مجانين في زمن عاقل في اليوم السابع

م
القدس: 30-1-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”مجانين في زمن عاقل” للكاتبة مرمر القاسم، والتي صدرت عن منشورات فضاءات للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان أواخر العام 2013 ، وتقع الرواية التي صمّم غلافها نضال جمهور في 154 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:
في هذه الرواية تبني الكاتبة (مرمر القاسم) عالما متوازيا بدءا من عنوان روايتها الذي أشار إلى هذا التوازي؛ الجنون في موازاة العقل، والمجانين في مقابل العقلاء، والوطن كما تراه بعين فؤادها مقابل الوطن المجزّأ المحكوم بالجدر الاسمنتية والنفسية والثقافية.
ورغم ما في العنوان من غرابة التوصيف التي جاءت مقلوبة على طريقة (التشبيه المقلوب) فإن شخصيات الرواية عاقلة في (جنونها) الذي أضحى جنونا مطلوبا لأنه يعشق الوطن والأرض والناس والحياة.
التشبيه المقلوب يغاير السائد المألوف “نحن نشبّه الطفل بالوردة، ووجهه بالقمر، لكننا نقلب التشبيه حين نشبّه الوردة بالطفل، والقمر بوجهه”.
الجنون قائم في الزمن وفي الإصرار على ممارسة عشق الوطن والإنسان، والتعقل كائن في شخصيات الرواية. لكن أيّ عقل هذا الذي يقود عاشقا من (ضفّة) ليواصل عشقه معشوقته الكائنة في (ضفّة) أخرى مجاورة!
بلغتها الساخرة الجريئة استعرضت (مرمر القاسم) جنون التسميات لوطن واحد بات مجنونا في تقسيمه. الوطن الواحد صار ضفافا وثقافات…وهي تنتصر للإنسان الذي تعكس مسلكياته ثقافته وهو يمثل ناس “ضفّته”.
جاءت لغة الكاتبة من ذاك النوع المعتمد على التشبيه والاستعارات ومحاولة إيجاد (لغة) تعبير قادرة على حمل الفكرة الجديدة.
“محمد” و (ليالي) شخصيتان مركزيتان قام على العلاقة بينهما العمل الروائي، ويضاف إليهما (الجدّة) الحاضرة بروحها وحكمتها لا بشخصها، و (الوطن) دائم الحضور والاستحضار إذ لم يغب لحظة عن الحركة والعلاقة بين (محمد وليالي) اللذين صارا وكأنهما في (وطنين) بينهما جدار من اسمنت، ومن إدراك، وثقافة.
والكاتبة تقدّم في (مجانين) رؤية ورؤيا؛ ترى الوطن واحدا مكتملا، وتنتقد التقسيم الخارجي المفروض بقوة الاحتلال، وذاك التقسيم القابل لما يريده الاحتلال في الثقافة، لتخلص في النهاية إلى أن جدار الفصل القائم مجرد وهم يصنعه المنسجمون معه، المستسلمون لذيوله فيكون مجرد ” مسافة إدراك.”
في لغة الكاتبة بحث عن لغة جديدة قادرة على التعبير عن (جنون) المرحلة والجغرافيا. تقول في صفحة 34 : ” بعض الشوق لا دواء له… كلمات الحب الركيكة المعتادة العادية الباهتة لا تفضّ اشتباك الشوق والحنين بين الضلوع، مما ألزم اللسان أن يختلق لغة أخرى أكثر عمقا وأكبر وسعا، أعنف شراسة…”
وقد سعت الكاتبة للوفاء بهذا (الإلزام) الذي أشارت إليه، فكانت لغتها جارحة بلا مواربة، ولا مجاملة. لم تراع ولم تخجل ولم تضعف، فحين كان يجب المواجهة واجهت، وحين لزم القول قالت؛ أشارت إلى سلبيات، ولم تنس الإيجابيات. وبقي الوطن مجالا واسعا للتحديد والتعريف والعشق والفهم.
فما الوطن عند الكاتبة في (مجانين في زمن عاقل)؟
إنه الوطن الحزين المنسي المهمل المضيّع، يشبه رؤوس أصابع بائع العربة في سوق الخضار، تلك المهترئة بألم وتشويه. أيوجد أقسى من هذا التوصيف؟ وهي تشبّه عينيّ الشاب (محمد) ابن السابعة والعشرين بالوطن؛ ” …قمحي البشرة، ملامحه حادة ناعمة ورمشه طويل، عينان واسعتان مثل وطن…” صفحة 45.
لماذا يحضر الوطن في تشبيهات الكاتبة؟ يحضر عينا، ويحضر أصابع مهترئة!!ويحضر غريبا قلقا خائبا غير مكتمل الصورة والملامح ؛ ” تقول :” في آخر الليل يكتمل الوجع لا فواصل بين أنّاتهما إلا في الأسى المكدس، وهو يومض كل خيبة واعدة في أفق صباح النفير وأحاجي الليل المرير، وهما يتشكّلان التفاتة حلم يسمّى زورا –وطن-” صفحة 52 .
الوطن ضفاف ؛ ضفّة 1967، وضفة 1948… ” صرنا أربعة شعوب نعيش فوارق وحواجز كثيرة كبيرة الأحجام …” (صفحة 66).”…ثمة أمور عديدة خلقت هذه الفروق وجعلت شروخا عظيمة بين الضفاف…صفحة 72. والوطن صار”… (ثلاجة مشروبات غازية) لكثرة ألوان الشعارات والمخلوقات الغريبة المعلّبة المحفوظة فيه.”صفحة 84.
والجدار الوحيد بين الناس في الوطن المجزّأ هو ” مسافة إدراك” كما جاء في الجملة الأخيرة من الرواية صفحة154. اعتمدت الكاتبة في لغتها على (تشخيص المشاعر) لتقريبها من ذهن القارئ والتعبير عن قوتها، فالقلق “كائن يملك قدرة الولوج من كل نافذة” صفحة 40.
واعتمدت الكاتبة أسلوب (تداخل الرواة) كما يبرز في (ص 47) فالرواة تتداخل أدوارهم ومداخلاتهم وإسهامهم في حركة الرواية وفي رسم معالمها ومسيرتها. أحيانا يجد القارئ أن الراوية نفسها هي التي تروي ، ثم ينتقل الروي إلى شخصية أخرى…تتداخل (أنا) الراوي هنا وكأن الكاتبة تود الإشارة إلى تداخل الحياة والهموم ووحدة الواقع رغم اختلاف الشخصيات والمواقع.
قدّمت الكاتبة (مرمر القاسم) روايتها على شكل لوحات ونبضات، وأحيانا لجأت إلى المقالة المتسائلة عن شخصيات تاريخية لما تفتقده من وضوح في ضباب الواقع، كما جاء في تساؤلها عن (أبي جهاد، وغسان كنفاني) مثلا في صفحة83.وفي الصفحة الأولى من الرواية التي تستعرض واقع الحب في فلسطين.
رواية مرمر القاسم هنا تفتح المجال لمواصلة الأسئلة للوقوف على ما من شأنه إعادة التثقيف والتوحيد والجبر. إنها رواية فكرة الوطن الواحد.
وقال جميل السلحوت:
عنوان الرواية: الرواية لافتة ومثيرة للتساؤلات من عنوانها، فهل هناك زمن عاقل وآخر مجنون؟ والقارئ للرواية سيجد أن العنوان ساخر وغاضب أيضا، وهو يحمل في ثناياه ضدّه، وتجيب الرواية على ذلك :
” ومتى كانت الوطنيّة جرما؟ وهذا انعكاس للواقع العاهر الذي تحول فيه الجلاد الى ضحية، والضحية الى جلاد.
-في الزمن العاقل تعد جرما قبيحا”ص145.
مضمون الرواية ولغتها: طرقت الكاتبة في روايتها هذه أبواب عهر المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، طرقتها بجرأة متناهية، وبلغة مجنونة، وبفلسفة عميقة تدعو الى التفكير والتأمل ومراجعة الذات، حلقت في فضاء اللغة، وغاصت في بحرها، محطمة قيودا وهمية تغاضى عنها كثيرون، وتهيّب كثيرون أيضا من الخوض في غمارها، فطرحت قضايا قد تكون بكرا على الرواية الفلسطينية، رسمت لنا لوحات وجدانية مريرة، كل واحدة منها تحمل في طياتها حكاية وقضية، وربطتها بخيط شفاف لتقدم لنا المأساة التي نعيشها كأفراد، وكشعب جار عليه الزّمان، وحكم عليه بالتشتت، وحبكت روايتها من خلال حبيبين هما ليالي من حيفا، ومحمد من جنين. وجنين وحيفا انقطعتا عن التواصل منذ نكبة الشعب الفلسطيني الأولى في أيار 1948، وعادتا الى التواصل على غير ما تبغيان بعد حرب حزيران 1967، لتعودا الى ما يشبه القطيعة بعد الانتفاضة الثانية في العام 2000، عندما اقتحم اريئيل شارون المسجد الأقصى، وما تبعها من بناء جدار التوسع الاحتلالي.
وعودة التواصل بين جنين وحيفا لم تكن سهلة بعد هذه القطيعة، مع التأكيد الى أن جنين ترمز الى الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967، بينما ترمز حيفا الى المناطق التي قامت عليها اسرائيل في ايار 1948، وقد أورثت هذه القطيعة بين ابناء الشعب الواحد مشاكل كثيرة، ففلسطينيو المناطق المحتلة في حزيران 1967 اعتبروا ابناء شعبهم الذين عضوا على تراب وطنهم بالنواجذ، وبقوا في ديارهم وأرضهم، اعتبروهم اسرائيليين،  في حين اعتبر فلسطينيو الداخل أشقاءهم في الأراضي المحتلة”ارهابيين” يجلبون لهم المشاكل فوق المشاكل التي يعيشونها،” ضفاوي تزوج فتاة من عرب اسرائيل.
عنوان مثير للغيظ اضافة الى نظرة أبناء الضفة لنا ونظرتنا اليهم، فهم يرون فينا الاسرائيليين، ونحن نرى فيهم الارهابيين.”ص55.
وقد غذّى المحتلون هذه الفكرة، خصوصا وجود عرب فلسطينيين من الدّاخل في الجيش وحرس الحدود الاسرائيلي، سواء كانوا ممّن يفرض عليهم التجنيد الاجباري، كأبناء احدى الطوائف العربية، أو باختيارهم كما يحصل مع آخرين، وقد عملت اسرائيل على بثّ الفرقة بين الفلسطينيّين من خلال تقسيمهم الى شِيَعٍ وطوائف” دروز، مسيحيون، بدو، ومسلمون”وكأن الدروز والمسيحيين ليسوا عربا، مثلما هو اعتبار البدو وكأنهم غير مسلمين. وكذلك الحال بالنسبة لفلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967 الذين كان البعض منهم، وفي سعيه وراء رغيف الخبز المرّ يتزوج من فلسطينيات من الداخل، ليحصل على بطاقة الهوية الاسرائيلية، ليتمكن من العمل داخل اسرائيل، وعندما يحصل عليها يطلق زوجته غير سائل عمّا أنجبا من أبناء.
أما قصة الحبّ بين ليالي ومحمد، فلم يكن الاحتلال وحواجزه العسكرية، واجتياحاته القاتلة للمناطق الفلسطينية هي السبب الوحيد في عدم اكتمال قصة حبّهما، فهناك أيضا الحواجز الاجتماعية، التي تخاف من علاقة الذكر بالأنثى، وتربية الجنسين عليها منذ الطفولة، واخافة كل جنس من نصفه الآخر.
وقد خاضت الرواية في جزئيات لا غنى عنها لتبيان ذلك.
الأسلوب: أسلوب الرواية فيه تشويق واضح لمتابعتها، وذلك رغم أن الرواية تثير تساؤلات وتطرح فلسفة حياتية تدعو الى التفكر والتفكير. وقد كان للأسلوب الساخر أيضا دور في ايصال الرسالة التي تحملها الرواية.
وقال عبدالله دعيس:
مجانين هم أولئك الذين نشروا أشرعتهم، وأبحروا في أنهار وهمية رسمها الاحتلال في أحشاء وطن مكلوم، وجعل لها ضفافا من أرقام، فوقفوا على هذه الأرقام يرقبون ريحا لن تهب.
ولعل إميل حبيبي كان قد رسم هذا النهر الخرافي في سداسية الأيام الستة، ورصد التفاعل على ضفافه، وقد اجتمعت العائلات، في أقاصيص حبيبي، مرغمة بعد هزيمة لا بعد نصر كما كانت ترجو. وجاءت مرمر القاسم لتؤكد لنا أن هذه الأنهار لم تمح بعد مرور أكثر من أربعين عاما، بل تعمقت وزادت الضفاف لتزيد فرقة هذا الشعب، فرقة يصنعها بيديه.
الرواية ملحمة عشق ممنوع محكوم عليه بالفشل. حب مفصول بحواجز فرضها الاحتلال عندما شتت الشعب الفلسطيني، وقطّع أوصال فلسطين، وجذّرها أبناء الشعب الفلسطيني حينما احترفوا النزاع والفرقة والتمييز.
في هذه الرواية تبرز الكاتبة صراع الهوية في المجتمع الفلسطيني، بين الفلسطيني الذي ينظر إليه أخوه الفلسطيني على أنه “إسرائيلي” رغم وطنيته وحبه العميق لفلسطين، والفلسطيني الذي ينظر إليه أخوه على أنه إرهابي انتهازي، يحترف الخداع والغش، عشقه مزيّف وزواجه لمصلحة.
لغة الكاتبة التهكمية تخلق جوا يوهم القارئ أنه وصل إلى حد الجنون، عندما يضطر إلى الاعتراف بتلك الحواجز التي يحاول جاهدا أن لا يعترف بوجودها. فهي نقد لاذع للتفرقة بين أطياف الشعب الفلسطيني، فكل يعيش في ضفته متعاليا على الآخر، رغم أن الجميع في نظر العدو واحد. فأنفاسهم واحدة وأخطارهم واحدة ومصيبتهم واحدة ومصيرهم واحد.
ليالي ابنة حيفا تبادل محمدا ابن جنين العشق، وتمر علاقتهما بين مدّ وجزر تتذبذب مع اجراءات الاحتلال بالتضييق على الضفة الغربية، خاصة أثناء انتفاضة الأقصى والتنفيس أحيانا بالسماح لسكان الداخل الفلسطيني بالمرور أيام السبت. لكن العلاقة تبقى، حتى في أكثر الاوقات صعوبة عندما يضطر العاشقان للقاء في أماكنَ غاية في الخطورة، في جبال الجلبوع.
لكن هذه الحدود ليست هي التي تحكم على هذا الحب بالفشل، وإنما الحدود المصطنعة التي رسمها الشعب الفلسطيني بينه وبين نفسه. فعائلة ليالي ترفض بشدة ارتباطها بشاب من الضفة وتحاول أن تمحو هذا الحب وتئده.
تعزف الكاتبة على أوتار التناقضات الموجودة في المجتمع الفلسطيني، فتصور الفلسطيني على أنه إنسان مختلف معقد يحتفي بالحزن، ويمجّد السقم، ويقتل أخاه بالسلاح الذي أعده لقتل الأعداء، ويتصف برداءة الأخلاق. وتبدو الكاتبة يائسة من الأوضاع السياسية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني. ونظرتها إلى نضال الشعب الفلسطيني نظرة قاتمة تساوي فيها بين المتهالك الخائن وبين المقاوم الشريف. إن هذا الشعب بالرغم من كل الويلات التي حلت به وبالرغم من الأحزان التي أوقعها عليه عدوه أو صنعها لنفسه لهو شعب عظيم يستحق الاحترام. ومقاومته تستحق أن تمجّد.
تراوح الكاتبة بين الراوي الذي يسرد بضمير الغائب وبين الراوي الذاتي الذي يسرد بضمير المتكلم، فيكون السرد مزيجا من راوٍ موضوعي يرى الأحداث من خارجها، وراوٍ شريك في هذه الأحداث. تقوم الكاتبة بالالتفات بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب، حتى تختلط على القارئ شخصية بطلة القصة ليالي التي تعاني آلام فراق الحبيب في الضفة الأخرى، وشخصية سحر الغامضة التي تظهر في كل مكان، لتروي القصة وتشارك في الحوار. وهذه الشخصية تسبب الإرباك للقارئ الذي لا يعد قادرا على التفريق بين خطاب ليالي وخطاب سحر، وكأن ليالي وسحر هما شخصية واحدة، أو أن سحر هي الوجه الآخر ليالي. ثم يتذكر القارئ أن هذه الشخصيات ما هي إلا مجانين في هذا الزمن العاقل,
تعمد الكاتبة إلى استخدام لغة شعرية مستعينة بالمجاز والتشبيه بشكل كبير، فتخلط الحاضر بالماضي والحلم باليقظة واليأس بالأمل فتثير الحيرة لدى القارئ، ولكنها وبالرغم من هذه اللغة الموغلة في التعقيد تستطيع إيصال إيحاءاتها ومضامينها إلى المتلقي. ويتساءل القارئ عندما يزحف إلى نهاية الرواية: هل نحن فعلا مجانين في زمن عاقل أم عقلاء في زمن مجنون؟
أمّا نزهة أبو غوش فقد قالت:
حملت رواية  الكاتبة مرمر القاسم قضيّة أرهقت الفلسطيني، وما زالت ترهقه في كلّ زمان مكان.  كون الفلسطيني إِنسانًا محتلّا، فهذا يخلق له كلّ يوم قضيّة جديدة تتناسب ووضع المحتلّ – اسم المفعول- الأمني والسّياسي. والنّظرة الخارجيّة للدّول: الدّاعمة، والمعارضة، والمؤيّدة، والمعادية و… في روايتها بيّنت مرمر القاسم بعضًا من هذه القضايا وربّما أغلبها، وذلك من خلال اتّخاذ الخط القصصي الرّوائي، قصّة حبّ بين امرأة من فلسطينيي عرب داخل الخط الأخضر السّياسي، عام 1948 وشاب من فلسطينيي عرب الخط الأحمر السّياسي عام1967. من تلك القضايا الّتي نقدتها الكاتبة بصدق، وجرأة وقهر وألم: بذور الفتنة في الضّفة الغربيّة،- غربي نهر الأردن – وبذور الانقسام، وضعف القادة والتّنازلات الدّائمة، قضيّة الجدار وتهريب البضائع، اغلاق الشّوارع ساعات طويلة، العذاب على الحواجز ومشكلة التّصاريح، اجتياح جنين، قرار العودة……..الخ. أمّا بالنسب للقاطنين داخل 1948 فكانت قضيّة التّجنيد الاجباري عند الدّروز، وغيرالاجباري عند البدو والأقليّة القليلة من العرب… بالنسبة لقضيّة زواج الفتاة من رجل قاطن في حدود1967. فهي فعلًا قضيّة شائكة ومعقّدة، حيث أنّ أهل الفتاة يخافون على ابنتهم من الحصار وعدم القدرة على زيارة الأهل بسبب الحدود السّياسيّة الّتي وضعها المحتلّ، كذلك يتخوّفون من أنّ  هدف زّواج العريس هو الهويّة الّتي تمتلكها العروس؛ كي يسهل عليه الأمر دخول حدود اللخط الأخضر حيث يتوفر له العمل؛ وهناك بعض الحالات الّتي ترك بها الازواج زوجاتهم بعد أن حصلوا على الهويّة كما ذكرت الكاتبة في روايتها.
فاجأني  رأي الكاتبة مرمر القاسم بأنّ الرّجل الفلسطيني (الضفّاوي) كما ذكرت حسب ما يراه العرب الفلسطينيون المحتلون عام 1948 – وهي، أيّ الكاتبة – منهم، بأنّه شخص مجرم وارهابيّ. قالت في ص 9″ كان ملاكها في حين يرى المجتمع في الضّفاوي شخصًا مجرمًا خارجًا عن أنظمة القبيلة. بصفتي امرأة فلسطينية تشبه جعرافيّتي  جغرافيّة الكاتبة، ويرسخ في ذهني تمامًا من نحن ومن هم – الضفّاويون- أُنكر تمامًا هذا الرأي الخاطىء، لم نفكّر – نحن الفلسطينيين-  أبدًا بأنّ الرّجل الّذي  يقاوم المحتلّ، ويفدي روحه مقابل الحريّة والاستقلال بأنّه – ارهابي- إِنّ هذه الكلمة يقولها المحتلّ فقط. أمّا بالنسبة للطرف الآخر فهم يعرفون تمامًا بأنّنا مثلهم تمامًا فلسطينيّون، لكنّا محتلّون قبلهم ، وربّما من النّاحية الاقتصاديّة أكثر حظًّا بسبب الظروف. كذلك ذكرت الكاتبة ص 143، ” مسيحي ولكنّه أكثر وطنيّة منّي” أرى بأنه لا داعي لذكر ذلك لأنّ المسيحي هو أيضًا عربي.
بالنسبة للنهاية وهو تلخيص الكاتبة عن  الفرق في الحبّ عند الانسان الغربي والإنسان الفلسطيني، أرى بأنّ القارىء سوف يستنتج ذلك ولا داعي  لذكر الملخّص.” ان النطق بمفردة ( أحبك) تعني لدى الأوروبيين بداية مسيرة الحياة مع الطرف الآخر والمسؤوليّة، بينما ىتعني للعرب بداية الجولة الانتهازيّة” ص154.
اللغة لدى الكاتبة لعة شاعريّة مكثّفة، فيها نبرة الغضبّ والتّحدّي، قويّة ومتمكّنة رغم الأخطاء المطبعيّة الكثيرة. في اللغة بعض الفلسفة والحكمة استخدمتها الكاتبة لتضيف على النصوص بعدًا أدبيًّا جديدًا، كما أنّها أكثرت من التّشبيهات والاستعارات والكنايات والمحسّنات البلاغيّة مثل الجّناس والطباق.
ذكرت صفحة137″ تعال وأقم تحت جلدي، خذ نفسًا من أعماقي وارسل الدّفء إِلى أوردتي”
” صرنا نشبه شرائح الصّفيح لنا ضجيج حتى في لحظات السّكون.”
” تتراءى لنا المدينة وإِرثنا المشروع يتراقص في نشوة فواصل يدهش المقامرين.
وقالت سوسن عابدين الحشيم:
تدور احداث الرواية على قصة فتاة من عرب الداخل في فلسطين مع شاب من جنين، والتي أطلق عليهما فيما بعد من قبل مسميات إسرائيلية عرب اسرائيل والضفة ، لقد أوضحت الكاتبة  في روايتها مدى نجاح الاحتلال في تقسيم البلد الى جزئين بجدار الفصل اللتوسعي، كما تحدثت عن مدى المعاناة التي يشهدها أهل الضفة المحتلة في الوصول الى الأراضي ذات السيادة الإسرائيلية، عبر سلسلة من الأحداث واللقاءات التي جرت بين الحبيبين ليالي والتي تمثل الداخل الفلسطيني، وبين محمد ممثل أبناء الضفة، وتبين الكاتبة مدى الخطورة التي يتعرض لها أهل الضفة في الوصول الى الجهة الاخرى، والقهر اللاحق بأبناء الضفة بسبب ظلم وبشاعة الإجراءات والقوانين التعسفية الإسرائيلية، ومنعهم من حرية التنقل في بلدهم، وما نشأ عن ذلك الشعور ببعض الكراهية لإخوتهم الفلسطينين الذي يقطنون داخل الجدار، فقد ذكرت الكاتبة كيفية معاملة التجار لهم كأنهم سياح في بلد أجنبي، ويجب استغلالهم من هذا المنطلق، فهم يعيشون حياة “رغيدة في اسرائيل، وما تمنحهم إيّاه الحكومة من امتيازات خاصة. كما اصبح العكس بالنسبة لإخوانهم في الداخل، فكانت العائلات تمنع بناتها من تزويجها لأبناء الضفة، لكونهم يتزوجونهن لأغراض ومصالح شخصية، وهي الحصول على الإقامة في مناطق الخط الأخضر .عرضت الكاتبة نضال الشعب من أجل نيل الحرية وإزالة الحواجز التي تفصلهم عن أسرهم في داخل الجدار، كما هي قصة الشاب كمال وانتظاره الطويل مع أولاده لزوجته التي منعت من دخول الضفة لأسباب أمنية، حرصاً على حياتها لأنها تعد مواطنة إسرائيلية… كما أن الكاتبة تعرض القضية الفلسطينية بأسلوب فلسفي ساخر كما في ص 29،62 واستمر قادتهم في خلق فرص باستمرار في التمادي بنحر المواطن الفلسطيني بمساعدة قادة الأحزاب الفلسطينية، مما أباد أيّة فرصة للنهوض بهذا الشعب، وطالت القيلولة وغط السادة في نوم عميق، تنهشها الفئران، فيتعالى الصراخ من جديد وترتعش الكلمات، من الملاحظ في هذه الرواية تركيز الكاتبة على مبدأ الانسانية وحق المواطن في العيش بكرامة …. ص 137ذكرت الكاتبة تسلح البدو وخدمتهم العسكرية ضمن الجيش الإسرائيلي ضد إخوانهم العرب، وهذا يدل عن موقفهم اتجاه من يتولى أمور بلدهم دون استخدام عقولهم، فما العرب هنا سوى آلة تسير حسب المخططات الصهيونية، يوجهها حسب مصالحه الأمنية، وتطرقت الكاتبة الى احداث الانتفاضة الثانية، والشعب يترنح تحت رحمة الاستعمار وتخاذل القادة السلمي …ص87. وأنهت الكاتبة روايتها في التعبير عن استسلامها للقدر، والانفصال عن حبيبها الذي تعشقه، وهذا جنون في زمن عاقل فلا جدار بيننا، وان الجدار الوحيد هو مسافة ادراك … على ما أظن علينا أن نعكس العنوان أيضا عقلاء في زمن مجنون.
وكتبت صابرين فرعون:
مرمر القاسم الأنصاري من مواليد قرية أم الزينات الفلسطينية المُهجرَة. وهذا هو اصدارها الثاني بعد نصوص “أوراق مهربة من الأراضي المحتلة”.
“مجانين في زمن عاقل” تحمل في عنوانها جمالية متفردة لمضمونها. المثل الشعبي يقول: “العقل زينة واللي بلاه حزينة” ومن هنا يأتي التفرد، فالكاتبة تضعنا أمام موازنة الأمور بمكاييل العقل في زمن ندر فيه الفرح، وصار الباحث عن الحب مجنونا، القاسم تكتب من عمق الصراع الفلسطيني باختلاف المسببات والمؤثرات. وقد وظفت ما يحدث على الساحة السياسية للبحث في أسباب الانقسام الفلسطيني، يلعب القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة والذي أُطلق عليه “قرار تقسيم فلسطين” لحل النزاع العربي اليهودي على الأرض. كذلك الحياة التي يعيشها “فلسطينيو الداخل 1948″ والتي تقضي بحرمانهم من أبسط الحقوق من الامتلاك والتوظيف ما لم يخدموا في الجيش دورا أساسيا في ذروة الحدث حبكة الرواية.
العلاقة داخل الوطن الذي تجزأ بحكم اتفاقية أوسلو بشكل خاص وبالنظرة الفوقية والعنصرية الخرقاء التي يتعامل بها بعض أبناء الشعب الواحد من ناحية أخرى، صارت علاقة شائكة بمرور الوقت.
وبرغم ذلك فإن الكاتبة تنتصر لإنسانية المجانين في هذا الزمن حين تواجه الآخرين: “أنا عاقلة في زمن المجانين”… الحب لا تفرقه ثقافات أو أطر جغرافية أو حتى سياسية.
الحب معادلة موزونة تتساوى فيها الأطراف. القرارات العقلانية تحتاج لمشاعر انسانية ليستوطن النبض في الجسد. أي خطأ في المعادلة يؤدي لانهيار عالم الفوضى الجنونية للقلب. وهذا ما تؤكده الشخصيات الرئيسية للرواية “ليالي ابنة الداخل الفلسطيني” و “محمد ابن الضفة الغربية”… عباراتها واستعاراتها المكثفة لغة تحمل كينونة المشهد فتراها تحول ما هو موجود إلى بصمة خاصة تحسب لرصيدها ككاتبة فمثلاً في الصفحة 6 تقول “الحب في فلسطين فقط يعطي للسكون شكل الحركة” وفي صفحة 7 و8 “هناك وحدك في مدنٍ تفرح بالمطر. وتأكل آلامك بشغف”… تعكس الرواية ثقافة الكاتبة الواسعة والملمة بالعلوم والفلسفة والسياسة والأدب وتأثرها بالقدماء الكرماء كالجاحظ فهي تستطرد وكذلك يتداخل لسان الرواة عندها فتراها تحكي بلسان سحر حيناً وبلسان ليالي حيناً أخرى وفي كلتا الحالتين يكون “أنا” الكاتبة واضحاً في بعض التفاصيل المسرودة مشيرة لتشابه الوجع والحياة الفلسطينية. سخريتها وجديتها وتحديها لسياط الجلاد يصنع من عملها الأدبي انجازاً في زمن عز فيه السكوت .. الوطن باتجاهاته الأربع هو عالم مشروخ بفعل الانسانية يقتضي شفاؤه عمراً من الجنون.
وكتب خليل ناصيف:
“نكاية كمذاق التمر الملوز، كذلك مذاق سيجارتي الآن. لن أمر بالبحر من أجلك، كي أنهي سيجارة أخرى نخب الحنين إليه” .. لم تكن تعلم صديقتي مرمر بأنها تكتب نكايتين لا نكاية واحدة وهي تكتب كلماتها التمرية ردا على طلبي منها أن ترسل سلامي لّلص الجميل بحر حيفا، نكاية أولى لأنها لن تذهب للبحر لترسل له سلام صديق، ونكاية ثانية لأنني أكره التدخين جدا ..وهاهي تفضل السيجارة لترسل دخانها حلما صغيرا الى البحر بدل من ارسال نفسها اليه ….. (مجانين في زمن عاقل) رواية لا تخلو من ذلك التمر الملوز الذي لايشبه التمر، ولا يشبه اللوز فالتمر الملوز ثمرة من سكر ومكسرات مصنوعة من عبث الانسان بثمار الطبيعة …. وكذلك رواية مرمر لا تشبه الرواية ولا تشبه القصائد الطويلة، بل هي مزيج من هذا وذاك، وأنت تقرأ يختلط عليك المذاق، وهو وان كان لذيذا فقد كان متعبا، فأثناء القراءة كان يضيع مني اسم الراوي، فلا أعلم هل هو سحر أم محمد أم ليالي أم مرمر نفسها أم أنا مثلا؟ تمنيت أحيانا وأنا أقرأ لو وضعت الكاتبة عناوينا للفصول لكنها لم تفعل، كأنها تعمدت أن تقول للقاريء أن الأهم ليس كلمات الرواية التي يمكن قرائتها بالعين، بل الأهمّ كل الكلمات التي لم تكتبها الكاتبة، والتي يتوجب قرائتها بالقلب والروح …. باختصار رواية مجانين في زمن عاقل رواية تغلب عليها اللغة الشعرية والاسلوب الشعري أكثر من الأسلوب الروائي، ويظهر ذلك من كثرة الصور بحيث يتطلب الامر من القاريء انتباها حادا لتحليلها، ولاعجب أن تستغرق قراءة ذلك العمل زمنا طويلا رغم أنها رواية قصيرة لا تتجاوز 154 صفحة.
رواية موجعة أو قصيدة لذيذة أو شيء ما بين بين كما هو التمر الملوز مزيج من شجرة الصحراء وبين اللوز شجرة الجبال …. أما من ناحية الأفكار التي طرحتها الرواية فهي مزيج من الحب ومن الوصف لطبيعة العيش، وطبيعة المجتمع في منطقة جنين، والمناطق المحاذية لها من فلسطين الأصلية داخل الخط الأخضر، ولكن الرواية في النهاية عمل أدبي، ولايمكن اعتبارها مرجعا لطريقة التفكير في المجتمعات المذكورة، وخاصة مجتمع شمال الضفة الذي يتسم بطبيعة ريفية (محافظة) وإن كنت أكره استخدام كلمة محافظة. رغم أن القاريء للوهلة الأولى يظن أن قضية الرواية الرئيسية هي الصعوبات العاطفية والاجتماعية التي تواجه عاشقين من مناطق يفصل بينها الجدار، ولكن بنظرة أعمق بالامكان ملاحظة أنه رغم كون تلك الصعوبات قائمة وحقيقية، إلا أن المشكلة الكبرى هي مشكلة فكر أو كما تقول مرمر في السطر الأخير مسافة إدراك …..وبرأيي الشخصي أن ليالي بطلة الرواية دافعت عن قضية الحب دفاعا مستميتا، بينما تخلى محمد عن تلك القضية، وانضم لقطيع الناس العاديين العقلاء. وبالطبع قد يكون الانسان أفضل حارس لأحلامه ولكنه قد يكون عدوها الأول بنفس الوقت إذا تخلى عنها ….. طبيعة أسلوب الكتابة الشعري الذي استخدمته الكاتبة حدّ من قدرتها على طرح الموضوع بشكل أوسع، وقد بالغت أحيانا باستخدام تلك اللغة، بحيث كانت النصوص تتحول الى مقاطع شعرية…لا أدري إن قصدت الكاتبة ذلك أو لم تقصد، لكنها أعدت وجبة كبيرة من التمر الملوز سيحبها عشاق المكسرات الحلوة، أما عشاق التمر الطري واللوز القاس فسوف يرون فيها عملا غريبا، يمكن زراعة حبة لوز أو نواة تمرة في التربة الملائمة لتنتج نخيلا وأشجار لوز…أمّا التمر الملوز فلا يمكن زراعته الا بتربة الخيال الخصب واللذيذ، وهذا ما فعلته مرمر القاسم في (مجانين في زمن عاقل ) أو إن شئتم العكس!
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: ديمة السمان، سامي الجندي، محمد موسى سويلم، وفي النهاية قدّمت الندوة درعها التقدير للكاتبة مرمر القاسم.

“مجانين في زمن عاقل” في اليوم السابعالقدس: 30-1-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”مجانين في زمن عاقل” للكاتبة مرمر القاسم، والتي صدرت عن منشورات فضاءات للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان أواخر العام 2013 ، وتقع الرواية التي صمّم غلافها نضال جمهور في 154 صفحة من الحجم المتوسط.بدأ النقاش ابراهيم جوهر فقال:في هذه الرواية تبني الكاتبة (مرمر القاسم) عالما متوازيا بدءا من عنوان روايتها الذي أشار إلى هذا التوازي؛ الجنون في موازاة العقل، والمجانين في مقابل العقلاء، والوطن كما تراه بعين فؤادها مقابل الوطن المجزّأ المحكوم بالجدر الاسمنتية والنفسية والثقافية.ورغم ما في العنوان من غرابة التوصيف التي جاءت مقلوبة على طريقة (التشبيه المقلوب) فإن شخصيات الرواية عاقلة في (جنونها) الذي أضحى جنونا مطلوبا لأنه يعشق الوطن والأرض والناس والحياة.التشبيه المقلوب يغاير السائد المألوف “نحن نشبّه الطفل بالوردة، ووجهه بالقمر، لكننا نقلب التشبيه حين نشبّه الوردة بالطفل، والقمر بوجهه”.الجنون قائم في الزمن وفي الإصرار على ممارسة عشق الوطن والإنسان، والتعقل كائن في شخصيات الرواية. لكن أيّ عقل هذا الذي يقود عاشقا من (ضفّة) ليواصل عشقه معشوقته الكائنة في (ضفّة) أخرى مجاورة!بلغتها الساخرة الجريئة استعرضت (مرمر القاسم) جنون التسميات لوطن واحد بات مجنونا في تقسيمه. الوطن الواحد صار ضفافا وثقافات…وهي تنتصر للإنسان الذي تعكس مسلكياته ثقافته وهو يمثل ناس “ضفّته”.جاءت لغة الكاتبة من ذاك النوع المعتمد على التشبيه والاستعارات ومحاولة إيجاد (لغة) تعبير قادرة على حمل الفكرة الجديدة.”محمد” و (ليالي) شخصيتان مركزيتان قام على العلاقة بينهما العمل الروائي، ويضاف إليهما (الجدّة) الحاضرة بروحها وحكمتها لا بشخصها، و (الوطن) دائم الحضور والاستحضار إذ لم يغب لحظة عن الحركة والعلاقة بين (محمد وليالي) اللذين صارا وكأنهما في (وطنين) بينهما جدار من اسمنت، ومن إدراك، وثقافة.والكاتبة تقدّم في (مجانين) رؤية ورؤيا؛ ترى الوطن واحدا مكتملا، وتنتقد التقسيم الخارجي المفروض بقوة الاحتلال، وذاك التقسيم القابل لما يريده الاحتلال في الثقافة، لتخلص في النهاية إلى أن جدار الفصل القائم مجرد وهم يصنعه المنسجمون معه، المستسلمون لذيوله فيكون مجرد ” مسافة إدراك.”في لغة الكاتبة بحث عن لغة جديدة قادرة على التعبير عن (جنون) المرحلة والجغرافيا. تقول في صفحة 34 : ” بعض الشوق لا دواء له… كلمات الحب الركيكة المعتادة العادية الباهتة لا تفضّ اشتباك الشوق والحنين بين الضلوع، مما ألزم اللسان أن يختلق لغة أخرى أكثر عمقا وأكبر وسعا، أعنف شراسة…”وقد سعت الكاتبة للوفاء بهذا (الإلزام) الذي أشارت إليه، فكانت لغتها جارحة بلا مواربة، ولا مجاملة. لم تراع ولم تخجل ولم تضعف، فحين كان يجب المواجهة واجهت، وحين لزم القول قالت؛ أشارت إلى سلبيات، ولم تنس الإيجابيات. وبقي الوطن مجالا واسعا للتحديد والتعريف والعشق والفهم.فما الوطن عند الكاتبة في (مجانين في زمن عاقل)؟إنه الوطن الحزين المنسي المهمل المضيّع، يشبه رؤوس أصابع بائع العربة في سوق الخضار، تلك المهترئة بألم وتشويه. أيوجد أقسى من هذا التوصيف؟ وهي تشبّه عينيّ الشاب (محمد) ابن السابعة والعشرين بالوطن؛ ” …قمحي البشرة، ملامحه حادة ناعمة ورمشه طويل، عينان واسعتان مثل وطن…” صفحة 45.لماذا يحضر الوطن في تشبيهات الكاتبة؟ يحضر عينا، ويحضر أصابع مهترئة!!ويحضر غريبا قلقا خائبا غير مكتمل الصورة والملامح ؛ ” تقول :” في آخر الليل يكتمل الوجع لا فواصل بين أنّاتهما إلا في الأسى المكدس، وهو يومض كل خيبة واعدة في أفق صباح النفير وأحاجي الليل المرير، وهما يتشكّلان التفاتة حلم يسمّى زورا –وطن-” صفحة 52 .الوطن ضفاف ؛ ضفّة 1967، وضفة 1948… ” صرنا أربعة شعوب نعيش فوارق وحواجز كثيرة كبيرة الأحجام …” (صفحة 66).”…ثمة أمور عديدة خلقت هذه الفروق وجعلت شروخا عظيمة بين الضفاف…صفحة 72. والوطن صار”… (ثلاجة مشروبات غازية) لكثرة ألوان الشعارات والمخلوقات الغريبة المعلّبة المحفوظة فيه.”صفحة 84.والجدار الوحيد بين الناس في الوطن المجزّأ هو ” مسافة إدراك” كما جاء في الجملة الأخيرة من الرواية صفحة154. اعتمدت الكاتبة في لغتها على (تشخيص المشاعر) لتقريبها من ذهن القارئ والتعبير عن قوتها، فالقلق “كائن يملك قدرة الولوج من كل نافذة” صفحة 40.واعتمدت الكاتبة أسلوب (تداخل الرواة) كما يبرز في (ص 47) فالرواة تتداخل أدوارهم ومداخلاتهم وإسهامهم في حركة الرواية وفي رسم معالمها ومسيرتها. أحيانا يجد القارئ أن الراوية نفسها هي التي تروي ، ثم ينتقل الروي إلى شخصية أخرى…تتداخل (أنا) الراوي هنا وكأن الكاتبة تود الإشارة إلى تداخل الحياة والهموم ووحدة الواقع رغم اختلاف الشخصيات والمواقع.قدّمت الكاتبة (مرمر القاسم) روايتها على شكل لوحات ونبضات، وأحيانا لجأت إلى المقالة المتسائلة عن شخصيات تاريخية لما تفتقده من وضوح في ضباب الواقع، كما جاء في تساؤلها عن (أبي جهاد، وغسان كنفاني) مثلا في صفحة83.وفي الصفحة الأولى من الرواية التي تستعرض واقع الحب في فلسطين.رواية مرمر القاسم هنا تفتح المجال لمواصلة الأسئلة للوقوف على ما من شأنه إعادة التثقيف والتوحيد والجبر. إنها رواية فكرة الوطن الواحد.وقال جميل السلحوت:عنوان الرواية: الرواية لافتة ومثيرة للتساؤلات من عنوانها، فهل هناك زمن عاقل وآخر مجنون؟ والقارئ للرواية سيجد أن العنوان ساخر وغاضب أيضا، وهو يحمل في ثناياه ضدّه، وتجيب الرواية على ذلك :” ومتى كانت الوطنيّة جرما؟ وهذا انعكاس للواقع العاهر الذي تحول فيه الجلاد الى ضحية، والضحية الى جلاد.-في الزمن العاقل تعد جرما قبيحا”ص145.مضمون الرواية ولغتها: طرقت الكاتبة في روايتها هذه أبواب عهر المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، طرقتها بجرأة متناهية، وبلغة مجنونة، وبفلسفة عميقة تدعو الى التفكير والتأمل ومراجعة الذات، حلقت في فضاء اللغة، وغاصت في بحرها، محطمة قيودا وهمية تغاضى عنها كثيرون، وتهيّب كثيرون أيضا من الخوض في غمارها، فطرحت قضايا قد تكون بكرا على الرواية الفلسطينية، رسمت لنا لوحات وجدانية مريرة، كل واحدة منها تحمل في طياتها حكاية وقضية، وربطتها بخيط شفاف لتقدم لنا المأساة التي نعيشها كأفراد، وكشعب جار عليه الزّمان، وحكم عليه بالتشتت، وحبكت روايتها من خلال حبيبين هما ليالي من حيفا، ومحمد من جنين. وجنين وحيفا انقطعتا عن التواصل منذ نكبة الشعب الفلسطيني الأولى في أيار 1948، وعادتا الى التواصل على غير ما تبغيان بعد حرب حزيران 1967، لتعودا الى ما يشبه القطيعة بعد الانتفاضة الثانية في العام 2000، عندما اقتحم اريئيل شارون المسجد الأقصى، وما تبعها من بناء جدار التوسع الاحتلالي. وعودة التواصل بين جنين وحيفا لم تكن سهلة بعد هذه القطيعة، مع التأكيد الى أن جنين ترمز الى الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967، بينما ترمز حيفا الى المناطق التي قامت عليها اسرائيل في ايار 1948، وقد أورثت هذه القطيعة بين ابناء الشعب الواحد مشاكل كثيرة، ففلسطينيو المناطق المحتلة في حزيران 1967 اعتبروا ابناء شعبهم الذين عضوا على تراب وطنهم بالنواجذ، وبقوا في ديارهم وأرضهم، اعتبروهم اسرائيليين،  في حين اعتبر فلسطينيو الداخل أشقاءهم في الأراضي المحتلة”ارهابيين” يجلبون لهم المشاكل فوق المشاكل التي يعيشونها،” ضفاوي تزوج فتاة من عرب اسرائيل.عنوان مثير للغيظ اضافة الى نظرة أبناء الضفة لنا ونظرتنا اليهم، فهم يرون فينا الاسرائيليين، ونحن نرى فيهم الارهابيين.”ص55. وقد غذّى المحتلون هذه الفكرة، خصوصا وجود عرب فلسطينيين من الدّاخل في الجيش وحرس الحدود الاسرائيلي، سواء كانوا ممّن يفرض عليهم التجنيد الاجباري، كأبناء احدى الطوائف العربية، أو باختيارهم كما يحصل مع آخرين، وقد عملت اسرائيل على بثّ الفرقة بين الفلسطينيّين من خلال تقسيمهم الى شِيَعٍ وطوائف” دروز، مسيحيون، بدو، ومسلمون”وكأن الدروز والمسيحيين ليسوا عربا، مثلما هو اعتبار البدو وكأنهم غير مسلمين. وكذلك الحال بالنسبة لفلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967 الذين كان البعض منهم، وفي سعيه وراء رغيف الخبز المرّ يتزوج من فلسطينيات من الداخل، ليحصل على بطاقة الهوية الاسرائيلية، ليتمكن من العمل داخل اسرائيل، وعندما يحصل عليها يطلق زوجته غير سائل عمّا أنجبا من أبناء. أما قصة الحبّ بين ليالي ومحمد، فلم يكن الاحتلال وحواجزه العسكرية، واجتياحاته القاتلة للمناطق الفلسطينية هي السبب الوحيد في عدم اكتمال قصة حبّهما، فهناك أيضا الحواجز الاجتماعية، التي تخاف من علاقة الذكر بالأنثى، وتربية الجنسين عليها منذ الطفولة، واخافة كل جنس من نصفه الآخر.وقد خاضت الرواية في جزئيات لا غنى عنها لتبيان ذلك.الأسلوب: أسلوب الرواية فيه تشويق واضح لمتابعتها، وذلك رغم أن الرواية تثير تساؤلات وتطرح فلسفة حياتية تدعو الى التفكر والتفكير. وقد كان للأسلوب الساخر أيضا دور في ايصال الرسالة التي تحملها الرواية.وقال عبدالله دعيس:
مجانين هم أولئك الذين نشروا أشرعتهم، وأبحروا في أنهار وهمية رسمها الاحتلال في أحشاء وطن مكلوم، وجعل لها ضفافا من أرقام، فوقفوا على هذه الأرقام يرقبون ريحا لن تهب. ولعل إميل حبيبي كان قد رسم هذا النهر الخرافي في سداسية الأيام الستة، ورصد التفاعل على ضفافه، وقد اجتمعت العائلات، في أقاصيص حبيبي، مرغمة بعد هزيمة لا بعد نصر كما كانت ترجو. وجاءت مرمر القاسم لتؤكد لنا أن هذه الأنهار لم تمح بعد مرور أكثر من أربعين عاما، بل تعمقت وزادت الضفاف لتزيد فرقة هذا الشعب، فرقة يصنعها بيديه. الرواية ملحمة عشق ممنوع محكوم عليه بالفشل. حب مفصول بحواجز فرضها الاحتلال عندما شتت الشعب الفلسطيني، وقطّع أوصال فلسطين، وجذّرها أبناء الشعب الفلسطيني حينما احترفوا النزاع والفرقة والتمييز.في هذه الرواية تبرز الكاتبة صراع الهوية في المجتمع الفلسطيني، بين الفلسطيني الذي ينظر إليه أخوه الفلسطيني على أنه “إسرائيلي” رغم وطنيته وحبه العميق لفلسطين، والفلسطيني الذي ينظر إليه أخوه على أنه إرهابي انتهازي، يحترف الخداع والغش، عشقه مزيّف وزواجه لمصلحة. لغة الكاتبة التهكمية تخلق جوا يوهم القارئ أنه وصل إلى حد الجنون، عندما يضطر إلى الاعتراف بتلك الحواجز التي يحاول جاهدا أن لا يعترف بوجودها. فهي نقد لاذع للتفرقة بين أطياف الشعب الفلسطيني، فكل يعيش في ضفته متعاليا على الآخر، رغم أن الجميع في نظر العدو واحد. فأنفاسهم واحدة وأخطارهم واحدة ومصيبتهم واحدة ومصيرهم واحد.ليالي ابنة حيفا تبادل محمدا ابن جنين العشق، وتمر علاقتهما بين مدّ وجزر تتذبذب مع اجراءات الاحتلال بالتضييق على الضفة الغربية، خاصة أثناء انتفاضة الأقصى والتنفيس أحيانا بالسماح لسكان الداخل الفلسطيني بالمرور أيام السبت. لكن العلاقة تبقى، حتى في أكثر الاوقات صعوبة عندما يضطر العاشقان للقاء في أماكنَ غاية في الخطورة، في جبال الجلبوع.لكن هذه الحدود ليست هي التي تحكم على هذا الحب بالفشل، وإنما الحدود المصطنعة التي رسمها الشعب الفلسطيني بينه وبين نفسه. فعائلة ليالي ترفض بشدة ارتباطها بشاب من الضفة وتحاول أن تمحو هذا الحب وتئده. تعزف الكاتبة على أوتار التناقضات الموجودة في المجتمع الفلسطيني، فتصور الفلسطيني على أنه إنسان مختلف معقد يحتفي بالحزن، ويمجّد السقم، ويقتل أخاه بالسلاح الذي أعده لقتل الأعداء، ويتصف برداءة الأخلاق. وتبدو الكاتبة يائسة من الأوضاع السياسية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني. ونظرتها إلى نضال الشعب الفلسطيني نظرة قاتمة تساوي فيها بين المتهالك الخائن وبين المقاوم الشريف. إن هذا الشعب بالرغم من كل الويلات التي حلت به وبالرغم من الأحزان التي أوقعها عليه عدوه أو صنعها لنفسه لهو شعب عظيم يستحق الاحترام. ومقاومته تستحق أن تمجّد.تراوح الكاتبة بين الراوي الذي يسرد بضمير الغائب وبين الراوي الذاتي الذي يسرد بضمير المتكلم، فيكون السرد مزيجا من راوٍ موضوعي يرى الأحداث من خارجها، وراوٍ شريك في هذه الأحداث. تقوم الكاتبة بالالتفات بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب، حتى تختلط على القارئ شخصية بطلة القصة ليالي التي تعاني آلام فراق الحبيب في الضفة الأخرى، وشخصية سحر الغامضة التي تظهر في كل مكان، لتروي القصة وتشارك في الحوار. وهذه الشخصية تسبب الإرباك للقارئ الذي لا يعد قادرا على التفريق بين خطاب ليالي وخطاب سحر، وكأن ليالي وسحر هما شخصية واحدة، أو أن سحر هي الوجه الآخر ليالي. ثم يتذكر القارئ أن هذه الشخصيات ما هي إلا مجانين في هذا الزمن العاقل, تعمد الكاتبة إلى استخدام لغة شعرية مستعينة بالمجاز والتشبيه بشكل كبير، فتخلط الحاضر بالماضي والحلم باليقظة واليأس بالأمل فتثير الحيرة لدى القارئ، ولكنها وبالرغم من هذه اللغة الموغلة في التعقيد تستطيع إيصال إيحاءاتها ومضامينها إلى المتلقي. ويتساءل القارئ عندما يزحف إلى نهاية الرواية: هل نحن فعلا مجانين في زمن عاقل أم عقلاء في زمن مجنون؟
أمّا نزهة أبو غوش فقد قالت:حملت رواية  الكاتبة مرمر القاسم قضيّة أرهقت الفلسطيني، وما زالت ترهقه في كلّ زمان مكان.  كون الفلسطيني إِنسانًا محتلّا، فهذا يخلق له كلّ يوم قضيّة جديدة تتناسب ووضع المحتلّ – اسم المفعول- الأمني والسّياسي. والنّظرة الخارجيّة للدّول: الدّاعمة، والمعارضة، والمؤيّدة، والمعادية و… في روايتها بيّنت مرمر القاسم بعضًا من هذه القضايا وربّما أغلبها، وذلك من خلال اتّخاذ الخط القصصي الرّوائي، قصّة حبّ بين امرأة من فلسطينيي عرب داخل الخط الأخضر السّياسي، عام 1948 وشاب من فلسطينيي عرب الخط الأحمر السّياسي عام1967. من تلك القضايا الّتي نقدتها الكاتبة بصدق، وجرأة وقهر وألم: بذور الفتنة في الضّفة الغربيّة،- غربي نهر الأردن – وبذور الانقسام، وضعف القادة والتّنازلات الدّائمة، قضيّة الجدار وتهريب البضائع، اغلاق الشّوارع ساعات طويلة، العذاب على الحواجز ومشكلة التّصاريح، اجتياح جنين، قرار العودة……..الخ. أمّا بالنسب للقاطنين داخل 1948 فكانت قضيّة التّجنيد الاجباري عند الدّروز، وغيرالاجباري عند البدو والأقليّة القليلة من العرب… بالنسبة لقضيّة زواج الفتاة من رجل قاطن في حدود1967. فهي فعلًا قضيّة شائكة ومعقّدة، حيث أنّ أهل الفتاة يخافون على ابنتهم من الحصار وعدم القدرة على زيارة الأهل بسبب الحدود السّياسيّة الّتي وضعها المحتلّ، كذلك يتخوّفون من أنّ  هدف زّواج العريس هو الهويّة الّتي تمتلكها العروس؛ كي يسهل عليه الأمر دخول حدود اللخط الأخضر حيث يتوفر له العمل؛ وهناك بعض الحالات الّتي ترك بها الازواج زوجاتهم بعد أن حصلوا على الهويّة كما ذكرت الكاتبة في روايتها. فاجأني  رأي الكاتبة مرمر القاسم بأنّ الرّجل الفلسطيني (الضفّاوي) كما ذكرت حسب ما يراه العرب الفلسطينيون المحتلون عام 1948 – وهي، أيّ الكاتبة – منهم، بأنّه شخص مجرم وارهابيّ. قالت في ص 9″ كان ملاكها في حين يرى المجتمع في الضّفاوي شخصًا مجرمًا خارجًا عن أنظمة القبيلة. بصفتي امرأة فلسطينية تشبه جعرافيّتي  جغرافيّة الكاتبة، ويرسخ في ذهني تمامًا من نحن ومن هم – الضفّاويون- أُنكر تمامًا هذا الرأي الخاطىء، لم نفكّر – نحن الفلسطينيين-  أبدًا بأنّ الرّجل الّذي  يقاوم المحتلّ، ويفدي روحه مقابل الحريّة والاستقلال بأنّه – ارهابي- إِنّ هذه الكلمة يقولها المحتلّ فقط. أمّا بالنسبة للطرف الآخر فهم يعرفون تمامًا بأنّنا مثلهم تمامًا فلسطينيّون، لكنّا محتلّون قبلهم ، وربّما من النّاحية الاقتصاديّة أكثر حظًّا بسبب الظروف. كذلك ذكرت الكاتبة ص 143، ” مسيحي ولكنّه أكثر وطنيّة منّي” أرى بأنه لا داعي لذكر ذلك لأنّ المسيحي هو أيضًا عربي.بالنسبة للنهاية وهو تلخيص الكاتبة عن  الفرق في الحبّ عند الانسان الغربي والإنسان الفلسطيني، أرى بأنّ القارىء سوف يستنتج ذلك ولا داعي  لذكر الملخّص.” ان النطق بمفردة ( أحبك) تعني لدى الأوروبيين بداية مسيرة الحياة مع الطرف الآخر والمسؤوليّة، بينما ىتعني للعرب بداية الجولة الانتهازيّة” ص154.اللغة لدى الكاتبة لعة شاعريّة مكثّفة، فيها نبرة الغضبّ والتّحدّي، قويّة ومتمكّنة رغم الأخطاء المطبعيّة الكثيرة. في اللغة بعض الفلسفة والحكمة استخدمتها الكاتبة لتضيف على النصوص بعدًا أدبيًّا جديدًا، كما أنّها أكثرت من التّشبيهات والاستعارات والكنايات والمحسّنات البلاغيّة مثل الجّناس والطباق.ذكرت صفحة137″ تعال وأقم تحت جلدي، خذ نفسًا من أعماقي وارسل الدّفء إِلى أوردتي”” صرنا نشبه شرائح الصّفيح لنا ضجيج حتى في لحظات السّكون.”” تتراءى لنا المدينة وإِرثنا المشروع يتراقص في نشوة فواصل يدهش المقامرين.
وقالت سوسن عابدين الحشيم: تدور احداث الرواية على قصة فتاة من عرب الداخل في فلسطين مع شاب من جنين، والتي أطلق عليهما فيما بعد من قبل مسميات إسرائيلية عرب اسرائيل والضفة ، لقد أوضحت الكاتبة  في روايتها مدى نجاح الاحتلال في تقسيم البلد الى جزئين بجدار الفصل اللتوسعي، كما تحدثت عن مدى المعاناة التي يشهدها أهل الضفة المحتلة في الوصول الى الأراضي ذات السيادة الإسرائيلية، عبر سلسلة من الأحداث واللقاءات التي جرت بين الحبيبين ليالي والتي تمثل الداخل الفلسطيني، وبين محمد ممثل أبناء الضفة، وتبين الكاتبة مدى الخطورة التي يتعرض لها أهل الضفة في الوصول الى الجهة الاخرى، والقهر اللاحق بأبناء الضفة بسبب ظلم وبشاعة الإجراءات والقوانين التعسفية الإسرائيلية، ومنعهم من حرية التنقل في بلدهم، وما نشأ عن ذلك الشعور ببعض الكراهية لإخوتهم الفلسطينين الذي يقطنون داخل الجدار، فقد ذكرت الكاتبة كيفية معاملة التجار لهم كأنهم سياح في بلد أجنبي، ويجب استغلالهم من هذا المنطلق، فهم يعيشون حياة “رغيدة في اسرائيل، وما تمنحهم إيّاه الحكومة من امتيازات خاصة. كما اصبح العكس بالنسبة لإخوانهم في الداخل، فكانت العائلات تمنع بناتها من تزويجها لأبناء الضفة، لكونهم يتزوجونهن لأغراض ومصالح شخصية، وهي الحصول على الإقامة في مناطق الخط الأخضر .عرضت الكاتبة نضال الشعب من أجل نيل الحرية وإزالة الحواجز التي تفصلهم عن أسرهم في داخل الجدار، كما هي قصة الشاب كمال وانتظاره الطويل مع أولاده لزوجته التي منعت من دخول الضفة لأسباب أمنية، حرصاً على حياتها لأنها تعد مواطنة إسرائيلية… كما أن الكاتبة تعرض القضية الفلسطينية بأسلوب فلسفي ساخر كما في ص 29،62 واستمر قادتهم في خلق فرص باستمرار في التمادي بنحر المواطن الفلسطيني بمساعدة قادة الأحزاب الفلسطينية، مما أباد أيّة فرصة للنهوض بهذا الشعب، وطالت القيلولة وغط السادة في نوم عميق، تنهشها الفئران، فيتعالى الصراخ من جديد وترتعش الكلمات، من الملاحظ في هذه الرواية تركيز الكاتبة على مبدأ الانسانية وحق المواطن في العيش بكرامة …. ص 137ذكرت الكاتبة تسلح البدو وخدمتهم العسكرية ضمن الجيش الإسرائيلي ضد إخوانهم العرب، وهذا يدل عن موقفهم اتجاه من يتولى أمور بلدهم دون استخدام عقولهم، فما العرب هنا سوى آلة تسير حسب المخططات الصهيونية، يوجهها حسب مصالحه الأمنية، وتطرقت الكاتبة الى احداث الانتفاضة الثانية، والشعب يترنح تحت رحمة الاستعمار وتخاذل القادة السلمي …ص87. وأنهت الكاتبة روايتها في التعبير عن استسلامها للقدر، والانفصال عن حبيبها الذي تعشقه، وهذا جنون في زمن عاقل فلا جدار بيننا، وان الجدار الوحيد هو مسافة ادراك … على ما أظن علينا أن نعكس العنوان أيضا عقلاء في زمن مجنون.وكتبت صابرين فرعون:مرمر القاسم الأنصاري من مواليد قرية أم الزينات الفلسطينية المُهجرَة. وهذا هو اصدارها الثاني بعد نصوص “أوراق مهربة من الأراضي المحتلة”.”مجانين في زمن عاقل” تحمل في عنوانها جمالية متفردة لمضمونها. المثل الشعبي يقول: “العقل زينة واللي بلاه حزينة” ومن هنا يأتي التفرد، فالكاتبة تضعنا أمام موازنة الأمور بمكاييل العقل في زمن ندر فيه الفرح، وصار الباحث عن الحب مجنونا، القاسم تكتب من عمق الصراع الفلسطيني باختلاف المسببات والمؤثرات. وقد وظفت ما يحدث على الساحة السياسية للبحث في أسباب الانقسام الفلسطيني، يلعب القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة والذي أُطلق عليه “قرار تقسيم فلسطين” لحل النزاع العربي اليهودي على الأرض. كذلك الحياة التي يعيشها “فلسطينيو الداخل 1948″ والتي تقضي بحرمانهم من أبسط الحقوق من الامتلاك والتوظيف ما لم يخدموا في الجيش دورا أساسيا في ذروة الحدث حبكة الرواية.العلاقة داخل الوطن الذي تجزأ بحكم اتفاقية أوسلو بشكل خاص وبالنظرة الفوقية والعنصرية الخرقاء التي يتعامل بها بعض أبناء الشعب الواحد من ناحية أخرى، صارت علاقة شائكة بمرور الوقت.وبرغم ذلك فإن الكاتبة تنتصر لإنسانية المجانين في هذا الزمن حين تواجه الآخرين: “أنا عاقلة في زمن المجانين”… الحب لا تفرقه ثقافات أو أطر جغرافية أو حتى سياسية. الحب معادلة موزونة تتساوى فيها الأطراف. القرارات العقلانية تحتاج لمشاعر انسانية ليستوطن النبض في الجسد. أي خطأ في المعادلة يؤدي لانهيار عالم الفوضى الجنونية للقلب. وهذا ما تؤكده الشخصيات الرئيسية للرواية “ليالي ابنة الداخل الفلسطيني” و “محمد ابن الضفة الغربية”… عباراتها واستعاراتها المكثفة لغة تحمل كينونة المشهد فتراها تحول ما هو موجود إلى بصمة خاصة تحسب لرصيدها ككاتبة فمثلاً في الصفحة 6 تقول “الحب في فلسطين فقط يعطي للسكون شكل الحركة” وفي صفحة 7 و8 “هناك وحدك في مدنٍ تفرح بالمطر. وتأكل آلامك بشغف”… تعكس الرواية ثقافة الكاتبة الواسعة والملمة بالعلوم والفلسفة والسياسة والأدب وتأثرها بالقدماء الكرماء كالجاحظ فهي تستطرد وكذلك يتداخل لسان الرواة عندها فتراها تحكي بلسان سحر حيناً وبلسان ليالي حيناً أخرى وفي كلتا الحالتين يكون “أنا” الكاتبة واضحاً في بعض التفاصيل المسرودة مشيرة لتشابه الوجع والحياة الفلسطينية. سخريتها وجديتها وتحديها لسياط الجلاد يصنع من عملها الأدبي انجازاً في زمن عز فيه السكوت .. الوطن باتجاهاته الأربع هو عالم مشروخ بفعل الانسانية يقتضي شفاؤه عمراً من الجنون.وكتب خليل ناصيف:”نكاية كمذاق التمر الملوز، كذلك مذاق سيجارتي الآن. لن أمر بالبحر من أجلك، كي أنهي سيجارة أخرى نخب الحنين إليه” .. لم تكن تعلم صديقتي مرمر بأنها تكتب نكايتين لا نكاية واحدة وهي تكتب كلماتها التمرية ردا على طلبي منها أن ترسل سلامي لّلص الجميل بحر حيفا، نكاية أولى لأنها لن تذهب للبحر لترسل له سلام صديق، ونكاية ثانية لأنني أكره التدخين جدا ..وهاهي تفضل السيجارة لترسل دخانها حلما صغيرا الى البحر بدل من ارسال نفسها اليه ….. (مجانين في زمن عاقل) رواية لا تخلو من ذلك التمر الملوز الذي لايشبه التمر، ولا يشبه اللوز فالتمر الملوز ثمرة من سكر ومكسرات مصنوعة من عبث الانسان بثمار الطبيعة …. وكذلك رواية مرمر لا تشبه الرواية ولا تشبه القصائد الطويلة، بل هي مزيج من هذا وذاك، وأنت تقرأ يختلط عليك المذاق، وهو وان كان لذيذا فقد كان متعبا، فأثناء القراءة كان يضيع مني اسم الراوي، فلا أعلم هل هو سحر أم محمد أم ليالي أم مرمر نفسها أم أنا مثلا؟ تمنيت أحيانا وأنا أقرأ لو وضعت الكاتبة عناوينا للفصول لكنها لم تفعل، كأنها تعمدت أن تقول للقاريء أن الأهم ليس كلمات الرواية التي يمكن قرائتها بالعين، بل الأهمّ كل الكلمات التي لم تكتبها الكاتبة، والتي يتوجب قرائتها بالقلب والروح …. باختصار رواية مجانين في زمن عاقل رواية تغلب عليها اللغة الشعرية والاسلوب الشعري أكثر من الأسلوب الروائي، ويظهر ذلك من كثرة الصور بحيث يتطلب الامر من القاريء انتباها حادا لتحليلها، ولاعجب أن تستغرق قراءة ذلك العمل زمنا طويلا رغم أنها رواية قصيرة لا تتجاوز 154 صفحة. رواية موجعة أو قصيدة لذيذة أو شيء ما بين بين كما هو التمر الملوز مزيج من شجرة الصحراء وبين اللوز شجرة الجبال …. أما من ناحية الأفكار التي طرحتها الرواية فهي مزيج من الحب ومن الوصف لطبيعة العيش، وطبيعة المجتمع في منطقة جنين، والمناطق المحاذية لها من فلسطين الأصلية داخل الخط الأخضر، ولكن الرواية في النهاية عمل أدبي، ولايمكن اعتبارها مرجعا لطريقة التفكير في المجتمعات المذكورة، وخاصة مجتمع شمال الضفة الذي يتسم بطبيعة ريفية (محافظة) وإن كنت أكره استخدام كلمة محافظة. رغم أن القاريء للوهلة الأولى يظن أن قضية الرواية الرئيسية هي الصعوبات العاطفية والاجتماعية التي تواجه عاشقين من مناطق يفصل بينها الجدار، ولكن بنظرة أعمق بالامكان ملاحظة أنه رغم كون تلك الصعوبات قائمة وحقيقية، إلا أن المشكلة الكبرى هي مشكلة فكر أو كما تقول مرمر في السطر الأخير مسافة إدراك …..وبرأيي الشخصي أن ليالي بطلة الرواية دافعت عن قضية الحب دفاعا مستميتا، بينما تخلى محمد عن تلك القضية، وانضم لقطيع الناس العاديين العقلاء. وبالطبع قد يكون الانسان أفضل حارس لأحلامه ولكنه قد يكون عدوها الأول بنفس الوقت إذا تخلى عنها ….. طبيعة أسلوب الكتابة الشعري الذي استخدمته الكاتبة حدّ من قدرتها على طرح الموضوع بشكل أوسع، وقد بالغت أحيانا باستخدام تلك اللغة، بحيث كانت النصوص تتحول الى مقاطع شعرية…لا أدري إن قصدت الكاتبة ذلك أو لم تقصد، لكنها أعدت وجبة كبيرة من التمر الملوز سيحبها عشاق المكسرات الحلوة، أما عشاق التمر الطري واللوز القاس فسوف يرون فيها عملا غريبا، يمكن زراعة حبة لوز أو نواة تمرة في التربة الملائمة لتنتج نخيلا وأشجار لوز…أمّا التمر الملوز فلا يمكن زراعته الا بتربة الخيال الخصب واللذيذ، وهذا ما فعلته مرمر القاسم في (مجانين في زمن عاقل ) أو إن شئتم العكس!وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: ديمة السمان، سامي الجندي، محمد موسى سويلم، وفي النهاية قدّمت الندوة درعها التقدير للكاتبة مرمر القاسم.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات