روايــــة حبــــات السكــــــر

ر

 

 

 

 القــــدس: 13-1-2005

 ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “حبات السكر” للأديبة الصاعدة مايا أبو الحيات تقع الرواية الصادرة في العام 2004عن المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي في رام الله في 79 صفحة من الحجم المتوسط.

 

وقد بدأ النقاش مشرف الندوة الكاتب جميل السلحوت : – يلفت الانتباه ما جاء على الصفحة الثانية بان اسم الرواية هو: “الشاعرة والشيخ” وهذا هو الاسم الذي اختارته الكاتبة لعملها الأدبي هذا، وهو في نفس الوقت عنوان لباب في الرواية، لكن يبدو ان الناشر قد اطلع على العمل أو على الصفحة الأولى منه بعد صفه و”منتجته” فالتقط “حبات السكر” التي وردت في السطر الأول واجتهد ان تكون اسما للرواية، والله أعلم إن استشار الكاتبة في ذلك أم لا،  لكنه لم يجهد نفسه بتغيير الاسم الأول “الشاعرة والشيخ” الذي بقي على الصفحة الثانية.

 

 وكما يذكر الأخوة المشاركون في الندوة فإننا قد اقترحنا هذا النص الأدبي للنقاش دون معرفة بصاحبته، حتى أن أحدا منا لم يكن يعرف شيئا عنها أو عن مكان سكنها، إلى أن تبرع الزميل أسعد الأسعد في الندوة السابقة التي ناقشنا فيها روايته “عري الذاكرة”  فأخبرنا أنها شابة في مقتبل العمر وطالبة في جامعة بيرزيت.

 

 والقارىء لهذا النص الأدبي يجد نفسه أمام أديبة واعدة تمتلك لغة أدبية فيها  من الشاعرية والبلاغة والجمالية الشيء الكثير، فهي مليئة بالصور والتورية والتشبيهات والمجاز والكناية، مع كل ما و رد فيها من أخطاء نحوية كان يمكن تلافيها لو تمت مراجعتها وتدقيقها.

 

 وهذا النص الذي جاء في سبعة  أبواب يربطها خيط دقيق جدا وهي بحاجة إلى أكثر من قراءة متأنية حتى يستطيع القارىء ربطها ببعضها البعض،  وليجد نفسه أمام عمل روائي يخلو من القصة أو الحكاية الروائية التي اعتدنا عليها، مع أنها محشوة بالأحداث وبتداخل الشخصيات، وبالتساؤلات الفلسفية العميقة المتداخلة والمتفرقة، أحيانا، والمنسجمة والمتنافرة أحيانا أخرى.  إنها رواية القلق وعدم الاستقرار في مختلف المجالات والاتجاهات التي يعيشها الجيل الصاعد من أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة لتأثيرات ومؤثرات داخلية وخارجية كثيرة.  إنها فلسفة هذا الجيل الحائر والقلق،  وكما جاء على لسان عبد الله وهو في المعتقل عندما يتحدث عن الآخر بقوله “نسير معا في عصر الحداثة المزورة، والحقوق المنحازة، والعدالة العالمية العمياء” ص49، وهذا الجيل تتنازعه تيارات كثيرة، فهو حائر بين الحياة التقليدية والدينية التي تربى عليها، والتي تضعه في قوالب ثابتة لا يمكنه الخروج منها، وبين ما يشاهده في الفضائيات، وما يقرأه في الجامعات و الكتب الأخرى وعالم شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”.  لذا فهو حائر متقلب تتقاذفه العواصف والأمواج، وهو دائم البحث والتفكير انه كما جاء على لسان سحر لعبد الله: “لا أزال سليمان الباحث عن الحقيقة” ص10 وسليمان هذا هو سلمان الفارسي “أول سفير في الإسلام” ص65 الذي جاب بلاد الفرس والعرب باحثا عن الحقيقة حتى وصل إلى النبي محمد صلوات الله عليه.  وسحر هذه تائهة بين الإيمان والكفر استشهدت  أكثر من مرة بآيات من القرآن الكريم لتزرع نفسها عما يدور فيها من عدم إيمان، إنها تفلسف الأمور وتنظر إليها بعين مشككة لذا فهي تقول “في البدء قبل نزول الديانات…  احتاج البشر للأمل فخلقوا الهتهم”ص66.

 

 وهي تتعامل مع الموت بطريقة فلسفية أيضا فليلة استشهاد عامر وعندما كان يصارع الموت تقول:- “كنت في سريري بحالة خدر، نظرت إلى سمائي، كانت بلا لون، كلمتها أو ربما ظننت أنني أفعل، رجتها روحي، استعطفتها، لا تأخذيه، له عمل هنا، لي أمل فيه… ” ص67 وركبتها الكوابيس تلك الليلة لتستيقظ في الثالثة صباحا وهي تحلم بعامر، فماذا فعلت؟؟ تقول: “رقصت له رقصة” “زوربية” الأصل، الرقص بوح وجاذبية، الرقص نفض للذاكرة”.  ص67 ثم تتساءل بلوعة :- “هل غادر الحياة ليسكنني في لحظة شبق؟.  ربما” ص67 اذن فعامر الشهيد غادر الحياة بجسده لكنه سيبقى في وجدان حبيبته لأن “الذاكرة مصيدة أيضا” ص67 .

 والرواية تطرح الحب بطريقة فلسفية ومتناقضة أيضا، فهي في دوامة الصراع بين متطلبات الروح والجسد، وبين ما يمليه الدين وموروث التقاليد، “لكنني استسلمت، انه الحب، أي فكرة محرمة يمكن أن تضبطه؟ وأي وسيلة يمكن أن تجعله مقبولا في  مجتمع الرغبات المكبوحة هذا”؟ ص75 .

 والحب عندها مرض: “الحب يتجمع كورم، يختلف مسماه، فهو أحيانا حميد وأحيانا أخرى خبيث مجرم، لكنه في الحالتين يستقر قرب القلب” ص61 واذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الأورام في غالبيتها خبيثة وأن لا نجاة منها فكذلك الحب، لا مناص من الوقوع في حبائله.

 

 وفي الرواية نقد فلسفي لاذع للعلاقة الزوجية في هذا المجتمع الذكوري، فالأب دائم الضرب والشتم لزوجته ولبناته الخمس، ولأنه يريد ابنا ذكرا فقد طلق زوجته ليتزوج من أخرى، والزوجة فرحة بذلك الطلاق فترد عليه: “لقد تخلصت منك أخيرا…  وهو يصيح: أنت طالق طالق…  وهي تزغرد وتضحك بهستيريا”.  ص14 وتصف البنت أميمة تلك اللحظة بقولها: “أمي التي استمرت بصمتها خمسة وعشرين عاما، قدمت استقالة أخيرة، استقالة لجسدها الذي استعملته الحياة وعاء نضحنا نحن البنات الخمس دون متعة…..  وصلت إلى ما فوق الإشباع فاكتفت وهربت” ص15 .

 

 ونلاحظ هنا مدى بشاعة وقبح الوصف عند الكاتبة عندما اعتبرت رحم المرأة حفرة امتصاص، ووصفت عملية الولادة خصوصا ولادة البنات بنضح المجاري.  وهذا وصف وحشي فيه إساءة للجنس البشري ذكورا وإناثا، وفيه تنفير من العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة.  وفي دفاعها عن والدتها وشقيقاتها فأنها تسيء أيضا لبنات جنسها في شخص عمتها “سمية” التي احتضنتها وشقيقاتها بعد خروج الأم من البيت اثر خلاف عائلي في فترة سابقة عندما تصفها :”كان ينقصها شارب لتصبح صورة طبق الأصل عن والدي” ص17 .

 

 وأميمة هذه تخاف الزواج مع أنها تعرف الحب وتفهمه، لذا وبعد الافراج عن عبدالله من السجن تذهب من رام الله إلى نابلس لتلتقيه وتصف مشاعرها قائلة: “لم أرغب معه بما ترغب به الأنثى مع رجل تحبه” ص85 …  وتواصل قائلة:- “كنت أعرف إن قلبي أمسك يدي وقادها حيث يوجد عبد الله، وكنت سعيدة….  وكانت سعادة خانقة، وأنا كما أسلفت عصفور، ولا أريده أن يختنق في هذا القفص” ص85 وهكذا فإنها تعشق الرجل وتريده، لكنها لا تريد علاقة زوجية معه، فهل شكلت لها علاقة أبيها مع أمها عقدة نفسية؟؟ أم ماذا؟؟

 

 والرواية مليئة بوصف الصراعات السياسية بين الطلبة في الجامعات لذا فهي تصف الجامعة بعد انتخابات مجلس الطلبة، والخلافات بين الكتل الطلابية بأنها تحولت إلى “مكب” للنفايات السياسية والفكرية”.  ص11

 وفي الرواية أيضا وصف للمظالم  التي يوقعها الاحتلال بالشعب الفلسطيني،  من خلال استشهاد عامر، وسجن عبدا لله وما تعرض له من تعذيب، ووصف لمعاناة الفلسطينيين في التنقل بين مدينة وأخرى، خصوصا خلال الانتفاضة الثانية.

 

 فماذا تريد الكاتبة  من عملها الأدبي هذا؟؟ أنها تريد أن تنقل واقع التشظي والمعاناة التي يعيشها الجيل الجديد في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب والوطن، لذا فهي تخاطب مدينة نابلس في آخر الرواية قائلة :”أعدك بحبك، فقد قررت أن أتعلم الحب من جديد:- ص97 بعد أن قالت لها قبل ذلك بقليل “منهكة أنا وينقصني الدفء واستقرار المعنى” ص97 .

 

وبعده تحدث الاستاذ محمـــد موســـى سـو يلــــم:-

 

 بدأت الرواية دون أي مقدمات ولم ادر عن أي شيء تحدثت الكاتبة في “تداعيات” من ص6 …  ص12 حيث طرحت عدة حوارات او حوادث “توقفت عن عرض كتاباتها علي وأنا لم أصر على ذلك…  اكتفيت بتصديق  حدس انثوي داخلي يخبرني انها تمارس ا لحب كفرا، حبا خارجا عن النص” ص6 ترى كيف يمارس الحب كفرا وكيف يكون خارجا عن النص اذا كان يعني كما فهمته بسذاجتي فهذا ليس حبا… انه إهانة واستهتار بالحب الذي يمثل قيمة انسانية.

 

 تحدثت الكاتبة عن الدراسة الجامعية بشكل سريع جدا من جلوس في محاضرة الجغرافيا قافزة إلى الانتخابات والمبادىء والصداقة والفكاهات الجامعية و دخول العم أبو سعيد ولا اعرف من هو وما علاقته بالانتخابات والأجواء الانتخابية الجامعية؟

 حين قرأت تلك المقدمة إن صح التعبير شعرت بأنني أمام احد مدرسي علم النفس وعلى مقاعد الدراسة الجامعية فاغرا فمي مشدوها ابلها.

 

 “خد وظرى عالطيم” ضرب وشتم وبصاق وأخيرا طلاق الأم…  علما إنه طلاق لا مبرر له في الرواية، وان إنجاب الأطفال ذكورا وإناثا سبب غير مبرر أيضا من خلال تجربتي أقول ان الطلاق هو احد أسباب الانحراف، ثم ان شتات الأسرة مع  وجود زوجة ألأب إن كانت قاسية هو أيضا احد أسباب الانحراف وزوال الدفء الاسري.

حديث المعتقل عن يومياته في السجن وطرق الاتصال وإرسال الأخبار والتحقيق والعصافير والأساليب المتبعة في ذلك والصحبة والذكريات وحكايات المحتل والعملاء والخراب بعد كل اجتياح.

 الذهاب إلى محكمة صديق او حبيب دون علم الأهل،  والغياب عن البيت دون حسيب،  والعودة دون أن يشعر أحد  بهذا، ترى ألهذا الحد وصلنا؟   أحلام وكوابيس الليل وخيالات الإنسان تجعل من هذه الأحلام رواية وذكرى رام الله والموضع النفسي الصعب وزيارة العيادة والطبيب المعالج والتشخيص للأمراض بالأسلوب الاستقرائي من قبل هذا الطبيب والدخول إلى مكامن ألازمة الحقيقية.  الاكتئاب وأنواعه، خروج الأم من حياة الأسرة والزواج لتكون أسرة أخرى وزواج الأب من امرأة أخرى….‍‍‍ ! جعل فراغا لا يمكن ملؤه الا بزج الأفكار الحسنة والسيئة والابتعاد والهرب من الأجواء المعبقة لتفهم مشاعر الآخرين وطرح باب الذكريات لتكوين جو من الألفة والمحبة والكره والتغاضي عن  المأساة التي حلت بالأسرة….

 

 لم يبق إلا أن يصدح لنا العندليب الأسمر بأغنيته حييتي من تكون، أو أم كلثوم كوكب الشرق بأغنية ذكريات داعبت فكري وظني، أو فيروز في أغنية كان الزمان وكان…  أو سميرة توفيق رف الحمام مغرب مجوز ولا فرداوي…  “اكفي  الجرة عتمها بتطلع البنت لأمها” يالطيف نفسر الأمثال  كما نريد يذكرني بأحد الأصدقاء حين قال لي يوما أتدري كيف نتعامل في قضية الزواج؟  قلت نعم “شوف اذا البنت حلوة نقول ابن العم بنزل عن ظهر الفرس واذا البنت مش كثير نقول الرسول عليه الصلاة والسلام قال “غربوا النكاح” الأم مطلقة اذا نحكم على العائلة انهم سوف يتزوجون ويطلقون إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.  يا لطيف وكأن الزانية تنجب زانية او السكير ينجب سكيرا والأمي ينجب أميا وهكذا والعاصي راحت عليه وعلى ذريته أين أنت يا هتلر حين رخص قتل الأغبياء وبطيئي التعلم لأنه يريد شعبا ذكيا فقط “ان صحت الرواية”.

 

 الراوية هل هي متخصصة في علم النفس العيادي ام هي من الدارسين في كتب حزب التحرير الفلسفية؟ ام قرأت كتاب التفكير للعلامة الشيخ تقي الدين؟ ثم إلى  أي شيء أرادت الكاتبة الوصول اليه؟؟

 الانتقال السريع والمقطوع بين الحين والآخر والذي يفقد القراء المتعة يبدأ في البحث عن تتمة ما قرأه،  ثم اذا كان هذا هو مفهوم الرواية فالشعب كله رواة وكله ذكريات، فما على كل من يمسك القلم إلا ان يجلس عند نقطة في هذا الوطن الاشم وينقل ما يمكن ويجسد بقلمه لا بحسة.

 

:- لقد تحدثت الرواية عن مواضيع كثيرة  منها

1-    علم الاجتماع والنفس والخدمة الاجتماعية.

2-    المشاكل الأسرية من انحراف – تشتت – طلاق تفكك أسري – مشاكل بيئية وراثية.

3-    السجن الاعتقال والمحاكمات.

4-    الحواجز وحركات السلام.

5-    أفردت الرواية خبرا كبيرا للضمير وعذاب الضمير، لقد أعادت لي هذه الرواية أيام الدراسة ا لجامعية ومحاضرات علم النفس وعلماء النفس مثل بافلوف وكلاية والجرس وسيلان اللعاب والطعام، ومتاهات ثورنديك والفأرة والمتاهة وأطفالها، وسكنر وغيرهم من أصحاب نظريات التعليم الاشتراطي، لقد تبعثرت الكلمات وأصبحت كمن يحل كلمات متقاطعة في جريدة يومية.

 

 لم تهد الكاتبة الرواية لأحد فأنا ان  جاز لي ذلك أهديها إلى كل المعتقلين الإداريين والمطلوبين المطاردين من أبناء  هذا البلد الأشم، وأقدم لكل الكتاب والروائيين أغنية وين عرام الله، والى شعبي في الوطن والشتات أغنية فيروز كانت لنا هناك ضيعة وبستان وقرية جميلة اسمها بيسان واسمحوا لي أن اختم بهذه

 إنني ابثك من حديث والحديث له شجون.

يا رب أفرج عن الأسرى القابعين في غياهب السجون وقل للفجر أن ينادي الكسالى والنائمين. ملء  الجفون هيا إلى  الدرس يا أطفال أيها القادة القادمون امسحوا دمع الثكالى والأرامل. والشيوخ المسنين .

ثقوا برب ناصر ولا تركلوا إلى الظنون ورددوا الله اكبر إننا لمنتصرون.

 

أما السيدة حــــذام العــربــــي فقـد قــالــــت:-

 

بيـــن الجــريــدة والــروايــة

 

 في الفترة الاخيرة  قرأت على الأقل أربع “روايات” بأقلام فلسطينية. موضوعاتها تعاملت مع الهم الفلسطيني والتصقت بواقعة في مناطق الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 .  واذ ذلك، شملت هذه الروايات الكثير من حكايات المعاناة لأبطالها تحت حراب الاحتلال، وثقت لواقع الصمود والمقاومة في الشوارع والسجون، كما للسقوط في براثن العمالة للاحتلال وتعرضت لبعض الهموم والقضايا الاجتماعية.

 

 في هذه الروايات قرأت عن تجارب، الأبعاد، السجن، الأستشهاد  برصاص المحتل، هدم البيوت على رؤوس ساكنيها شيبا شبابا وأطفالا، تجريف مزارع الدواجن، وكل عرق اخضر، هدم المعالم الحضارية ألأثرية، وعن الكثير الكثير من موبقات الاحتلال،  كل هذا ولم يرف لي جفن،  ولم أغالب دمعتي ولو لمرة واحدة- لماذا؟ هل أنا عاجزة؟  عاجزة عن تفعيل قنوات الدمع؟ وقد خلقت هذه القنوات والمآقي لحكمة، أصبحت اعرف عنها ولو القليل من جدتي “مآقي  العيون صوابين القلب”.

 

 بل على العكس، لا ادري لماذا في بعض الأحيان وأنا اقرأ هذه الروايات خاصة في المشاهد المروعة، قفزت إلى ذهني مشاهد لنجوم الكوميديا العربية أمثال دريد لحام وعادل امام،  ورحت أقهقه عاليا،  ومع ذلك لم يخامرني شعور بالذنب  أو الخجل او الشذوذ، وعند ذلك، ساءلت نفسي مرة أخرى لماذا هل أنا عاجزة” ؟ عاجزة  عن التضامن  مع هذه الشخصيات الواردة في هذه الروايات؟ ولكني كثيرا ما أشارك في  المظاهرات والاعتصامات و..  و..  الخ وكل ذلك افعله وعيا وادراكا وتضامنا..  ام أني عاجزة عن التقاط موجات بث هذه المعاناة، تفعيلها على أوتار قلبي وتخزينها في خبايا نفسي حتى تمتلىء المخازن وتهتز الأوتار، وعندها أغالب دمعتي؟ قد يكون ذلك،  ولم لا؟!  ولكني اعرف كما الكثيرون ممن حولي يعرفون عنهم، ان خبايا النفس الإنسانية سهلة الانقياد والتضامن ادراكيا، والتعاطف حسيا ونفسيا مع المآسي عموما، فما بالك بالطاعون والجراد الضاري الذي يضرب  في المناطق المحتلة عام 1967 .

 

 أين المشكلة اذن؟ لماذا نسمي ما تقدمه  لنا فيروز عموما، فنا غنائيا راقيا؟ ولماذا  نشير إلى “أغاني الأيوه آه، والهشك بشك” على انها هابطة، مؤذية للآذن، ومفسدة للذوق الخاص والعام؟ فهذه كما تلك رق وايقاع، عود وناي ! ما الفرق؟!  لماذا تحجرت صورة فارس عودة في ذاكرتي، حجر في يد طفل يواجه الاطنان من الحديد؟ هل يستطيع روائي او  مخرج او فيلم سينمائي أيا كان ان يلون هذه الصورة، ان ينفض عن عيني فارس عشرات من سنين غربة والديه، وربما جديه، التي ذوتها في نفسه؟ لينظر جسورا في عيني انا القارىء للرواية؟ حدثتني ذات يوم طالبة في معهد للفنون انها تنوي تغيير اختصاصها، وكانت في فرع الرقص، قالت: الساقان يتحركان، يهتزان ويضربان على المسرح بلياقة ولباقة ما بعدها لياقة،  ولكن الروح، الروح هي التي ترقصن  وروحي انا…  لا ترقص!.

 

 كما سائر الفنون، الرواية  قالب من الابداع،   قرأت في الروايات المشار إليها أعلاه الكثير الكثير عن هذا يموت ابوه، وتلك تتزوج، هذا يصاب بشظايا قنبلة، يقرع أبواب الموت فلا تفتح له،  وتلك تلملم أشلاء شاب عرفته منذ قريب،  هذا يسجن وذاك يبعد،  هذا يردد قصص لجوئه واغترابه في صقيع المنافي ومخيمات اللجوء، وتلك تندب سقوط حبيب على حاجز جيش الاحتلال، بأسئلة وجودية،  وهذا وصف حقيقي اذ لا تكاد تجد عائلة فلسطينية لم يصل إليها طاعون وجراد الاحتلال.

 

 ما الفرق بين ما اقرأه في هذه الروايات وبين ما اقرأه من تقارير في المجلات والجرائد ترصد بتضامن صادق هذه المآسي،  وتتعرض تارة باقتضاب وطورا بإسهاب لمعاناة الناس.؟  الإنسان الفرد والجماعة تحت الاحتلال؟ ما الفرق بين ما اقرأه في  الصحف من خواطر وجدانية صادقة حميمة تحاكي آلام وآمال الناس وبين ما اقرأه في رواية؟ لماذا نسمي هذه صحيفة أو مجلة، وتلك رواية؟ هذا ديوان شعر وتلك نصوص مسرحية؟ هذا بحث وذاك تقرير؟ وإذا  وكانت التقارير تشير إلى أن 80 %  من أطفال غزة في سلوكياتهم يعانون من ظواهر P.t.S.D فأذن نحن أمام حقيقة ان العادي والطبيعي أصبح  في الهامش،  ماذا نحن فاعلون؟ بماذا وكيف تعالج الرواية الفلسطينية هذا الواقع؟

 

 وأعود لأسأل لماذا تحجرت الدموع في المآقي لقراءة الرواية الفلسطينية المشار إليها أعلاه؟ على الرغم من كل ما احتوته من الفواجع؟ هل هو إنكار للمشاعر؟ ام ان المشاعر أصلا لم تكن في الرواية وتركت القارىء بعيدا منفصما عن المأساة الواردة في سياق الرواية؟  هل هو جهاز الإنكار الرائع (والمرضي أحيانا) الذي يتيح للإنسان التعامل مع الفاجعة، وكأنها لا تخصه ولا تمت له بصلة؟  وذلك ريثما يستطيع التقاط أنفاسه ؟ حتى اذا جاز ذلك للعامة، فكيف يجيز المبدع هذا لنفسه؟ لي كقارئة توقعات من رواية تستنفذ من وقتي وجهدي وطاقتي الكثير،  فما بالك بتوقعات القارىء الفلسطيني من الرواية الفلسطينية؟ لا بل أرى إن من حق الروائيين الفلسطينيين علينا ان نرفع سقف توقعاتنا منهم إلى عنان السماء.  ولن نرضى لهم بأقل من ذلك.

 

 ثم أجول في الرواية الفلسطينية (المشار إليها أعلاه) فاذ بها تطرحني أرضا تدوس توقعاتي، تصم آذانها عن وجع المآقي التي تحجر فيها الدمع،  تقزم المرأة والأم الفلسطينية إلى حد الأهانة،  تسهب في توصيف دورها في العطاء المادي إلى حد الابتذال،  تأمين الطعام والملبس، الهرولة إلى السجن ومكابدة المشاق لزيارة الابن/ة  أو تقوم على سد الاحتياجات وإشباع الرغبات المادية، كتأمين الدراسة لأولادها، تجاهد الدنيا بأسرها لتضمن مصروفات الأسرة…  أو تقارع جنود الاحتلال لانتزاع طفل أو شاب من براثنهم…  أو تقطع الوديان لتسعف المقاتل الجريح…  الخ.  حتى تصورها وكأي أم في مملكة الحياة بما في ذلك القطة والبقرة، التي تهاجم كل من يتعرض لوليدها بالفطرة، ألم يهذب ويشذب الإنسان فطرته وغرائزه؟

 

 أما ذلك الأب “الرجل المسكين” فقد اختزلت دوره إلى ما هو أدنى من العطاء المادي، انه يذبح الخروف فرحا ووفاء لنذر، أو “يذبح” أبنه و/ أو ابنته جهلا وتخلفا وعنفا، أو يدخل السجن راضيا مرضيا، دون أن يرق له قلب أو يرف له جفن ،  اذ ان “السجن للرجال، والبكاء عيب عليهم” هل هذا كل ما نحن؟ لماذا ابتلعت روايتنا العطاء المعنوي النفسي؟ لماذا تقتل الرواية الفلسطينية تلك، مظاهر العطاء الروحي؟ السنا ككل البشر، نساءا ورجالا لنا احتياجات عاطفية روحية ونفسية أيضا؟ لماذا تصمم الرواية المذكورة على فصم عرى النفس عن الجسد الفلسطيني في عملية ميكانيكية ساذجة، باهتة وسخيفة إلى حد الهبوط والإسفاف؟ لماذا تقدم لي ” وليمة من القش” تقمصت في وجوه مطاطية او بلاستيكية عديمة المعالم، ضبابية الملامح، خالية من التعابير؟

 

 هل معالجة الحالة او العطاء المعنوي الروحي النفسي تقع في خانة التابو الذي لا يجوز لنا التعامل معه؟ قيم الحزن، الحب، السعادة، الخير، الأمل، الحياة، الموت، الفراق، الأسى، الحرية ..  الخ تماما كما الانتماء للوطن من مكونات  النسيج النفسي الإنساني للافراد والجماعات،  لماذا اذن نتعامل مع كل قيم العطاء المادي ونطرح جانبا كل وأي مظهر من مظاهر العطاء الآخر؟ هل هذا  تجاوب غير واع مع محاولات طمس معالم إنسانية الفلسطيني؟ أو اضطررنا إليه اضطرارا واعيا مدركا، كي نحافظ على أنفسنا من هول ما نحن فيه؟

 

 قد يكون التماس العذر للعامة في ذلك، أن كان وعيا او لا وعيا، من موجبات المرحلة،  اثناء اجتياز المعارك والعواصف يصب الفرد والجماعة جهدهم في  البقاء،  البقاء بأبسط معانيه،  إلا ان المطلوب من القيادات، النخب، بمن في ذلك الروائيون يتعدى ذلك،  لا بل هم مطالبون وفق توقعاتنا، وما ننشده لهم ولأنفسنا على لسان شخصيات رواياتهم وأبطالها، أن ترتقي على الأقل إلى ما هو موجود على الساحة فعلا،  عندها تصبح روايتنا قطعة موسيقية رائعة أو أنشودة فرح للحياة،  لا أن تقزم الروح المعنوية والعطاء العاطفي، الوجداني والنفسي ثم تحشره في أكياس للقش، او في أوراق مصقولة من القطع المتوسط لتجهز علينا (الرواية) بتسمم دماغي عاطفي وجداني، اثر “وليمة قش روحية”؟

 

 الا يكفينا عبثا ما نحن فيه من عبثية الزمان والحدث؟ ألا يكفينا طاعون الاحتلال وجراده الذي يلتهم عمرنا يوما بعد يوم وساعة  اثر ساعة؟ ألا يكفينا هما وغما تعب الجسد وخواء المعدة؟ اذا احتاج القارىء إلى “ثرثرة وجودية” يذهب إلى الأصل، إلى النصوص الوجودية لهايدجر وبول سارتر وغيرهما،  واذا اراد التبحر في قضايا الأخلاق، المعاناة، الأمل الطريق القويم…  الخ يستطيع ان يراجع النصوص الدينية وصولا إلى بوذا أو كونفوشيوس أن احب ذلك،  وكذلك اذا احتاج قراءات فلسفية يعرف القارىء العادي الوصول إلى الحواريات الافلاطونية، ولماذا عليه الاكتفاء بصدى باهت لهؤلاء؟ “يتحفه” بخطبة عصماء عن الاخلاق الحميدة او بخواطر وجودية ذات توليفة لغوية مطلسمة؟‍‍ هل أصبح القارىء فأر تجارب الكاتب/ة ؟ أو انه مكب نفاياته؟ ثم بعد ذلك يطلع علينا أصحاب الأقلام بتأفف وضيق وشكوى: شعبنا لا يقرأ‍‍‍؟ هذا صحيح، دائما هناك إمكانية تبني تلك  المقولة “النرجسية” لذلك الممثل المسرحي ساعة غضبه اذا لم تلاقي مسرحيته الإقبال الشعبي الذي توقعه “سقط الشعب ونجحت المسرحية”،  رجاء وأمل وتمن على الرواية المتدثرة في برجها العاجي العاقل ا لمتعقل ، المفكر الرزين، الفيلسوف الحانق، ان تتواضع و “تنزل إلى الشعب”، فهناك دفء قد يفاجئها،  مع أني أرى انها بذلك ترتقي ولا تنزل.

 

 كل ذلك اذا قلنا انه لا بد للرواية الفلسطينية من ان تتكىء على أحداث الانتفاضة والمقاومة، ولا بأس في ذلك، فهذه حياتنا وعلينا الالتصاق بها،  ولكن هل تحتاج الرواية الالتصاق بالشيء، سرده تقريريا ثم سرده عينيا إلى ان نحفظه عن ظهر قلب؟ كمن يتمتم صلاة حفظها عن ظهر قلب؟ لا بأس في ان نفعل ذلك ايضا،  ولكن للرواية  كصيغة أبداعية بعض القواعد، الضوابط والحدود، معروفة لكل قارىء او ناقد مبتدىء، اللغة، الشخصيات، الحبكة، المبنى، الإيقاع، التناغم…. الخ.  علما ان الإبداع، كل أبداع يفرض ويتطلب كسرا للقواعد، لكن هل كل كسر للقواعد يقع في خانة الابداع؟‍‌‍‍ حتما؟.

 

إحدى قريباتي تزوجت من رجل أجنبي أبا عن جد، ولسوء حظه، قريبتي هذه تحب كثيرا أكلة شعبية في بلدنا اسمها “رشتاية”،  وعليه تعلمت طهي الرشتاية من امها وفق الاصول،  ومن نكد حظ هذا الرجل عليه ان هذه الأكلة مناسبة جدا، وعادة ما تقدم في بلدنا في الشتاء،  لا أدري اذا كان اسم الأكلة اشتق او نسب إلى الشتاء،  علما ان هذا المسكين وزوجته قريبتي يسكنون في كندا لكم ان تتخيلوا الفرق بين مدة شتائنا  وشتائهم،  واذ كان زوج قريبتي مبدعا، طالما ساومها على ان تحسن من مذاق الرشتاية بأن تضيف اليها مواد غذائية أخرى كالخضراوات او أنواع اللحوم او الاسماك،  لكنها صمدت في وجه كافة المساومات، ويوما ضاقت ذرعا بمساوماته، وهاتفت أمها ممتعضة من الوضع: وشو عملتي بعدين؟ قالت محتدة: قلت له اذا بطبخ الرشتاية مثل ما بدك بتبطل الرشتاية  رشتايه.

 

للأشياء أسماء، وللأسماء والمفردات معاني ومضامين وقواعد وضوابط.  وهذا ينسحب على كل ما نصادفه في حياتنا من غذاء للروح والجسد،  او اشباع للذهن، للأدراك، للحواس والغرائز،  لا ادري لماذا نصمم على تسمية ما نكتبه رواية،  الرواية كما كل شيء كما  الجريدة لها فعل ودور في حياتنا،  واذا كانت روايتنا تشبه كلام الجرائد، مع بعض الإضافات هنا  وهناك، فلا بأس من ان نبدع أو نبتدع صيغة هي بين الجريدة والرواية ولأسمها “جرواية”.

 

وبعدها تحدثت الكاتبة هـــالــــة البكـــــري فقــالــــت:-

 

 حبات السكر للكاتبة “مايا أبو الحيات” أو عنوان فرعي ” الشاعرة والشيخ” أقصوصة صورة وليست رواية، تضاءل فيها شأن الأحداث وحركتها وشخوصها باستثناء شخصية البطلة،  وركزت على بعض الصور التي جسدت بعض الأجواء من البيئة المحلية الفلسطينية اجتماعيا وسياسيا ودينيا وعلى ما يعتمل في قلب وعقل ونفس البطلة من مشاعر، لم استطع أن اربط بين العنوانين اللذين اختارتهما الكاتبة وبين العمل مع إنني أحب الرمز في الأعمال الأدبية.

 

 من خلال العمل تتصارع الأفكار في عقل الكاتبة فتترجمها أفكارا وشخصيات مشتتة وحوادث مبتورة ضمن معاناة ذاتية فلسفية اجتماعية وسياسية، أخلاقية ودينية بالرمز حينا وبالمباشرة حينا آخر، وقد قسمت الكاتبة العمل إلى سبعة أقسام معنونة، إلا أن أحداثها لم تكن مرتبة بشكل فني ومنطقي، وقد شعرت بالتشتت والتيه وأنا أقرأ العمل خاصة في بدايته، وأن مصدر حكايات “مايا” قاصرة  ومبتورة ومستمدة أما من تجارب شخصية، أو من خلال تجارب الآخرين في ما ترى أو تسمع وتقرأ، فهي تصور البطلة من داخلها في ما اختزن في وجدانها من أثار نفسية وتأزم وانفصال عن الواقع، لينفجر وعيها ذكريات وتداعيات واحلام .

 

  مايا تكتب تجربتها الأولى بعفوية وصدق، تتلمس الواقع بأسلوبها الخاص.  لكن لا بد لقاموسها أن يكون أكثر غنى وخصبا كي تستطيع أن تقدم الحياة التي تبدعها بكل ألوانها وأشكالها وحركاتها بشكل افضل.

 

وبعدها تحدثت الروائية ديمــــة السمــــان فقــالــــت:-

 

 سعدت عندما قرأت رواية حبات السكر للكاتبة الناشئة مايا أبو الحيات…  فهي كاتبة متمكنة ومحترفة في توظيف الكلمة بشكل كبير..  مبدعة في الوصف..  وقادرة على إلقاء الضوء على العديد من القضايا التي تحتاج إلى جدل ونقاش بصورة مبدعة..

 

 مايا طرحت العديد من القضايا التي قد لا يجرؤ أن يطرحها أي كاتب حتى لو كان متمكنا..  فرسمت العديد من الاسكتشات التي يربط بينها خيوط دقيقة…  فتتدحرج الكلمة من صورة إلى أخرى لتتوه في بحر من اللوحات المبدعة…  وتعود لتسأل نفسك ماذا تريد الكاتبة؟

 رواية من نوع مختلف..  يتمرد على مفهوم الرواية وقواعدها..  تصل بك إلى نقطة اللاعودة..  وتتركك تتوه عندما تنتقل إلى صورة اخرى..  قد تكون الصورة الآتية أكثر جمالا..  ولكن الكاتبة لا تشبعك..  فتعود لتشعر بالضياع فتتشتت في عالم غير العالم..  لتعود وتسأل..  ماذا تريد الكاتبة؟

 تحاول تلخيص ما قرأت فلا  تنجح..  هي لوحات مبعثرة..  تحاول لملمتها لترسم صورة أكثر عمقا وشمولا.. وتعود تسأل: ماذا تريد الكاتبة؟؟

 تساؤلات كثيرة طرحتها بنجاح..  تثير جدلا اجتماعيا كبيرا..  أشهد أنها مررتها بكفاءة.

 ولكن..  هل تحتاج الرواية إلى مثل هذه الفوازير والأحجيات لكي تمرر الكاتبة رسالتها؟ فتفقد بذلك عنصر التشويق الذي يشكل أهم عنصر يربط القاريء بالرواية؟ أتساءل..  قد يكون لون من ألوان الفلسفة التي يعتمدها بعض الكتاب الذين يطرحون بعض القضايا على شكل مونولوج (حوار مع النفس)..  إلا أنني أعتقد أن الكاتبة بالغت في هذا الموضوع.

 

مايا كاتبة متمكنة ومبدعة في رسم الصورة..  وفي دغدغة المشاعر بواسطة اللعب بالكلمات..  قلمها سهل وطيع في يدها..  خاصة في اللحظة المأزومة..  حيث تترك العنان لأحاسيسها ومشاعرها تنطلق دون تحفظ..  ولهذا أعقتد إن بواسطة فن الشعر والمقطوعات الأدبية الصغيرة سنصل الى  قمة الابداع..  هذا هو العنوان الأصح..  الذي قد يناسبها أكثر من فن الرواية.

 وفي الختام..  استطاعت مايا أبو الحيات أن توظف كلمتها في خدمة نقل الواقع المرير لشعبنا الفلسطيني المعذب في ظل قمع الرجل المقموع..  والذي يفرغ مشاعره من خلال ممارساته الظالمة بحق نصفه الآخر..  بحق ضلع من ضلوعه الذي لا غنى عنه.

 

 كما انها أبدعت في الغوص في النفس البشرية “فقد وصفت الصراع النفسي  الذي لا غنى عنه بعمق وحرفية تستحق الإشارة”.

أتمنى لها التوفيق..  والى الأمام.

 

وبعدها تحدث الاستـــاذ خليــــل سمـــــوم فقـــال:

 

انطباعات عن القصة بشكل عام

 

*قصة واقعية، تروي التجارب المرة لفتاة، مع عائلتها، ومع من أحبت، ومع حواجز الاحتلال، وغيرها…

* القصة برأيي مشوقة، فلقد انجذبت لقراءتها حتى النهاية.

* القصة بأسلوب كتابتها أقرب إلى المذكرات  الشخصية منها إلى القصة العادية، فهي وصف لمشاعرها، ولتجاربها.

* لقد نجحت الكاتبة في إقناعي بتفهم مواقفها، وحساسياتها، والمكنونات العميقة لنفسها.

* بعد انتهائي من قراءة القصة شعرت أنني لم أمض وقتي هباءا في قراءتها، بل بالعكس، فإنني استفدت كثيرا من قراءتها.

* وأخيرا، فإنني أتوقع للمؤلفة مستقبلا جيدا في تأليف القصص والروايات.

 

 

 

وفـــي النهــأيــــة قـــال الكـــاتــب وليــد ســالـــــم

 

 

اسم الرواية “الشاعرة والشيخ” الوارد في صفحتها بعد الغلاف هو أنسب لها من “حبات السكر” الواردة على غلافها،  ويبدو ان “الشاعرة والشيخ” قد كان الاسم الأول للرواية والذي تغير في اللحظة الأخيرة! سأكرر ملاحظاتي الأساسية على قضية التناقضات في كل من شخصية أميمة الشاعرة / الفيلسوفة كما تظهر  الرواية، وشخصية عبد الله الشاب الإسلامي الواقع بين مطرقتي الدين بمفهومه الشائع، وبين الحداثة التي تسمح للمرأة بأن تخرج للحياة العامة وان تحب وتحب.

ما يلفت الانتباه في “اميمة” هو توجهها الشعري والفلسفي، كما انها تطمح أن  تكون روائية تنتج نص الانتفاضة الذي لم ينتج حسب عادل الأسطة كما تقول في “ص62”. نص الانتفاضة  الذي يجعل الإنسان يكون جديرا بألمه حسب مقولة دوستو يفسكي الواردة في البداية0 نص الانتفاضة الذي يعكس نضالات وتضحيات الشهداء ومنهم عامر “الذي أسقطته الانتفاضة من حكايتها برصاصة في الرأس “ص62” .

  ومقابل ذلك فان اميمة الإنسان/ المرأة في مجتمع شرقي تعاني  من تناقضات في سلوكها وشخصيتها0 انظروا  مثلا إلى أنها انتخبت فتح “تحيزا لحلم عامر” ص10 . وأسأل لماذا هذه التبعية؟ أو قولها ص64 في سياق حديثها عن عبد الله  “لم أرتد الحجاب لأجله…  ربما فتحت القرآن الكريم ذلك اليوم لأثبت شيئا ما..  لأقترب منه “ص64 . انظروا إلى هذا التناقض: لم ترتد الحجاب لأجله، ولكنها تسمع القرآن لتقترب منه!

 وما معنى ان يكون حصول ذلك بعد اتهامه لها “بالمبتذلة والرخيصة” في مكالمته الهاتفية معها من السجن؟ تناقض آخر نجده في النص التالي (مرة أخرى عن عبد الله): “لم ارغب يوما وأنا معه بما ترغب به الأنثى مع رجل تحبه.  كان حقيقيا أكثر من اللازم، وكنت بين حقيقتي وحقيقته متناقضة في ما أومن به وما أريده”. ويختلف هذا التناقض عن الأخرى السابقة، فهو تناقض بين الحاجة إلى الحب، وبين الحاجة إلى مثال أعلى فكري أخلاقي  حقيقي مثله نسبيا لها عبدالله..  ويزداد هذا التناقض جلاء مع قولها “كنت متأزمة قبلك، وكنت أعلم ذلك، عرفتك ولم اعرف عني شيئا، غريبة أنا الآن عني وان كنت سعيدة باختلافي ووصولي إلى النور المتقد في داخلي” ص96 .  التناقض هنا هو بين طبيعتها المتمردة على واقعها وبين الانضباط من النوع المتزمت الذي يطلبه منها عبدالله بما يقتل كما تقول “عفويتي التي أرعبت عبدالله..  كان دون أن يدري ربما يحاول قتل روحي الحرة وكنت…  أكاد اختنق”  ص84.

 وبهذا يمكن الاستنتاج أن وهم الحب الذي عاشته  أميمة مع عبدالله قد نبع من تمردها على واقع القمع الذي كانت تجده في بيتها، ولكنها هربت من غياب الحب في البيت إلى وهم  الحب مع عبدالله وهنا توجد مأساة بحجم الفاجعة.

 أما التناقض الآخر فهو لدى عبدالله، وأشكر هنا الكاتبة لتركيزها على شخصية من هذا الطراز مسلمة باقتناع ايديولوجي يقود إلى السجن، ولكنها أيضا إنسان له مثلا شخصية غيورة (غيرة عبدالله من عامر وخشيته اذا ما كانت اميمة لا زالت تفتقد عامر ص36 ) وله أيضا مذكرات حب يكتبها في السجن لأميمة (ص35 – ص51)، ولكنه في المقابل لا يقبل للمرأة سوى ان تكون تابعة له “لن يقبل إلا بكوني جزئية في منطقته” “ص28” وقوله في كتاباته السجينة “عساك تتخلصين من الأقنعة عن الوجوه المحيطة بك وتدركين الحقيقة” “ص48” وقوله “عساك تمسين انت، عساك تصبحين أنا” “ص48 أيضا”.

 ومن تناقضات عبدالله اعترافه بالحب كانسان، ورفضه له من منطلقه الفكري، لهذا اراد انهاء العلاقة معها قبل ان يسجن (ص27)، وفي السجن ايضا كتب تعبيرا عن هذا التناقض “احبك كما لم أحبك من قبل. اكرهك كما لم اكرهك من قبل” ص48 ..  فهذا المزيج من الحب والكره هو اسطع مثال على موقفه المتناقض اتجهاها وبين انسانيته وبين تأدلجه “ثم أضاف” اضاف السجان جدارا آخر وان كان واهيا لما بيننا من جدران” ص.44

 ولم يقبل عبدالله في خضم هذه التناقضات ان يتخلص من نظرته المضادة لحق المرأة بأن تحب، لهذا اتهم أميمة بأنها تركض وراء الرجال وبأنها مبتذلة ورخيصة تسعى لأن يقع الرجال في حبائلها! (ص64).

 بهذا كله نجحت الكاتبة في عكس تناقضات شخصية المرأة الفلسطينية المحاصرة بين القمع وبين تمرد ذو جوانب ايجابية واخرى ردود أفعال، وتناقضات شخصية المسلم الأيديولوجي الفلسطيني بين الأيديولوجيته وانسانيته.  وجاء طلاق الأم والأخت(دلال) والموقف المجتمعي السلبي من زواج الأم مرة أخرى ليعكس الفواجع التي تعاني منها المرأة الفلسطينية.

 في الرواية أحداث مقحمة كان يمكن ان تتم بدونها مثل ما كتبت عن أبو سعيد (ص11) وقصة شاب جنين (ص44) وقصة الأخدود (ص46) ودخول وورد المفاجي (ص63).

 وفي الرواية أيضا نص غائب وكامن، كان افضل لو كتبته عن عامر والانتفاضة .

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات