بدون مؤاخذة- التيارات الاسلامية واخفاقاتها

ب

يتساءل كثيرون عن سبب اخفاقات التيارات الاسلامية، وعدم قدرتها على الحكم، حتى أن البعض يتساءل فيما اذا كان التشريع الاسلامي قادر بأن يكون نظام دولة تحكم وتستطيع التعايش مع النظام العالمي الراهن؟ وعودة الى التاريخ سنرى أن الدولة الاسلامية التي سادت العالم اكثر من عشرة قرون، كان قادتها يفهمون الاسلام الصحيح، فشجعوا العلوم وأبدعوا فيها، واطلعوا على الثقافات الأخرى واستفادوا منها، بينما لم يفعل مسلمو هذا العصر كما فعل أسلافهم، حتى أن ظهور أحزاب وتنظيمات الاسلام السياسي كانت وبالا على الاسلام والمسلمين، فقادة الأحزاب الاسلامية، وبعض المشايخ منغلقون عن العالم وعن العلم، ويرون في أنفسهم المالك الوحيد للحقيقة وللمعرفة وللعلوم، ولم يقرأوا جيدا الصراعات السياسية في العالم، وتمترسوا خلف أيديولوجيات بعيدة عن الفهم الصحيح للاسلام الصحيح، مما جعلهم فريسة سهلة للقوى المعادية، وفي مقدمتها الامبريالية العالمية، التي لم تتورع في عقد تحالفات معهم لتحقيق مآرب على ظهورهم، ودعونا نأخذ أمثلة على ذلك من التاريخ المعاصر، فمثلا تحالفهم مع القوى الامبريالية في معاداة الاتحاد السوفييتي، حيث كانت تعتبرهم أمريكا السور الواقي من خطر الشيوعية، وعداؤهم للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، جعلهم يكبرون ويهللون لوفاته، وكأن الموت لا يختطف أحدا غيره، فتحالفوا مع خليفته أنور السادات للقضاء على الفكر الناصري، ثمّ ما لبث السادات أن انقلب عليهم وزجّ بهم في السجون، وأثناء احتلال السوفييت لأفغانستان في منتصف سبعينات القرن الماضي، تحالفوا مع أمريكا لقتال السوفييت، ودعمتهم عن طريق بعض دول الخليج بالمال وبالسلاح، ولما انتهى الاحتلال السوفييتي، وما تلاه من انهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية، وانتهت ما تسمى بالحرب الباردة، انقلبت أمريكا ضدهم، ورأت أن عدوها الراهن هو الاسلام والمسلمين، وبدأت الحرب الاعلامية لتشويه الاسلام حتى عند أتباعه، ورافقتها حروب ضد ما يسمى بالارهاب الاسلامي في أكثر من بلد…مثل الصومال والسودان والجزائر واليمن وغيرها….وتوالت الأحداث وعقدت أمريكا تفاهمات مع جماعة الاخوان المسلمين للوصول الى الحكم في بعض دول المنطقة، خصوصا بعد وصول حزب العدالة التركي بقيادة أردوغان الى الحكم، مع أن تركيا عضو فاعل في حلف الناتو، وجرى تقسيم السودان، تحت حكم عمر البشير”الاسلامي” وطمعا في سعي التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بالوصول الى الحكم في أي مكان في العالم ليكون نقطة انطلاق لهم، فقد شجعوا انفصال قطاع غزة في العام 2006 عن السلطة الفلسطينية، مع أن قطاع غزة لا يزال تحت الاحتلال، ومحاصر برا وبحرا وجوا، وفيه أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم، ومشاكله لا تنتهي.

ومع أنّ حركة حماس وهي الذراع العسكري لجماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، كانت تلقى الدعم العسكري والمالي من سوريا وايران، إلا أنهم انقلبوا على حلفائهم، وتركت قياداتهم مقراتها في دمشق، لأن جماعة الاخوان المسلمين في سوريا وغيرها من البلدان العربية والاسلامية شاركوا في “حرب الفوضى الخلاقة” التي زرعتها أمريكا في سوريا، لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد” لاعادة تقسيم المنطقة العربية الى دويلات طائفية متناحرة، وبعد تدمير سوريا وقتل عشرات الآلاف من شعبها، وتشريد الملايين منهم، عاد حلفاؤهم وممولوهم الى الانقلاب عليهم والعمل على تصفيتهم، بل انهم قسموهم الى جماعات تقاتل بعضها بعضا، تماما مثلما حصل في افغانستان، التي لم يستوعب متأسلمو هذا العصر العبرة منها.

وفي مصر وبعد عزل الرئيس محمد مرسي، لجأ الاخوان المسلمون الى التفجيرات واثارة القلاقل، دون أن يستفيدوا من تجربة تسعينات القرن الماضي في مصر، فهم يقتلون شعبهم ويدمرون اقتصاد بلدهم.

فهل انتبه الاخوان وغيرهم من المتأسلمين الجدد الى مصادر تمويلهم؟ وهل تساءلوا عن المقصود من وراء هذا التمويل؟ وهل انتبهوا أن ضحاياهم هم أبناء شعوبهم وأوطانهم؟ وهل استفادوا من اخطائهم واخطاء غيرهم السابقة؟

8-1-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات