بدون مؤاخذة-العرب يخوضون حربهم النّوويّة

ب

مساء 6 اكتوبر الحالي ومن خلال احياء ذكرى حرب اكتوبر 1973 أجرى صحفي مصريّ مقابلة مع دبلوماسي ومستشرق روسي على احدى الفضائيات المصرية وسأله: هل كان الاتحاد السوفييتي ضامن للدول العربية بان لا تستعمل اسرائيل أسلحتها النوويّة في تلك الحرب؟ فأجاب الرّجل بما معناه: أن استعمال اسرائيل للسلاح النّووي لم يكن واردا لا في السابق ولا الآن، ولمّا ألحّ الصحفي المصري بأسئلته على المستشرق الرّوسي أجابه: الحرب النّووية التي يتعرّض لها العرب هو اقتتالهم الدّاخلي، فهم يقتلون بعضهم بعضا بطريقة أبشع من تعرّضهم لضربات نوويّة! وروسيا تتمنى وحدة العرب ليشكلّوا محورا عالميا فاعلا لوقف الألأطماع الامبريالية في بلدانهم وليحموا أنفسهم.

وقبل ذلك بيومين قال جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما: أنّ حلفاء أمريكا في المنطقة كالسعوديّة والامارات العربية وقطر وتركيا هم من موّلوا وسلّحوا تنظيمات الاسلام السياسي التي تحارب في سوريا. وما لم يقله السيد بايدن أنّ ذلك لم يكن من وراء أمريكا، بل بتعليمات منها ضمن “الفوضى الخلاقة” التي أرادتها أمريكا للمنطقة العربية لاعادة تقسيمها الى دويلات طائفية متناحرة.

وها هي الدول التي موّلت هذه التنظيمات بالمال والسلاح شكلت تحالفا لضربها، وإن كان الهدف هو تدمير ما تبقى من سوريا، وقتل وتشريد ما تبقى من شعبها. خدمة للمصالح الأمريكيّة والصهيونية. وهذا يؤكد من جديد أنّ داعش وأخواتها تتستر خلف شعار”الدولة الاسلامية” لتنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة. وبالتأكيد فان مال البترول العربي هو من سيموّل هذه الحرب، التي تقتل آلاف العرب وتدمّر أوطانهم، ولتموّل مصانع الأسلحة الأمريكية لانتاج جيل جديد من الأسلحة ليجري تجريبها لاحقا على الشعوب والأقطار العربية.

لكن ممولي الحروب الأمريكية ومشاركيها في المنطقة العربية ستخيب آمالهم اذا ما اعتقدوا بأنّ أقطارهم وعروشهم ستكون في منأى عن هذه المخاطر. وبما أن العربان لا يتعلمون من التاريخ فإنّ ما جرى في أفغانستان عندما احتلها السوفييت وقاموا بتمويل “القاعدة” و”طالبان” وغيرها لمحاربة السوفييت، وكيف انقلبت هذه التنظيمات على مموّليها بالمال والسلاح والبلدان التي انطلقت منها بتعليمات وأوامر أمريكية، فانهم لا يستشعرون مخاطر ما فعلت أموالهم وأيديهم، وأنّها سترتد الى نحورهم، وإن كانوا يدركون ذلك فانهم لا يستطيعون الخروج من بيت الطاعة الأمريكيّ. لأنّ أمريكا التي يعتمدون عليها في بقاء أنظمتهم تبحث عن مصالحها قبل كلّ شيء، ولن تتورّع في استبدالهم حينما يستنفذون مهمّاتهم وتتطلب مصالحها ذلك. وهم لم يدركوا ولا يريدون أن يدركوا أنّ شعوبهم هي القادرة على حمايتهم لو عملوا لمصالح هذه الشعوب.

ويلاحظ أن تنظيمات”المتأسلمين الجدد” قد أمعنت في استعداء العالم ضدّ الاسلام، وما يمثله في الثقافة العربية من خلال حربهم التي لا هوادة ولا انسانية فيها ضد الأقليّات العرقية والدينية في البلدان العربية المستهدفة، وقد شاهدنا ما جرى للمسيحيين والازيديين في العراق من أعمال يندى لها جبين الانسانية، واستفحال العداوة الدّامية بين الشّيعة والسّنّة في هذا البلد، منذ “تحريره” من وحدة أراضيه وشعبه وحضارته ومنجزاته باحتلاله في العام 2003، وما يجري في سوريا ولبنان من تأجيج للصراع الدّامي بين العلويين والشيعة من جانب وأهل السّنّة من جانب آخر، وما يتعرّض له مسيحيو وأكراد سوريا من مذابح أيضا. وكذلك ما يجري في ليبيا من صراع داخليّ دامٍ بعد أن”سخّر الله دول الناتو ومال البترول العربي” لخدمة الاسلام السياسي في هذا البلد، وهذا ليس بعيدا عمّا يجري في اليمن ومصر والبحرين وغيرها.

والذي يهمّنا هنا هو “الحرب النّوويّة” التي يشنّها العربان على بعضهم البعض، وعلى بلدانهم أيضا، وهم وبلدانهم وقود هذه الحرب. وبالتأكيد فإنّ أمريكا التي ابتدعت حروب”الفوضى الخلاقة” تعي جيّدا العاطفة الدّينيّة الجياشة للشعوب العربيّة، وقد مهدّت لذلك سنوات طويلة من خلال استغلال بعض تنظيمات وأحزاب ودعاة الاسلام السياسيّ، وكيفيّة تجييشها لبعض الشباب المسلم الذي يجهل أمور دينه ودنياه، واستغلته بطريقة ذكيّة وخلاقة من خلال قيادات باعت أنفسها للشيطان وتلفعت بعباءة الدّين. وحركت متطوعي “الجهاد” في غير طريقه الصحيح، موهمة إيّاه بأنه يملك مفاتيح كنوز الأرض، ومفاتيح الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين، مستغلّة بذلك فتاوي عفا عليها الزّمن وامتدّت من مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان حتى أيّامنا هذه، بأن قتلى طرفي الصّراع من المسلمين شهداء في الجنّة. ويلاحظ أنّ مخاطر حروب”الاسلام السياسي” الحالية لا تقتصر على ضحاياها فقط، بل تتعدّاها الى استعداء الشعوب الغربيّة ضد الاسلام والمسلمين، وإلى تنفير المسلمين أنفسهم من دينهم.

ولن يصحو الاسلام السياسي حتى بعد تنفيذ المشروع الأمريكي باعادة تقسيم المنطقة بدماء وأموال عربية، وما يتطلب ذلك من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وسيتبرّأ من دوره في تنفيذ ذلك، وسيردّه الى “إرادة الله”.

فهل سينتبه لذلك عقلاء المسلمين والعرب قبل الخراب الكبير؟ وإنّني أشكّ في امكانية ذلك، لأنّ الشعوب العربية مخدّرة ومغيّبة عن قضاياها المصيرية لأكثر من سبب، وإن كان الجهل أوّلها.

7-10-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات