباشرة.

في “حمار الشيخ” وانا وحماري اللغة بسيطة سلسة، تخاطب العقل والضمير. تستفز وتنتهر، تحرض وتشجع وتلقي باللآئمة. تسرد الواقعة، وتصف السلوكيات الإنسانية السلبية مستهدفة إثارة الحفيظة منها. لكنها لم تستطع التسرب إلى خبايا النفس.

إنها كلام العاقل للعاقل.

ثم انتقل الحديث الى السيد محمـــود عبــد النبــي فقال :

قبل ان ابدأ بالتنويه الى رايي والذي لا استطيع ان اسميه غير ذلك ، لا بد من ذكر ان النقد عالم ولست ممن يجيد الابحار في هذا العالم ، وان هذه هي تجربتي الاولى بادلاء آرائي بحلقة من هذا النوع ، اما بعد:

لم اواجه أي نوع من الصعوبة في قراءتي لهذا الكتاب بادراك محتوياته والسياق المنسجم المترابط لفقراته ، وقد لمست بقراءتي الحالة الواقعية لامة امست عاجزة بمعظم المستويات الايجابية بفقرة السبق الثوري التي ذكرتني بكتاب الاستشراق لادوارد سعيد مبينا لنا النظرة الغربية للشرق، وقد قالت بان الشرق امة عاجزة عن تمثيل نفسها . كما جاء التنويه لبعض الظواهر الاجتماعية المستفحلة في مجتمعنا مما أعلت لدي فكرة ” المجتمع الموبوء ” التي تمثلت بالفساد والوساطة والمحسوبية والصراع الداخلي الموجود لدى الكثير المتجسد على سبيل المثال بين مطرقة الكفاءة اليهودية بمختلف المستويات، بما فيها ” المراكز الصحية ” وسندانة عدم الكفاءة العربية بمختلف المستويات، وبما فيها المراكز الصحية واستثني المركز الصحي العربي عند مدخل العيزرية ، ناهيك عن البروقراطية او المكاتبية، وزجرنا لاطفالنا التي اصبحت فيها بعد تسمى ثقافة الضرب، ولا ننسى طبعاً ثقافة العيب التي من شأنها زلزلة الثقة وخلق جو من الصراع الداخلي لدى الطفل وعلاوة على ذلك جاء اليهود ليزيدوا الطين بلة بالذل والقهر والاستبداد.

بالنسبة لي كان لا بد من هذه الوقفات التي لا استطيع ان امر عليها مرّ الزائرين للقبور ، بحكم تركيبتي الشخصية .

وبالنهاية : هذه قضايا لمسناها واقعيا وأدركنا بعضها عقلانيا، وعما رأينا قد جاء الضمير بالكتاب على شكل حمار، والسؤال باي أشكال يحمل الناس ضمائرهم؟ بالرغم من حيادية هذا الضمير في عدم التغيير فهو يعرف الخطأ من الصواب ولكنه على الاقل يفتكر ويعتبر .

وسؤالي بالنهاية : كان الحمار الضمير أو صوت الحق، فهل اعتزل وتسامى الانسان عن مهمة اعلاء صوت الحق ليبحث عن امر ما في العدم، ونزلت هذه المهمة لمخلوقات اقل رقيا. ؟

وبعده تحدث الاديــب ابـــراهيــم جــوهــر فقال :

هذه لقطات ادبية ساخرة يتقاسم بطولتها تارة الحمار ابو صابر، وتارة اخرى الراوي الذي يقص علينا قصصه وحكاياته القصيرة هذه في عالم افتقد براءته وانسانيته وشفافيته وصدقه ، لهذا كله فان الراوي يحمد الله في اكثر من مناسبة لانه لم يتلوث بالحضارة المدنية أولم يتعولم، بل ظل وفيا لتراثه وبساطته وارضه التي لم يتخل عنها كما تخلى الكثيرون .

إنهما معاً – الرواي والحمار – يحتجان على عالمنا ، وقوانيننا ، ومؤسساتنا وادعاءاتنا الفارغة التي تسود صفحات عديدة اذ قمنا باحصائها – كما سأوردها بعد قليل – ولكن ، الا يوجد نقاط مضيئة تستحق الاشارة والاشادة في هذه الحياة التي يطوف فيها حمار الشيخ حاملا صاحبه وهو يحاوره تارة ، ويعلمه اخرى ، ويوبخه ثالثة ؟ ّ

إن الايجابيات التي حصرتها في كتاب ( انا وحماري) لم تتعد الثلاث وهي حصراً تتمثل في :

الاشادة بتجهيز المركز الصحي العربي عند مدخل العيزرية ، والاشادة باطبائه المهرة وسماحة مديره الدكتور عدنان عرفة ، ثم الاشادة بجهود مركز الدراسات والبحوث الاسلامية ودراساته القيمة .

وهذه الايجابيات الضائعة في تزاحم السلبيات والانانية والجهل تضيع وسط طوفان حاد كريه يأسر الجمال ويحاصر المستقبل ويهمش المخلصين الصادقين .

إن هذه اللقطات القصصية تضع في صلب اهتمامها الفكرة فتبرزها وتدفعها الى الاطار الكاريكاتوري الفاضح والصارخ والمستهزئ، فهي كتابة غاضبة وإن لبست لبوس السخرية ، إنها السخرية المرة التي تظل عالقة في جوف القارئ وحلقه ، ولكنها تدفعه الى الشكوى والتمرد والحركة و لاتبقيه ساكنا مخدرا معتمدا على الفرج الاتي من الغيب ، او من اللا شيء والضياع .

أنها لقطات قصصية ذكية .

في المدخل الاشارة الى الحديث النبوي الشريف الذي يتحدث عن رؤية الحمار شيطانا حين ينهق تشير إلى كثرة الشياطين التي رآها حمار الشيخ، وهو وهي شياطين – من الناحية الفنية – مسلية ومضحكة ومبكية، وهي شياطين سارقة عاقة تدعي العلم وهي جاهلة ، وتدعي الاخلاص وهي سارقة، هكذا ارى الشياطين التي انطقت حمار الشيخ فكان هذان الكتابان ( انا وحماري و حمار الشيخ ) ليكون لنا الحق ان نشكر هذا الحمار الذكي – المخلص – الوطني الحقيقي – الصادق وهو ينهق فينا لنواجه نهيق تلك الشياطين ، ذلك النهيق الحيواني الحماري .

والشيخ هنا يحتاط ويحذر في هذا المدخل، انه يحذر من ا لاقدام على وسم وجه الحمار لان الله سبحانه ( سيلعن الواسم وليس الحمار ) ، وكأني به يقول : إن هذا الحمار لن يبقى حيا، أو على الاقل لن يبقى سليماً معافى من اولئك الشياطين الذين رآهم وفضحهم وقض مضاجعهم وكشفهم على حقيقتهم بل وحرض ضدهم . لقد صار ابو صابر افضل من كثيرين من الابوات غير الصابرين . السلبيات التي انتقدها الراوي والحمار تتمثل في :

انتقاد التباطؤ والتلكؤ في الدوام – الاشارة الى انتشار العبس – التشوه الثقافي لدى الناس – انتقاد توريث السلطة من الاباء للابناء ، انتقاد بعض العادات الغذائية البعيدة عن الاصالة – عدم الاهتمام بالفروسية ولا الارض – انتقاد الواسطة والمحسوبية في مؤسساتنا المحلية – ” خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام” – القرود التي تبدلت بالغزلان والغزلان التي تبدلت بالقرود” انتقاد الاهتمام الزائد ( حب الاستطلاع) ولو كان المستطلع هدية غريبة ( فأر )

· الترهل الاداري في مؤسساتنا الرسمية والاهلية

· جمع الثروة بطرق غير مشروعة .

· عدم العدالة في الرواتب بين الموظفين.

· اهمال بعض المؤسسات غير الحكومية.

· بعض المسلكيات البشرية ( اخ تفو ) : إن نهيق حماري ليس مزعجا ، بل هو افضل من نهيق بعض الناس ( من ذوي اخ تفو )

· التباهي بالثقافة وتزيين رفوف المكتبات بها دون قراءتها .

· عدم دعم منشورات مركز الدراسات والبحوث الاسلامية .

· طابور الداخلية وباعة الادوار .

· اعمال لصوص الاثار .

· تهور سائقي الفورد ترانزيت .

· انتقاد اجراءات حارس املاك الغائبين .

· اجراءات المطار والجمرك .

· تصديق الكاذب وتكذيب الصادق في لجان التحقيق ضد الفساد في المؤسسات .

· ضعف المعلمين في التدريس والاعتماد على التلقين الحرفي .

· عدم الاحتجاج ضد اعتداءات المستوطنين وتدنيسهم للمسجد الاقصى .

· الزواج المبكر وترك مقاعد الدراسة .

· البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين .

· الانقسام السياسي العربي الى 22 دولة .

· الاغاني الشبابية والفيديوكليب وعدم تطوير التراث الشعبي الاصيل .

· قذف المحصنات ومهاجمة التعليم الجامعي للفتيات .

· اسلوب تربية الابناء الذي يورث فيهم الاتكالية وعدم الثقة بالنفس .

· إهمال اغاثة المنكوبين كما حدث مع بدو الجهالين وقت الثلج .

· إهمال الاطباء وعدم اخلاصهم .

· تجار الموت الذين يتاجرون بالبضائع منتهية الصلاحية .

· فوضى ” الشهداء ” أي : الصاق لقب شهيد بالمتوفي وهو على غير حق .

· كذب المحامين واقتناص اموال ذوي المعتقلين دون القيام بواجب الزيارة والدفاع .

· ما يقدم لدعم صمود المواطنين في مدينة القدس ، وسياسة مجلس الاسكان في اقراض من يحصل على رخصة بناء ، ورفض إقراض من يستحق البناء بحجة انه يملك بيتا .

· اسلوب المعلمين في الضرب والتعليم.

· التعدي على حرمة الطريق العام .

· الادعياء في القضاء العشائري .

· الاعجاب الشديد ( بلا مبرر ) بكل ما هو اجنبي.

· القسوة ضد النساء والتعامل الخاطئ معهن .

· التعامل مع الاطفال وتربيتهم بالضرب ، ودفعهم الى البيع في الشوارع ، وحرمانهم من حقوق الاطفال .

· هذه انتقادات الشيخ وحماره ابي صابر لثنايا حياتنا اليومية في هذا الوطن الجريح ، فمن يتابعها ؟ ام ترانا نكتفي بابي صابر وهو يجول شوارعنا غاضبا، ولسان حاله يقول : يا بنى آدم ( وهذه شتيمة في عرفه ، كما عرفنا ) ، يا بني آدم ، أنا الحمار لا ارضى بما ترضون به ، فمن يكون الحمار ؟ !

· وبعده تحدثت الروائية ديمـــة السمـــان فقالت :

إن معظم المقالات المنشورة بين غلافي المجموعتين (حمار الشيخ وأنا وحماري)، لم تكن جديدة علي.. فقد قرأت العديد منها على صفحات جريدة الحياة الجديدة.

وقد كانت كل مقالة تحمل سخونة الحدث التي تتكلم عنها00 حيث كنت تشعر بلذعتها00 كنت تشعر بوجعها00 تضحكك وتبكيك في اللحظة نفسها00 تشعرك بحجم المأساة التي نعيشها، تدق ناقوس الخطر في بعض الأحيان00 وتخترق مساحة الممنوعات بجرأت وموضوعية في الأحيان الأخرى.

لم تترك المجموعتان موضوعا يستحق الحديث عنه يعتب عليه00 فقد تناولت شتى المواضيع في المجالات: السياسية والاجتماعية والإنسانية والطبية والتعليمية والتربوية والديمقراطية والفنية. تحدثت عن المسحوقين وتحدثت عن ذوي الشأن الذين يتمسكون بمناصبهم، تحدثت عن مراكزنا الطبية، الصالح ومنها الطالح، تحدثت عن ضرورة تدريب الطفل على الاستقلالية، عن اتفاقيات السلام، عن ديمقراطية القوي مع الضعيف، عن ممارسات الاحتلال بكل ألوانه، في المطار، وعن حارس أملاك الغائبين، وممارسات المحامين غير الإنسانية، وقارنت بين موسم النبي موسى في السابق والحاضر، وعن استعمال الهاتف الخلوي، وعن قذف المحصنات ووو… الخ

كما أنها لم تخل من الأمثال الشعبية التي وثقتها المجموعتان بأسلوب لبق، تقبله القارىء برضى وسرور0

السخرية اللاذعة التي انتهجها الكاتب في مجموعتيه كانت موفقة جدا.

لم أشعر بالمبالغة في الطرح.. بدت الأمور سلسلة وواقعية تنقل واقعا مريرا بسلاسة.

أعجبتني شتيمة حمار الشيخ (يا بني آدم) لبنى آدم الذي استغنى عن آدميته بممارساته غير الآدمية الإنسانية..

أعجبني المقال الذي يتحدث عن الحمار الذي لم يرض الزواج من (الجحشة) لأنه اعتبرها قاصرا لم تصل بعد للسن المطلوب (احترم طفولتها، مع أنه حمار). أسلوب لاذع في نقد زواج الرجل من قاصر.

أعتقد أنهما مجموعتان موفقتان في طرح هموم المواطن الفلسطيني على عدة مستويات..

على أمل إصدار مجموعة ثالثة تتناول مستجدات الوضع الحالي.

وبعدها تحدثت الكاتبة حليمــــة جـــوهـــر فقالت :-

” أنا وحماري ” وهو بمثابة الجزء الثاني لِ ” حمار الشيخ ” ، حيث ان الكاتب يحمل لقب الشيخ ، وبالتالي فان الكاتب – كما يلاحظ في الكتابين كان يتجول في مدينة القدس ، في الغالب . يرى ويشاهد وينتقد مظاهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وادارية ، وغيرها باسلوب ساخر على لسان حماره . وحماره ليس حمارا تقليديا بمفهوم الثقافة العربية ، التي تحتقر الحمير وتلبسها كل شرور البشر ، ومعروف ان العرب والفرس هم الوحيدون الذين يحتقرون الحمير في ثقافتهم ويعتبرونها حيوانات غير ذكية ، حتى انها تستعمل للشتيمة بين البشر … وان من يوصف بالحمار هو الغبي والمتخلف عقليا، بينما نجد الشعوب الاخرى تحترم الحمير وتعتبرها حيوانات ذكية ولطيفة وجميلة ، حتى ان الحزب الجمهوري في امريكا اتخذ صورة الحمار شعارا له . والقارئ للكتابين يجد نفسه امام حمار اديب اريب حكيم ، ينتقد ويحذر من الوقوع في الخطأ او الاستمرار في مفاهيم خاطئة بطريقة ساخرة لاذعة توصل القارئ الى ما يشبه ” شر البلية ما يضحك ” وبعض القطع في الكتاب فيها مشاهد مسرحية لو قيض لها ممثل محترف يملك ادواته الفنية لعمل منها كوميديا مضحكة الى حد الفاجعة .

والقارئ للكتابين بعين ناقدة سيجد ان الكاتب الذي تحاور مع الحمار بلغة الانا، والذي كان يخطئ دائما يمثل الفئة الحاكمة او المتنفذة بكل اشكالها، والتي تقع في اخطاء تراها وتشمئز منها حتى الحمير بمفهوم الثقافة العربية ، ومن المدهش ان الجماهير ترى ذلك وتنتقده في الاحاديث الجانبية والخاصة ، لكنها لا تعمل على تصحيحه بالطريقة الصحيحة في حين نجد الحمار والذي حسب تقديري يمثل حكمة الشعب، لا يسكت على هذه الاخطاء والخطايا التي تصل الى حد الجريمة ، فينهق ، ويرفس محتجا ومحذرا ورافضا لبعض المفاهيم والممارسات والقيم التي كتب عنها المؤلف، والقارئ بعين فاحصة ايضا سيجد نفسه امام سؤال كبير : ما هو دور الكاتب في المجتمع؟ ولعلّ حمار كاتبنا يجيب على ذلك . فكل الادوار والقضايا التي طرقها يراها الجميع ويشمئز منها الجميع او يفرحون بها ، لكن كم منهم ينتبهون لمخاطرها او لمحاسنها فيعملون على تغييرها او تكريسها . ونشاهد هنا ان الكاتب التقطها من شوارع وحواري المدينة المقدسة او القرى المحيطة بها ، التقطها بعين الفاحص المتمرس والمتمرد لعلها تكون صيحة لمن ليس في آذانهم صمم ، فهل يمكن اعتبار هذين الكاتبين بمثابة جوانب من يوميات مدينة ارهقتها سنون الاحتلال وتنظيرات الضلال الذي جعل هذا الاحتلال يستمر كل هذه السنوات الطويلة ، مكبلا مدينة هي جوهرة جغرافيا وتاريخ امة اضاعت ماضيها ولم تنتبه لحاضرها ومستقبلها .. ربما .. فكل شيء جائز ، وكل شيء قابل للنقاش .. وقابل للتغيير . بسرعة او ببطء فكل امريء وشأنه وعلمه وثقافته .

وبعدها تحدث الاستـــاذ محمـــد مــوســى ســويلــم :

أنا وحماري ترى هل قرأ الكاتب مسرحية الحمير لتوفيق الحكيم ام قرأ عدة مرات كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع ام ابتعد عن كل هذا وقرأ يوميات نائب في الارياف لتوفيق الحكيم ام قرأ مسرحية يوليوس قصير لوليام شكسبير .

انا وحماري مجموعة الحوادث مرت على الكاتب كأبن قرية فلسطينية تعمل في الزراعة من الحراثة والتعشيب وتركيب الاشجار وتقليمها ، لينتقل الى سائق سيارة اسعاف لنقل المرضى واستقبال حار من مدير المركز ترى هل يستقبل مدير المركز المرضى مثل ما استقبل به كاتبنا؟

انا وحماري اشبه بطرائف عربية لا تخلو من الفكاهة احيانا والعتاب واللوم احيانا والسخرية من المجمتع والوضع القائم احيانا اخرى، فمن احاديث طبية ثم سياسية الى ترهل اداري، الى استعراض رغبات ونشوات، كل هذا واقع يجسده الكاتب، وكل هذا وبطل قصتنا حمار- اجلكم الله- وكاتب يروي حكايات من حياة عاشها اناس اخرون فوضع نفسه موضعهم فقولبها بطريقة ادبية في كتاب ادبي، واظن انها كانت مقالات للنشر في الصحف، الا ان كاتبنا اثر ان تكون ذات استقلالية معينة لا اعلم، سببها الا انني اقول انها كانت حاجة في نفس يعقوب قضاها .

كتب المؤلف عن اماني شعب وحكايات امة بطريقة محببة معيبة مضحكة نبشت ماضي حاضر مستقبل مقيت مذل مهين، احداث رقصت على انغام الفوضى والاستخفاف والضحك على الام المغلوبين على امرهم، وعلى ابتسامات اناس صعدوا الى سلم المجد والترف والبذخ الى درجة نسيان ماضي اليم شحّ فيه كل شيء الا عزة النفس وحماية الجار ورعاية النفس للنفس .

ترى هل هناك جزء ثان من احداث ا”نا وحماري” ام ان الكاتب قنع بان لا فائدة من الكتابة لهذه الامة التي ارهقتها الكتابة بمعنى وبلا معنى، او بسبب او بلا سبب ام وصلت الرسالة ، اللهم هل بلغت، ثم هل اراد الكاتب ان يكتب سيرته الشخصية، ام اراد ان يرسم صورة لاحداث معينة، ام ان الاحداث اصبحت اسرع من قلم الكاتب واكتفى، وهل هناك كتاب ترك لهم المجال .. الخ ؟ ؟

حمار الشيخ بدأ يقول الشاعر:-

اعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب

يمر الكاتب على هذا نقدا وتوبيخا وكأن الشاعر قصد زمانا معينا، لا يا سيدي الشاعر قصد كل الازمان ،ولكن اذا كان من يلبسون دشداشك وعمامتك تركوا هذا جانبا فاذهب الى زيورخ لترى فعلا ان اعز مكان في الدنى يجر عربة وفيها الاولاد ولوازم الرحلات، يلعب الاطفال ويجلس الكبار ليقرأوا الكتب والقصص والمجلات ، اذكرك يقول الشاعر

نعيب زماننا والعيب فينا ما لزماننا عيب سوانا

اما حول التسامح وتقاسم الارض والماء وغير ذلك الم تشاهد مسرحية سيدي الجنرال حين قال ان السلام بحاجة الى كذا .. كذا .. كذا … والندية ولكن لعدم وجود الندية اعطيناهم …. عن يد ونحن صاغرون وتسمي هذا تسامحا ، اسأل الكاتب هل حضر مسلسل عودة غوار الذي كان يتكلم مع الحمار ام انه اكتسب التعرف الى لغة يفهمها الحمير كما عندنا ايام الحراثة، فتقول للحمار حي فيمشي وعندما يخرج عن الخط نقول له تلمك سر، وعند الوقوف نقول هاش، وعند الدوران نقول خرى وراء اما عن الساسة والسياسة فاقول للكاتب اسمع يا سيدي المثل القائل ” الباحث عن السياسة كمن يبحث عن ملعقة سكر ذايبة في كأسه ” الحمد لله ان الحمير عندنا تفكر وأظن انك قرأت مسرحية توفيق الحكيم “حماري يفكر” ، ثم إذا كان حمارك بهذه العقلية لماذا لم يذهب إلى المفاوضات أو تحضره لندوة اليوم السابع وتربطه في الخارج ؟؟

لماذا لم يتبنى المسرح الوطني كتاب “حمار الشيخ” لعمل اسكتش مسرحي في أكثر من مقالة ولا سيما مناسبة الكثير منها للواقع الذي نمر فيه او مررنا به .

طرح الكاتب مجموعة كبيرة من القضايا الاجتماعية من عادات الأفراح والمشاركات الوجدانية وغيرها ثم القضايا التربوية في المدارس ونقص في الغرف، وعن القضايا الصحية والعمليات الجراحية، ولم ينس الكرم العربي الأصيل والتسامح والعفو والأحكام العشائرية وعن علم النفس والتكيف مع الواقع.

خاطب الكاتب في سلوى أذواق الناس ومفاهيمهم وتحدث عن حالهم مرورا بالمسؤولين إلى السائلين .

ثم انتقل الحديث إلى الأستـــاذ اسعــد أبـــو صــوي فقال :

مجموعة من الخواطر إن صح التعبير مكونه من 109 خاطرة، كتبت على 147 صفحة ، وكل خاطرة مرقمة بأرقام متسلسلة .

كتبها الشيخ جميل السلحوت في الفترة ما بين سنة 1994 إلى 1999، وهي الفترة التي صاحبت تأسيس الفلسطينية الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقيات اوسلو تعرض فيها الكاتب لتلك الحقبة الزمنية، منتقدا تارة ومقارنا تارة اخرى ، موضحا جوانب من حياتنا الاجتماعية والسياسية، وموضحا بعض خبايا الأمور ،استوقفني سؤال هنا عن سبب اتخاذ الحمار كشخصية مرافقة للكتابات التي قام بها عدد من الكتاب بداية من توفيق الحكيم وانتهاءً بجميل السلحوت.

يقول توفيق الحكيم ” لان الحمار يحمل نفسا صافية ومبادئ مثالية …

ويقول على لسان حماره نحن نفكر جميعا تفكيرا واحدا ، فليس عندنا حمار مثالي .. مادي وليس عندنا زعماء ولا قادة ، ولا أوثان ولا أوطان ، بل يوجد حمير على ارض الله ، ولكن شعورها واحد وقلوبها واحدة ”

أما بالنسبة لشيخنا فقد صاحب حمارا في رحلته عبر كتابه لعدة أسباب ، أولها للحوار والمجادلة والنقد، وثانيها لكي يساعده على تخطي الحواجز الاحتلالية وسلوك الطرق الالتفافية الوعرة، والثالث لكل يوصله إلى المسجد الأقصى ليصلي فيه .

هذا وكان للشيخ نظرة ثاقبة على مجريات الأمور ” وسيرة الحياة . لذا جاء نقده موجها أحيانا ولاذعا أحيانا أخرى ومطالبا بالتغيير في مواقع اخرى، فهو يطالب بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولا ينسى الشيخ بأننا مجتمع عشائري، وبرغم انه يرى بان للقوانين العشائرية قوة ردع كبيرة جدا الا انه يطالب بالتغيير رغم قناعته بان هذا يحتاج لزمن طويل .

لقد طرق الكاتب مجالات عدة تهمنا وتخصنا ، ونبهنا الى استغلال بعض التجار، والى عاداتهم السيئة المتبعة في الشوارع ، ونبه من الشعوذة والمشعوذين والطب الشعبي، ولم ينس الوضع السياسي العربي البائس وسلبياته فجاء كلامه بهذا الخصوص ناقدا ومطالبا بالتغيير العملي لتلك السياسات.

لم يخل الكتاب من مواقف إنسانية ومبدئية ، فلم يهن على الكاتب أن يرى رجلا يكبر والد الموظف الأجل ببضع سنوات يدخل بظهر منحن وجسد هده الزمن وذل قوت العيال ، ملبيا نداء مديره الشاب خصوصا وان هذا يحدث في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

وانهي بمقولة الشيخ على لسان حماره :

” حتى لوكان الحصول على الشعير ممكنا فلن يذوقه ابو صابر من الآن فصاعدا تضامنا مع الجياع من أبناء جنسي البشر الذين يموتون جوعا أو قتلا من اجل رغيف الخبز .

وبعده تحدث الأستـــاذ خليــل سمـــوم:-

· بداية، أقدم اعتذاري للكاتب لأن ضيق الوقت لم يفسح لي المجال لقراءة، كتاب “حمار الشيخ”، وفي الحقيقة، كان الأفضل مناقشة كتاب واحد في ندوة.

على كل حال، فإن كتاب “أنا وحماري” هو مؤلف نقدي، ووثيقة تاريخية، لقضايا سياسية واجتماعية. ومن السهولة ان يشعر القارىء أن الكاتب يمثل الإنسان الفلسطيني العادي، البسيط، والمسحوق من قبل الاحتلال، وبعض افراد المجتمع والسلطة المحلية.

وقد أعجبتني في الكتاب، الكاتب من خلال كتابة أمور كثيرة منها:-

1- وجود موجز عن حياة المؤلف.

2- وجود قائمة بأسماء الكتب التي أصدرها المؤلف.

3- الإهداء، حيث أهدى المؤلف كتابه إلى والدته وزوجته، فماذا قبل الأم والزوجة؟!

4- متانة اللغة عند الكاتب.

5- ثقافة الكاتب الواسعة.

6- توفر عنصر التشويق في الكتاب.

7- استعمال أسلوب السخرية.

8- استغلال الكاتب للمنطق في معالجة للقضايا المختلفة.

9- الأمثال الشعبية الفلسطينية المتضمنة التي لم يسمع بها البعض.

10 – إدخال النكتة في كثير من المقالات.

11 – توفر الجدية في طرح القضايا ومعالجتها، لكنها ليست مفرطة.

12 – الحكمة التي تضمنها الكتاب.

13 – المقالات قصيرة، وكل مقال على قدر عنوانه.

14 – سهولة فهم لغة الكتاب، حتى للإنسان ذي الثقافة البسيطة جدا.

15 – غيرة الكاتب على مصلحة أبناء شعبه.

16 – حثه الناس على الرأفة بالحيوان.

17 – دعوة الكاتب أبناء شعبه للعودة إلى الطبيعة في كثير من الأمور، والأهتمام بالأرض.

18 – مواقف الكاتب التقدمية من القضايا السياسية والأجتماعية، وهي مواقف ملتزمة.

ولكن لي بعض الملاحظات، ويمكن أن أكون مخطئا أو صائبا فيها. فإذا كنت مخطئا فاعذروني وأصلحوني، ولكم أشكر. وهذه الملاحظات هي:-

1- لم يذكر لنا الكاتب أنه نشر هذه المقالات في صحيفة أو صحف، وإلا لماذا وضع تاريخا لكل مقالة في نهايتها؟!

2- جاء في صفحة (84 ) عبارة: (الخوارج هنا يستحقون العقاب، ولن أقبل أن أكون خارجا) والصحيح (خارجيا).

3- جاء في صفحة (87) عبارة : (فحولقوا حولة)، بمعنى عملوا حوله دائرة أو جلسوا حوله، والصحيح (تحلقوا).

4- جاء في صفحة (90) عبارة: (يقترن مع حمار في خصومة). ليس هناك يقترن مع، بل يقترن بـ ، وكان الأفضل استعمال كلمة: يدخل مع حمار في خصومة.

5- صفحة 49 – مجموعة دول الأنحياز – والأصح: عدم الأنحياز.

6- صفحة 63 – كلمة يكافؤه – والأصح ان تكون الهمزة على كرسي.

7- صفحة 103 – وعدت إلى بيتي نشوان – والأصح نشوانا.

8- صفحة 107 – وخفت أن تموت ابنتي الغاليتين – والأصح: ابنتاي الغاليتان.

9- صفحة 110 – كان يركب حماره بـ إحدى شوارع قريته – كلمة شارع مذكر فلا نقول إحدى بل أحد.

وبعده تحدث السيـــد ســامــي الجنــدي فقال:-

مجموعة غنية من الخواطر الهادفة، تتناول الكثير من الظواهر الحياتية المعاشة، خواطر تمس أغلب السلبيات التي جعلت من واقعنا مر كالعلقم.

الكاتب الفاضل جعل ذلك الكائن (الحمار) دليلا قويا للانسان بأن تشخيص السلبيات ليس بالأمر العسير بل سهل… حتى على أبا صابر.

لقد انتابني شعور بأنني اقرأ عن أحد الجهابذة. عن سابر دقيق لبواطن الأمور وما يشعر به الناس اتجاه كم هائل من الممارسات والسلبيات وما صار يعرف بمسائل فوق النقد والتغيير..

المجموعة تحتوي على:- انتقادات هادفة وتربوية أحيانا وقاسية ولاسعة احيانا أخرى. مستنكرة ومتمردة إذا هرب الحمار، ثائرة ومنفرة إذا رفس… وفي بعض الجولات هادئة وأنسانية.. وفي مجملها لم تخرج عن حدود الواقع الذي نعيشه..

المجموعة قيمة وغنية ومفيدة وضرورية للمطالعة من قبل الأعمار 15 حتى 120.

فالأستاذ الكاتب الفاضل عرف كيف يوصل أفكاره إلى القارىء بطريقة سلسلة ملائمة جدا، ومن خلال أبي صابر.. وما أدراك ما أبو صابر؟ أنه حمار خارق عبقري ثاقب الفكر.. فلته من فلتات هذا العصر او أعجوبة من أعاجيب زمن الفيديو كليب.. متزن في حركاته وعلى خلق عظيم مع قليل من المشاكسة حسب الموقف..

يعني ممكن ان يبتسم ويضحك أمام أهل أو فعل الخير، وممكن ان يضرط وينهق على مارق ومتسلق، او على ثقيل لا يضحك للرغيف السخن، و ما أكثرهم في طريقه، لو كان هذا الحمار أنسانا لقلت بأنه الجنتلمان الكامل في صفاته وتصرفاته، وبما أنه ليس كذالك! فدعونا نتجاوز حدود التفاصيل والمسميات… دعونا نلقبه بالمستشار الناصح الفذ الذي لا يخرج عن حدود الأدب، ولا يدير ظهره للقيم السامية، فلنقل الكائن الفطن، من عندي اتمنى أن يسمعني مديري كما يسمع السلحوت لحماره… وكما تمنى الاسكندر ذي القرنين إن لم يكن كما كان: فإنه يتمنى ان يكون جالسا إلى جانب (ديوجين)… فكل عاقل سيتمنى، أن يكون حمار الشيخ.

وقد كتب الــدكتــور بطـــرس دلـــة من كفر ياسيف عن الكتابين قائلا:-

وصلني “كتابك” “أنا وحماري فقرأته من الغلاف الى الغلاف فوجدت فيه الشيء الكثير من النقد خفيف الظل لقضايا سياسية واجتماعية مختلفة، يعاني منها انسانا الفلسطيني في كل ناحية من أرجاء هذا البلد، ان هذا الأسلوب الذي اتبعته يذكرني بما كتبه الاستاذ رشدي الماضي من حيفا في كتابه “حديث القلم” والذي اتبع فيه نفس الأسلوب. كما يذكرني بكتاب “حماري قال” وكتاب عصا الحكيم، اذن الأدب العربي لم يعدم كتابا يكتبون فلسفتهم في الحياة على لسان الحيوانات او حتى الجماد، وكان كتاب “كليلة ودمنة” فاتحة الطريق الى مثل هذا.

لفت انتباهي في هذه الخواطر امور عدة أهما نقدك اللاذع لسياسات حكومات إسرائيل وتوسيع وتكثيف الاستيطان بشكل يمنع تحقيق السلام المنشود بين شعبي هذه البلاد! كما اعجبتني خاطرتك الموسيقى المناخيرية” وهو تعبير فيه الكثير من الابداع والتجديد لم نعهده من قبل. كما ان انتقادك للبيروقراطية في “أبو العظرط” “وكلنا روس” و”صاحب السعادة” وغيرها هي واقعية حتى الثمالة، والحقيقة هي أن كل نقد مالم يكن مؤلما لا يترك أثره في نفس القارىء، وانت اخترت الحمار لتضع الحكمة في فمه، وتعفي نفسك من المسؤولية في الظاهر وهذا شيء جميل ومقبول، يعاني مجتمعنا كما تعرف من الكثير الكثير في كافة نواحي الحياة وكل أبداع في هذا المجال، وكل نقد صريح كما ورد في كتابك المذكور هو لبنة أخرى تضاف الى بنيان التغيير للأفضل! ولما كنت أؤمن بأن التغيير لا يتم لمجرد النقد فأنا اعتقد اننا بحاجة لا الى التغيير فقط بل الى التغيير الجذري، ومعنى ذلك “الثورة” فالتغيير الجذري الذي هو الثورة على كل مألوف ومتبع هو الضمان الأكيد للخروج من جاهلية القبائل ومن أصنام الجاهلية، وقد سبقتنا شعوب الأرض على اختلافها الى مثل ذلك! هل تذكر النكتة عن الفريق المصري الذي دعى الى البرازيل للعبة قدم ودية. وقد ضل احدهم وسأل اين يجد زملاءه؟! كان الجواب: باستطاعتك أن تقص الأثر حيث يبصق كل اعضاء الفريق في الشوارع! ومثلها ان احدهم رأى ان العرب يقضون حاجاتهم في التبويل بجانب أي شارع! ولما راى احدهم يقوم بذلك سأل مضيفه البرازيلي: هذا رجل يبول في الشارع فما رأيك؟! تطلع المرشد البرازيلي وقال: هذا صحيح فهو احد اعضاء الوفد المصري!

أخي جميل اسمح لي أولا ان أبارك نشاطك ونقدك هذا واقول: قدما والى الأمام! فأنت صاحب قلم لاذع فيه الكثير من خفة الظل لا يجرح أحدا بإسمه، ويكتفي بتوجيه النقد على امل الاصلاح، ونحن هنا داخل الخط الاخضر أيضا نأمل بالأصلاح حتى لو كانت هناك بعض المظاهر التي تخطيناها الى غيرها فوقعنا في غيرها.

وقد قرأت اولا “حمار الشيخ” فوجدت فيه استمرارا لكتابكم السابق “انا وحماري” ولكن في هذه المرة بدا نقد السلطة والمجتمع اكثر عمقا، واكثر تطرقا واكثر تأدية للرسالة والفكر الفلسفي. لأنك تشعر القارىء بنظرتك الثاقبة أنك على حق في كل ما تقول، ولكنك في هذا الكتاب حذفت العناوين واكتفيت بالترقيم وهي طريقة غير محببة تبعث احيانا شيئا من الملل في نفس القارىء على الرغم مما في النصوص وعلى لسان الحيوان من النقد في جوهر المجتمع، وفي اتفاقيات السلام التي ناقشك الحمار حول كنهها، كما أنك، دخلت في استعراض بعض القضايا الشخصية مثل قضية الشاب المعوق الذي تصف حياته لتكون اسوأ بكثير من حياة صاحبك ابي صابر وذلك في صفحة 110 – 111 رقم (73)! او نقد الأيمان بالمعاجز والغيبيات كما في رقم 45 ص – 80، كما تنقد حرية الصحافة وحرية الكلمة غير المضمونة وتخوف المعلمين من جهاز الادارة، كما تصل المستشفيات والمدارس والمجاري وغيرها. يبدو لي انك انسان قارىء، هذا وقد برز ذلك واضحا في كتابتك التي نجحت في تعرية الفساد حتى الآن على امل التغيير الجذري أي الثورة على كل ما هو متعارف عليه، فكل تجديد هو ثورة وكل ثورة هي سلاح ليس من اجل الحرب والقتال، ولكن من اجل التغيير الثوري الجذري! نحن كذلك داخل الخط الاخضر نعتقد ان بالامكان تحقيق مكاسب اكثر لو تكاتفت الجهود بشكل ناجز وكما يجب.

أخيرا أقدم لك شكري على إهدائك هذا الكتاب وارجو ان يتم التواصل في المستقبل فيما بيننا وان نتابع مشوار العطاء لاثراء مكتبتنا العربية بكل ما هو نافع.

ومن قطاع غزة كتب الينا الأديب عبد الله تايه قائلاً:

كتاب يتضمن أكثر من مائة من المقالات التي كتبها الكاتب جميل السلحوت في عموده في صحيفة “الحياة الجديدة” تحت عنوان “حمار الشيخ” منذ العام 1994م وحتى العام 1999م وضمنها آراء نقدية حول مختلف نواحي الحياة ، وأدخل في هذه المقالات الحمار “أبو صابر” رفيق حوار ونقد . والكاتب من مواليد جبل المكبر سنة 1949م . له “صور من الأدب الشعبي الفلسطيني” دراسة صدرت عن دار الرواد ـ القدس سنة 1982م . وكتاب “مضامين اجتماعية في الحكاية الشعبية” صدرت عن دار الكاتب ـ القدس 1983م . والمجموعة القصصية “المخاض” ، منشورات اتحاد الكتاب ـ القدس 1989م .

يوضح الكاتب سبب اختياره لصحبة حماره الذي سماه “أبو صابر” وتفضيله لصحبته على صحبة بني الإنسان لوفاء وميزات الصبر لدى الحمار ، فتنقّل معه وعلى ظهره إلى كل مكان أراد أن يوجه له رأياً أو نقداً ، وكان حماره على الدوام معينا له ومحاوراً فطناً . يقول الكاتب : “أثناء قراءتي لديوان الشاعر الذي يكاد النقاد يجمعون أنه أشعر شعراء العربية على مر العصور ، اكتشفت أن هذا الشاعر مع إقراري بشاعريته الفذة كان جاهلاً ، عندما قال :

أعزُ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ

فيبدو أن حكمته هذه كانت تناسب عصره ، أما عصرنا نحن فلم يعد عندنا رجال يُسرجون على الخيل ولا نقتني الخيل التي يُسرج عليها الرجال ، أما أنا فقد وجدت أن (خيرُ جليسٍٍ في الزمانِ حمارُ) لذا قررت أن أعتزل المطالعة وأن أحرقَ كافة كتبي وأن أضع العزيز منها على رفوف عالية لا تطولها أيدي أبنائي خوفاً من أن تفسد عليهم ولاءهم للمرحلة القادمة وإذا بحماري وكاتم أسراري يسألني : ماذا ستفعلون بالأدب الذي كنتم تطلقون عليه (أدب المقاومة) أو (الأدب الثوري) والكتب التي تدعو إلى الوحدة العربية و …. الخ هل ستطلقون عليها (الكتب الصفراء) كما فعلتم بغيرها سابقاً ، أم ماذا ؟ فأجبته بأنه رأى جوابي عن سؤاله بأمَّ عينيه ”

ودول حوض البحر المتوسط ، وجنوب شرق آسيا ، والدول الأفريقية ، ومناطق أخرى كثيرة ، لا تخلو من وجود الحمير . ولأن الحمار من الدواب المفيدة ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع ففي سورة النحل آية (8) قال تعالى : “والخيل والبغال والحمير لتركبوها ” و “كالحمار يحمل أسفاراً ” لكن “حمار الشيخ” حمار نبيه متيقظ ، كثير الأسئلة والاستفسارات ويطلق بعض الناس الاسم (حمار) على بعضهم في مواقف النعت بالجهل ، وجاء في رسائل الجاحظ الجزء الأول والثاني في كتاب ـ البغال ـ أكثر من 181 صفحة عن البغال ، وورد فيها أن سليمان بن علي قال لخالد بن صفوان وقد رآه على حمار : ما هذا يا أبا صفوان ؟ قال : أصلح الله الأمير ، ألا أخبرك عن المطايا ؟ قال : بلى . قال : الإبل للحمل والزمل ، والبغال للأسفار والأثقال ، والخيل للطلب والهرب ، والبراذين للجمال والوطاءة ، وأما الحمير فللدبيب والمرفق .

ويقول الكاتب جميل السلحوت في التفريق بين سلوك الحمير وسلوك الإنسان : “ومن اكتشافاتي التي تثبتها الحقائق على أرض الواقع أن الحمير تعتز بحمرنتها أكثر من اعتزاز بني البشر بإنسانيتهم . أما أنا فإنني أجد أن حمرنة الحمير أكثر أصالة من إنسانية البعض فالحمير لا تخترق حقوق بني جنسها وتعتبرها من الأمور المسلم بها لأنها فطرت على ذلك . أما بنو البشر فإنهم كعالم الحيوان المفترس البقاء عندهم للأقوى ، فالقوي من البشر يضع قانونه كما يشاء ويحدد حقوق الإنسان كما يشاء أيضاً . ولذا فإنه يحصد أرواح الآلاف من بني جنسه لاختلاف في الجنس أو اللون أو المعتقد وهذا ما لا يوجد في جنس الحمير” .

ومن سخرية الكاتب من انتشار الهاتف الخلوي بين الناس الذين لا حاجة لهم إليه قوله :

“ومما يلفت الانتباه هذه الأيام انتشار الهاتف الخلوي بشكل ملفت للانتباه فرجل الأعمال والذي بلا عمل وحتى ربات البيوت أصبح الهاتف الخلوي ملازماً لهن ، وحتى أن البعض ممن لا يملكون شروى نقير وينامون على الحصير ، ولا تجد في بيوتهم خبز الشعير ، لا يسيرون إلا والهاتف الخلوي بيمناهم أو مسلحين به على خواصرهم” .

وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة تسمى (دلدل) وحمار يسمى (يعفور) وقرأنا حكاية حمار العزير الواردة في القرآن الكريم والتي كانت أجمل وأدهش آية حتى يتيقن العزير من قدرة الله على إعادة الخلق ، فصار الحمار من الحيوانات التي ستدخل الجنة ، قال الله تعالى : “كالحمار يحمل أسفاراً” ، وارتبط الحمار بالجهل أما “حمار الشيخ ” فيتصف بالفطنة والعين الناقدة والأذن الطويلة التي تلتقط هموم الناس وهو ليس مثل حمار الحكيم (توفيق الحكيم) الذي يقول على لسان الحمار:

“وجهلي جهل بسيط وجهل شيخي جهل مركب ”

فالحمار يشكو جهل شيخه الذي يركبه حتى أنه يتابع متظلماً “فمتى ينصف الدهر وأركب” .

ومن صفات الحمير الصبر ، و”حمار الشيخ” لا يصبر على ضيم ولا فساد ولا استغلال ، يقول الجاحظ أن من الخطأ حث الحمير على المشي والسفر بقولنا (حا) يذكر أن (حا) تقال للجمل ويقال (سأسأ) للحمار ، فقد سخر الأعرابي من صاحبه ورماه بالجهل قائلاً :

يقول للناقة قولاً للجمل يقول حا ثم يثنيه بحل

فصاحبه هذا أخطأ حين كان يقول (حا) للحمار في حين أنها تقال للجمل . وجاء في المعجم الوسيط : الحمار حيوان داجن من الفصيلة الخيلية ، يستخدم للحمل والركوب ، كما يقال للحمار عَرْد ، وإذا كان البعض لهم في مظهر الحمار رأي فما رأيهم بالغراب ؟ غادة السمّان الكاتبة المعروفة وضعت على غلاف أحد كتبها صورة الغراب لأنها رأت فيه مظاهر جمالية ، واعتبرته مظلوماً من الإنسان بوصفه نذير شؤم ، سألت أصحاب عن حكاية الحمار الذي نقول في وصفه (حمار قبرصي) قال أحدهم : أنه عاش في قبرص متنقلاً أكثر من عامين لم ير خلالهما حماراً ، يبدو أن التسمية قديمة دلت على قوة وصبر وجلد هذا النوع الذي انقرض هناك ، وكاتبنا في “حمار الشيخ ” جعل من حوار الحمار الذي اصطحبه في كافة الموضوعات التي طرحها بأسلوب طريف مجالاً لفكاهة النقد السياسي والاجتماعي والإنساني .

يذكر الكاتب كيف صنف له حماره الناس ، فئاتهم ومعادنهم ، بعد أن دخل الكاتب المستشفى وخرج متعافياً : “اسمع يا أبا صابر لن أسمح لك بالتطاول على أهلي وأصدقائي وإذا كنت فهيماً إلى هذا الحد فكيف تقيم أنت الأهل والأصدقاء ؟ فقال أبو صابر: من خلال المحنة التي مررت بها فأني وجدتهم ثلاثة أصناف هي : الصنف الأول : الصديق الصدوق الذي يكتم سرك ويحفظ غيبتك ، ويستر عورتك ، ويقف سداً منيعاً أمام من يحاولون التطاول على حدودك . أما الصنف الثاني : فهم الصديق العادي وهؤلاء فئة يريدون لك الخير ، وإن كانوا لا يكترثون بحصوله أو عدمه . أما الصنف الثالث والأخير : فهم الصديق اللدود وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين : القسم الأول : وهو الذي أقسم ولا يزال يقسم أغلظ الإيمان بأنه لم يعلم عن وجودك في المستشفى أثناء وجودك على سرير الشفاء ولا بعد خروجك منه ، وهؤلاء يكذبون على أنفسهم قبل أن يكذبوا عليك ، لكنهم عندما يرونك ينهالون على وجناتك قُبُلا . فهم مراؤون ، منافقون ، مخادعون ، كاذبون ، والعياذ بالله منهم ومن شر صحبتهم . القسم الثاني: فهم من أفنيت عمرك تستر عيوبهم وتبدل سيئاتهم حسنات ، وكنت الجدار المنيع الذي يحميهم ، غير أنهم لم يحفظوا عهداً ولا أبقوا ودا ، والسبب هو عقدة النقص التي يعانون منها ، ولا أمل في إصلاحهم لأنهم يعادونك دونما سبب ورحم الله المتبني عندما قال :

ولا تطمَعنَّ من حاسدٍ في مودةٍ وإن كنت تُبديها له وتُنيلُ

جاء في المعجم الوسيط : الحمار حيوان داجن من الفصيلة الخيلية ، وفي لسان العرب قيل عن الحمار أنه النهاق من ذوات الأربع أهلياً كان أو وحشياً ، و”حمار الشيخ” نهاقاً يلفت النظر إلى الخصال غير المستحبة في ناس اليوم ومعادنهم ، ولا يكتفي بالإشارة بل يوجه نقده اللاذع لهم ، وها هو يسخر من انتشار الدجالين الذين يعالجون الناس بطرق فيها من النصب والاحتيال ما فيها لابتزاز الناس ، فيتناول الكاتب الموضوع في أسلوب فكاهي داعياً إلى اجتثاثهم ويسخر منهم ويرمي بالسؤال تلو السؤال بعين ناقدة وانتباه طريف .

وكتاب “حمار الشيخ” الذي أصدره الكاتب جميل السلحوت وجمع فيه مقالاته الناقدة في حواراته مع الحمار تناول مواضيع مختلفة من ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وأدبية وقانونية ، وقد اتخذ من هذا الأسلوب الحواري طريقة للحديث حول الأمراض الاجتماعية ، والهموم الإنسانية ، والأوضاع السياسية ، والاقتصادية ، بأسلوب ساخر ناقد فيه فكاهة مصحوبة بآراء جادة ، وقد أنطق الكاتب “حمار الشيخ ” بما يعتمل في نفسه وما يجيش في داخله من غير مباشرة ولا خطابية ولا الألفاظ المعتادة من مثل (يجب أن .. علينا ..لا بد .. يستلزم .. إلخ ) التي يفر منها القارئ حتى وإن كان الموضوع هاماً وجاداً فضغط الحياة اليومية ومشاكلها وتعقيداتها التي تزداد يوماً بعد يوم تجعل من مثل هذه المعالجات في ” حمار الشيخ” تشبه الطرائف والفكاهات الساخرة التي تلفت النظر إلى الآراء وأوجه النقد والأمراض الاجتماعية دون نفور وبأسلوب محبب شيق ، فيضفي على القراءة جواً من الانبساط وليس الانقباض .

وحول الأوضاع السياسية نجد أن “حمار الشيخ” لا يروق له الحواجز التي يضعها الاحتلال للتضييق على تحركات المواطنين فيقول الكاتب : “قررت هذا اليوم أن أقوم بجولة في بعض قرانا كي أزور بعض الأصدقاء فامتطيت حماري وأنا أقول يا ألله يا كريم يسر لي أمري وسهل لي مهمتي فما دام الاحتلال موجوداً فإن حرية التنقل في وطننا ضرب من المقامرة ، فالحواجز العسكرية الثابتة على الطرقات والطيارة والدوريات العسكرية عدا عن المستوطنين والمستوطنات الذي ينخرون جسد الوطن كالسرطان لا يتركونك وشأنك” .

ويرى الكاتب أن الدوائر تدور على الجميع حتى وصلت إلى الحمير ، لذا نرى حماره يتظاهر بالمرض ، والتفت الكاتب إلى ظاهرة اجتماعية متفشية في بلادنا وهي ظاهرة التبوييز أو كما نقول التكشير .. فصارت الوجوه عابسة والناس مقطبي الجبين يستنكرون ويستكثرون على بعضهم مجرد الابتسام فما بالك بالضحك؟! ، وقد أفرد الكاتب لهذه الظاهرة مقالة يوضح بعدها الاجتماعي وينقدها ويسخر منها …وغيرها كثير من هذه المظاهر في حياتنا.

ولا شك أن كثيراً من الكُتاب في أزمنة سالفة قد استخدموا الحيوانات والطيور في حكايات على لسان الطير والحيوان ضمنوها الحكمة والنقد والرأي والمشورة وحسن التخلص والوفاء ورفض الظلم ومصائر الظالمين وكذلك صفات عديدة في الحث على الفضائل واجتناب القبائح والصفات الذميمة وأحاديث حول طباع الإنسان في حكايات عن الحيوان ، بعضها خوفا من عسف وظلم وبطش السلاطين الظالمين الجبابرة المتكبرين ، وبعضها تسلية أو تربية وتهذيباً للنفوس والأخلاق بأسلوب طريف يحبه الناس ويقبلون عليه ، مثل حكايات كليلة ودمنة وطوق الحمامة وغيرها .

إن هذا اللون من الكتابة الساخرة التي تتناول جوانباً هامة في حياتنا بمظاهرها المختلفة هو أسلوب أدبي جديد ونادر على كتابتنا الفلسطينية ، ويضفي على المقالة طرافة مع إعمال للفكر وتبصير بمواطن الداء وحث على التغيير .

 

 

ومن قطاع غزة كتب الاديب خضر محجز:

 

سؤال الثقافة والأيديولوجيا

 في حوارية جميل السلحوت: “حمار الشيخ”

 

المطالع لكتاب جميل السلحوت (حمار الشيخ) يكتشف, منذ الوهلة الأولى, أنه أمام نوع من كتابة مختلفة: حيث تبرز قدرة الأسلوب الأدبي, على الخوض في مسائل سياسية وثقافية واجتماعية شائكة, لا يجرؤ على خوض غمارها, إلا من امتلك ناصيتي النقد السياسي والنقد الإبداعي.

لقد قيل كلام كثير حول انفصال السياسة عن الإبداع, لكن كل هذا الكلام يتعرض للشطب على يد جميل السلحوت, بجرة قلم, عندما يقول:

“أما أنا وحماري, فلم تكن لدينا مشكلة على الإطلاق؛ فأينما وجدنا طريقاً سالكاً سرنا فيه, بغض النظر: على الرصيف, أو على جانب الشارع, أو في منتصفه. ولا أخفيكم سراً أنني كنت أشعر, وكأنني عنترة زماني, عندما نوقف السير, أو تهرب مجموعة من السياح مبتعدة عنا, لالتقاط الصور التذكارية لنا”([1]).

إذا كانت هذه الحوارية نصاً غير مكتمل, وواقعة ثقافية, فإن علينا أن نحللها باعتبارها مادة خاماً, يجري استخدامها, مع مواد أخرى ذات علاقة بالنص, ومن خارجه. فالقصة في النص ما زالت بعيدة عن الاكتمال : بمعنى أن هناك فجوات في الحكي وتكتماً في النص, واستعمالاً متضارباً, إلى حد كبير, لسرد كل من المؤلف الضمني والراوي والمؤلف المدني:

فالمؤلف المدني, جميل السلحوت, شخص موجود, ويسكن في القدس, وله رقم هوية وعنوان محدد. لكننا ـ كمتلقين ـ لا نعرف آراءه السياسية, ولا موقعه الأيديولوجي, رغم أنه جزء جوهري من النص. كيف سنعرف ذلك؟. ليس أمامنا إلا أن نستكشفه من النص, عن طريق إعادة تكوين لحمة المؤلف, من خلال نصه.

لكن النص لا يبرز لنا جميل السلحوت بشحمه ولحمه, بل يبرز بدلاً من ذلك مؤلفاً معداً بعناية, على يدي جميل السلحوت الشخص المدني. وهذا المؤلف المقدم لنا بين السطور, سوف يكون هو المؤلف الضمني, الذي يتموقع وراء منظومة القيم ومواقف الأيديولوجيا([2]).

إذن فالمؤلف الضمني هو الذي سنحاوره ـ كمتلقين ـ ونكتشف آراءه. يقول وين بوث:

“إن المؤلف عندما يكتب لا يخلق مثالاً إنسانياً عاماً فقط؛ ولكنه يخلق نسخة مضمونية من نفسه، تكون مختلفة عن المؤلفين الآخرين, والذين نقابلهم في أعمال مؤلفين آخرين… فمهما حاول أن يكون لاذاتياً, فإن قارئه لا بد أن يشكل صورة عن المؤلف الرسمي، أو المؤلف الثاني، أو الضمني، الذي يكتب بمثل هذه الطريقة”([3]).

أضف إلى كل ذلك, شخصية الراوي, الذي ليس هو المؤلف الضمني, ولا المؤلف المدني؛ بل هو شخصية وهمية, مهمتها التنقل بين مفاصل النص, لتمارس الحكي نيابة عن واحد منهما, في أغلب الأحيان, أو عن كليهما في أحوال نادرة.

إن ابتداع شخصية الراوي أمر جوهري لعملية السرد. فلا يعقل أن يكون هناك سرد دون سارد. ثم لا يعقل أن نتصور أن جميل السلحوت هو الراوي ـ أو السارد ـ (فالمصطلحان يشيران إلى ذات المعنى). لذلك يلجأ السرد ـ ولا أقول المؤلف: فالقصة هي التي تبتدع راويها ـ لابتداع هذه الشخصية, التي يمكن اعتبارها مجرد تقنية, أو أسلوب لا يمكن الاستغناء عنه. وفي النقد الثقافي سوف يكون أمامنا مجال واسع, لمقارنة حقيقية, بين هذه الشخصيات الثلاث: المؤلف المدني, والمؤلف الضمني, والراوي, إضافة إلى كشف الانزياحات الأيديولوجية بين ثلاثتها.

سوف يبرز لنا المؤلف الضمني, في حمار الشيخ, منتقداً صلباً لكثير من الظواهر المجتمعية, في الأرض المحتلة, التي صارت أرض السلطة الفلسطينية. وعندما نتأمل المقطع المقتبس السابق قليلاً, فسوف نتساءل: أين حدود السياسة هنا من الإبداع, وأين هو الفارق بينهما؟.

لقد امتزجا في خطاب ثقافي, ينتقد كلاً من السلطة السياسية وثقافة المجتمع. ولنا أن نتساءل هنا: أي نوع من المجتمعات هذا الذي يستطيع فيه راكب حمار أن يوقف حركة المرور!. إن أول مظاهر التحضر وجود القوانين. وإن أول مظهر من مظاهر وجود القانون في بلد هو حركة المرور. وإن من أول ما درسناه, في مساقات القانون, هو أنه لا يوجد قانون حيث لا تتوفر له سلطة القهر. إن توفر القدرة على القهر, لدى أي تشريع, هو الذي يعطيه صفة القانون. دع عنك سخافات أناس يجلسون في السلطة, ثم يدعون الناس لاحترام القانون, فهذه مهمة المخاتير وشيوخ العشائر. ولا أظن أحداً منا انتخب رئيس السلطة ليحل محل كبير المخاتير!.

إن جميل السلحوت يبرز تخوف السياح, من حمار الشيخ, بالسخرية السوداء من هذه العجائبية, التي تحكم مجتمعاً يفترض أنه الآن على أبواب الاستقلال, بعد حرب طويلة خاضها طوال مرحلة من الثورة والانتفاضة, سعياً وراء هذا الاستقلال. أفلا يكون السؤال الثقافي المضمر في هذا الخطاب هو: هل نحن مؤهلون فعلاً لإنشاء مجتمع مستقل؟. وإذا ما أنشأناه, فهل سيكون على هذه الشاكلة؟. وهل يستحق مجتمع ما الاستقلال السياسي, لمجرد رغبته في العودة إلى الوراء؟!.

إن جميل السلحوت يدرك أن النص منظومة علاماتية ألسنية, وليس مجرد كلمات منفصلة عن الواقع, لمجرد أنها مطبوعة على الورق. وبذا فهو يخرج للنصوصية اليمينية المتطرفة لسانه: ساخراً من كل شعوذات منظريها السخفاء القائلين باستقلال النص عن خارجه. فقد أدرك جميل السلحوت مبكراً أن تلك النصوصية هي, في نهاية المطاف, خدمة ثقافية مجانية للاستعمار الثقافي, الذي يريد من المثقفين أن ينشغلوا بعلاقات متوهمة, بين حروف النص المطبوع, وطرق تنسيقها على الورق, وجماليات الفواصل والعتبات, بعد أن قتلوا التاريخ والمؤلف والعلاقات الإنسانية([4]).

لقد تحول النص بين أيدي غلاة اليمين المتطرف في أمريكا ـ وعلى أيدي مدفوعي الثمن هنا ـ إلى (الله): الذي هو علة العلل, والمستغني بذاته عن سواه. لقد حدث كل ذلك, بهدف تحويل الدرس الأدبي إلى غرفة مظلمة, مقفلة الأبواب, لا يرى طلابها ما يحل بذويهم في الخارج, على يد علاقات القوة, تاركين كل ذلك دبر آذانهم!. ولا جرم؛ فهم مشغولون الآن بقراءة (الأرض الخراب), أو سماع باخ وبيتهوفن!.

والكاتب مدرك لطبيعة هذه العلاقة المرضية, التي أتاحت لكتاب أن يظهروا للمتلقين في صورة المدافعين عن الحقيقة, ثم نراهم في موطن آخر (واقعيين), مدركين بأن الحقيقة في هذه الأيام صارت (نسبية), وتحتمل وجوهاً عدة. لقد صار بإمكان بعض هؤلاء الكتاب, الظهور بمظهر (النيتشويين) المتحررين, من أي تصور مسبق لوجود الحقيقة الجوهر. وبذا فقد أصبح باستطاعة العدو ـ وفق هذا المنطق ـ إعادة تشكيل الحقيقة, وفق رؤيته , متذرعاً بقوة القوة, القادرة على فرض (حقائق جديدة), بغض النظر عن موافقتها لمنطق العدالة أم لا!.. وكأن الحقيقة, المستمدة قوتها من ذاتها, لم تعد موجودة!..

الكاتب ليس مدركاً كل هذا فحسب, بل إن حماره ـ حتى ـ يدرك ذلك ويتصرف وفقه, في منطق حماري مترفع عن شعوذات (المثقفين), فيقول:

“حتى أحد كتابكم الكبار يقدم التنازلات السياسية المجانية, ليس لوجه الله, وإنما من أجل وجه مقرري منح جوائز نوبل للآداب”([5]).

وعندما يعترض الراوي, ويزجر هذا الحمار الحكيم, يأبى الحمار أن ينزجر, مواصلاً التحدي بإظهار الحقيقة, قائلاً:

“ولكنه تبرع بمساواة المستوطنين مع الفلسطينيين, الذين بقوا في ديارهم, في حدود إسرائيل”([6]).

فلنعد الآن قليلاً إلى متشائل حبيبي, لنراه في موقف مماثل يقول: “فزجرني فانزجرت”([7]). لندرك أن تناصاً من نوع خاص ينشأ, هنا, بين متشائل إميل حبيبي ـ الذي ينزجر فور زجره ـ وحمار جميل السلحوت الأكثر فلسطينية: فالأول شيء فقد كينونته واحترامه لنفسه, أما الثاني فمتمسك بهذه الكينونة, ومدافع عن احترامه لنفسه, في علاقة تبرز جماليات الموقف الحماري, ثقافياً وسياسياً, في الوقت الذي تلقي الضوء فيه على قبحيات ذلك النوع من الكتابة, المتماهية مع العدو. وتتأكد مثل هذه العلاقة عند ملاحظة التناص المفاجئ بين منطق حمار الشيخ ومنطق صاحب المتشائل. ولنقرأ هذين النصين دون تعليق:

يقول حمار الشيخ في معرض الاستنكار:

“شعبكم الفلسطيني, الذي لا يعترفون به كشعب, وإنما كتجمعات سكانية لا حقوق لها على الأرض”([8]).

أما صاحب المتشائل فيقول:

“نحن لا نعترف إطلاقاً, بما يسمى حق تقرير المصير لعرب إسرائيل… إننا نقول بأن حق تقرير المصير هو لشعوب, وليس لمجموعات”([9]).

سنعود الآن إلى اعتراض الراوي على منطق حماره (الحمار), في كشفه لهذا القبح, , لنكتشف أن هذا الخوف هو خوف أيديولوجي, ناتج عن شعور الكاتب بالقوة المضمرة لـ(بلدوزرات الثقافة) الذين يسميهم إدوارد سعيد, طبقة الإنتلجنسيا. يقول:

“لكن طبقة رجال الفكر (الإنتلجنسيا) هي ذاتها عنصر مساعد… وقد رُسم دور لهذه الطبقة, وصُنع لها ؛ بوصفها طبقة مُحدثِنة [من اسم الفاعل]: أي أنها تمنح الشرعية, والسلطة المرجعية, لأفكار حول التحديث والتقدم والثقافة, تتلقاها من الولايات المتحدة, بصورة رئيسية. ويقوم الدليل على هذا في العلوم الاجتماعية, وبما يفاجئ إلى درجة كبيرة [يقوم الدليل كذلك] من الجذريين [ اليساريين الراديكاليين] الذين أخذوا ماركسيتهم, بالجملة, من نظرة ماركس التسلطية إلى العالم الثالث”([10]).

ومعلوم لنا جميعاً, أن تلك الطبقة قد استطاعت ـ بسبب عوامل تاريخية متعددة, أكثرها ينقصه الشرف ـ أن تتعاقد, مع المؤسسة السياسية, على صياغة مؤسسة الأدب, بما يخدم هذا التحالف, في وجه كل أنواع الثقافة المهمشة والشعبية, السائدة في أوساط البسطاء, الذين لا يعرفون لهم وطناً سوى فلسطين, التي عرفوها, وآمنوا بأنها تستحق منهم أكثر من هذا.

لكن هذا الخوف الأيديولوجي, الموظف إبداعياً على يد جميل السلحوت, لا يستطيع أن يرفد الراوي بقوة المنطق, إذ سرعان ما يجد الراوي نفسه صغيراً, أمام منطق هذا الحمار الحكيم, المتعالي بحمرنته, عن إنسانية أشخاص ينسبون أنفسهم إلى طبقة الإنتلجنسيا, ثم لا يشعرون بالعار من ” أن تُقرن قضية الأسرى بقضية العملاء المتعاونين”([11])؛ لا في الأدب وحده, بل في الاتفاقات السياسية كذلك.

يواصل الراوي هذه السخرية السوداء, من علاقات ثقافية, في المجتمع الفلسطيني, بدأت تبرز أخيراً, من مثل هذا النوع من (ثقافة البلاغة), التي تتوسل بطنين الكلمات الكبيرة, لتخفي وراءها فراغاً موحشاً, وجهلاً مختبئاً وراء قعقعات الحروف. وهذا النوع من الخطاب السياسي الديماغوجي, الذي يستخدمه أناس مدفوعو الأجر, في أغلب الأحيان, وجهلة مغرر بهم في قليل من الأحيان, هو الذي يبرر للدكتاتورية السياسية, عقد اتفاقيات تحتاج منها إلى كل هذا العدد من المروجين الديماغوجيين. فتعال لنرى كيف يحلو للراوي أن يتزيا بزي واحد من هؤلاء الديماغوجيين, فيقول:

“كنت مزهواً بنفسي كالطاووس, وأنا أشرح للحضور المكاسب التي حققناها منذ بدء العملية السلمية… وقد زادني حماساً جمهور المستمعين, الذي كان في غالبيته من كبار السن, الذين لا يسمعون جيداً. بينما كان الباقون تنقصهم الثقافة السياسية, ويطربون للشعارات الرنانة, التي اعتدت على استعمالها… أخذت أهاجم كل فلسطيني وعربي ينتقد العملية السلمية… فهم مناضلو شعارات, جلبوا الويلات على شعبنا, ولم يستوعبوا العملية السلمية”([12]).

لقد كان من الممكن لنا أن نتصور, للحظة, أن موقف الراوي هنا هو نفس موقف المؤلف الضمني, لولا أننا رأينا المؤلف الضمني يبرز لنا فجأة, من خلال تبنيه لمنظومة القيم, التي يؤمن بها الحمار؛ في تبادلية ذات مدلول أيديولوجي, تفضل منطق الحمار المتمسك بالثوابت, على منطق الإنسان المضحي بالثوابت, على مذبح احتياجاته الصغيرة. وهكذا كان لا بد للراوي ـ استجابة لموقف المؤلف الضمني ـ أن يبين الموقع الأيديولوجي للحمار, الذي هو نفس موقع المؤلف الضمني, فيقول, استكمالاً للموقف السردي السابق, ما يلي:

“وعندما انصرفت, وجدت حماري أبا صابر متكدراً غاضباً من حديثي واتهمني بالتهريج وعدم الوضوح في الموقف السياسي”([13]).

وأخيراً:

نحن, كمتلقين, قد شكلنا للمؤلف الضمني في (حمار الشيخ) صورته التي انطبعت في أذهاننا, واستنتجناها من نصه. لكن ما يبقى هو سؤال من نوع جديد: هل جميل السلحوت هو نفس هذه الصورة, التي رسمناها له بتأثير نصه؟. أرجو أن يكون الجواب نعم. وأعتقد أنه كذلك.

 

 

 

 


[1] ـ حمار الشيخ. ط1. القدس. اتحاد الشباب الفلسطيني1999. ص9.

[2] ـ انظر: أحمد صبرة. جوانب من شعرية الرواية. فصول. العدد: 4. المجلد: 15. شتاء 1997. ص: 46.

[3] ـ بلاغة الفن القصصي. ترجمة: أحمد خليل عرادات وعلي أحمد الغامدي. الرياض. جامعة الملك سعود. 1994. ص83.

[4] ـ انظر: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. ترجمة: عبد الكريم محفوض. دمشق. منشورات اتحاد الكتاب العرب. 2000. نسخة مأخوذة عن موقع اتحاد الكتّاب العرب على شبكة الإنترنت:  .www.awu-dam.comص7.

 

[5] ـ حمار الشيخ. ص2.

[6] ـ حمار الشيخ. ص2.

[7] ـ إميل حبيبي. سداسية الأيام الستة. الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل. وقصص أخرى. ط7. حيفا. دار الاتحاد للطباعة والنشر. 1985. رواية المتشائل من هذه الطبعة. ص92.

[8] ـ حمار الشيخ. ص18.

[9]– صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بتاريخ: 25/11/1966. وجها لوجه مع عضو الكنيست إميل حبيبي. انظر: جورج كرزم. الحزب الشيوعي الإسرائيلي بين التناقض والممارسة (1948ـ1991). ط1. منشورات الشعلة. القدس. 1993. ص172.

[10] ـ الاستشراق: المعرفة, السلطة, الإنشاء.ترجمة: كمال أبو ديب. ط4. بيروت. مؤسسة الأبحاث العربية. 1995. ص321 ـ 322.

[11] ـ حمار الشيخ. ص15.

[12] ـ حمار الشيخ. ص21 ـ 22.

[13] ـ حمار الشيخ. ص22.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات