حين سار د. ايهاب بسيسو على الماء

ح

“حين سار الغريب على الماء” آخر إصدارات الدكتور ايهاب ياسر بسيسو، وقد صدر هذا الديوان في العام 2014 عن دار الشروق للنشر والتوزيع في رام الله وعمّان.

واللوحة الغلاف الأول للفنان حازم حرب تذكرنا منذ البداية بما قاله الرّاحل الكبير محمود درويش:” آه يا جرحي المكابر

وطني ليس حقيبةْ

وأنا لست مسافر

إنني العاشق، والأرض حبيبة” !

و سيجد القارئ للديوان أنّ اللوحة تتناسب مع مضمون الديوان، لكن شاعرنا يضعنا أيضا أمام تساؤلات كبيرة يحملها اسم الدّيوان، فهل هناك انسان يسير على الماء؟ وكيف يكون ذلك؟ والمتابع لمحتويات الديوان سيجده من خمسة فصول كلها تتحدث عن الغربة، وواضح أن الشاعر قد استوحى قصائده من غربته أثناء دراسته الجامعيّة في بريطانيا، مع التأكيد أن غربة الفلسطيني وبعده أو ابتعاده عن وطنه تختلف عن غربة أيّ انسان آخر، فالآخرون قد يختارون غربتهم بارادتهم في بحثهم عن حياة أفضل، أو في بحثهم عن مكان قد يجدون فيه تحقيق سعادتهم، فإن وجدوها أو لم يجدوها فإنهم يستطيعون العودة إلى أوطانهم الأصلية متى شاؤوا، على عكس الفلسطينيّ الذي أجبر على الغربة والاغتراب عن وطنه التاريخيّ، بسبب الهجمة الكولونيالية التي تستهدف أرضه، تماما مثلما تهدف إلى اقتلاعه من وطنه لإحلال غرباء مكانه. وحتى الفلسطيني المقيم على تراب وطنه التاريخيّ، إذا ما اضطر إلى مغادرة وطنه مؤقتا لسبب ما كالتعليم أو العمل أو غيرها، فإنه يبقى قلقا لأنّه يخضع لشروط غير انسانيّة ولا مثيل لها في العالم، قد تحرمه من العودة إلى أحضان أسرته ووطنه. إضافة إلى قلقه المستمر على ما يجري في وطنه أثناء غيابه.

وشاعرنا عاش الغربة مرّتين، مرة كانسان انتقل من مسقط رأسه في غزّة الى بريطانيا للدراسة، ومرّة أخرى كفلسطينيّ وطنه يتعرّض للذبح اليوميّ، لذا فإن معاناته وآلامه مزدوجة، ومن هنا جاءت لغته الشعرية النازفة والمثيرة للتساؤلات، لتعبّر عن صحراء التيه التي تهدّد بابتلاع الانسان الفلسطيني. وتزداد حيرة القارئ من خلال الكلمات المنتقاة لشاعرنا، والذي أجاد فيها العزف على جماليات اللغة، لتكون من السّهل الممتنع، والذي يثير تساؤلات فكرية وفلسفية لا مفرّ لقارئها من أن يتمعنّها ويستمتع بها. أو تجبره لقراءتها مرّات أخرى للبحث عن لآلئها المكنونة.

وإذا كان من المستحيل حصر الابداع في قوالب معينة، فإن القارئ لديوان الشاعر إيهاب بسيسو سيتوقف أمام قصائد لا يمكن أن ينتبه لمضامينها غير مبدع ذي عين ثاقبة، ولنأخذ على سبيل المثال قصيدة”أشتاق اسمي” ص 18 فعدا عن الأسئلة المعتادة في بلاد الغربة مثل:

“من أين أنت؟

كيف جئت؟

هل تحفظ الشّعر؟

هل تخبئ في معطفك بخورا

وشمعا وأحاديث مطر؟”ص 21

إلّا أ نّ الشاعر ينتبه إلى أن الغربة تضعه في حالة اغتراب مع اسمه، لأن العجم الذين يختلط بهم لا يحسنون لفظ اسمه:

“إياب…أياب…أهاب…

إيقاع لا يشبهني” ص24

وبما أنّ لفظ اسمه بهذه الطريقة مختلف ولا يشبهه، فإن تكراره بهذه الطريقة المغلوطة والمقلقة، يترك أثره عليه فيقول:

“أصاب بالدّوار

كلّما انكسر اسمي على شفتيها

وجلست أرمّم حروف اسمي المبعثرة

من الهواء بيننا.”ص27

ومع ذلك فقد يكون له موقف آخر من الخطأ بلفظ اسمه:

“أبتسم لأسمائي المشتقّة منّي

لهذا الإيقاع” ص28

وهو يخشى من أن يعتاد على سماع اسمه محرّفا فيقول:

“عندما تخطئ لفظ اسمي مرّة أخرى

وأبقى وحيدا في صداي

كي لا أعتادني باسم جديد

مشتقّ من اسمي”ص29

إن قراءة سريعة للديوان لا تغني عن قراءته والتمتع بجمالاته، خصوصا وأنّه يشكل تموذجا لقصيدة النثر بما لها وبما عليها.

24-5-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات