مشروعنا الثقافي- الثقافة الديموقراطية

م

في لقاء دولة رئيس الوزراء د.سلام فياض يوم 29-6-2010 مع عشرات المثقفين للاستماع  للطروحات حول المشروع الثقافي الذي نريد، طرح قضية الثقافة الديموقراطية،  فهل هناك ثقافة ديموقراطية وثقافة ديكتاتورية؟ أم أن المقصود هو ضمان حرية الرأي والكتابة والنشر للمثقفين دون حسيب أو رقيب؟ فالديموقراطية تربية وسلوك وليس صندوق انتخابات فقط ، وعند الحديث عن الديموقراطية والديكتاتورية يتبادر الى الذهن ممارسات النظام والحكومة، كونهم السلطة التنفيذية، لكنهم قلة من ينتبهون الى ممارسات المثقفين بهذا الخصوص، فعلى سبيل المثال: هل كانت انتخابات الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الأخيرة حرة ونزيهة، من حيث الترتيب والاعداد والتوقيت، وتوجيه الدعوات لأعضاء الاتحاد، أم أنها كانت كولسات ومؤامرات فغضب من غضب ورضي من رضي واستقال من استقال، وغير ذلك؟ وهل النقابات تمارس اديموقراطية في ترتيب أمورها وانتخاب هيئاتها الادارية دون تدخل  متنفذين في تنظيمات لتغليب فئة متجانسة-وقد يكون التجانس على باطل- على فئة أخرى، أعرف شخصا  متعلما وذكيا وظيفته النصب والاحتيال والسرقة بشكل يومي ومستمر لسنوات، ولا يمارس أي عمل في مجال تخصصه العلمي، وهو عضو في أكثر من مؤسسة خيرية أو اجتماعية، وعضو منتخب في الهيئة الادارية لنقابته، مع انه سبق وسرقها واحتال عليها  وعلى غيرها بشهادة الشهود والوثائق التي تدينه، ومع انه معروف للقاصي والداني الا أنه يجد دعما من اتجاه سياسي مع انه مشكوك الى درجة اليقين بصدق انتمائه، ولم يعترض أحد على ترشيحه، ولم تجر محاسبته رغم الشكاوي المقدمة ضده، فهل هذه تندرج ضمن ديموقراطية”المتعلمين”؟.

 ويبقى السؤال حول مدى ممارسة المثقفين قولا وفعلا للديموقراطية، وحول دورهم التوعوي في التربية الديموقراطية، فالنظام الأساسي- الدستور- يضمن الحريات الديموقراطية، يضمن حرية الرأي وحرية التعددية الفكرية وحرية المعتقد، وحرية الرأي والنشر واستقلالية الصحافة، ويضمن حقوق المرأة والطفل…الخ، لكن أين دور المثقفين؟

  ننتقد وبحدة الترهل وممارسة البعض للفساد في مؤسسات السلطة، وهذا حق في سبيل الوصول للأفضل، لكن المؤسسات الثقافية أيضا تعاني من الترهل وعدم الانضباط وممارسة الفساد، حتى بات عندنا ما يشبه”المافيا الثقافية” ولا تجد من يحاسبها، أو يحاسب القائمين عليها، فمثلا عملية نشر الكتب تتم بناء على المحسوبيات والعلاقات الشخصية أو التنظيمية، وليس بناء على صلاحية المادة المنشورة، ومن لا يملك هذه “المقومات”عليه ان ينشر على حسابه الخاص، أو أن يبقى نتاجه حبيس الأدراج، وهذا لا يقتصر على المؤسسات المدنية فقط بل يتعداها الى المؤسسات الرسمية كوزارة الثقافة، أعرف كتابا طبعوا كتبا لهم على نفقتهم الخاصة، وتقدموا بطلبات لوزارة الثقافة كي تشتري منهم مائتي نسخة كمساهمة في تغطية التكلفة، ولم يتلقوا اجابة على طلبهم، وواحد منهم تلقى اجابة شفوية من موظف كبير بالايجاب بعد موافقة رأس الوزارة، وبعد ايام تم التراجع عن الموافقة لأن اللجنة المختصة رفضت ذلك بحجة وجود أولويات، وعدم وجود أموال، فهل اللجنة المذكورة مؤهلة للقيام بتحديد الأولويات؟ وهل حقا لا توجد أموال، خصوصا وأنه تم بعد ذلك طباعة وشراء كتب لأشخاص معينين؟

 وبعض مؤسسات المجتمع المدني الثقافية ان لم نقل جميعها تتلقى تمويلا من جهات اجنبية ضمن شروط الجهة المانحة التي تتعارض والمصالح العليا للشعب والقضية، فهل يندرج هذا ضمن الممارسة الديموقراطية للمثقفين؟ وما هو موقف المؤسسة الرسمية من ذلك؟

 وبعض المؤسسات الصحفية تمارس سياسة قمع الحريات الفكرية من خلال رقابة ذاتية، لا علاقة للمؤسسة الرسمية بها، فتمنع النشر لبعض الكتاب واصحاب الرأي إما لعدم التوافق السياسي، أو لمزاجية المحرر الصحفي بناء على العلاقات الشخصية، حتى أن أحد الصحفيين لا يزال يفاخر بأنه كان يمنع نشر بعض الرسومات الكاريكاتورية للشهيد ناجي العلي، فهل المثقفون في غالبيتهم غير مقتنعين بالممارسة الديموقراطية، أم أنهم يجهلونها؟ والا فما هو تفسير أن بعض المثقفين يقومون بدور تحريضي -سواء كان بقصد أو دون قصد- في تغذية الخلاف والانشقاق على الساحة الفلسطينية، كما أن بعض المثقفين يكتبون متهمين من لا يوافقهم الرأي بالخيانة والكفر، صحيح أننا لا نزال في مرحلة تحرر وطني، فوطننا لا يزال يرزخ تحت احتلال بغيض أهلك البشر والشجر والحجر، لكن هذا لايمنع من اقامة البنى التحتية للدولة العتيدة، وهذا ما نوه له د. سلام فياض في نهاية اللقاء آنف الذكر، وعلى المثقفين أن يساهموا قولا وفعلا وبنزاهة ومصداقية في ترسيخ القيم الديموقراطية النابعة من تراثنا القومي والديني، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال بما يخدم المصالح العليا لشعبنا وقضيتنا.

2-7-2010

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات