رواية”كلام مريم” لمحمود شقير في ندوة مقدسية

ر
القدس: 15-11-2013 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، الأديب الكبير محمود شقير، حيث ناقشت بحضوره اصداره الجديد، “كلام مريم”-رواية للفتيات والفتيان، والتي صدرت عن منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل في رام الله، وتقع الرواية التي صمّمها شريف سمحان ورافقتها رسومات لمصطفى الخطيب في 88 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
محمود شقير يؤكد من جديد مواصلته الخوض في عالم الابداع في أكثر من صنف أدبي، فهو يكتب القصّة القصيرة، والأقصوصة، والرّواية، وقصّة الأطفال واليافعين، والرّواية لليافعات واليافعين، وهذا ليس جديدا عليه، بل هو تأكيد جديد على أنّه يحلّق في فضاء واسع من الابداع.
وفي روايته هذه التي خصّصها ووجّهها للفتيات والفتيان يطرق أبوابا تكاد تكون بكرا في أدبنا المحليّ على الأقلّ. إن لم نقل في الأدب العربي على وجه العموم…فهو يطرح واقعا ليس بعيدا عن الخيال، بل هو يخلط الخيال الواقعي بالواقع المعاش، ليطرح بفنيّة عالية ثورة ثقافيّة تتمرّد على الواقع الاجتماعي بسلبيّاته وايجابيّاته، والثورة الثقافية التي يدعو لها محمود شقير ليست ثورة متشنّجة ولا هي مستحيلة التّحقيق.
فمريم  طالبة الصّف التاسع، ابنة الخامسة عشرة من عمرها وبطلة الرّواية الرّئيسة، وتعيش في رام الله، وقعت في غواية التمثيل المسرحي بعد أن شاهدت مسرحية، تقوم فيها الممثلة بحماية طفل وتخليصه من قبضة جنود الاحتلال، فاستهوتها الفكرة وقرّرت أن تمارس التمثيل على المسرح، وعرضت الفكرة على والدها، فرفضها بداية، وعارضها شقيقها بشدّة، لأن نظرة المجتمع الى التمثيل والفنون سلبية، لكنها استطاعت اقناع والدها بالموافقة، وشاركت في تمثيل مسرحية مع شباب وشابّات، وصادقت زميلها كنعان. وأعجبت به وأعجب بها، لكنه اعجاب بريء، وكنعان هذا ولد وعاش في عمّان، وهو يحب الرحلات فزار العقبة، ومرّ بالبتراء تلك المدينة الورديّة المحفورة في الصّخور، والتي تأسر قلوب زائريها، كما زار عجلون في شمال الأردن، ومن هناك شاهد بلاده فلسطين، أي أنّه جاب الأردنّ من شماله الى جنوبه بحرّية تامّة، وعندما عاد الى رام الله، هالته الحواجز العسكرية الاحتلالية، التي تحاصر المدن والبلدات الفلسطينية، وتحكم حصارها للقدس الشريف، وهو ينحدر من قرية يالو، إحدى قرى اللطرون التي دمّرها المحتلون بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، وهي”عمواس،يالو وبيت نوبا” بما في ذلك البيت الذي ولد وعاش فيه والدا كنعان، وعملوا على أطلال هذه القرى ما أسموه”منتزه كندا” تخليدا للصداقة الكندية الاسرائيلية. ولمّا كان كنعان ومريم غير قادرين على زيارة القدس والتواصل مع مواطنيها، فقد زارهم فريق رياضي بقيادة الشاب المقدسيّ عثمان، وتسابقوا ولعبوا لعبة شدّ الحبل، وقاموا برحلة في رحاب الطبيعة.
غير أن مريم منعت من الاستمرار في التمثيل بعد هروب فتاة من بيت والديها من الحارة التي تسكن فيها.
ويتطرق الكاتب الى الغيرة بين الأشقاء الأطفال، من خلال العلاقة المشحونة بالتوتر بين مريم وشقيقها، لكنهما اكتشفا مدى حبّهما لبعضهما البعض عندما مرض الشقيق وأصيب بالحمّى.
كما تحوي الرواية مشهدا في رحلة جماعية الى البحر، عندما نزلت الفتيات الى البحر بملابسهن، في حين نزلت مريم بملابس البحر التي اشترتها بمعرفة وموافقة والدتها.
وتتواصل الحياة غير المستقرة في رام الله نتيجة وجود الاحتلال، فهناك فتاة تهرب من بيت والديها، وهنااك أخرى تتزوج وتقام لها حفلات الغناء، وهناك جنازة شهيد أيضا، وبيوت تتعرض للهدم من قبل المحتلين. انها التراجيديا الفلسطينية.
وقد قلنا أن الرّواية تحمل في ثناياها ثورة ثقافية، أو لنقل تمردا على ثقافة سائدة، ويتمثل هذا من خلال مشاركة مريم في التمثيل مع فرقة مسرحية، وهذا المجال لا يزال مغلقا أمام الغالبية العظمى من النساء الفلسطينيات والعربيات، وكذلك الأمر بالنسبة للسباحة بملابس البحر. وقد شاهدنا في الرّواية أكثر من سباق بين مريم وكنعان، وبين فريقي كنعان وعثمان، وفي كلّ فريق عدد من الفتيات، وهذا دلالة رمزية على أن الحياة لا تستقيم إلا بمشاركة الذكور والاناث. كما أن الرّواية تطرح زيارة القدس ليس من خلال التسلّل اليها، بل بالخلاص من الاحتلال الذي يحاصرها.
وأديبنا شقير السارد البارع، وصاحب اللغة الجميلة والثرية، يطرح حكايات الرواية بأسلوب شيّق بعيد عن المباشرة والخطابية والوعظ والارشاد، ليترك الهدف المنشود للقارئ يستنبطه من بين السطور، وهذا هو الابداع.
وقالت ديمة السمان:
أقف مليا أتأمل العناوين التي يختارها الأديب محمود شقيرلأعماله الأدبية. معظمها عناوين تدعوك للاستماع أكثر من القراءة.. وكأنه يقول لك: “قف واستمع سأقول لك أمرا مهما”. “قالت لنا القدس”.. “قالت لنا الشجرة”.. “كلام مريم” أي .. استمع  لتعرف الحكاية.. وهناك أيضا سلسلة ينشرها بعنوان (فسحة من كلام).. أي استمع للكلام.. فهناك ما يستحق الاستماع له.
جميعها عناوين توحي لك فورا – حتى لو لم تكن على معرفة سابقة مع الكاتب- أنه مستمع جيدا.. ومن ثم راويا جيدا.. يستطيع أن يصطحبك بفسحة من الكلام دون ملل.
مواضيع أعماله غنية.. متنوعة.. واضحة.. وبقدر ما هي بسيطة هي عميقة.
وقد اتبع ذات الأسلوب في رواية ( كلام مريم). حيث كان يبتديء كل قسم من أقسام روايته بِـ: قال فلان من شخوص الرواية.. إما  قالت مريم.. أو قال كنعان أو قال عثمان الخ.. كان يترك الشخصية تتحدث عن نفسها.. لتعلمك بتفاصيلٍ لا يمكن أن يعلمها سوى الشخصية ذاتها.
فكنا نستمع لذات الموقف من أكثر من شخصية لتصلنا الصورة كاملة.. فعلى سبيل المثال: تتحدث مريم من وجهة نظرها بخصوص اللقاء بينها وبين كنعان.. حيث التقته – صدفة- بعد طول غياب.. ليعرف القاريء لاحقا في الصفحة التي تليها أن هناك بعض الخفايا التي لم تكن تعلمها مريم، فلم يكن اللقاء صدفة بل بتخطيط من كنعان دون معرفتها.
أمّا الموقف الذي استطاع شقير أن يصوره وكأنه عدسة كاميرا محترفة.. عندما اقتحمت جرافات الاحتلال أرضا، بوجود كنعان ووالده ومريم ووالدها وشقيقها.
كم كانت مشاعر الوطنية متأجّجة لدى كنعان تختلط بمشاعر أخرى من نوع آخر.. عندما أراد أن يعلم مريم أنه “قد يطلقون الرصاص عليه يوما ويردونه قتيلا”.. وكان ينتظر ردة فعلها بعد أن تسمعه.. تخيّلها تبكي.. ثم بكى هو. مشاعر مراهق تتدافع الأحاسيس داخله دون انتظام. هو يعي ما يجري تماما.. ولكنه لم يستطع الا ان يدخل مريم في لوحة أحاسيسه لتكتمل الصورة. يلتفت نحوها.. يبحث عنها.. ولا يجدها بين المعتصمين.. فقد غادرت مكان الاعتصام بعدما بدأ جنود الاحتلال بإطلاق النار. لم يلمها.. ” قد تكون غادرت لأنها خافت.. وهو خاف أيضا”.. هذا ما قاله كنعان.. هو يبرر لها مغادرتها المكان. كم هو رائع هذا المشهد.. ويكتمل.. عندما تحدثت لنا مريم وقالت لنا بأنها احتقرت جبنها.. فما كان عليها أن تغادر المكان.
أتقن الكاتب المونودراما.. وجعلنا نتنقّل بين مشاعر كنعان ومشاعر مريم بنعومة. وهذه الفنيّة لا يتقنها إلا الكاتب المحترف.
الرواية جريئة.. تطرح قضايا عديدة.. وطنية واجتماعية ونفسية بذكاء.
وقد برزت ذكورية المجتمع الشرقي بصورة واضحة من خلال عدة مواقف.
القدس ومحاولة عزلها ووجعها وحرمان أبنائها من الفلسطينيين دخولها أبرزها الكاتب أيضا  بأسلوب جميل وغير مقحم.
*محطات أوقفتني في الرواية:
شعور الأمومة لدى الفتاة المراهقة بدت مقنعة عندما أرادت مريم أن تقوم بدور الأمّ التي تنقذ ابنها من اعتقال جنود الاحتلال.. كما أن حلمها بأن تكون أمّا ( لطفلة أنثى) قبل أن تكون أمّا ( لطفل ذكر).. أيضا مقنعة.. فتربية الاناث أكثر سهولة.. وتشبع وتلبي غريزة الأمومة أكثر. والمختصون بألعاب الأطفال يعون ذلك تماما.. ولذلك تجد معظم الدمي عبارة عن (عروسة أنثى) وليس ذكرا.. فالطفلة تسعد أكثر بعروستها.. تمشط شعرها وتغير لها فساتينها. وبالتالي تعيش دور أمومتها براحة أكثر.
طرح الكاتب الأغنية الشعبية التي تغنيها الأمّ لطفلها عند النوم.. نام .. لأذبحلك طير الحمام.. وتساءلت مريم.. لماذا الذبح؟ ما دخل ذبح الحمام بنوم الطفل؟ ولكنها ارتاحت عندما أكملت الأغنية التي تقول: لا تصدق يا طير الحمام .. بَضحك على (طفلي) حتى ينام.
وهذا يجعلنا نعيد النظر في بعض الأغاني الشعبية التي نكررها دون وعي منا.. والتي قد تثير تساؤلات لدى أطفالنا.
كما تطرّق الكاتب الى حديث الجدّات.. حيث كان جواب الجدّة على سؤال مريم: من أين جئت؟  (وجدناك تحت الشباك).. فالجدّة ترى أنه من العيب أن يكون هناك إجابة أخرى!
أمّا قصص المعلمات في غرفتهن في المدرسة.. فهي قضية تستوجب الوقوف عندها مليا.. فيبدو أن الكثير منهن ليس لهن علاقة لا بالتربية ولا بالتعليم.
وقد أجاد الكاتب بخصوص ردة فعل زميلات مريم حين ارتدت ملابس البحر، ونزلت للسباحة.. حيث كان الثمن غاليا: الغيرة أولا..ثم الاحتقار والتجاهل والاهمال من قبل زميلاتها اللواتي نزلن الى البحر بملابسهن التي التصقت بأجسامهن.
كما تم تعنيفها من قبل والدها وشقيقها وادارة المدرسة. ونتج عن ذلك تركها لفرقة التمثيل والابتعاد عن كنعان الذي كانت تكنّ له معزة خاصة.
وقد دعا الكاتب بصورة غير مباشرة إلى ضرورة ترك مساحة من الحرية للفتاة تحت نظر العائلة.. وذلك أسلم من الحرمان المبالغ به والضغط الشديد.. حيث تكون العواقب – بالعادة- وخيمة، لأنه يدفع الفتاة بالبحث عن وسيلة للتحرر بأي طريقة كانت.. حتى لو جلبت العار لأهلها من خلال تصرف أحمق.. كالهروب مع شاب أو.. الخ من تصرفات تؤذيها وتؤذي عائلتها.. فالضغط دوما يولّد الانفجار.
كما وصف الكاتب محاولة شقيق مريم – سفيان- بمنعها ممارسة هواياتها، بصورة موفقة.. فهكذا يكون دور الأخ في المجتمع الشرقي.. يعتبر أن أخته (عَرضَه)..  وبالتالي يحاول أن يكبّلها ويمنعها من القيام بأيّ عمل لا يرحّب به المجتمع.
فكانت تشعر أن وجوده يحدّ من انطلاقها.. وكانت تتمنى غيابه من حياتها.. فلم  تكن تعلم أنها تحبه.. وأن مرضه سيقلقها.. فهو شقيقها في النهاية..
حيث كان هذا الموقف لفتة جميلة من الكاتب.
وقد حاول الكاتب أيضا الدمج بين دور الأخ الرافض لانطلاق أخته.. وبين انتقاده  ليعض نساء الحي اللواتي يلبسن البناطيل والفساتين غير المحتشمة.. ويكثر الحديث عن النساء المسلمات في عصور سابقة، ويقول أنهن كن مسلمات حقيقيات. وكان ينفر من مشاهدة التلفاز.. ويطيل شعر لحيته.. وكان الأب ينصحه دوما أن يبتعد عن التعصب. كما أنه كان السبب وراء خروج أخته من فرقة المسرح.. حيث خشي الأب من أن يقدم سفيان على عمل يؤذي به نفسه، ويعرضهم جميعا لخطر لا يعلم به سوى الله.
وقد كانت لِسفيان مشاركات وطنية في المسيرات والاعتصامات ضد الانتهاكات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين.
أعتقد أنها إشارة واضحة من الكاتب بأن سفيان من المؤيدين لبعض الحركات الاسلامية.
إنّ وصف جمال طبيعة فلسطين وأزهارها موفّق أيضا.. حيث اصطحبنا الكاتب في رحلة علمية عرّفنا فيها على الأزهار والأعشاب والأحجار بأنواعها المختلفة.
أعجبني اعتراض كنعان على مسمى ( العائدين).. فقد كانت تعيش أسرة كنعان لاجئة في عمّان.. وكانت العودة بعد اتفاقية أوسلو.. إذن هم عائدون واوسلوويون.. هكذا كان يتم تصنيفهم. وهذا فعلا ما كان قبل اندلاع الانتفاضة الثانية التي حالت دون حدوث حرب أهلية بين من بقي وصمد على أرض الوطن  وبين العائدين من اللجوء.
وقد كان وصف الكاتب لرحلة عودة عائلة كنعان عبر جسر الأردن مقنعا ومؤثرا.. فقد ذاقوا الأمرّين..  وتعرضوا للذل والمهانة وتعرية الجسد أثناء التفتيش من قبل المحتل.
*ما لم يقنعني  في الرواية:
علاقة الأب بابنته.. فقد كان واعيا متفهما في بعض المواقف.. ولم يكن في أخرى دون تبرير.
دافع عن موقف ابنته عندما ضبطت المعلمة معها كتاب نجيب محفوظ في غرفة الصف.
وكانت مريم دائمة القلق من أن أهلها قد يرغمونها على ترك المدرسة أسوة بعدد من العائلات اللواتي أرغمن بناتهن على ترك مقاعد الدراسة.. مع أن عائلتها سمحت لها بالانضمام الى الفرقة المسرحية.. وسمحت لها أمها بارتداء ملابس السباحة!
كان الأب وطنيا تعرض للاعتقال والتحقيق وغيره من عذابات الاحتلال.. فقد كانوا يضعون الكلبشات في يديه ويعلقونه في السقف..الخ.. هذا ما قاله لابنته بعد دفاعه عنها في المدرسة.. ولم تكن تعلم عنه ابنته شيئا من ذلك..( لأنه ميّال للصمت ولا يتحدث)! لا ادري.. بالعادة يفتخر الآباء ويتحدثون لأبنائهم عن تاريخهم وتجاربهم النضالية التي خاضوها مع الاحتلال.. وخاصة إذا كانت مشرّفة.
ثم ما طبيعة العلاقة بين الأمّ والأب.. لم تكن واضحة أيضا؟
بشكل عام .. الرواية جميلة.. كُتبت بلغة تتناسب والفتيان واهتماماتهم.. غير معقدة.. وغنيّة بالمعلومات.
في الختام .. أهنيء الكاتب على هذا العمل المتمكن الذي -بلا شك- سيغني المكتبة العربية.
وقالت نسب أديب حسين:
يطل علينا الكاتب محمود شقير كل فترة بعمل إبداعي جديد ليجعلنا.. مرة بعد أخرى ننحني احترامًا وتقديرًا لوجود هذا الكاتب  الكبير في حياة أدبنا الفلطسيني.
ولج شقير بقوة مجالات وساحات أدبية كثيرة، ومن آخر إصداراته رواية فرس العائلة التي تشكل تجربته الأولى في مجال كتابة الرواية. وها هو اليوم يطل علينا برواية للفتيان والفتيات بعنوان (كلام مريم) من منشورات الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل 2013. تجربة محمود شقير في هذا المضمار ليست جديدة، فقد سبق له وكتب لهذه الفئة العمرية والتي تعاني من نقص في الانتاج الأدبي العربي الموجه اليها.
ترافق الرواية رسومات للفنان مصطفى خطيب والتي جاءت مناسبة وتحيي أحداث الرواية وتفيدها، وملائمة كيفًا وكمًا للفئات الموجَه اليها الكتاب.
الرواية
جاءت الرواية مقسمة الى فصول كمشاهدات وتعبير ذاتي في معظم الأحيان عن مريم التي في الخامسة عشرة من عمرها، وفي أحيانٍ أخرى عن زميلها كنعان، وأحيانًا يستلم الراوي دفة الحديث لينقل مشاهدًا عن كليهما. ورأيت بهذا التقسيم أمر مفيد جدًا للقارئ يساعده على التركيز في الأحداث، ويمنحه فرصة مقاربة الشخصيتين المركزيتين في الرواية.
تدور أحداث الرواية في رام الله على مدار بضعة أشهر، يتقمص فيها الكاتب والذي من الأنسب أن يكون جد لمريم شخصيتها ونظرتها وتطلعاتها.. وأعتقد أنّه نجح الى حد كبير في هذا.. فلغة الرواية مناسبة لجيل الشخصيات والقراء، وكذلك الأحداث مناسبة في طرحها.
طرحت الرواية قضايا عديدة وأهمها:
– وضع الفتاة والمرأة في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والعربي عامة. فنجدُ أنّ الفتاة تكافح لتنضم لفرقة مسرحية وتشهد الكثير من المعارضات بعد انضمامها، وكثيرات يُمنعن من هذا.. وأخريات يحرمن حتى من الدراسة في المدرسة.
الفتاة مقيدة في علاقاتها الرومانسية كثيرًا، وفي تصرفاتها وملابسها، وأي تصرف في غير مكانه قد يجلب لها الكثير من العقبات، ويقلب حياتها رأسًا على عقب. كذلك التوتر الذي تمرّ فيه الفتاة في جيل المراهقة وملاحظتها لتغير جسدها.. نجد مجتمعنا لا يتيح لها أن تفرح بجسدها، بل أن تخشى منه وتحاول انكاره ونجد الأخ يقول لأخته (جسدك هذا سيجلب لنا العار..)، مما يزيد الضغط النفسي لدى الفتاة.
ـ القضية الوطنية
ظهرت في عدة مواضع كعودة عدد من أبناء الشعب الفلسطيني الى أرض الوطن وما تعرضوا له من تفتيش وإهانة، وذكرى اللجوء والقرى المهجرة. وتوجد اشارة الى الأسر والتعذيب في السجن، حرمان الاخوان من سكان الضفة الغربية بدخول القدس، وقضية هدم المنازل وغيرها. هنا بتسليط الضوء على قضايا الوطن والمعاناة من الاحتلال نرى أنّ جميع أبناء الوطن بجنسيهما يعنيان من هذا الاحتلال، ونشعر عند الانتباه الى  وضع الفتاة والمرأة الفلسطينية  فنرى أنّ الكاتب يلمح الى أنّ المرأة لا تعاني من الاحتلال الاسرائيلي فقط ، بل تعاني أيضًا من تسلط الرجل في خياراتها، وحياتها، بذا فهي تعاني من احتلالين.. وليس احتلال واحد.
قضايا اجتماعية
نراها بأهمية اللقاء بين الطلاب من مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة ليزداد الترابط فيما بينهم.
وبشكل رقيق تحدث الكاتب عن أهمية العلاقة الأبوية المقربة بين الأب وابنته، وحاجة الفتاة لأن تستمع لأحاديث أبيها عن تجربته في الحياة، ووقوفه الى جانبها ودعم مواقفها.
كما ويوجد في الرواية نوع من التحذير من التزمت الديني متمثل بشخصية شقيق مريم، الذي يحاول ان يفرض سيطرته عليها ويمنعها من الذهاب الى المسرح أو المشاركة في أنشطة عديدة. كما ويشير الكاتب الى أهمية الانصاف في البنية العائلية وعدم فتح المجال للأبناء الذكور بالتحكم بمصائر أخواتهن الاناث. وأهمية منح الفتاة مساحة من الحرية لئلا تمضي لأن الكبت يولد الانفجار.
وظهرت في الرواية علاقة حب طفولية بريئة وشفافة بين مريم وكنعان والتي ظهرت هذه العلاقة ايجابية في حياتهما، وكأني بالكاتب يشير الى الأهل بتقبل هذا الأمر ودعم ابنائهم.
أخيرًا الرواية تربوية وتحمل الكثير من الواقعية برؤية تنويرية.
وقال جمعة السمان:
بداية أقول أن هناك فرقا بين الكاتب المُبدع.. والكاتب المبدع المُعلّم.. الكاتب المبدع هو الذي يُقدم لك تاج اللغة مرصعا بأجمل الكلمات.. أما الكاتب المبدع المُعلم.. فهو الذي يُمسك بيد الصانع .. يُعلمه كيف يختار جواهر الكلمات.. وأين يضعها على هيكل تاج اللغات.. أي أن الكاتب المبدع هو المُعلم  الذي يعرف كيف يصنع الأقلام.. وهذا هو كاتبنا الكبير الأستاذ محمود شقير أعظم مثال.
كلام مريم : أرى أنها رواية تُلخّص المأساة الفلسطينية.. أما الكتابة فليست بقلم وحبر.. بل بإزميل ينقش ويحفر في ذهن الفتيان أوالفتيات.. أو من هم.. أو من هنّ في مثل هذا العمر.. مأساة أرضهم.. وتشريد آبائهم وأجدادهم.
هي رواية عدد صفحاتها ست وثمانون صفحة.. إلا أن الهدف وما ترمي وترمز إليه من أفكار وتوعية للكبير قبل الصغير.. قد يتعدى مئات الصفحات.
هي رواية تتجلى فيها الدراسة الواسعة المُتعمقة الواعية .. والإبحار في خفايا وأبعاد ما يجول في نفس هؤلاء الفتية والفتيات.. من حقيقة ووهم وأحلام وخيال.. يتناسب مع مستوى عقولهم وأعمارهم.. جعل اقتطاف ثمرات هذه الرواية سهلا مُمتنعا .. كثير الفائدة..حيث أن الكاتب كان قد راعى أن تكون الأحداث متسلسلة سهلة..والنقلات بين كل مرحلة ومرحلة متواصلة ناعمة.
أعجبني في هذه الرواية:
– أعجبني دقة  تصوير حياة أبناء هذا العمر في مرحلة مراهقتهم.. تطلعاتهم.. طموحاتهم.. أمنياتهم.. أحلامهم.. الخبث البرئ الذي تسرح فيه أفكارهم.. التيه بين الحب والإعجاب..بين مرحلة الشباب والطفولة.
-أعجبني في هذه الرواية جمالية اللغة.. وعنصر التشويق .. والهروب بعقل الطفل الى أجمل مناظر الوطن.
يقول كنعان اقتربت من شجرة صبار .. هي وبضع شجرات أخريات.. كل ما تبقى من قريتنا.. شعرت بألفة نحوها متلفعة بالصمت.. ألقيت نظرة الى الجبال المجاورة.. بدا لي أنني أسمع همهمات خافتة تأتي اليّ من قمم الجبال.
– أعجبني العودة الى ذكريات الطفولة المبكرة..وحلم مريم أنها أمّ…  تهلّلُ  وتُهدهد لإبنتها “صبا”..حتى يٌخدّرها النعاس.. ويجلب النوم الى عينيها.. “صبا” بدها تنام.. لأذبح لها طير الحمام.. ثم تتصدى لها رقة وبراءه طفولتها لتلوم نفسها.. ما ذنب طير الحمام.. لآتُصدّق يا طير الحمام أنا بضحك على “صبا” حتى تنام”.
– أعجبني في هذه المرحلة من العمر..التصوير الدقيق لبداية مرحلة التحرر والتمرد .. وبداية تكوين الشخصية.. حين دخل كنعان الجسر.. ورفض مستاء لهجة ولغة القسوة .. والبعد عن الإحتشام الإنساني.. وإصرارالعدو على تعرية الجسد.
– أعجبني نموذج الأب الواعي الذي يتعامل مع العقل.. الذي وقف الى جانب ابنته ينتصر لثقافة الكتاب.
– أعجبني التسامح الأخوي بين مريم وأخيها.. ونزع الحقد والغضب من صدرها واللهفة والخوف على أخيها حين أن ألمّ به المرض.
– أعجبني احترام الرأي الآخر.. كان ذلك حين أن شذّت صديقتها حنان عن باقي زميلاتها.. وفصّلت لها أمها عند خياطة الحيّ شورتا يصل الى ما تحت الركبة.. ولم تُعلّق مريم.. أو زميلاتها احتراما لحنان وأمّها.
– أعجبني الرسم الصادق لشخصية سفيان “الأخ” النموذج في الأسرة العربية المتسلط على أخواته.. وكم من فتاة ذهبت ضحية مثل هذا الأخ.
– أعجبني الدعوة الى التعقل والتّروي مع ابنة الأسرة.. وعدم الضغط عليها للدرجة التي تجعلها تفر من بيتها.. وتجلب الخزيّ والعار لأهلها.
– أعجبني الدعوة الى الإعتصام وإذكاء الحسّ الوطني.. للتضامن مع الجار الذي هدم الإحتلال بيته.
من كل ما تقدّم.. تُرى لو أننا سألنا أنفسنا .. ماذا قدّمت هذه الرواية للجيل الصاعد نجد أنها أرشدت وعلّمت كل فتى وفتاة قرأوا هذه الرواية الزوايا والأسس التي بنت عليها الأمم الراقية حضارتها.. حب الوطن.. تماسك الأسرة..الأب المثالي كيف يتعامل مع أسرته.. الكرامة.. احترام الراي الآخر..التضامن ووقوف أبن الوطن الى جانب أخيه ساعة الشدّة. وفي الختام.. هي نصيحة لكل فتى وفتاة.. وكل من له هوى في حمل القلم.. ودخول مُعترك الأدب والثقافة.. أن يقرأ هذه الرواية فهي خير مُرشد.
وقال راتب حمد:
لم يتركني الأديب محمود شقير أن أنام في تلك الليلة لشدة ما أدهشني بتلك الصور الابداعية الادبية في كلام مريم،  توقفت قليلا وتساءلت الى أي درجة نحن اليوم بحاجة لمثل  هذا الأدب لهذا الجيل  الذي اختاره كاتبنا، وهو جيل قلّما كتب له في وطننا العربي والمحلي، فقد خرج علينا محمود شقير بروايته “كلام مريم ” وقد بدا الابداع على الرواية من الغلاف الى الغلاف، ولوحة رائعة تجذب هؤلاء الفتية للقراءة، يرسم الكلمات لجيل يبحث عن المغامرات الفارغة، ليصحح المسار ويقول لهم أن هناك الكثير الذي تستطيعون أن تسيروا به بألوان الحب والانتماء الصادق للوطن،  ولا عجب أن أقول لأديبنا ان “كلام مريم ” من أفضل ما قرأت له، وسأقرؤه على طلابي وسأوجههم لمثل هذه الرواية الرائعة بكل ما فيها، فقد عزفت على أوتار وخرجت بموسيقى كلمات، كم نحن بحاجة للكتابة بهذا النمط والتخصص الرائع لجيل لم يكتب له باهتماماته الا القليل، وأقول هل من مزيد .
مريم الفتاة المتألقة الجريئة والخائفة تخطو بثبات وعزيمة بتجربتها الاولى، ما يلبث كاتبنا أن يرسم الفرحة بكل ألوانها على مريم، ليخربش قليلا على المواقف المتباينة في المجتمع، وخاصة مع أخيها سفيان ليقول لنا ان البيت الواحد في الوطن أصبح له خلطته الغريبة ،ما بين مؤيد و معارض، أب متفهم وأخ معارض، وأمّ مرتبكة تريد ولا تريد، تبحث عن إرضاء الجميع مريم و سفيان و الوالد ( زوجها).  تقول مريم “كم أرغب في اطلاق ما في داخلي من طاقات ” البداية مع كنعان العائد الأوسلوي التزام
وتقييد بالمواضيع، وها هم يتهامسون انهم بحاجة أن يقوموا ببعض المشاغبات التي لا تؤذي أحدا، ورغم ذلك فمريم معجبة  بكنعان ولكنها لم تقل له ذلك، ولم تصارحه بمشاعرها نحوه، لأنها تخجل من ظلها كما يقال .
كنعان العائد من الأردن ولطالما كان يحلم بالعودة يناجي الوطن والأهل، يراهم يعيشون على قمم الجبال، وهو اليوم سيطير من الفرح لأنه عائد لتراب الوطن، ولن يمنعه أحد حتى من زيارة القدس القريبة البعيدة، كنعان من جيل أوسلو و لكنه لم ينس أن يصف لنا بشكل دقيق رحلة العودة و الفرق الكبير بين أن يعود الانسان منتصرا، و بين عودته متوسلا راضيا على نفسه، أن يخلع ملابسه وحذاءه أمام جنود الاحتلال ومجنداته،
وكأني بالكاتب يرافق الفلسطيني في رحلة عذاباته مغادرا وعائدا، بكل الأيام التي عاشها من ويلات وألم الحرب، وهدم البيوت والقرى و جعلها كومة من حجارة وحديد …صور متلاحقة تحكي قصة شعب بلغة الشباب، ليتعرفوا على بلادهم جبالا وسهولا، الشجر والحجر والنباتات بأسمائها تغطي  وتحضن الوطن ويحضنها، للدلالة على شمولية المعرفة والارتباط بهذا التراب وحبه. تزداد العلاقة بين كنعان ومريم ولكنها تبقى طاهرة واضحة، وهي أن تبقى معه، وكم تشتاق لتسابق كنعان… يسبقها وتسبقه،
وتعود للبيت متعكرة المزاج لأنها تريد أن تبقى لجانبه.
أما علاقة مريم بأخيها سفيان فرغم معارضتها وموقفها منه، إلا أنها متفهمة لما يقوم به لأنها تدرك أنه الأخ الحريص على أخته، وحتى لو كان هذا المنطق من وجهة دينية،
وهذا ما بينته الصور الداخلية بحيث أظهرته ملتحيا، وهي تتألّم لألمه، وغير قادرة ان تراه في هذا الضعف الذي يسببه له المرض، ورغم ذلك فسفيان يحاور والديه أنه لا يحب أن يرى  مريم على خشبة المسرح .
لم ينس الكاتب أن يدخل الى صراع آخر، وهو الصراع بين الفئات المتجانسة من الفتية مجموعة القدس (عثمان) ومجموعة كنعان ليصل الأمر بينهما للمبارزة، ولكنهما يخرجان متعادلان، ويقرب الفريقان أكثر وأكثر من الأرض، ويخرجان في جولة في احضان الوطن، ليكشف كنعان عن معرفة جيدة بالطبيعة ونباتاتها وسهولها وجبالها،
وكذلك عن البحر الميت، وهو يأخذنا هنا لتخرج مريم تتحدث عن لغة الجسد .
وبين صورة وأخرى يرسمها الكاتب بابداع، تمضي مريم تحاور والدها حول السجن
وعذاباته، تختار الوقت المناسب للمحاورة بين الأب وابنته، والبنت ووالدها ليتفهم كل منا حاجة الآخر .
صورة أخرى قلما نجدها وهي اهتمام كنعان باهداء مريم واعارتها للكتب،
وهذه ميزة غير موجودة في أيامنا هذه .
صورة مريم التي تشارك في الاعتصام من أجل الارض و لكنها ما زالت خائفة،
وخاصة بعدما رأت والدها تحت اقدام الجنود، ولا أحد يعيره اهتماما من جنود الاحتلال و ضباطه .
صورة أخيرة لرام الله هروب / أفراح / رقص و غناء / العاب نارية ، و في اليوم التالي جنازة شهيد، تعبت وأنا أسير في شوارع رام الله، ثم عدت الى البيت الذي قد يتعرض للهدم ذات صباح أو ذات مساء .
وقال رفعت زيتون:
الكلمة موقف والفعل موقف، والإنسان كلمة وفعل، إذن الإنسان موقف. هذه كلمات للكاتب الكبير محمد عبد الحليم عبد الله كنت أقرأها في رواياته، وربما ذكرتها في ندوتنا في أكثر من مناسبة خاصة عندما نكون في مواجهة مع رجال المواقف الذين يعرفون أن الكلمة إما أن تبني جيلا أو تهدم أجيالا. وهذا ما كان أيضا من كلمة وفعل تلك الممثلة التي قامت بدور المدافع عن الأطفال أمام الجنود في المسرحية التي عرضت في مدرسة مريم. تلك الشخصية التي ارتسمت في وجدان مريم، فأرادت أن تكونها، مواجهة  بذلك شخصية أخيها صخرية الفكر، وممسكة بحبال حنان أبيها ومحبته لها لكي تصل إلى غايتها.
استطاع الكاتب الكبير محمود شقير أن يرسم الشخصيات بحنكة الكاتب المجرب فكانت الشخصيات، وخاصة شخصية مريم، مكشوفة أمامنا من الداخل بكل تفاصيلها الدقيقة، وفي كل حالاتها، في سعادتها وخوفها وقلقها وتمردها وترددها وخجلها.
وهنا، وهذا ليس من باب النقد بقدر ما هو من باب الاستفهام وربما الملاحظة،
لماذا غيبت شخصية الأمّ وتأثيرها ما خلا بعض المواقف؟ بينما ظهرت شخصية الأخ والأب وكنعان وحتى عثمان بشكل جليّ ومؤثر أكثر في كلّ الأحداث وفي تكوين شخصية مريم. هل هذا تلميح من الكاتب إلى ذلك المجتمع الذكوريّ المؤثر وتسلّطه على الأحداث أم أن هناك سببا آخر؟
وعودة الى الرواية، زمانها ومكانها وطريقة عرضها، فقد وجدت الكاتب قد استطاع
أن يجعلنا نعيش اللحظة كما هي بوصف رائع، ولغة سهلة ابتعدت عن المحسنات
البديعية وبهرج القول وسحر البيان، وبجمل قصيرة مكثفة وسريعة، تتناسب مع هذه الفئة العمرية وطريقة تفكيرها. وقد صبّ الكاتب جلّ اهتمامه على ما يختلج في النفس البشرية من صراع وتناقضات، ترك أكثرها وخاصة في نهاية الرواية دون حل تاركا للقارئ أن يرى النهايات من زاويته كما يريد.
ملاحظة على بعض الرسومات المستخدمة في الرواية، أن بعضها لم يكن في المكان
المخصص له، فمثلا في صفحة 31 حيث الصورة تتحدث عن جلوس مريم في محل الحلويات بينما الحديث في الصفحة المقابلة كان عن عودتها من خارج البيت وأخيها المريض.
وقفات على بعض الأفكار التي أوردها الكاتب بين السطور وأراد بها أن يلقي
حجرا في بئر ذاكرتنا، لا ليعكر صفو مائها، بل ليذكرنا أننا ما زلنا نحيا في بحر
لجيّ من الجهل والقهر والاحتلال والحرمان والصراع، وكم تؤثر تلك الأمور
في سلوكنا وحياتنا وتكوين شخصياتنا.
– ومن ذلك فكرة الغصّة التي صاحبت ذكر القدس كما جاء في ص36 “كانت رام الله تقترب والقدس تبتعد” وهذه إشارة لهذا الهمّ اليوميّ الذي يعيشه كلّ من حرم منها.
– قضية حلم العودة وما يصاحبها من مذلة عبر المعابر سواء للعائدين أو للمسافرين
والزائرين للوطن.
– السياسة تدخل حياتنا رغما عنا، وقد أدخلها الكاتب دون أن يثقل وزنها كثيرا
في الرواية، ربما رأفة بهذه الفئة العمرية المستهدفة ولكنه لم يلغها من حياتهم.
– قضية الاغتيال السياسي على خلفية حرية الرأي.
– قضية جسد المرأة على أنّه كارثة وهذه نظرة فئات كثيرة من أفراد المجتمع
وبنسب متفاوتة.
وأخيرا فإنّ كاتبنا الكبير أبا خالد يميل إلى كتابة اليوميات، وكأنني وجدته في
آخر فصل من فصول الرواية قد أثّر على شخصية مريم وجعلها تروي باقي
قصتها بما يشبه اليوميات.
وكتب ابراهيم جوهر:
لغة العصافير والواقع المتشظي
في روايته هذه يميل محمود شقير مجددا إلى لغة الحب البريء بين الناس. هذا الحب الذي يخلق الراحة والطمأنينة والحرص والهدوء والسلام الداخلي والمجتمعي. وهو لا ينسى الواقع السياسي القائم ولا الواقع الاجتماعي المرتبط جدليا بسابقه.
تقوم علاقة بين فتى اسمه (كنعان) وفتاة اسمها (مريم) في العمل الشبابي المسرحي، تنمو وتتواصل في المسرح الكبير (مسرح الحياة) خارج خشبة المسرح والتدريبات المتقطعة. و(مريم) الشخصية التي أعطت اسمها عنوانا للرواية تقرر تجريب التمثيل المسرحي حبا في تقليد ممثلة شاهدتها تساعد طفلا وتخلّصه من أيدي جنود الاحتلال.
مريم هنا تقدّم للقاري محبة للمساعدة، وللحياة، فلا عجب أن تنال حقها من حب زميل تعجب بأفكاره وسلوكه وتجربته وشخصه.
جاءت الأفكار والرسائل التي يرسلها الكاتب في (كلام مريم) واضحة لا تحتاج كثيرا من التحليل وإن كانت تثير كثيرا من النقاش بين فئات المجتمع للوقوف على صيغة قيمية تربوية تتناسب واحتياجات الجيل والمرحلة.
الوضوح والإشارة الخفية البيّنة في مضمون الرواية الشبابية واضحة تماما، لأن رواية الفتيان والفتيات عموما، ولدى (محمود شقير) تنحاز إلى الجانب التربوي الإنساني بلغة سلسلة بعيدا عن الرموز المغلقة، والمصادمات العنيفة مع القيم والمفاهيم والمعتقدات السائدة. إنه يقدّم عملا يثير ويشير؛ يثير إعجابا، وأفكارا، وقضايا يجب مراجعتها وعلاجها، ويشير إلى مواطن الخلل والتناقض والعجز القائم في الحياة الاجتماعية.
من هنا بدا انتقاد ثقافة التعصب وترديد المفاهيم والمصطلحات بعيدا عن معناها الجوهري وصدقها الواقعي جليّا ذا تأثير على القارئ، لتدفعه للتوقف عندها والتفكر في مدى صدقها وجدواها، كما ظهر في موقف الأخ وأسلوبه وحكمه المسبق على جسد شقيقته (الذي سيجلب لنا العار)، والسباحة بالملابس الكاملة في البحر، وعدم السماح للفتاة بتنمية موهبتها في التمثيل المسرحي أو غيرها من المجالات…
لفت اهتمامي لغة الكاتب هنا التي جاءت سهلة سلسة في السرد والتصوير ووصف المشاعر بشفافية لذيذة يكاد القارئ أن يلمسها ويعيش أجواءها وظلالها. لقد كانت اللغة تميل إلى مفردات الحب والسعادة والأحلام والمستقبل حين يصف مشهده الروائي في كلام شخصيته، أو تميل إلى قليل من القسوة حين يصف مشهدا قاسيا في الحواجز العسكرية وغيرها.
اللغة الودودة وهي تصف الشخصية الفتية، أو الكاتب الذي أعجب به ( كنعان)؛ نجيب محفوظ لتعرّضه لمحاولة اغتيال بسبب من أفكاره وأعماله الأدبية، جاءت محمّلة بنبض خاص أضحى الكاتب (محمود شقير) يتميّز به.
والكاتب وهو يحرص على اليسر والتسهيل لتقريب المضمون من القارئ الشاب الذي يخاطبه يلامس مشاعر الشباب المتدفقة ويهذّبها واضعا لها حدودا لكي لا تبقى منفلتة من عقالها، وهو لا يصادم قيم المجتمع الوطنية والاجتماعية بل يسعى لرفد العمل الوطني والشبابي بجنسيه؛ الذكور والإناث في إطار من العمل المشترك والعلاقات الإنسانية المسؤولة.
قامت رواية (كلام مريم) على الثنائيات الضدية وما يشبه الحوار الذي أملاه المقابلة بين (مريم) و (كنعان) كجنسين يكتملان معا ليصيرا كلّا واحدا.
عرض موقف الأم المتفهمة، والأب المساند في مقابل الأخ المتشدد الرافض.
وتقف المعلمة والمعلم الذي تأثر بآرائه شقيق (مريم) ومديرة مدرستها وشقيقها في جانب، ويقابلهم الأب والأم المتفهمان لاحتياجات الجيل الجديدة.وكذا الأمر وعي والدة صديقة مريم وبعض صديقاتها ممن قاطعنها، وحرّضن على تصرفها في البحر الميت.
يلفت الانتباه هنا كون الكاتب قدّم صورة متفهمة وداعمة هي صورة الأب غير النمطية التي اعتادت الكتابات تصويرها ممثّلة للمواقف المتشددة. التشدد والآراء المتطرفة جاءت من الأخ وليس الأب، في إشارة إلى الجيل الجديد الذي اعترت أفكاره بعض المواقف المتشددة بتأثير من المعلمين ووسائل الإعلام.
رواية (كلام مريم) تستحق الاهتمام وتثري العمل التربوي بأفكارها وإشاراتها، وتغني لغة التعبير لقارئها ، تلك اللغة السهلة المعبرة الواضحة الجميلة التي أسميها (لغة العصافير).
وقالت رائدة أبو صوي:
بداية الرواية تتميز بالرقي والمهنية والاتقان الشديد في انتقاء أدوات الرواية، صورة الغلاف المعبرة عن القلب واالتعاون والاحلام الوردية وضعت على الغلاف على صورة فراش وطيور وزهور الاقحوان(رمز السعادة)والنجم وبريق الالوان يعبر عما يريد الاديب الاستاذ محمود شقير ان يمنحه للقراء من الفتيات والفتيان وحتى للاكبر عمراً. التعابير السهلة الممتنعة في الرواية تعابير نفهمها جميعنا، ولكن لا يستطيع انتقاءها وتنسيقها الا كاتب متمكن من اللغة. التحدي هذه الفكرة وصلتني من قراءة المقدمة، في البداية اعجبتني قوة شخصية مريم التي شعرت بأنها تتحدث عني وعن جميع الاناث بقوة وروعة. عندما قالت لصديقتها في صفحة (9)حتى الآن لا، لكن ابي سيوافق، أنا متاكدة،والاشارة الى حذاء حنان صديقة مريم رمز للتفاوت بين من تفكر بالابداع والتفوق، ومن تفكر بشكل سطحي بالحياة وباشياء ملموسة، وهذه للأسف صورة غالبية الفتيات في مجتمعنا الفلسطيني .
تحقيق مريم للحلم الذي أرادت تحقيقه أشعرني (بالنشوة)وان الاصرار على تحقيق الهدف هو بداية الطريق نحو النجاح. في صفحة (10)عندما قالت كم أرغب في اطلاق (ما في داخلي من طاقات)شعرت بها تتحدث بلساني. ص(13)تحدث المخرج عن ضرورة التقيد بالمواعيد(فكرة رائعة جدا)ايضا تضاف الى الهدف. ص (15)مريم في ص (14)سن المراهقة وظهور كنعان والافكار التي تراود الفتيات في هذا العمر. ومن يقرأ ما يراود مريم من مشاعر في صفحة (15)يعرف انها تتعرض لنسمة حب جميلة تاتيها من كنعان.
صفحة (18)تتحدث عن الاردن في منتهى الدقة والتفاصيل صورة رائعة، والمعاناة على المعابر واللفتة الى اتفاقية أوسلو وصمته عن الاجابة اذا حققت ما بها من بنود. حقا انها رواية رائعة تستحق القراءة.
وقالت لمى الخيري:
كلام مريم …للأديب محمود شقير رفيقتي هذا الصباح
لأكون صريحة – مع نفسي بالدرجة الأولى – كنت أتوق لقراءة هذه الرواية لأن مؤلفها الأديب محمود شقير.
رافقتني في ساعات الصباح الباكر وفجرت برأسي مجموعة من التساؤلات أخذت مساحة مني خلال النهار ….رواية واسعة وعميقة لم تتجاوز المئة صفحة لكن محتواها يصل مئات الصفحات، أحداثها متسلسلة وسهلة تتناسب والفئة المستهدفة من الرواية … عنصر التشويق رافقني من البداية حتى النهاي.
ركز الكاتب على واقع الفتاة في مجتمعنا الفلسطيني، فمريم هي واقع فتياتنا في المجتمع تخرج من البيت للتعليم، لكنها قد تحرم هذا الحق في أيّ لحظة دون سبب.
أخذت موافقة الأهل للدخول لعالم المسرح وكانت تخشى أن ترى وجه أخيها الذي يطالبها بالابتعاد.
تقرأ رواية خلال الدوام المدرسي لتعترض المعلمة والمديرة وتوجه لها الانذار من باب الحرص عليها – حسب رأيهم – ويدهشها موقف والدها المدافع عن الكتاب وعن نجيب محفوظ فقال : العبرة في المغزى النهائي بالكتاب وليس في كلمة هنا وكلمة هناك.
تخرج برحلة إلى البحر الميت مع فريق المسرح، وتلقي بجسدها في الماء بملابس سباحة اشترتها بموافقة أمها، تتذكر المخرج المسرحي حين قال: إن للجسد لغة، وتتذكر ما قاله أخوها ذات مساء: جسدك هذا سيجلب لنا كارثة.
وهنا بدأت ردود الفعل من عند صديقاتها اللاتي احتقرنها، ثم صرن يتجنبن الحديث معها ليصل الخبر للعائلة، وهنا تظهر ذكورية المجتمع حين يصبح الأخ هو الآمر والناهي، ويسايره الأب، وتمنع مريم من الخروج للمسرح.
ويستثمر أخوها ما حدث مع فتاة بالحيّ منعت من الخروج، فهربت من البيت ليؤكد صحة ما يقوله. يكمل أديبنا الرواية: فتاة هربت وأخرى تزوجت .. هنا سقط شهيد وهناك هدم بيت، وتعود مريم للبيت الذي فد يهدم ذات صباح أو ذات مساء. وتلك هي حكايتنا الفلسطينية
وقالت آمال أبو عون:
بهمّة لا تجارى،  لرواية أكثر من رائعة كان فيها محمود شقير سليل الحكمة في صحراء الكلمة…على عتبات الروايه كمٌ من الحصى التي تشبه الدموع ورماد الأحلام ..تنوع فيها بصور شتى ومشاهد كثيرة. ..مشهد المشاكل الأسريه وتنوع الشخصيات والأفكار في الأسرة الواحده …وقدرة بعض الأبناء على دغدغة قلوب الأباء بتوازنٍ لطيف وحكمة لإستمالة بوصلة أحاسيسهم في تحقيق بعض الرغبات الشخصية. والأحلام التي نمت للتّوّ في مناماتهم. فئة محلقة كطائر حرّ في عنفوانه…يعانق نعيم الحلم…وقلة الحيلة والرعي مع الغيمات.
مشهد أخر لشباب تحت أذيال العجز المسالم لرغبات الأهل وقيود العادات الجائرة، والقاليد العمياء التى ترفض ان ترى بطون أعينها الناعسة، ينام حلم الشباب في سبات أزلي وشعور بالرضا واهبين للزمن دورته المعتادة، كل يحتضن ذراعيه وينام عن حلمه العاقر ..
مشهد التهجير وصداه ورعب الأحلام التي خلفها الأحتلال المذلّ…ذاك الخفاش الكبير المدمن على دماء الجثث ..وذاك الزمن الأسود المخيم كالدخان الراكد على قلب القضية.
مشهد اخر لخيالات الطفولة وانتقالها لمرحلة الشباب، وبداية سماعهم لموسيقى الكون التي تُكره الأنفاس على التلاشي وتخرس  الصمت.
مشهد الأنتقال ومفارقة اصدقاء الطفولة واثرها على النفس والتحول الى عالم جديد ورفقاء جدد والعودة للأرض الأمّ مهما طال السفر ..
مشهد الجسور وتنسم الكبرياء بحشرجة الوريد، وتلك الوجوه المقيتة كبومة في ظلام غابة تواجدهم كلعنة تفتك اعصاب النمل ..
مشهد جمالية بدء العلاقة الأولى واللقاء بالحبيب الأول الذي يربي حبا وسط الغام الحواس ويمضي….مشهد التكافل الأسري وتناسي الخلافات كان الأروع لناظري… عذابات الأعتقال وظلم السجان وتلك الكلاب الآدمية والأفواه الفاغرة الظالمة التي تزرع الحشرات في رؤوس المعتقلين، وتغذيهم باليأس، وتفقدهم عمرهم الممضوغ بالصبر، حرب أعصاب مزمنة ومذكرات دمويهة زرعت في نهايات الأعصاب جحيم السكون وصمت الجنون، فصارت الحرية أثرا ويتما وتواجدا لا معنى له ..
مشهد التعصب الفكري الذي يقوم بمقام شوكة تكفي لفناء خليقة…فلكي تكون حرا أو تفكّر بحرية في وطننا، فتلك تهمة ستحاسب عليها.
مشهد التقسيم ومكائد هوى الاحتلال بسبب تبعات الجدار الاحتلالي وأثره على نفوس الكبار والصغار حتى صار دخول القدس غيمة هاربة، وبات زمام الأرض لعلوج الصحراء وعوانس الصحراء… مشهد مهم جدا وهو ظاهرة الإغتيالات جراء الإختلافات في الرأي وفي الإجتهادات، بلا عزة ودونما حصانات يموت الكثير على عتبات وطن نحرت فيه الطمأنينة. لعنة الخطاف ولعبة أفعى النزاعات وتيه النور،عوانس الأفكار ورعونة النوايا…موت يتنفس في السواقي وعلى ضروع الأشجار وسيقانها في لحظة ..تجمع بين قلوب الأسرة الفلسطينية الواحدة…محمود شقير في هذه الرواية يرسم واقعا ويعلّم أجيالا.
وشارك في النقاش كل من:يحيى حشيمة، سامي الجندي، ميسون حشيمة وربحي الشويكي.

رواية”كلام مريم” لمحمود شقير في ندوة مقدسية القدس: 15-11-2013 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، الأديب الكبير محمود شقير، حيث ناقشت بحضوره اصداره الجديد، “كلام مريم”-رواية للفتيات والفتيان، والتي صدرت عن منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل في رام الله، وتقع الرواية التي صمّمها شريف سمحان ورافقتها رسومات لمصطفى الخطيب في 88 صفحة من الحجم المتوسط.  بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:محمود شقير يؤكد من جديد مواصلته الخوض في عالم الابداع في أكثر من صنف أدبي، فهو يكتب القصّة القصيرة، والأقصوصة، والرّواية، وقصّة الأطفال واليافعين، والرّواية لليافعات واليافعين، وهذا ليس جديدا عليه، بل هو تأكيد جديد على أنّه يحلّق في فضاء واسع من الابداع.   وفي روايته هذه التي خصّصها ووجّهها للفتيات والفتيان يطرق أبوابا تكاد تكون بكرا في أدبنا المحليّ على الأقلّ. إن لم نقل في الأدب العربي على وجه العموم…فهو يطرح واقعا ليس بعيدا عن الخيال، بل هو يخلط الخيال الواقعي بالواقع المعاش، ليطرح بفنيّة عالية ثورة ثقافيّة تتمرّد على الواقع الاجتماعي بسلبيّاته وايجابيّاته، والثورة الثقافية التي يدعو لها محمود شقير ليست ثورة متشنّجة ولا هي مستحيلة التّحقيق. فمريم  طالبة الصّف التاسع، ابنة الخامسة عشرة من عمرها وبطلة الرّواية الرّئيسة، وتعيش في رام الله، وقعت في غواية التمثيل المسرحي بعد أن شاهدت مسرحية، تقوم فيها الممثلة بحماية طفل وتخليصه من قبضة جنود الاحتلال، فاستهوتها الفكرة وقرّرت أن تمارس التمثيل على المسرح، وعرضت الفكرة على والدها، فرفضها بداية، وعارضها شقيقها بشدّة، لأن نظرة المجتمع الى التمثيل والفنون سلبية، لكنها استطاعت اقناع والدها بالموافقة، وشاركت في تمثيل مسرحية مع شباب وشابّات، وصادقت زميلها كنعان. وأعجبت به وأعجب بها، لكنه اعجاب بريء، وكنعان هذا ولد وعاش في عمّان، وهو يحب الرحلات فزار العقبة، ومرّ بالبتراء تلك المدينة الورديّة المحفورة في الصّخور، والتي تأسر قلوب زائريها، كما زار عجلون في شمال الأردن، ومن هناك شاهد بلاده فلسطين، أي أنّه جاب الأردنّ من شماله الى جنوبه بحرّية تامّة، وعندما عاد الى رام الله، هالته الحواجز العسكرية الاحتلالية، التي تحاصر المدن والبلدات الفلسطينية، وتحكم حصارها للقدس الشريف، وهو ينحدر من قرية يالو، إحدى قرى اللطرون التي دمّرها المحتلون بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، وهي”عمواس،يالو وبيت نوبا” بما في ذلك البيت الذي ولد وعاش فيه والدا كنعان، وعملوا على أطلال هذه القرى ما أسموه”منتزه كندا” تخليدا للصداقة الكندية الاسرائيلية. ولمّا كان كنعان ومريم غير قادرين على زيارة القدس والتواصل مع مواطنيها، فقد زارهم فريق رياضي بقيادة الشاب المقدسيّ عثمان، وتسابقوا ولعبوا لعبة شدّ الحبل، وقاموا برحلة في رحاب الطبيعة.غير أن مريم منعت من الاستمرار في التمثيل بعد هروب فتاة من بيت والديها من الحارة التي تسكن فيها.ويتطرق الكاتب الى الغيرة بين الأشقاء الأطفال، من خلال العلاقة المشحونة بالتوتر بين مريم وشقيقها، لكنهما اكتشفا مدى حبّهما لبعضهما البعض عندما مرض الشقيق وأصيب بالحمّى.كما تحوي الرواية مشهدا في رحلة جماعية الى البحر، عندما نزلت الفتيات الى البحر بملابسهن، في حين نزلت مريم بملابس البحر التي اشترتها بمعرفة وموافقة والدتها.وتتواصل الحياة غير المستقرة في رام الله نتيجة وجود الاحتلال، فهناك فتاة تهرب من بيت والديها، وهنااك أخرى تتزوج وتقام لها حفلات الغناء، وهناك جنازة شهيد أيضا، وبيوت تتعرض للهدم من قبل المحتلين. انها التراجيديا الفلسطينية.وقد قلنا أن الرّواية تحمل في ثناياها ثورة ثقافية، أو لنقل تمردا على ثقافة سائدة، ويتمثل هذا من خلال مشاركة مريم في التمثيل مع فرقة مسرحية، وهذا المجال لا يزال مغلقا أمام الغالبية العظمى من النساء الفلسطينيات والعربيات، وكذلك الأمر بالنسبة للسباحة بملابس البحر. وقد شاهدنا في الرّواية أكثر من سباق بين مريم وكنعان، وبين فريقي كنعان وعثمان، وفي كلّ فريق عدد من الفتيات، وهذا دلالة رمزية على أن الحياة لا تستقيم إلا بمشاركة الذكور والاناث. كما أن الرّواية تطرح زيارة القدس ليس من خلال التسلّل اليها، بل بالخلاص من الاحتلال الذي يحاصرها. وأديبنا شقير السارد البارع، وصاحب اللغة الجميلة والثرية، يطرح حكايات الرواية بأسلوب شيّق بعيد عن المباشرة والخطابية والوعظ والارشاد، ليترك الهدف المنشود للقارئ يستنبطه من بين السطور، وهذا هو الابداع.
وقالت ديمة السمان:
أقف مليا أتأمل العناوين التي يختارها الأديب محمود شقيرلأعماله الأدبية. معظمها عناوين تدعوك للاستماع أكثر من القراءة.. وكأنه يقول لك: “قف واستمع سأقول لك أمرا مهما”. “قالت لنا القدس”.. “قالت لنا الشجرة”.. “كلام مريم” أي .. استمع  لتعرف الحكاية.. وهناك أيضا سلسلة ينشرها بعنوان (فسحة من كلام).. أي استمع للكلام.. فهناك ما يستحق الاستماع له.جميعها عناوين توحي لك فورا – حتى لو لم تكن على معرفة سابقة مع الكاتب- أنه مستمع جيدا.. ومن ثم راويا جيدا.. يستطيع أن يصطحبك بفسحة من الكلام دون ملل.مواضيع أعماله غنية.. متنوعة.. واضحة.. وبقدر ما هي بسيطة هي عميقة. وقد اتبع ذات الأسلوب في رواية ( كلام مريم). حيث كان يبتديء كل قسم من أقسام روايته بِـ: قال فلان من شخوص الرواية.. إما  قالت مريم.. أو قال كنعان أو قال عثمان الخ.. كان يترك الشخصية تتحدث عن نفسها.. لتعلمك بتفاصيلٍ لا يمكن أن يعلمها سوى الشخصية ذاتها.فكنا نستمع لذات الموقف من أكثر من شخصية لتصلنا الصورة كاملة.. فعلى سبيل المثال: تتحدث مريم من وجهة نظرها بخصوص اللقاء بينها وبين كنعان.. حيث التقته – صدفة- بعد طول غياب.. ليعرف القاريء لاحقا في الصفحة التي تليها أن هناك بعض الخفايا التي لم تكن تعلمها مريم، فلم يكن اللقاء صدفة بل بتخطيط من كنعان دون معرفتها. أمّا الموقف الذي استطاع شقير أن يصوره وكأنه عدسة كاميرا محترفة.. عندما اقتحمت جرافات الاحتلال أرضا، بوجود كنعان ووالده ومريم ووالدها وشقيقها.كم كانت مشاعر الوطنية متأجّجة لدى كنعان تختلط بمشاعر أخرى من نوع آخر.. عندما أراد أن يعلم مريم أنه “قد يطلقون الرصاص عليه يوما ويردونه قتيلا”.. وكان ينتظر ردة فعلها بعد أن تسمعه.. تخيّلها تبكي.. ثم بكى هو. مشاعر مراهق تتدافع الأحاسيس داخله دون انتظام. هو يعي ما يجري تماما.. ولكنه لم يستطع الا ان يدخل مريم في لوحة أحاسيسه لتكتمل الصورة. يلتفت نحوها.. يبحث عنها.. ولا يجدها بين المعتصمين.. فقد غادرت مكان الاعتصام بعدما بدأ جنود الاحتلال بإطلاق النار. لم يلمها.. ” قد تكون غادرت لأنها خافت.. وهو خاف أيضا”.. هذا ما قاله كنعان.. هو يبرر لها مغادرتها المكان. كم هو رائع هذا المشهد.. ويكتمل.. عندما تحدثت لنا مريم وقالت لنا بأنها احتقرت جبنها.. فما كان عليها أن تغادر المكان. أتقن الكاتب المونودراما.. وجعلنا نتنقّل بين مشاعر كنعان ومشاعر مريم بنعومة. وهذه الفنيّة لا يتقنها إلا الكاتب المحترف.الرواية جريئة.. تطرح قضايا عديدة.. وطنية واجتماعية ونفسية بذكاء. وقد برزت ذكورية المجتمع الشرقي بصورة واضحة من خلال عدة مواقف.القدس ومحاولة عزلها ووجعها وحرمان أبنائها من الفلسطينيين دخولها أبرزها الكاتب أيضا  بأسلوب جميل وغير مقحم.*محطات أوقفتني في الرواية:شعور الأمومة لدى الفتاة المراهقة بدت مقنعة عندما أرادت مريم أن تقوم بدور الأمّ التي تنقذ ابنها من اعتقال جنود الاحتلال.. كما أن حلمها بأن تكون أمّا ( لطفلة أنثى) قبل أن تكون أمّا ( لطفل ذكر).. أيضا مقنعة.. فتربية الاناث أكثر سهولة.. وتشبع وتلبي غريزة الأمومة أكثر. والمختصون بألعاب الأطفال يعون ذلك تماما.. ولذلك تجد معظم الدمي عبارة عن (عروسة أنثى) وليس ذكرا.. فالطفلة تسعد أكثر بعروستها.. تمشط شعرها وتغير لها فساتينها. وبالتالي تعيش دور أمومتها براحة أكثر.  طرح الكاتب الأغنية الشعبية التي تغنيها الأمّ لطفلها عند النوم.. نام .. لأذبحلك طير الحمام.. وتساءلت مريم.. لماذا الذبح؟ ما دخل ذبح الحمام بنوم الطفل؟ ولكنها ارتاحت عندما أكملت الأغنية التي تقول: لا تصدق يا طير الحمام .. بَضحك على (طفلي) حتى ينام.وهذا يجعلنا نعيد النظر في بعض الأغاني الشعبية التي نكررها دون وعي منا.. والتي قد تثير تساؤلات لدى أطفالنا.كما تطرّق الكاتب الى حديث الجدّات.. حيث كان جواب الجدّة على سؤال مريم: من أين جئت؟  (وجدناك تحت الشباك).. فالجدّة ترى أنه من العيب أن يكون هناك إجابة أخرى!أمّا قصص المعلمات في غرفتهن في المدرسة.. فهي قضية تستوجب الوقوف عندها مليا.. فيبدو أن الكثير منهن ليس لهن علاقة لا بالتربية ولا بالتعليم.وقد أجاد الكاتب بخصوص ردة فعل زميلات مريم حين ارتدت ملابس البحر، ونزلت للسباحة.. حيث كان الثمن غاليا: الغيرة أولا..ثم الاحتقار والتجاهل والاهمال من قبل زميلاتها اللواتي نزلن الى البحر بملابسهن التي التصقت بأجسامهن. كما تم تعنيفها من قبل والدها وشقيقها وادارة المدرسة. ونتج عن ذلك تركها لفرقة التمثيل والابتعاد عن كنعان الذي كانت تكنّ له معزة خاصة.وقد دعا الكاتب بصورة غير مباشرة إلى ضرورة ترك مساحة من الحرية للفتاة تحت نظر العائلة.. وذلك أسلم من الحرمان المبالغ به والضغط الشديد.. حيث تكون العواقب – بالعادة- وخيمة، لأنه يدفع الفتاة بالبحث عن وسيلة للتحرر بأي طريقة كانت.. حتى لو جلبت العار لأهلها من خلال تصرف أحمق.. كالهروب مع شاب أو.. الخ من تصرفات تؤذيها وتؤذي عائلتها.. فالضغط دوما يولّد الانفجار. كما وصف الكاتب محاولة شقيق مريم – سفيان- بمنعها ممارسة هواياتها، بصورة موفقة.. فهكذا يكون دور الأخ في المجتمع الشرقي.. يعتبر أن أخته (عَرضَه)..  وبالتالي يحاول أن يكبّلها ويمنعها من القيام بأيّ عمل لا يرحّب به المجتمع.فكانت تشعر أن وجوده يحدّ من انطلاقها.. وكانت تتمنى غيابه من حياتها.. فلم  تكن تعلم أنها تحبه.. وأن مرضه سيقلقها.. فهو شقيقها في النهاية.. حيث كان هذا الموقف لفتة جميلة من الكاتب.   وقد حاول الكاتب أيضا الدمج بين دور الأخ الرافض لانطلاق أخته.. وبين انتقاده  ليعض نساء الحي اللواتي يلبسن البناطيل والفساتين غير المحتشمة.. ويكثر الحديث عن النساء المسلمات في عصور سابقة، ويقول أنهن كن مسلمات حقيقيات. وكان ينفر من مشاهدة التلفاز.. ويطيل شعر لحيته.. وكان الأب ينصحه دوما أن يبتعد عن التعصب. كما أنه كان السبب وراء خروج أخته من فرقة المسرح.. حيث خشي الأب من أن يقدم سفيان على عمل يؤذي به نفسه، ويعرضهم جميعا لخطر لا يعلم به سوى الله.وقد كانت لِسفيان مشاركات وطنية في المسيرات والاعتصامات ضد الانتهاكات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين.أعتقد أنها إشارة واضحة من الكاتب بأن سفيان من المؤيدين لبعض الحركات الاسلامية.إنّ وصف جمال طبيعة فلسطين وأزهارها موفّق أيضا.. حيث اصطحبنا الكاتب في رحلة علمية عرّفنا فيها على الأزهار والأعشاب والأحجار بأنواعها المختلفة.أعجبني اعتراض كنعان على مسمى ( العائدين).. فقد كانت تعيش أسرة كنعان لاجئة في عمّان.. وكانت العودة بعد اتفاقية أوسلو.. إذن هم عائدون واوسلوويون.. هكذا كان يتم تصنيفهم. وهذا فعلا ما كان قبل اندلاع الانتفاضة الثانية التي حالت دون حدوث حرب أهلية بين من بقي وصمد على أرض الوطن  وبين العائدين من اللجوء.وقد كان وصف الكاتب لرحلة عودة عائلة كنعان عبر جسر الأردن مقنعا ومؤثرا.. فقد ذاقوا الأمرّين..  وتعرضوا للذل والمهانة وتعرية الجسد أثناء التفتيش من قبل المحتل.*ما لم يقنعني  في الرواية: علاقة الأب بابنته.. فقد كان واعيا متفهما في بعض المواقف.. ولم يكن في أخرى دون تبرير. دافع عن موقف ابنته عندما ضبطت المعلمة معها كتاب نجيب محفوظ في غرفة الصف.وكانت مريم دائمة القلق من أن أهلها قد يرغمونها على ترك المدرسة أسوة بعدد من العائلات اللواتي أرغمن بناتهن على ترك مقاعد الدراسة.. مع أن عائلتها سمحت لها بالانضمام الى الفرقة المسرحية.. وسمحت لها أمها بارتداء ملابس السباحة!كان الأب وطنيا تعرض للاعتقال والتحقيق وغيره من عذابات الاحتلال.. فقد كانوا يضعون الكلبشات في يديه ويعلقونه في السقف..الخ.. هذا ما قاله لابنته بعد دفاعه عنها في المدرسة.. ولم تكن تعلم عنه ابنته شيئا من ذلك..( لأنه ميّال للصمت ولا يتحدث)! لا ادري.. بالعادة يفتخر الآباء ويتحدثون لأبنائهم عن تاريخهم وتجاربهم النضالية التي خاضوها مع الاحتلال.. وخاصة إذا كانت مشرّفة.ثم ما طبيعة العلاقة بين الأمّ والأب.. لم تكن واضحة أيضا؟ بشكل عام .. الرواية جميلة.. كُتبت بلغة تتناسب والفتيان واهتماماتهم.. غير معقدة.. وغنيّة بالمعلومات.في الختام .. أهنيء الكاتب على هذا العمل المتمكن الذي -بلا شك- سيغني المكتبة العربية.

وقالت نسب أديب حسين:
يطل علينا الكاتب محمود شقير كل فترة بعمل إبداعي جديد ليجعلنا.. مرة بعد أخرى ننحني احترامًا وتقديرًا لوجود هذا الكاتب  الكبير في حياة أدبنا الفلطسيني.ولج شقير بقوة مجالات وساحات أدبية كثيرة، ومن آخر إصداراته رواية فرس العائلة التي تشكل تجربته الأولى في مجال كتابة الرواية. وها هو اليوم يطل علينا برواية للفتيان والفتيات بعنوان (كلام مريم) من منشورات الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل 2013. تجربة محمود شقير في هذا المضمار ليست جديدة، فقد سبق له وكتب لهذه الفئة العمرية والتي تعاني من نقص في الانتاج الأدبي العربي الموجه اليها. ترافق الرواية رسومات للفنان مصطفى خطيب والتي جاءت مناسبة وتحيي أحداث الرواية وتفيدها، وملائمة كيفًا وكمًا للفئات الموجَه اليها الكتاب.الروايةجاءت الرواية مقسمة الى فصول كمشاهدات وتعبير ذاتي في معظم الأحيان عن مريم التي في الخامسة عشرة من عمرها، وفي أحيانٍ أخرى عن زميلها كنعان، وأحيانًا يستلم الراوي دفة الحديث لينقل مشاهدًا عن كليهما. ورأيت بهذا التقسيم أمر مفيد جدًا للقارئ يساعده على التركيز في الأحداث، ويمنحه فرصة مقاربة الشخصيتين المركزيتين في الرواية.تدور أحداث الرواية في رام الله على مدار بضعة أشهر، يتقمص فيها الكاتب والذي من الأنسب أن يكون جد لمريم شخصيتها ونظرتها وتطلعاتها.. وأعتقد أنّه نجح الى حد كبير في هذا.. فلغة الرواية مناسبة لجيل الشخصيات والقراء، وكذلك الأحداث مناسبة في طرحها.طرحت الرواية قضايا عديدة وأهمها:- وضع الفتاة والمرأة في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والعربي عامة. فنجدُ أنّ الفتاة تكافح لتنضم لفرقة مسرحية وتشهد الكثير من المعارضات بعد انضمامها، وكثيرات يُمنعن من هذا.. وأخريات يحرمن حتى من الدراسة في المدرسة.الفتاة مقيدة في علاقاتها الرومانسية كثيرًا، وفي تصرفاتها وملابسها، وأي تصرف في غير مكانه قد يجلب لها الكثير من العقبات، ويقلب حياتها رأسًا على عقب. كذلك التوتر الذي تمرّ فيه الفتاة في جيل المراهقة وملاحظتها لتغير جسدها.. نجد مجتمعنا لا يتيح لها أن تفرح بجسدها، بل أن تخشى منه وتحاول انكاره ونجد الأخ يقول لأخته (جسدك هذا سيجلب لنا العار..)، مما يزيد الضغط النفسي لدى الفتاة.ـ القضية الوطنية ظهرت في عدة مواضع كعودة عدد من أبناء الشعب الفلسطيني الى أرض الوطن وما تعرضوا له من تفتيش وإهانة، وذكرى اللجوء والقرى المهجرة. وتوجد اشارة الى الأسر والتعذيب في السجن، حرمان الاخوان من سكان الضفة الغربية بدخول القدس، وقضية هدم المنازل وغيرها. هنا بتسليط الضوء على قضايا الوطن والمعاناة من الاحتلال نرى أنّ جميع أبناء الوطن بجنسيهما يعنيان من هذا الاحتلال، ونشعر عند الانتباه الى  وضع الفتاة والمرأة الفلسطينية  فنرى أنّ الكاتب يلمح الى أنّ المرأة لا تعاني من الاحتلال الاسرائيلي فقط ، بل تعاني أيضًا من تسلط الرجل في خياراتها، وحياتها، بذا فهي تعاني من احتلالين.. وليس احتلال واحد. قضايا اجتماعية نراها بأهمية اللقاء بين الطلاب من مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة ليزداد الترابط فيما بينهم. وبشكل رقيق تحدث الكاتب عن أهمية العلاقة الأبوية المقربة بين الأب وابنته، وحاجة الفتاة لأن تستمع لأحاديث أبيها عن تجربته في الحياة، ووقوفه الى جانبها ودعم مواقفها. كما ويوجد في الرواية نوع من التحذير من التزمت الديني متمثل بشخصية شقيق مريم، الذي يحاول ان يفرض سيطرته عليها ويمنعها من الذهاب الى المسرح أو المشاركة في أنشطة عديدة. كما ويشير الكاتب الى أهمية الانصاف في البنية العائلية وعدم فتح المجال للأبناء الذكور بالتحكم بمصائر أخواتهن الاناث. وأهمية منح الفتاة مساحة من الحرية لئلا تمضي لأن الكبت يولد الانفجار.وظهرت في الرواية علاقة حب طفولية بريئة وشفافة بين مريم وكنعان والتي ظهرت هذه العلاقة ايجابية في حياتهما، وكأني بالكاتب يشير الى الأهل بتقبل هذا الأمر ودعم ابنائهم.
أخيرًا الرواية تربوية وتحمل الكثير من الواقعية برؤية تنويرية.
وقال جمعة السمان:بداية أقول أن هناك فرقا بين الكاتب المُبدع.. والكاتب المبدع المُعلّم.. الكاتب المبدع هو الذي يُقدم لك تاج اللغة مرصعا بأجمل الكلمات.. أما الكاتب المبدع المُعلم.. فهو الذي يُمسك بيد الصانع .. يُعلمه كيف يختار جواهر الكلمات.. وأين يضعها على هيكل تاج اللغات.. أي أن الكاتب المبدع هو المُعلم  الذي يعرف كيف يصنع الأقلام.. وهذا هو كاتبنا الكبير الأستاذ محمود شقير أعظم مثال.كلام مريم : أرى أنها رواية تُلخّص المأساة الفلسطينية.. أما الكتابة فليست بقلم وحبر.. بل بإزميل ينقش ويحفر في ذهن الفتيان أوالفتيات.. أو من هم.. أو من هنّ في مثل هذا العمر.. مأساة أرضهم.. وتشريد آبائهم وأجدادهم.هي رواية عدد صفحاتها ست وثمانون صفحة.. إلا أن الهدف وما ترمي وترمز إليه من أفكار وتوعية للكبير قبل الصغير.. قد يتعدى مئات الصفحات.هي رواية تتجلى فيها الدراسة الواسعة المُتعمقة الواعية .. والإبحار في خفايا وأبعاد ما يجول في نفس هؤلاء الفتية والفتيات.. من حقيقة ووهم وأحلام وخيال.. يتناسب مع مستوى عقولهم وأعمارهم.. جعل اقتطاف ثمرات هذه الرواية سهلا مُمتنعا .. كثير الفائدة..حيث أن الكاتب كان قد راعى أن تكون الأحداث متسلسلة سهلة..والنقلات بين كل مرحلة ومرحلة متواصلة ناعمة.أعجبني في هذه الرواية:- أعجبني دقة  تصوير حياة أبناء هذا العمر في مرحلة مراهقتهم.. تطلعاتهم.. طموحاتهم.. أمنياتهم.. أحلامهم.. الخبث البرئ الذي تسرح فيه أفكارهم.. التيه بين الحب والإعجاب..بين مرحلة الشباب والطفولة.-أعجبني في هذه الرواية جمالية اللغة.. وعنصر التشويق .. والهروب بعقل الطفل الى أجمل مناظر الوطن.يقول كنعان اقتربت من شجرة صبار .. هي وبضع شجرات أخريات.. كل ما تبقى من قريتنا.. شعرت بألفة نحوها متلفعة بالصمت.. ألقيت نظرة الى الجبال المجاورة.. بدا لي أنني أسمع همهمات خافتة تأتي اليّ من قمم الجبال.- أعجبني العودة الى ذكريات الطفولة المبكرة..وحلم مريم أنها أمّ…  تهلّلُ  وتُهدهد لإبنتها “صبا”..حتى يٌخدّرها النعاس.. ويجلب النوم الى عينيها.. “صبا” بدها تنام.. لأذبح لها طير الحمام.. ثم تتصدى لها رقة وبراءه طفولتها لتلوم نفسها.. ما ذنب طير الحمام.. لآتُصدّق يا طير الحمام أنا بضحك على “صبا” حتى تنام”.- أعجبني في هذه المرحلة من العمر..التصوير الدقيق لبداية مرحلة التحرر والتمرد .. وبداية تكوين الشخصية.. حين دخل كنعان الجسر.. ورفض مستاء لهجة ولغة القسوة .. والبعد عن الإحتشام الإنساني.. وإصرارالعدو على تعرية الجسد.- أعجبني نموذج الأب الواعي الذي يتعامل مع العقل.. الذي وقف الى جانب ابنته ينتصر لثقافة الكتاب.- أعجبني التسامح الأخوي بين مريم وأخيها.. ونزع الحقد والغضب من صدرها واللهفة والخوف على أخيها حين أن ألمّ به المرض.- أعجبني احترام الرأي الآخر.. كان ذلك حين أن شذّت صديقتها حنان عن باقي زميلاتها.. وفصّلت لها أمها عند خياطة الحيّ شورتا يصل الى ما تحت الركبة.. ولم تُعلّق مريم.. أو زميلاتها احتراما لحنان وأمّها.- أعجبني الرسم الصادق لشخصية سفيان “الأخ” النموذج في الأسرة العربية المتسلط على أخواته.. وكم من فتاة ذهبت ضحية مثل هذا الأخ.- أعجبني الدعوة الى التعقل والتّروي مع ابنة الأسرة.. وعدم الضغط عليها للدرجة التي تجعلها تفر من بيتها.. وتجلب الخزيّ والعار لأهلها.- أعجبني الدعوة الى الإعتصام وإذكاء الحسّ الوطني.. للتضامن مع الجار الذي هدم الإحتلال بيته.من كل ما تقدّم.. تُرى لو أننا سألنا أنفسنا .. ماذا قدّمت هذه الرواية للجيل الصاعد نجد أنها أرشدت وعلّمت كل فتى وفتاة قرأوا هذه الرواية الزوايا والأسس التي بنت عليها الأمم الراقية حضارتها.. حب الوطن.. تماسك الأسرة..الأب المثالي كيف يتعامل مع أسرته.. الكرامة.. احترام الراي الآخر..التضامن ووقوف أبن الوطن الى جانب أخيه ساعة الشدّة. وفي الختام.. هي نصيحة لكل فتى وفتاة.. وكل من له هوى في حمل القلم.. ودخول مُعترك الأدب والثقافة.. أن يقرأ هذه الرواية فهي خير مُرشد.

وقال راتب حمد:

لم يتركني الأديب محمود شقير أن أنام في تلك الليلة لشدة ما أدهشني بتلك الصور الابداعية الادبية في كلام مريم،  توقفت قليلا وتساءلت الى أي درجة نحن اليوم بحاجة لمثل  هذا الأدب لهذا الجيل  الذي اختاره كاتبنا، وهو جيل قلّما كتب له في وطننا العربي والمحلي، فقد خرج علينا محمود شقير بروايته “كلام مريم ” وقد بدا الابداع على الرواية من الغلاف الى الغلاف، ولوحة رائعة تجذب هؤلاء الفتية للقراءة، يرسم الكلمات لجيل يبحث عن المغامرات الفارغة، ليصحح المسار ويقول لهم أن هناك الكثير الذي تستطيعون أن تسيروا به بألوان الحب والانتماء الصادق للوطن،  ولا عجب أن أقول لأديبنا ان “كلام مريم ” من أفضل ما قرأت له، وسأقرؤه على طلابي وسأوجههم لمثل هذه الرواية الرائعة بكل ما فيها، فقد عزفت على أوتار وخرجت بموسيقى كلمات، كم نحن بحاجة للكتابة بهذا النمط والتخصص الرائع لجيل لم يكتب له باهتماماته الا القليل، وأقول هل من مزيد .مريم الفتاة المتألقة الجريئة والخائفة تخطو بثبات وعزيمة بتجربتها الاولى، ما يلبث كاتبنا أن يرسم الفرحة بكل ألوانها على مريم، ليخربش قليلا على المواقف المتباينة في المجتمع، وخاصة مع أخيها سفيان ليقول لنا ان البيت الواحد في الوطن أصبح له خلطته الغريبة ،ما بين مؤيد و معارض، أب متفهم وأخ معارض، وأمّ مرتبكة تريد ولا تريد، تبحث عن إرضاء الجميع مريم و سفيان و الوالد ( زوجها).  تقول مريم “كم أرغب في اطلاق ما في داخلي من طاقات ” البداية مع كنعان العائد الأوسلوي التزام وتقييد بالمواضيع، وها هم يتهامسون انهم بحاجة أن يقوموا ببعض المشاغبات التي لا تؤذي أحدا، ورغم ذلك فمريم معجبة  بكنعان ولكنها لم تقل له ذلك، ولم تصارحه بمشاعرها نحوه، لأنها تخجل من ظلها كما يقال .كنعان العائد من الأردن ولطالما كان يحلم بالعودة يناجي الوطن والأهل، يراهم يعيشون على قمم الجبال، وهو اليوم سيطير من الفرح لأنه عائد لتراب الوطن، ولن يمنعه أحد حتى من زيارة القدس القريبة البعيدة، كنعان من جيل أوسلو و لكنه لم ينس أن يصف لنا بشكل دقيق رحلة العودة و الفرق الكبير بين أن يعود الانسان منتصرا، و بين عودته متوسلا راضيا على نفسه، أن يخلع ملابسه وحذاءه أمام جنود الاحتلال ومجنداته، وكأني بالكاتب يرافق الفلسطيني في رحلة عذاباته مغادرا وعائدا، بكل الأيام التي عاشها من ويلات وألم الحرب، وهدم البيوت والقرى و جعلها كومة من حجارة وحديد …صور متلاحقة تحكي قصة شعب بلغة الشباب، ليتعرفوا على بلادهم جبالا وسهولا، الشجر والحجر والنباتات بأسمائها تغطي  وتحضن الوطن ويحضنها، للدلالة على شمولية المعرفة والارتباط بهذا التراب وحبه. تزداد العلاقة بين كنعان ومريم ولكنها تبقى طاهرة واضحة، وهي أن تبقى معه، وكم تشتاق لتسابق كنعان… يسبقها وتسبقه، وتعود للبيت متعكرة المزاج لأنها تريد أن تبقى لجانبه. أما علاقة مريم بأخيها سفيان فرغم معارضتها وموقفها منه، إلا أنها متفهمة لما يقوم به لأنها تدرك أنه الأخ الحريص على أخته، وحتى لو كان هذا المنطق من وجهة دينية،وهذا ما بينته الصور الداخلية بحيث أظهرته ملتحيا، وهي تتألّم لألمه، وغير قادرة ان تراه في هذا الضعف الذي يسببه له المرض، ورغم ذلك فسفيان يحاور والديه أنه لا يحب أن يرى  مريم على خشبة المسرح .لم ينس الكاتب أن يدخل الى صراع آخر، وهو الصراع بين الفئات المتجانسة من الفتية مجموعة القدس (عثمان) ومجموعة كنعان ليصل الأمر بينهما للمبارزة، ولكنهما يخرجان متعادلان، ويقرب الفريقان أكثر وأكثر من الأرض، ويخرجان في جولة في احضان الوطن، ليكشف كنعان عن معرفة جيدة بالطبيعة ونباتاتها وسهولها وجبالها، وكذلك عن البحر الميت، وهو يأخذنا هنا لتخرج مريم تتحدث عن لغة الجسد .وبين صورة وأخرى يرسمها الكاتب بابداع، تمضي مريم تحاور والدها حول السجن وعذاباته، تختار الوقت المناسب للمحاورة بين الأب وابنته، والبنت ووالدها ليتفهم كل منا حاجة الآخر .صورة أخرى قلما نجدها وهي اهتمام كنعان باهداء مريم واعارتها للكتب، وهذه ميزة غير موجودة في أيامنا هذه .صورة مريم التي تشارك في الاعتصام من أجل الارض و لكنها ما زالت خائفة، وخاصة بعدما رأت والدها تحت اقدام الجنود، ولا أحد يعيره اهتماما من جنود الاحتلال و ضباطه . صورة أخيرة لرام الله هروب / أفراح / رقص و غناء / العاب نارية ، و في اليوم التالي جنازة شهيد، تعبت وأنا أسير في شوارع رام الله، ثم عدت الى البيت الذي قد يتعرض للهدم ذات صباح أو ذات مساء .

وقال رفعت زيتون:

الكلمة موقف والفعل موقف، والإنسان كلمة وفعل، إذن الإنسان موقف. هذه كلمات للكاتب الكبير محمد عبد الحليم عبد الله كنت أقرأها في رواياته، وربما ذكرتها في ندوتنا في أكثر من مناسبة خاصة عندما نكون في مواجهة مع رجال المواقف الذين يعرفون أن الكلمة إما أن تبني جيلا أو تهدم أجيالا. وهذا ما كان أيضا من كلمة وفعل تلك الممثلة التي قامت بدور المدافع عن الأطفال أمام الجنود في المسرحية التي عرضت في مدرسة مريم. تلك الشخصية التي ارتسمت في وجدان مريم، فأرادت أن تكونها، مواجهة  بذلك شخصية أخيها صخرية الفكر، وممسكة بحبال حنان أبيها ومحبته لها لكي تصل إلى غايتها.استطاع الكاتب الكبير محمود شقير أن يرسم الشخصيات بحنكة الكاتب المجرب فكانت الشخصيات، وخاصة شخصية مريم، مكشوفة أمامنا من الداخل بكل تفاصيلها الدقيقة، وفي كل حالاتها، في سعادتها وخوفها وقلقها وتمردها وترددها وخجلها.وهنا، وهذا ليس من باب النقد بقدر ما هو من باب الاستفهام وربما الملاحظة،لماذا غيبت شخصية الأمّ وتأثيرها ما خلا بعض المواقف؟ بينما ظهرت شخصية الأخ والأب وكنعان وحتى عثمان بشكل جليّ ومؤثر أكثر في كلّ الأحداث وفي تكوين شخصية مريم. هل هذا تلميح من الكاتب إلى ذلك المجتمع الذكوريّ المؤثر وتسلّطه على الأحداث أم أن هناك سببا آخر؟وعودة الى الرواية، زمانها ومكانها وطريقة عرضها، فقد وجدت الكاتب قد استطاعأن يجعلنا نعيش اللحظة كما هي بوصف رائع، ولغة سهلة ابتعدت عن المحسناتالبديعية وبهرج القول وسحر البيان، وبجمل قصيرة مكثفة وسريعة، تتناسب مع هذه الفئة العمرية وطريقة تفكيرها. وقد صبّ الكاتب جلّ اهتمامه على ما يختلج في النفس البشرية من صراع وتناقضات، ترك أكثرها وخاصة في نهاية الرواية دون حل تاركا للقارئ أن يرى النهايات من زاويته كما يريد.ملاحظة على بعض الرسومات المستخدمة في الرواية، أن بعضها لم يكن في المكانالمخصص له، فمثلا في صفحة 31 حيث الصورة تتحدث عن جلوس مريم في محل الحلويات بينما الحديث في الصفحة المقابلة كان عن عودتها من خارج البيت وأخيها المريض.وقفات على بعض الأفكار التي أوردها الكاتب بين السطور وأراد بها أن يلقيحجرا في بئر ذاكرتنا، لا ليعكر صفو مائها، بل ليذكرنا أننا ما زلنا نحيا في بحرلجيّ من الجهل والقهر والاحتلال والحرمان والصراع، وكم تؤثر تلك الأمورفي سلوكنا وحياتنا وتكوين شخصياتنا.- ومن ذلك فكرة الغصّة التي صاحبت ذكر القدس كما جاء في ص36 “كانت رام الله تقترب والقدس تبتعد” وهذه إشارة لهذا الهمّ اليوميّ الذي يعيشه كلّ من حرم منها.- قضية حلم العودة وما يصاحبها من مذلة عبر المعابر سواء للعائدين أو للمسافرينوالزائرين للوطن.- السياسة تدخل حياتنا رغما عنا، وقد أدخلها الكاتب دون أن يثقل وزنها كثيرافي الرواية، ربما رأفة بهذه الفئة العمرية المستهدفة ولكنه لم يلغها من حياتهم.- قضية الاغتيال السياسي على خلفية حرية الرأي.- قضية جسد المرأة على أنّه كارثة وهذه نظرة فئات كثيرة من أفراد المجتمع وبنسب متفاوتة.وأخيرا فإنّ كاتبنا الكبير أبا خالد يميل إلى كتابة اليوميات، وكأنني وجدته في آخر فصل من فصول الرواية قد أثّر على شخصية مريم وجعلها تروي باقيقصتها بما يشبه اليوميات.

وكتب ابراهيم جوهر:لغة العصافير والواقع المتشظي
في روايته هذه يميل محمود شقير مجددا إلى لغة الحب البريء بين الناس. هذا الحب الذي يخلق الراحة والطمأنينة والحرص والهدوء والسلام الداخلي والمجتمعي. وهو لا ينسى الواقع السياسي القائم ولا الواقع الاجتماعي المرتبط جدليا بسابقه.تقوم علاقة بين فتى اسمه (كنعان) وفتاة اسمها (مريم) في العمل الشبابي المسرحي، تنمو وتتواصل في المسرح الكبير (مسرح الحياة) خارج خشبة المسرح والتدريبات المتقطعة. و(مريم) الشخصية التي أعطت اسمها عنوانا للرواية تقرر تجريب التمثيل المسرحي حبا في تقليد ممثلة شاهدتها تساعد طفلا وتخلّصه من أيدي جنود الاحتلال.مريم هنا تقدّم للقاري محبة للمساعدة، وللحياة، فلا عجب أن تنال حقها من حب زميل تعجب بأفكاره وسلوكه وتجربته وشخصه.جاءت الأفكار والرسائل التي يرسلها الكاتب في (كلام مريم) واضحة لا تحتاج كثيرا من التحليل وإن كانت تثير كثيرا من النقاش بين فئات المجتمع للوقوف على صيغة قيمية تربوية تتناسب واحتياجات الجيل والمرحلة.الوضوح والإشارة الخفية البيّنة في مضمون الرواية الشبابية واضحة تماما، لأن رواية الفتيان والفتيات عموما، ولدى (محمود شقير) تنحاز إلى الجانب التربوي الإنساني بلغة سلسلة بعيدا عن الرموز المغلقة، والمصادمات العنيفة مع القيم والمفاهيم والمعتقدات السائدة. إنه يقدّم عملا يثير ويشير؛ يثير إعجابا، وأفكارا، وقضايا يجب مراجعتها وعلاجها، ويشير إلى مواطن الخلل والتناقض والعجز القائم في الحياة الاجتماعية.من هنا بدا انتقاد ثقافة التعصب وترديد المفاهيم والمصطلحات بعيدا عن معناها الجوهري وصدقها الواقعي جليّا ذا تأثير على القارئ، لتدفعه للتوقف عندها والتفكر في مدى صدقها وجدواها، كما ظهر في موقف الأخ وأسلوبه وحكمه المسبق على جسد شقيقته (الذي سيجلب لنا العار)، والسباحة بالملابس الكاملة في البحر، وعدم السماح للفتاة بتنمية موهبتها في التمثيل المسرحي أو غيرها من المجالات…لفت اهتمامي لغة الكاتب هنا التي جاءت سهلة سلسة في السرد والتصوير ووصف المشاعر بشفافية لذيذة يكاد القارئ أن يلمسها ويعيش أجواءها وظلالها. لقد كانت اللغة تميل إلى مفردات الحب والسعادة والأحلام والمستقبل حين يصف مشهده الروائي في كلام شخصيته، أو تميل إلى قليل من القسوة حين يصف مشهدا قاسيا في الحواجز العسكرية وغيرها.اللغة الودودة وهي تصف الشخصية الفتية، أو الكاتب الذي أعجب به ( كنعان)؛ نجيب محفوظ لتعرّضه لمحاولة اغتيال بسبب من أفكاره وأعماله الأدبية، جاءت محمّلة بنبض خاص أضحى الكاتب (محمود شقير) يتميّز به.والكاتب وهو يحرص على اليسر والتسهيل لتقريب المضمون من القارئ الشاب الذي يخاطبه يلامس مشاعر الشباب المتدفقة ويهذّبها واضعا لها حدودا لكي لا تبقى منفلتة من عقالها، وهو لا يصادم قيم المجتمع الوطنية والاجتماعية بل يسعى لرفد العمل الوطني والشبابي بجنسيه؛ الذكور والإناث في إطار من العمل المشترك والعلاقات الإنسانية المسؤولة.قامت رواية (كلام مريم) على الثنائيات الضدية وما يشبه الحوار الذي أملاه المقابلة بين (مريم) و (كنعان) كجنسين يكتملان معا ليصيرا كلّا واحدا.عرض موقف الأم المتفهمة، والأب المساند في مقابل الأخ المتشدد الرافض. وتقف المعلمة والمعلم الذي تأثر بآرائه شقيق (مريم) ومديرة مدرستها وشقيقها في جانب، ويقابلهم الأب والأم المتفهمان لاحتياجات الجيل الجديدة.وكذا الأمر وعي والدة صديقة مريم وبعض صديقاتها ممن قاطعنها، وحرّضن على تصرفها في البحر الميت.يلفت الانتباه هنا كون الكاتب قدّم صورة متفهمة وداعمة هي صورة الأب غير النمطية التي اعتادت الكتابات تصويرها ممثّلة للمواقف المتشددة. التشدد والآراء المتطرفة جاءت من الأخ وليس الأب، في إشارة إلى الجيل الجديد الذي اعترت أفكاره بعض المواقف المتشددة بتأثير من المعلمين ووسائل الإعلام.رواية (كلام مريم) تستحق الاهتمام وتثري العمل التربوي بأفكارها وإشاراتها، وتغني لغة التعبير لقارئها ، تلك اللغة السهلة المعبرة الواضحة الجميلة التي أسميها (لغة العصافير).

وقالت رائدة أبو صوي:
بداية الرواية تتميز بالرقي والمهنية والاتقان الشديد في انتقاء أدوات الرواية، صورة الغلاف المعبرة عن القلب واالتعاون والاحلام الوردية وضعت على الغلاف على صورة فراش وطيور وزهور الاقحوان(رمز السعادة)والنجم وبريق الالوان يعبر عما يريد الاديب الاستاذ محمود شقير ان يمنحه للقراء من الفتيات والفتيان وحتى للاكبر عمراً. التعابير السهلة الممتنعة في الرواية تعابير نفهمها جميعنا، ولكن لا يستطيع انتقاءها وتنسيقها الا كاتب متمكن من اللغة. التحدي هذه الفكرة وصلتني من قراءة المقدمة، في البداية اعجبتني قوة شخصية مريم التي شعرت بأنها تتحدث عني وعن جميع الاناث بقوة وروعة. عندما قالت لصديقتها في صفحة (9)حتى الآن لا، لكن ابي سيوافق، أنا متاكدة،والاشارة الى حذاء حنان صديقة مريم رمز للتفاوت بين من تفكر بالابداع والتفوق، ومن تفكر بشكل سطحي بالحياة وباشياء ملموسة، وهذه للأسف صورة غالبية الفتيات في مجتمعنا الفلسطيني .تحقيق مريم للحلم الذي أرادت تحقيقه أشعرني (بالنشوة)وان الاصرار على تحقيق الهدف هو بداية الطريق نحو النجاح. في صفحة (10)عندما قالت كم أرغب في اطلاق (ما في داخلي من طاقات)شعرت بها تتحدث بلساني. ص(13)تحدث المخرج عن ضرورة التقيد بالمواعيد(فكرة رائعة جدا)ايضا تضاف الى الهدف. ص (15)مريم في ص (14)سن المراهقة وظهور كنعان والافكار التي تراود الفتيات في هذا العمر. ومن يقرأ ما يراود مريم من مشاعر في صفحة (15)يعرف انها تتعرض لنسمة حب جميلة تاتيها من كنعان.صفحة (18)تتحدث عن الاردن في منتهى الدقة والتفاصيل صورة رائعة، والمعاناة على المعابر واللفتة الى اتفاقية أوسلو وصمته عن الاجابة اذا حققت ما بها من بنود. حقا انها رواية رائعة تستحق القراءة. وقالت لمى الخيري:
كلام مريم …للأديب محمود شقير رفيقتي هذا الصباح لأكون صريحة – مع نفسي بالدرجة الأولى – كنت أتوق لقراءة هذه الرواية لأن مؤلفها الأديب محمود شقير. رافقتني في ساعات الصباح الباكر وفجرت برأسي مجموعة من التساؤلات أخذت مساحة مني خلال النهار ….رواية واسعة وعميقة لم تتجاوز المئة صفحة لكن محتواها يصل مئات الصفحات، أحداثها متسلسلة وسهلة تتناسب والفئة المستهدفة من الرواية … عنصر التشويق رافقني من البداية حتى النهاي. ركز الكاتب على واقع الفتاة في مجتمعنا الفلسطيني، فمريم هي واقع فتياتنا في المجتمع تخرج من البيت للتعليم، لكنها قد تحرم هذا الحق في أيّ لحظة دون سبب. أخذت موافقة الأهل للدخول لعالم المسرح وكانت تخشى أن ترى وجه أخيها الذي يطالبها بالابتعاد. تقرأ رواية خلال الدوام المدرسي لتعترض المعلمة والمديرة وتوجه لها الانذار من باب الحرص عليها – حسب رأيهم – ويدهشها موقف والدها المدافع عن الكتاب وعن نجيب محفوظ فقال : العبرة في المغزى النهائي بالكتاب وليس في كلمة هنا وكلمة هناك. تخرج برحلة إلى البحر الميت مع فريق المسرح، وتلقي بجسدها في الماء بملابس سباحة اشترتها بموافقة أمها، تتذكر المخرج المسرحي حين قال: إن للجسد لغة، وتتذكر ما قاله أخوها ذات مساء: جسدك هذا سيجلب لنا كارثة. وهنا بدأت ردود الفعل من عند صديقاتها اللاتي احتقرنها، ثم صرن يتجنبن الحديث معها ليصل الخبر للعائلة، وهنا تظهر ذكورية المجتمع حين يصبح الأخ هو الآمر والناهي، ويسايره الأب، وتمنع مريم من الخروج للمسرح. ويستثمر أخوها ما حدث مع فتاة بالحيّ منعت من الخروج، فهربت من البيت ليؤكد صحة ما يقوله. يكمل أديبنا الرواية: فتاة هربت وأخرى تزوجت .. هنا سقط شهيد وهناك هدم بيت، وتعود مريم للبيت الذي فد يهدم ذات صباح أو ذات مساء. وتلك هي حكايتنا الفلسطينية
وقالت آمال أبو عون:
بهمّة لا تجارى،  لرواية أكثر من رائعة كان فيها محمود شقير سليل الحكمة في صحراء الكلمة…على عتبات الروايه كمٌ من الحصى التي تشبه الدموع ورماد الأحلام ..تنوع فيها بصور شتى ومشاهد كثيرة. ..مشهد المشاكل الأسريه وتنوع الشخصيات والأفكار في الأسرة الواحده …وقدرة بعض الأبناء على دغدغة قلوب الأباء بتوازنٍ لطيف وحكمة لإستمالة بوصلة أحاسيسهم في تحقيق بعض الرغبات الشخصية. والأحلام التي نمت للتّوّ في مناماتهم. فئة محلقة كطائر حرّ في عنفوانه…يعانق نعيم الحلم…وقلة الحيلة والرعي مع الغيمات. مشهد أخر لشباب تحت أذيال العجز المسالم لرغبات الأهل وقيود العادات الجائرة، والقاليد العمياء التى ترفض ان ترى بطون أعينها الناعسة، ينام حلم الشباب في سبات أزلي وشعور بالرضا واهبين للزمن دورته المعتادة، كل يحتضن ذراعيه وينام عن حلمه العاقر ..مشهد التهجير وصداه ورعب الأحلام التي خلفها الأحتلال المذلّ…ذاك الخفاش الكبير المدمن على دماء الجثث ..وذاك الزمن الأسود المخيم كالدخان الراكد على قلب القضية.مشهد اخر لخيالات الطفولة وانتقالها لمرحلة الشباب، وبداية سماعهم لموسيقى الكون التي تُكره الأنفاس على التلاشي وتخرس  الصمت.مشهد الأنتقال ومفارقة اصدقاء الطفولة واثرها على النفس والتحول الى عالم جديد ورفقاء جدد والعودة للأرض الأمّ مهما طال السفر ..مشهد الجسور وتنسم الكبرياء بحشرجة الوريد، وتلك الوجوه المقيتة كبومة في ظلام غابة تواجدهم كلعنة تفتك اعصاب النمل ..مشهد جمالية بدء العلاقة الأولى واللقاء بالحبيب الأول الذي يربي حبا وسط الغام الحواس ويمضي….مشهد التكافل الأسري وتناسي الخلافات كان الأروع لناظري… عذابات الأعتقال وظلم السجان وتلك الكلاب الآدمية والأفواه الفاغرة الظالمة التي تزرع الحشرات في رؤوس المعتقلين، وتغذيهم باليأس، وتفقدهم عمرهم الممضوغ بالصبر، حرب أعصاب مزمنة ومذكرات دمويهة زرعت في نهايات الأعصاب جحيم السكون وصمت الجنون، فصارت الحرية أثرا ويتما وتواجدا لا معنى له ..مشهد التعصب الفكري الذي يقوم بمقام شوكة تكفي لفناء خليقة…فلكي تكون حرا أو تفكّر بحرية في وطننا، فتلك تهمة ستحاسب عليها.مشهد التقسيم ومكائد هوى الاحتلال بسبب تبعات الجدار الاحتلالي وأثره على نفوس الكبار والصغار حتى صار دخول القدس غيمة هاربة، وبات زمام الأرض لعلوج الصحراء وعوانس الصحراء… مشهد مهم جدا وهو ظاهرة الإغتيالات جراء الإختلافات في الرأي وفي الإجتهادات، بلا عزة ودونما حصانات يموت الكثير على عتبات وطن نحرت فيه الطمأنينة. لعنة الخطاف ولعبة أفعى النزاعات وتيه النور،عوانس الأفكار ورعونة النوايا…موت يتنفس في السواقي وعلى ضروع الأشجار وسيقانها في لحظة ..تجمع بين قلوب الأسرة الفلسطينية الواحدة…محمود شقير في هذه الرواية يرسم واقعا ويعلّم أجيالا.وشارك في النقاش كل من:يحيى حشيمة، سامي الجندي، ميسون حشيمة وربحي الشويكي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات