أوراق مطر نسب أديب حسين المسافر في اليوم السابع

أ
القدس: 10-10-2013  ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة “أوراق مطر مسافر” القصصية للأديبة الشابة نسب أديب حسين ابنة بلدة الرامة الجليلية، صدرت المجموعة التي قدم لها الأديب الكبير محمود شقير وصمم غلافها الفنان المعروف طالب الدويك في شهر أيلول 2013 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 135 صفحة من الحجم المتوسط.
مما يذكر ان هذا هو الاصدار الثالث لأديبتنا الواعدة، فقد سبق وأن صدرت روايتها الأولى “الحياة الصاخبة”عام 2005 وكانت في السابعة عشرة من عمرها.
وفي العام 2009 صدرت لها مجموعة”مراوغة الجدران” القصصية عن دار الهدى في كفر قرع.
وأديبتنا الشابة حاصلة على اللقب الأول في الصيدلة، وهى أحد المؤسسين الرئيسيين للنشاط الشبابي الابداعي “دواةعلى السور” وهي من رواد ندوة اليوم السابع من سنوات.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
وهنا يجدر التنويه بأنه صدر لأديبتنا في العام 2005 رواية تحمل عنوان”الحياة الصاخبة” وصدر لها في العام 2009 مجموعتها القصصية الأولى تحت عنوان”مراوغة الجدران”.
واذا ما أخذنا بالاعتبار عمر أديبتنا المولودة في العام 1987 في بلدة”الرّامة الجليلية” سنجد أنها قد نبغت في الكتابة وهي في سنّ الطفولة، فقد صدرت روايتها الأولى قبل أن تنهي مرحلتها الثانوية، وهذا يضعنا من جديد أمام سؤال الأدب الشبابي، وأن الابداع لا يقترن بسنّ معين، ومن قرأ مجموعة أديبتنا الشابة القصصية الأولى”مراوغة الجدران” لا يحتاج الى كثير من الذكاء ليجد نفسه أمام قاصّة مجيدة، وذات نفس روائي، وفاجأتنا بمجموعتها القصصية من جديد لتؤكد أنّها قاصّة متميزة وواثقة من أدواتها الكتابية وقدرتها الفائقة على القصّ، ومن يعرف أديبتنا عن قرب سيتعرف على عمق ثقافتها وسعة اطلاعها رغم عمرها الصغير، وحتى كاتبتنا نفسها كانت واثقة بعفوية تامة بموهبتها وقدراتها الأدبية، وسعيها الدؤوب نحو زيادة المعرفة من خلال المطالعة، وعشقها للنشاطات الأدبية بل واحتضانها لابداعات الشباب من خلال دورها الرئيسي في تأسيس مجموعة”دواة على السور” الشبابية الثقافية منذ أكثر من عامين. وهنا أستذكر المرّة الأولى التي شاهدت فيها أديبتنا الشابة عندما طرقت ذات مساء خميس قبل حوالي خمس سنوات باب ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، طالبة المشاركة في الندوة، وشاركت في الندوة كقاصّة وناقدة ومواظبة على حضور أمسيات الندوة، كانت في حينه طالبة تدرس الصيدلة في الجامعة العبرية، فرأيت ملامح الطفولة على وجهها، لكنّها وهي التي لم تتجاوز العشرين من عمرها في حينة كانت ترى نفسها كبيرة وبعفوية تامّة كانت تقول “عندما كنت صغيرة…..حصل كذا”فعجبت من أمرها، ومن اعتبارها لنفسها كبيرة لها ذكريات! حتى مازحتها ذات مرّة عندما ردّدتْ عبارتها اللافتة”عندما كنت صغيرة..” وسألتها ماذا جرى معك أيتها العجوز وأنت صغيرة؟ لكن عندما قرأت كتاباتها واستمعت لحواراتها، وجدت نفسي فعلا أمام أديبة كبيرة، كبيرة في إبداعها ونتاجها الأدبي اللافت، وفي بلاغتها وقدرتها في التعبير عن ذاتها رغم عمرها الصغير، حيث فرضت نفسها أدبيا كندّ كفؤ لمن عمرهم أكثر من ضعفي عمرها. عندها استوعبت لازمتها”عندما كنت صغيرة..”
فالقارئ لقصص نسب سيجد نفسه في خضمّ بحر متلاطمة أمواجه، لكنه يستطيع السباحة في مائه، وربما سيغرق في عذوبة مياهه، فهي تنقله من موضوع قصّة إلى قصّة أخرى لتزيده دهشة على دهشة بلغتها الانسيابية الخالية من التكلف، وسيجد أنّها تلتقط أحداث قصصها بعفوية وسهولة رغم عمق المعنى وجماليات اللغة، وهذه من سمات الأدباء المطبوعين، وسيجد صدق انتمائها لشعبها ولأمّتها، تتعذب لعذاباتهم وتفرح لفرحهم وتتألم لخيباتهم وانكساراتهم. وهي لا تتقبل الأمور على علّاتها بل تتساءل عنها وتفكر بها وتحللها، وتستخرج النتائج منها.
والقارئ لقصصها سيجد أنّ أديبتنا الشابة التي جاءت القدس طالبة علم لا تعرف في المدينة المقدسة شيئا، ما لبثت أن سحرت بقدسية المكان وتاريخه وحضارته وعمرانه، وما يتعرض له من سلب ونهب، فسكنتها القدس كما سكنت هي القدس، وأخذت تجوب أسواق القدس وحاراتها وأزقتها ومساجدها وكنائسها، وقراها وتتمعن في سورها، وكأنّي بها تبحث عن عبق تاريخ المدينة الذي لا يكذب، هذا التاريخ الذي يعمل الغزاة على سرقته وتزييفه بعد أن سرقوا جغرافيتها، فترسخت قناعاتها من جديد بأن هذه المدينة لا يمكن أن تكون إلا فلسطينية عربية. وهي بهذا تؤكد أنّ القدس مهوى أفئدة الفلسطينيين أينما كانوا.
وعودة الى قصص المجموعة، ففي قصّة” أشياء لم يجمّدها الصقيع بعد” ص90  نرى المأساة وحالة التشتت والضياع التي يعيشها الفلسطيني الذي تشبّث بتراب وطنه، وبقي فيها أثناء النكبة الأولى في العام 1948، وما يعانيه من اضطهاد قومي وطبقي، فـ”سيلين” بطلة القصة فتاة من الجليل الفلسطيني، أنهت الثانوية العامّة وتريد دراسة الطّب، ولم تقبلها الجامعات المحلّيّة كونها فلسطينية عربية، فغادرت الى موسكو لدراسة الطبّ هناك، وحصلت على إقامة سياحية لمدة ثلاثة أشهر،  ومن هناك أعادوها للحصول على فيزا طالب من سفارة روسيا في تل أبيب كي يسمحوا لها بالاقامة في موسكو، وفي البلاد كانت تعيش حالة يأس واحباط، وعندما سمعت وهي في قطار صافرة إنذار الخطر تنبئ باطلاق قذيفة من قطاع غزة، لم تختبئ تحت المقاعد كما فعل بقية الرّكاب، وهناك رأت شابا عربيا لم يختبئ هو الآخر، وهنا بدأت التساؤلات، حول حرص اليهود على حياتهم، وأخذهم الاحتياطات المبالغ فيها للحفاظ على الحياة، بينما الفلسطينيون يخرجون الى السطوح والشرفات لرؤية ما يجري بدلا من الاختباء في الملاجئ إن توفّرت، وبالرغم من وقوع خسائر في الأرواح بينهم أثناء حرب اسرائيل على لبنان في صيف العام 2006، ” حين تطلق الصافرات وتنطلق الصواريخ…فيما هم يسارعون الى الملاجئ ويتخذون حيطتهم، نحن لا نكتفي بعدم وجود ملاجئ مناسبة لنا، بل نسارع الى السطوح والشرفات…لنرقب موقع سقوط الصواريخ..ماذا نسمّي هذا؟” ص96. وهنا يثير العربي سؤالا قد لا يثار في أيّ بقعة من بقاع العالم وهو:” هل تعتقدين أنّه يوجد شعب غيرنا يفرح حين تسقط على بلاده القذائف؟” والجواب هو: بالتأكيد لا…لكن فرح الفلسطينيين في اسرائيل عندما تسقط القذائف من باب” شريك الخر…اخسر وخسره”.
ولما حصلت”سيلين” على فيزا اقامة في روسيا من أجل الدراسة، وذهب والدها ليقترض من البنك لتغطية مصاريفها، شاهدت على شاشة التلفاز طالب الطبّ الغزاوي الذي قابلته في موسكو يرد على سؤال صحفي عن اسباب عودته الى غزة والحرب دائرة عليها، أجاب:”أتيت لأدعم بلدي وأقدم الافادة لأبناء شعبي…ولأنني شعرت في هذه الحرب كم تحتاجني غزة”ص100.
فتأثرّت بالموقف واتصلت بوالدها قائلة:” أبي لا تطلب القرض…لن أسافر.”ص101. وهنا تنتهي القصّة.
وهنا تتجلّى أديبتنا بطرح موقفها بفنّيّة عالية بعيدة عن المباشرة، وعن الخطابية، بدعوتها الفلسطينيين الى الصمود على أرضهم مهما كانت التضحيات.
وقالت رشا السرميطي:
عنوان المجموعة استوقف روحي طويلاً قبل البدء بقراءته، فرحت أحلِّق ما بين لوحة الغلاف التي هي للفنان طالب دويك الذي أعتبر نفسي من أشدِّ المعجبين بنبض ريشته، ومابين موسيقى الحرف في تكوين المعنى، على بساط من الخيال الذي اصطحبني مرغمة بأن أترك مشاغلي وأغوص وزورق أفكاري بلا مجاديف، في رحلة مجهولة، عنوانها: أوراق مطر مسافر. تضمنت احدى وعشرين، غيمة، محطة، ربما قصَّة كما أسمتها كاتبتنا. سألت نفسي: هل يسافر المطر أم أنَّ أوراقه تسافر؟
شعرت بأنها لم تختر هذه العنوان عبثًا لمجموعتها القصصيَّة، أو المحطَّات الفكريَّة، التي قصدت ربما من ورائها أن تقول للقارئ توقف. وعلى عكس العديد من الكتَّاب الذين يطلبون من القارئ أن يتابع حتى آخر حرف في الكتاب، كنت كلَّما مررت على قصة أرى طيفًا لها يقول لي: توقفي. نسب دعت في مجموعتها للتأمل والتَّفكير في حالنا، كتبت عن وجع الغربة وحزن العشاق، تحدثت عن الهوية والأرض وحاكت آلام شعوب الخيام، الخيمة التي يعيب البعض منا من يسكنها، من أبناء المدن والقرى، أعتقد بأننا اليوم مهددون بسكناها بعد هذا الانحدار الشاسع في شأن قضيَّتنا الفلسطينية. حملتني الكاتبة مابين أذرع كلماتها المليئة بالحب والحنان، وقد تجلَّى ذلك في قصصها: أمل، أحلام صغيرة ودروب ضيِّقة، أشياء لم يجمدُّها الصَّقيع، مع الرِّيح وخلف العاصفة، وغيرها. ومما أختار لأكتب عنه مغرمة بقراءته من قصص كاتبتنا: وصايا الياسمين. رغم اعجابي بالمجموعة كاملة، اذ لديها من الحنكة اللغوية والبناء النصّي القصصي المتين الذي شدّني كقارئة، لأتشوق في المتابعة بمرح، وجدت لهفتي للقراءة تزداد عنوانًا بعد الآخر.
وصايا الياسمين:-
مررت على عبير حبر الياسمين الشَّذي الذي كتبت من نبع نقائه كاتبتنا كلمات قصتها، وأمّ خليل التي حملت قصّة الوطن والقرى المهجرة التي قوى أهلها على فراق نسائم الياسمين فيها، هم غابوا ثمَّ رحلوا، ولاعائد وصل أو اتصل حتَّى الآن، والياسمين لم يزل في نقائه وفيًّا ينتظر. القصة كانت معبرة جدًا من رنين الواقع، أتقنت الكاتبة إيصال فكرتها بأسلوب قوي وبلاغة عالية، حتَّى أنها مرَّرت عبر ما قصَّت لنا رسالة لجميع الأبواب المقفلة على أحزانها وآلامها، لأن تسرع جميعها وتفتح أبوابها للأمل، وأن نستعيد وحدتنا ونضم أوجاع بعضنا جيرةً وشعبًا. خليل المغترب الذي يئس من قضيته وبات يبحث عن الأمان له ولأمّه خارج حدود الطمأنينة، يمثل حالة للعديد من شبابنا وشاباتنا الذين تاهوا عبر السنين، ولا أجمل من ذاك القفل الذي وصفته الكتابة، وأخذتني معه إلى أيام دارنا وجدَّتي وتفاصيل حكايات بريئة نفتقدها اليوم ، في الأمس لم نكن نخشى، ولا كانت همّنا الأبواب، رغم اختزال الصور برعت الكاتبة في المقارنه مابين حياتين قبل نكبة 1948 وبعدها، وما قبل الوطن ومابعده، بقيت أمّ خليل تمثِّل الشُّرفاء الباقين حتَّى تشرق الحريَّة التامة على فلسطين. القهوة خير جليس مع عتبة دار وغصن من الياسمين وامرأة كست أحلامها تجاعيد السنين.
أقولها بفخر لأخت رائعة قلمها سيال ويعجبني بعطره المنثور فوق الأوراق، نسب: أحسنتِ، وأبدع قلمك ليزيد رصيدك الأدبي في قلوب من يحبّونك ومن لايحبّونك من القراء، أنتِ بهذه المجموعة القصصيَّة ملأت المكان ببراعة فراشة تجبر الزَّهر أن يتفتَّح كي تؤدي لعبتها مع الرَّحيق.
وقال عيسى القواسمي:
نسب اديب حسين تفتح اوراق مطرها المسافر .
منذ قدمت تلك الشابة الحييّة من قريتها الرامة الجليلية لتبسط قلمها في صفحات القدس ما إنفكت نسب تلون بكلماتها الغيم فتسقط أحرف المطر، ثم ما يلبث هذا المطر بأن يسافر الى مدن أخرى حاملا معه ترانيم ما تلتقطه عيناها، وما سطرته أناملها بأحرف من وجع المدينة وغربة أهلها، ومعاناة أزقتها وربما مع القليل من الفرح .
والكاتبة نسب هنا تتحايل على مفردات اللغة لكي تصوغها حسب الشعور بها في لحظة إندماج آنية تريد لها أن تعانق السطر من أجل اﻹكتمال بالمفهوم السردي الشيق للمعنى والرمز القصصي. والذي وجدت الكاتبة فيه مساحات من التفريغ الذي ﻻ شك كان قد تراكم في زوايا روحها طيلة تبصرها في الواقع المعقد. ذاك الواقع الذي أرادت نسب لنا اﻹنتباه اليه وفي تحايله على الزمان والمكان ليبقي على هويته وتاريخه .
تحاول نسب نسج قصصها بعد أن يكون مفهومها للحدث قد اكتمل في ذاكرتها واصبح قادرا على التحول الى كلمات تخبر عن ذاتها .
تبدأ اﻹهداء عن عجز الرهام والزوابع في التغلب على اﻷفق، ثم تعرج على حنايا أمّها. وللكاتب الكبير محمود شقير كلمة المقدمة التي اشار فيها واطال بمزايا نسب عبر نقدها ورؤيته لقصصها .
في قصتها ( إحتماﻻت قليلة …مسافات اقصر) . أظهرت الكاتبة مقدرتها على فتح افاق أمام المتلقي لطرح أسئلة عدة فكان التخيل يتساوى مع الواقع في سردية بنيوية ما لبثت أن تقمصت الحكايا وقصصا مفعمة بالفلسفة الخاصة بها تحاكيها بواقعية وأحيانا بالتكهن المباح .
ثم إنّ هناك أفق اﻹغتراب فاردا جناحيه في وطن كان لنا ثم أصبح للغرباء . تغتالنا فيه الذكرى كلما فتحنا فيه نافذة للأمل .. وكان واضحا ذاك الشعور في همسات الغرباء عبر هواجس نسب عند مدامع المدينة .
ومن المدن والسراب والحلم والموسيقى تستخرج نسب أدقّ تفاصيل المعاناة التي رأيناها تصاحبها عبر ظلها في عزف مضى ﻻ يعيدها الى شذرات طفولتها. فتتوقف عند فقدان بعضها الذي خلفه موت والدها وهي في سنّ الطفولة المبكرة فكانت تحيك ملابس وجودها من هذا الفدان والذي ﻻ زال يمدها بأسباب الوجود .
ثم انها تمرر لنا في اثمال الذاكرة ما لم تحجبه رياح القلب لكي تبقي على انكسارات روحها تحلق في امكنة بعيدة عن اﻹعتراف المتأخر للعشق .
ونراها تعرج على وتر موسيقي فيتأخر الحبيب، ولكنه حين يأتي يكاد العزف يلغي شكواها . وهي تقسو إليه لينجح في إثبات وجوده فتكتمل الصورة..
وفي رؤيا أخرى لها عبر الخيمة التي ترسخت في مفاهيمنا نحن لتكتشف أنّ هناك مفاهيم أخرى للخيمة غير تلك التي في الذاكرة وأمام أعيننا .وفي مجمل قصصها نكاد نكتشف خفايا ما في داخلها من رموز وإسقاطات.
وقال جمعة السمان:
نسب أديب حسين هدية أهل الشمال.. معقل الثقافة والأدب والفن.. قلم جاء يٌلوّن بستان ثقافتنا بألوان فراشات الربيع.. فأحببناها وكانت لها ندوة اليوم السابع بستانا خصبا.. دافئا أمينا.. زرعت فأورق قلمها إبداعات لوّنت المكتبة العربية بأجمل نصوص الثقافة والأدب.. لتمتعنا أخيرا بمجموعة من القصص القصيرة.. جمعتها في كتاب بعنوان ” أوراق وطن مسافر”.
“أوراق وطن مسافر” قصص قصيرة.. إذا كانت تتميّز بسحر ورشاقة وعذوبة اللغة.. فالفكرة والهدف ما كانت لتقل عن فائدة وجاذبية وجمالية اللغة.
بعد أن قرأت جميع قصص “أوراق مطر مسافر” بدقة وروية.. خرجت ببعض الملاحظات.
– أغلب القصص كُتبت بلغة الرواية.. أي بأسلوب النفس الطويل.. ودليلي السرد الطويل ودقة التفاصيل.. والإسهاب بالتوضيح.. وركوب جناح الخيال.. خصوصا القصة الأخيرة “بين البحر والصحراء”.
– تكرار الحديث عن المطر جعلني أشعر أن لمنظرالمطر إيحاءات لا تستغني الكاتبة عنها.
عدد قصص الكتاب اثنتين وعشرين قصة.. وحتى لا يطول عدد صفحات النقد والتحليل.. اخترت بعضا منها.
“هي أسمال بالية”: اخترت هذه القصة لأنني وجدت فيها شيئا من شخصية الكاتبة كما أعرفها.. معتمدا على المقولة .. أن حبر قلم الكاتب من دواة قلبه.. وأن هذا الحبر من عصارة ما يعتمل في نفسه.. ويجيش به صدره من لواعج وأفكار وأحداث تركت بصمة على مسيرة حياته.. لتظهر أخيرا على صفحات ما يهمس به قلمه من حكايات وقصص وروايات.. وإن دلّت هذه القصة على شيء .. فهي تدل على أن بطلة القصة جدّية جدا.. وصاحبة قرار.. وهذه الشخصية قريبة جدا من شخصية زميلتنا الكاتبة نسب حسين حسب معرفتي بها.
جرفتني الكاتبة برقة وعذوبة عاطفة كلماتها في بداية القصة لدرجة أنني تمنيت لو أنها تغفر من أجل عيون حبيب نادم.. ووساطة ممرضة رق قلبها .. أشفقت وتألمت على وجع حبيب تائب.
حتى وإن كان في هذه القصة شموخ اللغة وعظمتها.. فالحسّ الإنساني كان أعظم.. رغم أن الفكرة ليست جديدة.. لكن الأسلوب كان بصمة انفردت به الكاتبة عن كل من كُتب في هذا الموضوع.. مدعومة بكرامة جرح مفتوح بسكين حبيب.
جدائل الألحان والحروف: أعجبني في هذه القصة بالإضافة الى مفاجآت البداية والنهاية.. حديث البطلة مع نفسها.. فالحديث كان بوحا عن أساليب المرأة وميلها الطبيعي ومتعتها أن ترى الرجل يتلوى على صفيح ساخن.. من أجل أن تبتز منه كلمات غزل تُعزّز بها غرورها.. وكأن في هذا انتعاش لأنوثتها.. حين كانت تتساءل.. ماذا سيفعل بي.. هل سيحاول أن يُقبلني..؟؟.. لا لن أترك له مجالا ليفعل فعليه أن يسعى كثيرا حتى يحصل على هذه القبلة.
“خيمة”:
قصة خيمة.. حصل أن أقيمت بعض الخيمات ذات اللون الأبيض في الجامعة العبرية “جبل المشارف”.. وفي بعض مراكز المدن في كل من تل أبيب وحيفا وأسدود..أما هدف أصحاب هذه الخيم .. فكان المطالبة بالحقوق الإجتماعية .. وصدف أن تعلّقت نظرات بطلة هذه القصة بكوفية تُحيط بعنق فتاة يهودية مُلونة.. لكنها ليست مثل كوفية بطلة القصة.. فهي لا تُغيظ عدوّا ولا محتلا يرضخ للحق ويعيد المسلوب الى أصحابه.
امتعضت البطلة حين ابتسمت لها الفتاة اليهودية ببسمة شاحبة.. ولسان حالها يقول.. ماذا تُفيدني بسمة ودّ شاحبة وسكّينها تحزّ رقبتي.. ماذا يُفيدني شبح بسمة وسكّين غدرها يسكن خاصرتي..؟؟
“فوق الركام وخلف الدخان”:
هي قصة عائلة فلسطينية استشهد ربّها مناضلا.. ودمرت قنابل الغدر بيته لتستشهد طفلتاه.. وتخرج الأمّ وطفلها محمد من بين الركام….صوّرت الكاتبة المأساة الفلسطينية بقلم يًوجع قلب القارئ.. ويجعله حاقدا.. وشاهدا على وحشيّة الإحتلال….قصة كان يصعب على يد الخيال أن ترسمها.. ولكن الكاتبة رسمتها وصورتها بحيث أنها جعلتني أسمع صوت الإستغاثة.. وأرى الأم وولدها محمد يخرجان من بين الرّكام وكثافة الدخان .. كأنه انفجار بركان.. أعمى عيون العالم عن رؤية بشاعة الإحتلال.
“شتاء آخر دونك”
قصة جميلة .. مقهى وعشيقة وعشيق.. أعطت فيها الكاتبة جوّا جميلا دافئا للعشق.. ولكن النهاية كانت هي الأجمل.. فلم يكن ليتوقعها قارئ.. حين قال قائل.. كم هي رائعة..إنها خطيبة أسير محكوم عليه بمؤبّدين.. وإذا بالقارئ بعد أن كان بعيش جوّ الرومنسية والحب.. يجد نفسه فجأة أمام قصة بطولة إخلاص ووفاء وتضحية.. وإصرار من خطيبة على التمسك بخطيبها.. رغم فقدان الأمل في أن تجمعهما ذات يوم وسادة.
“أحلام صغيرة.. دروب ضيقة”
هي قصة أبدعت فيها الكاتبة في وصف مأساة أطفال فلسطين.. في شخص الطفل الفلسطيني “صلاح” .. الذي هدم الإحتلال بيته.. واندثرت ألعابه بين ركام البيت.. ليصبح لاجئا في خيمة دون سرير وألعاب واحلام..
أتساءل كم من “صلاح” خلّف الإحتلال على مدى خمسة وستين عاما.. يُقوّضون أحلام أطفال على شاكلة الطفل الفلسطيني صلاح..؟؟
“عبق لزمن عابر”:
قصة الصديق الإنسان.. الذي يحرص على شعور صديقه.
“سهى” صيدلانية تعمل في قسم مختبر إعداد الأدوية السامة.. لها صديقة مريضة بمرض يحتاج الى المعالجة بالأدوية السامة التي هي نفس اختصاص صديقتها الصيدلانية “سهى”.
كانت المريضة تصر على إخفاء أمر مرضها.. وتحرص كل الحرص على أن يكون سرّا لا يعلم به أحد.. الى أن ذهبت ذات يوم الى العلاج في المستشفى.. وكم كانت دهشتها.. حين تصادف وأن التقت وجها لوجه مع صديقتها الصيدلانية سهى.. حيث أنّها كانت تجهل أن صديقتها تعمل في نفس المستشفى.. وأنها على علم بأمر مرضها.. بسبب أنّها الممرضة التي على اطلاع بأحوال جميع المرضى الذين يحتاجون الى مثل هذه الأدوية التي هي من إختصاصها.. إلا أنّ الصيدلانية لم تسأل صديقتها عن سبب وجودها في المسشفى حرصا على شعورها ومن أذى قد يعكّر صفو حياتها.
تخلصت المريضة من صديقتها بحجّة أن زوجها قد حضر الى المستشفى ليصطحبها.. وذهبت كل منهما في طريق.
جاء دور المريضة وكشف عليها الطبيب وخرجت بصحبة زوجها لتسأل إحدى الممرضات .. ما هو عمل صديقتها سهى في المستشفى..؟؟ وكم كانت المفاجأة كبيرة حين أعلمتها أن صديقتها سهى تعمل في قسم الأدوية السامة المختصة بمرضها.
ما أصعب أن تظن أن سرّك في أمان.. بعيدا عن لسان أيّ إنسان.. وإذا بك تفاجأ بمن يواجهك بما كنت تعتقد أنه السر الذي تحتفظ به لنفسك.. وكم تقدّر الصديق الإنسان الذي على علم بسرّك ولا يبوح به حرصا على شعورك.. وخوفا من أذى قد يلحق بك .
كانت النهاية مفاجأة أعطت القصة زخما وجمالا.
أشياء لم يّجمدها الصقيع بعد:
هي قصة تلاميذ احتاروا في أداء الواجب بين الوطن.. وبين تكملة علمهم الجامعي.. في هذه القصة تُحمّل الكاتبة شباب الوطن مسئولية الدفاع عن الوطن
ليضعوه في أوّل مسئوليات حياتهم.. حتى وإن أوجبهم الإختيار بين نصرة الوطن
والعلم .. أن يختاروا نصرة الوطن.
قصة هادفة.. تحثُ أبناء الوطن على الدفاع والتضحية من أجل وطنهم.
إنسياب الذاكرة:
هي قصة طفلين جارين.. فرق بينهما سفر عائلة أحدهما الى بلاد الغربة من أجل لقمة العيش.. ليعود الصديق الغائب بعد اثني عشرة عاما مشتاقا لصديقه.. ليواجه صدمة خبر وفاته.
لا شك أن الكاتبة أعطت في هذه القصة مرحلة الطفولة حقها.. وأظهرت تاثير وأهمية هذه المرحلة على جميع مراحل حياة الإنسان.. حيث كان حبر قلمها من دموع صديق تغيّب عن صديق طفولته مدة اثني عشرة عاما ليعود متفاجئا بخبر وفاته.
وصايا الياسمين:
هي قصة ذات هدف .. فيها النصح والتجربة والتحذير.. من العودة الى إعادة خطأ ارتكبه الاباء والأجداد.. حين هجروا بيوتهم.. فالكاتبة أصابت حين قالت عن لسان عجوز.. تُحدّث عن الخوف الذي أفزع الأهل وجعلهم يفرون طالبين النجاة بأرواحهم هاجرين بيوتهم.. لو أن الأهل صمدوا ولم يتركوا بيوتهم.. ما دخلها اشباح .. ولا احتلها دخيل مستوطن.. ولا كان في أشتات الأرض مخيمات لاجئين فلسطينين.
صور بالكلمات اعجبتني:
– كأنما الألحان تتسلل بين قطرات المطر.. ص 38
– يقتل أحزانه على أوتار آلته.. ص 52
– لا لن تٌعد قلبها لإحتمالات الغياب.. ص 52
– تٌرتب أنامله في كفها.
– كيف تعترف أن زوجها وحبيبها صار عنوانه تلك الخيطان الصوفية.ص61
– تظهر أضواء بعيدة من النوافذ .. فالبحر ابتلعه الليل..ص64
– متّشحة بالسواد .. يختلط لونها بعتمة الغرفة72
– لا بد ان يُذيب صخب المدينة ظلك ص 120
– يرتفع المدّ يتسلق ساقي..ص 122
– أتعثر بظلك كيفما سرت ص 123
– أخبرتك منذ التقينا أنني أخشى اعتيادك..ص120
في الختام لا شك أن أوراق مطر مسافر مجموعة من القصص الهادفة الشاملة المحببة.. التي ترضي جميع الأذواق.؟. فيها ألتوثيق.. والتذكير بالقضية الفلسطينية.. والحثّ على الجهاد والمقاومة.. هذا الى جانب الرومنسية بما فيها من قصص الحب.. تغوص الكاتبة في قلوب المحبين وتتحدث عمّا يعتمل فيها من سعادة في رحلات لقاء.. وعذاب البعد والفراق ساعة خصام.. إخلاص ووفاء.. غدر وخيانة.. حقا أنه كتاب إذا قرأته لن تنساه.
وكتب ابراهيم جوهر:
تغوص الكاتبة (نسب أديب حسين) في دواخل شخصياتها لتستجليها وتقف على معانياتها وأحلامها وعلاقاتها الإنسانية الودودة أو تلك المشوّهة العدائية.
بهدوء باد في لغتها وإيقاع حركتها تعمل عدسة التكبير لدواخل شخصياتها، إنها تنقل معاناة الإنسان وأحلامه بمستقبل يغمره الحب والأمان والهدوء في وطن يعيش فيه الإنسان مثل العصافير التي لا يهمها سوى غنائها في يومها الجديد.
وفي سبيل هذه الغاية التي بدت مسيطرة على قصص الكاتبة اختارت شخصياتها من المحيط الذي تتنقل فيه وتعيش وترى؛ فنجد المريض والطبيبة والعاشق الذي لا يعترف بعشقه والعاشقة التي تنتصر لكبرياء روحها فتختار مستقبلها بعيدا عن أسر الذكريات الماضية، ونقرأ عن لغة الموسيقى التي تجمع بين قلبين …..
شخصيات قصص (نسب أديب حسين) في هذه المجموعة هم أوراق مطر مسافر إلى بلاد أكثر جمالا ودفئا وفهما لمعنى الحياة. إنها تقدّم شخصياتها في واقعهم النفسي والجغرافي والثقافي فهم عماد بنيان مشروعها الإنساني التنويري في هذه المجموعة القصصية. إنها تنتصر لقضايا الإنسان بعيدا عن إشكالات الدّم والحرب والسياسة العدائية، وكأنها تذكّر القارئ بطريقة غير مباشرة لتقول له: هذه حياتنا الفانية، فيها المرض والموت والغربة والبعد علينا عيشها بما تستحق منا من حب وإنسانية، والإنسانية هنا نقلتها شخصيات القصص نفسها وأحيانا راوي بعضها على ألا تكون على حساب الآخر.
“نسب” هنا تنشد عالما طالما تاق إليه كل واحد منا؛ عالم الطمأنينة والسلام الروحي والصدق والصفاء. إنها تعبّر عن إنسانيتها الذاتية بأسلوب فني مشوّق يحمل صرخة للمتنازعين في هذا العالم مفادها باختصار: كفى!
كفى قتلا للروح في الواقع السياسي والاجتماعي. دعوا الفرد يعيش حياته .
واعتمدت الكاتبة في بعض قصصها على الرمز الشفيف كما هو في (شجرة الزنزلخت) صفحة 45. فالشجرة التي نبتت مصادفة بلا تخطيط ولا نيّة مسبقة صارت تمثّل وطنا للعصافير والذكريات وبراءة الطفولة. إنها تاريخ خاص للراوية وعام للحارة التي تفرّق ناسها، وأغلق سوقها، وتبدلت أحوالها، فغاب الأجداد خلف أطرهم الخشبية وزجاج صورهم.
القصة بألفتها وحنينها هنا تشير إلى ماض جميل تحرص الراوية على إبقائه. وهذا الماضي جزء من كينونة الحاضر كما الأجداد الذين يراقبون الراوية من أماكنهم بصمت ورضى وتساؤل.
وفي قصة (خيمة) صفحة 54 تقيم الكاتبة مقارنة بين مفهومين وثقافتين متعاكستين للخيمة. في نهاية الموقف تسير كل من الفتاتين في اتجاه معاكس، وكأنها تشير إلى عدم الاتفاق الحاصل بين طرفي النزاع بسبب الاختلاف في الرؤية والرؤيا والألم.
لغة الكاتبة في قصصها هنا هادئة مستقصية تقف عند حدود المعاني وإن عرّجت قليلا على اللغة البيانية بمجازاتها وتشبيهاتها وصورها.
وتصل الكاتبة إلى قمة التجلّي الفني في حواريتها الكثيفة بين البحر والصحراء في الصفحات 120 حتى 134 بما تحمله من رموز وأفكار ذاتية خرجت من ذاتيتها إلى عالم الموضوعية الأرحب.
في حوارية البحر والصحراء حيث لا إمكانية للّقاء تعجن الكاتبة اللغة الشعرية بلغة النثر الحواري والفكر الإنساني في بعده الوطني . إنها تحاور روح المكان والإنسان ، وتستذكر ما كان وما سيكون وتستعرض ما هو كائن.
أحيانا وجدت في حواريتها هذه روحا ذاتية خاصة لا تخرج إلى أبعد من بيتها وصورة والدها، وأحيانا وجدت مقابلة بين مواقف إنسانية عامة، وبين مواقف أخرى خاصة… النص الحواري هنا مفتوح على الاحتمالات جميعها وهو يحمل ما يبرر له هذا الفهم المتشعب ، فكل قارئ يجد فيه ما يناسب تجربته واهتمامه ووعيه.
هنا يقف المتابع على تجربة جديدة في الحوار الأدبي تستحق الاهتمام لغة وأفكارا وأبعادا وتصويرا.
ومن كفر ياسيف كتب الدكتور بطرس دلّة:
الكاتبة نسب أديب حسين ابنة الرامة ليست ظاهرة جديدة على الساحة الادبية . فقد  أصدرت روايتها الاولى ” بعنوان الحياة الصاخبة ” عام 2005، كما أصدرت مجموعتها القصصية الاولى ” مراوغة الجدران ” عام 2009 وكانت قد أنشأت متحفًا عن  قريتها  الرامة الجليلية  على اسم والدها الدكتور  اديب  حسين, كما نشرت العديد من المواد الادبية  في الصحف المحلية الى جانب عدد من القراءات النقدية لكبار الأدباء من امثال محمود شقير وجميل السلحوت  ويحيى يخلف  وغيرهم .
هذه المجموعة من القصص القصيرة والتي  صدرت هذا العام 2013 عن دار    الجندي في القدس والتي يديرها الدكتور سمير الجندي, تختلف عما عهدناه عند كتاب القصة القصيرة المحليين, فهي تحلق  في سماء  الكلمة وفي رحلة معمقة ممتعة، تبحث عن خبايا نفوس شخوصها فتعيش  معهم ماضيًا مضى وحاضرًا لا يستطيع الانفلات من ذلك الماضي ويعيش على ذكريات  الماضي بما فيها من معاناة ومشاكل. فلا تنسى أنّها فلسطينية الانتماء تتماهى مع قضايا شعبنا العربي الفلسطيني فيمضها الشوق الى يوم يتحرر فيه هذا الشعب من عبودية المحتل او من صلفه ومنعه من حق التحرر واقامة دولة فلسطين العتيدة اسوة بباقي شعوب العالم , خاصة لأن جميع قضايا اللاجئين قد وجدت حلولا لها أمّا قضية اللاجئين الفلسطينيين فلم تجد لها حلا منذ خمسة وستين عاما !!! فأين العدالة الدولية وأين الضمير  الانساني ؟؟؟
تضم هذه المجموعة إحدى وعشرين قصة قصيرة. وفي تعريفه للقصة القصيرة يقول  الصديق  الاستاذ  محمد هيبي أبو المعتصم والذي  يعد  كتابة  رسالة  البحث  للقب  الثالث  الدكتوراة , يقول  ما يلي:
“القصة القصيرة هي  فن أدبي نثري سردي لا بد أن يكون  قصيرًا نسبيًا بحيث تمكن قراءته دفعة واحدة وليس على مراحل. ولا بدّ أن تُحدث تأثيرًا وانطباعًا  في نفس القارئ أو المتلقي بحيث  يجعله  يتعاطف  أو يتساءل،  أو كليهما معًا،  ولا بدّ  كذلك أن يخضع  لقواعد ما كنت لأقول “صارمة” ولكن تحافظ على الأقل على الحبكة  بعناصرها  الخمسة الاساسية وهي :
الزمان، المكان، الشخصية (الشخصيات)،  الحدث (الاحداث) والراوي.
هذه العناصر لا يمكن لأية حبكة قصصية أن تستغني عن واحد منها، كما أنّه لا بدّ من تجديد كمّيّ ونوعي لكي لا نعدم التمييز، بينها (أي القصة القصيرة) وبين أمثالها من فنون القص المختلفة وعلى رأسها الرواية”.
يجب أن نذكر هنا أيضًا أنّ هذا الفن لا يأخذه العرب عن أدب الغرب كما قد يدعي  البعض وذلك لأنّ له جذورا عميقة في أدبنا العربي كما في مقامات بديع الزمان الهمذاني مثلا وفي قصص ألف ليلة وليلة الشهيرة، وقصص أيام العرب عن الغزو والفتوحات العربية وغيرها.
المؤلفة الأخت نسب أديب حسين تصور في هذه القصص موضوع معاناة الانسان الفلسطيني في ظل الاحتلال الى جانب معاناة قلب المرأة أو العاشقة وحبها وأحلامها. انّ لها عينا فاحصة ازاء ما تلمسه من قضايا ومشاكل حياتية يعيشها أبطالها، وهي لا تستطيع أن تغمض عينيها وهي ترى التمييز الفاضح والصارخ ضد الانسانية وضد الانسان الفلسطيني لمجرد كونه فلسطينيًا!
عند قراءة هذه المجموعة وجدنا أنّ المؤلفة تضع نفسها في مكانة الراوية حيث تتفنن في أسلوب اشرد وابحث عن الكلمات التي تحمل  أكثر  من معنى, فتضفي عليها هالة من السمو لتصبح سهلة الهضم الى جانب بعض التغريب أو التعتيم في بعض القصص لتجعل القارئ يلهث  خلف  معاني النصوص في كل قصة من جديد.
هكذا وجدتني في القصص الأولى أعود لقراءة كل قصة من جديد بسبب القفزات النوعية التي تمارسها الكاتبة بين الجملة والأخرى. إنّها أي المؤلفة تحلق في هذه القصص خاصة القصص  الأولى، وتوصل القارئ من حيث لا يدري الى أهدافها الايجابية، فهي ملتزمة كل الالتزام في كتابة الأدب المقاوم، الأدب الذي يأخذ بيد القارئ العادي فيحوّله الى قارئ ناقد و/أو ناقم على أوضاع يعيشها ابطال هذه القصص. إنّها تحاول بشكل متواصل الكشف عن خبايا نفوس أبطالها لتصل بهم الى عالم أكثر حياة وأكثر جمالا بالرغم من المعاناة التي يعيشها أبطالها .
في قصتها الاولى “احتمالات قليلة … مسافات اقصر” تحاول الكاتبة البحث عن عنصر المفاجأة  بعد تأزيم الموقف بين العجوز التي صعدت الى الحافلة وبين الشاب الذي لم يقف ولم يعرض عليها الجلوس مكانه!  بعد هذا التأزيم تكتشف العجوز او نكتشف نحن أنّ ذلك الشاب  ذو عاهة، وهو بحاجة الى من يسنده عندما يترجل من الحافلة فتمدّ له العجوز يد المساعدة عندما تكتشف  أنّه مصاب  بعاهة لا تمكنه حتى من الوقوف والترجل من الحافلة وحده !
وإمعانًا من الكاتبة في التشفي يكتشف الشاب أنّ العجوز إياها هي الطبيبة التي سوف تعاينه لتقدم له الدواء ! وعلى الرغم من أنّها حاولت ان تطمئنه عن حالته الصحية وان تلك الحالة قابلة للشفاء الا انه لم يكن ينصت لها بكل حواسّه لأنّ شيئا ما كان يقلق باله ويشغله في غرفته التي في البيت .
وتضيف الكاتبة أنّه كان على تلك العجوز (الطبيبة) أن تكتشف ما ترسب في عظامه من حرائق تنهشه ببطء وتجعله عاجزًا أكثر منها. هنا يكمن عنصر القوة في هذه القصة! لأنّ هذه النهاية لم تكن متوقعة البتّة! فكيف اهتدت اليها الكاتبة وبهذه المفارقة القوية؟!
عنصر السخرية “الايرونيا”
في قصتها الثانية “هواجس عند مدامع المدينة”، تصل  الكاتبة الى السخرية في مقارنتها  بين العصافير والآدميين إزاء الجدار الفاصل الذي أقامته  سلطات الاحتلال الاسرائيلي ليقسم المدن الى أقسام ويمنع التواصل فيما بينها لتحولها الى سجون واسعة او كانتونات تضيق  الخناق على السكان الفلسطينيين. فإذا ما ارتفع صوت المؤذن في المدينة أو القرية العربية أية شكوى سيتقدم بها  أحد المستوطنين  اليهود الى محكمة العدل العليا لتفرض السجن على الريح، التي يجب ألا تحمل صوتا عربيا الى هنا او هناك – والمقصود هو صوت الأذان! وتضيف ساخرة في الصفحة المقابلة عن الجدار الفاصل فتقول (ص-27 ): “هل تأذى وطن العصافير؟ هل تنام في جهة وترحل الى الجهة الأخرى في الصباح؟ هل يستوقفها الجدار ويطالبها  بإبراز الهوية؟ هل تبذل جهدًا أكبر كي تعبره أم أنّه مجرد بناء  قائم لا يعنيها؟؟!! ”  ضمير  الغائبة هنا يعود الى العصافير التي لا تعرف حدود البشر لأنّها مزودة  بالأجنحة  التي تهزأ من الجدران كل الجدران حتى جدران السجون !! وعندما تلتقي بطلة القصة بالأطفال اليهود  يتأرجحون تتمنى ان تنظر الى السماء وتعبّ الهواء… وأن تكون  كما كانت في طفولتها  تتمنى ان تحملها الارجوحة بعيدا  لتطير… لتطير وتكون كما هي العصافير” (ص- 27).
هكذا إذن تخرج البطلة في هذه القصة عن النمط النموذجي للقصة وتترك المجال  واسعًا أمام خيال القارئ! فهل تتماهى مع أمنيتها ام لا؟!  أعتقد أنّ الكاتبة قد زودت القارئ بكل العناصر التي تقيد توجهه وتفكيره ليسير باتجاه واحد نحو التماثل مع ما تريد بطلة هذه القصة وكذلك المؤلفة، تريد أن تتأرجح في الهواء وتنطلق  بعيدًا وعاليًا الى أن تتحقق الامنيات؟
هي أسمال  ذاكرة : إنّ انتقاء أسماء القصص لدى الاخت نسب حسين فيه الكثير من القوة والايحاء. إنّها تطلق على قصصها  أسماء غريبة وغير مألوفة لجمهور قرائنا فتأخذ  القارئ الى تقصّي  المعاني  وبقوة. فالقصة هنا على دراميتها بدت فيها ملامح قسوة الكاتبة التي دفنت أحاسيس بطلتها بعنادها! إنّه- أي فتى الاحلام – يحبها حقًا وليس من حقها أن تعاقبه مع أنّها تكنّ له كل الحب في داخلها, فأي قلب حديدي هذا الذي ينبض في صدرها ويتمنع على الحبيب؟؟!! لقد بذل هذا الحبيب قصارى جهده كي يبين لها مقدار حبه لها وتعلقه بها ! فهل كانت على موعد مع حبيب آخر يسكن  قلبها وكانت قد يئست من مصارحته  لها بحبه الحقيقي؟؟! إنّها فتاة ينبض قلبها بالحب الجارف ولكنّها تدوس على قلبها وتحطم حبها وكأنّ الحب قد بات ثانويًا لديها وهو ليس سوى ذكريات هي أسمال بالية مطلقة بعنادها فهجرته وكسرت قلبها.
القصة التالية بعنوان “جدائل  الالحان والحروف” تنحو فيها الكاتبة نحوًا مغايرًا! وتنهيها نهاية طبيعية حيث يطرق الحب باب قلب البطلة ويقرب البعيد لتعيش معه اجمل ساعات وايام عمرهما ! لذلك فان عنوان القصة  فيه روعة ونهايتها السعيدة اكثر روعة !
شجرة الزنزلخت:
في هذه القصة مجموعة من التعابير الفنية التي تتقنها الكاتبة كقولها (ص – 46)
“وصرتُ كلما أعود أجد الشجرة تكبر ومعها يكبر وطن جديد للعصافير”! إنّها أي  المؤلفة تخرج من جديد على النمط النموذجي للقصة القصيرة, فشجرة الزنزلخت مؤنسنة – أي تصبح إنسانة – لها ذكريات حبيبة الى قلب بطلتنا, إلا أنّ منشار الجار كان أقوى من كل الذكريات! وليس مهمًا إذا كان هذا الجار عربيًا أو مستوطنًا. فالهدف من هذه المقابلة هو إظهار وحشية الانسان ازاء حنان وعطف الشجرة التي لا تنسى ملاعب الصبا تحت أغصانها ولا رقصة العصافير فوق وبين اغصانها ! اما المحتل الذي يمثله الجار هنا فليس له قلب يشفق على تلك الشجرة !
في قصة “وميض عند الهاوية” (ص– 48) تتحدث الكاتبة عن المستوطنين الذين يدوسون بأقدامهم  الهمجية طرابين اللوز والحبق  مقابل حساسية بطلة هذه القصة ومشاعرها الشفافة كمعلمة إزاء تلميذها! إنّه الالتزام من جديد فهل تستطيع التحرر منه؟ ولذلك فهي تؤكد تمسكها بالأرض الفلسطينية وبحق العودة الذي هو  أحد الثوابت الفلسطينية التي لا تنازل عنها .
التناصّ :-
التناص هو أن يعود  الكاتب أي كاتب الى قول أو مثل أو فكرة أو عبارة في إحدى الكتابات الكلاسيكية الشهيرة التي قد يكون تأثر بها فيعيد استعمالها بشكل أو بآخر. والمؤلفة في هذه المجموعة تتأثر  بقصيدة  الشاعر محمود درويش” لن تأتي”. إنّها تتخيل الشاعر أو الحبيب يقفُ مقابلها مع انّه مرّ عليها زمن لم تر عينيها في عينيه، ولم يبق في تلك اللحظة القصيرة الفارقة متسع لفواصل زمنية صغيرة، وهكذا تضيف (ص-53) “استدار… راح يضيع همس العبارة وراح وهج من عينيه يستبيح الابيات”. هذا هو الحب الحقيقي الذي تعيشه فتاة مراهقة تسحرها كلمات الشاعر الشفافة.
قوّة الكلمة :-
في قصتها “خيمة ” تقارن الكاتبة بين خيمة المستوطن  وخيمة اللاجىء في مخيم اللاجئين! وتلجأ الى  كلمة ” سليخا” (هكذا بلفظ الخاء بدلا من الحاء) لتؤكد أنّ صاحبة الخيمة الأخرى يهودية وهكذا تقلب مضمون الخيمة والقصة بكلمة واحدة هي “سليخا” اي عذرًا! وليفهم القارئ البعد الحقيقي بين الواقع المرغوب والواقع القائم !
ذروة القصص ” شتاء آخر دونك ” ( ص – 74 ) :-
أعتقد أنّ هذه القصة هي أجمل ما في هذه المجموعة لسببين:
الأول لأنّها خفيفة وقصيرة، والثاني لأنّها جميلة السرد يضاف الى ذلك انّها قد تكون واقعية جدًا، أو أنّ الكاتبة عاشت احداثًا أو إحدى صديقاتها قد مرّت بمثل تلك التجربة. فالبطلة الراوية هي فتاة عاشقة ولكنّها حزينة، ينتابها البكاء حتى في المكان العام أي في المقهى عندما تجلس وحيدة تشرب قهوتها فتسقط دمعتها الحرّى في فنجان القهوة، ويتساءل جلاس المقهى عن سبب بكائها. هنا في هذه اللحظات تشعر الكاتبة الراوية أنّ الانفجار أصبح ممكنًا، لأنّه لا احد  في ذلك المكان سيحاول لملمة شظاياها أو إيقاف دويّها، كما أن لا احد يقيد أو يحكم على كلماتها الداخلية بالصمت حتى وإن سمع صداها ..  اخيرًا نكتشف أنّها مخطوبة لأسير محكوم بالأسر مؤبدين!!  فبات الجميع يفهم معنى أن تجلس فتاة وحدها في ركن من أركان المقهى تشرب قهوتها بفنجان واحد وحيد فتسقط دمعتها في قهوة الفنجان.
هنا أقول : أيتها العاشقة المميزة! عالمك خيالي لا سقف له، فيه عبقرية هي  توأم الجنون! تهيمين في مساحات البوح على مدى حدود اللانهاية مع فارس  احلامك، تغازلين الصمت على صهوة الكلام، هكذا وهكذا فقط ترتوي الجداول حبًا، بشرًا، املا  وجلّنار، يهبط عليك الوحي فتشتعلين كاشتعال  النار  في  الهشيم اليابس في غمرة المطر المسافر عامًا بعد عام. إنّها النار الأزلية  التي تهزّ الكيان فيغسلك الشوق لتتنشفي بالنور الذهبي وتزدادين تألقًا بأجملِ الكلمات التي لا تنتهي إلا بالدمعة الساخنة عندما تخرج تلك الكلمات بإحساس ما بعده إحساس!  ويظل  فارس الاحلام قابعًا وراء الاسلاك فتعرفين حينئذ أنّ الألم والوجع هما سيمفونية ربيعية مثيرة للأحلام تساعدك على الانعتاق من لا زمكانية المكان! فهل يأتي الدفء من البرد وأمام روّاد المقهى؟
أنت تعشقين الحرف وتجعلين منه سيّدًا لأحلامِك وأنا أريد أن أهديك شيئًا من عطر  النيناريتشي لتتعطري به ولكن لا تتنشفي لأنّه سيبقى الى أبد الآبدين. أنت ايتها الاديبة الواعدة تسيرين مع المطر المسافر في دروب الكلمة المكتوبة. لديك موهبة واعدة كما كتب  معالي  وزير  الثقافة السابق يحيى يخلف، وأنا أتفق مع الأديبين الكبيرين جميل السلحوت ومحمود شقير بأنّه سيكون لك شأن  كبير  في  الابداع  القصصي في  المستقبل. حقق الله الاماني .
وشارك في النقاش كل من الروائي حسين ياسين، الروائية ديمة السمّان، الشاعر سامي مهنا، راتب حمد والشاعر إياس ناصر.

أوراق مطر نسب أديب حسين المسافر في ندوة مقدسية‏القدس: 10-10-2013  ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة “أوراق مطر مسافر” القصصية للأديبة الشابة نسب أديب حسين ابنة بلدة الرامة الجليلية، صدرت المجموعة التي قدم لها الأديب الكبير محمود شقير وصمم غلافها الفنان المعروف طالب الدويك في شهر أيلول 2013 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 135 صفحة من الحجم المتوسط.مما يذكر ان هذا هو الاصدار الثالث لأديبتنا الواعدة، فقد سبق وأن صدرت روايتها الأولى “الحياة الصاخبة”عام 2005 وكانت في السابعة عشرة من عمرها.وفي العام 2009 صدرت لها مجموعة”مراوغة الجدران” القصصية عن دار الهدى في كفر قرع.وأديبتنا الشابة حاصلة على اللقب الأول في الصيدلة، وهى أحد المؤسسين الرئيسيين للنشاط الشبابي الابداعي “دواةعلى السور” وهي من رواد ندوة اليوم السابع من سنوات.بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:وهنا يجدر التنويه بأنه صدر لأديبتنا في العام 2005 رواية تحمل عنوان”الحياة الصاخبة” وصدر لها في العام 2009 مجموعتها القصصية الأولى تحت عنوان”مراوغة الجدران”.واذا ما أخذنا بالاعتبار عمر أديبتنا المولودة في العام 1987 في بلدة”الرّامة الجليلية” سنجد أنها قد نبغت في الكتابة وهي في سنّ الطفولة، فقد صدرت روايتها الأولى قبل أن تنهي مرحلتها الثانوية، وهذا يضعنا من جديد أمام سؤال الأدب الشبابي، وأن الابداع لا يقترن بسنّ معين، ومن قرأ مجموعة أديبتنا الشابة القصصية الأولى”مراوغة الجدران” لا يحتاج الى كثير من الذكاء ليجد نفسه أمام قاصّة مجيدة، وذات نفس روائي، وفاجأتنا بمجموعتها القصصية من جديد لتؤكد أنّها قاصّة متميزة وواثقة من أدواتها الكتابية وقدرتها الفائقة على القصّ، ومن يعرف أديبتنا عن قرب سيتعرف على عمق ثقافتها وسعة اطلاعها رغم عمرها الصغير، وحتى كاتبتنا نفسها كانت واثقة بعفوية تامة بموهبتها وقدراتها الأدبية، وسعيها الدؤوب نحو زيادة المعرفة من خلال المطالعة، وعشقها للنشاطات الأدبية بل واحتضانها لابداعات الشباب من خلال دورها الرئيسي في تأسيس مجموعة”دواة على السور” الشبابية الثقافية منذ أكثر من عامين. وهنا أستذكر المرّة الأولى التي شاهدت فيها أديبتنا الشابة عندما طرقت ذات مساء خميس قبل حوالي خمس سنوات باب ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، طالبة المشاركة في الندوة، وشاركت في الندوة كقاصّة وناقدة ومواظبة على حضور أمسيات الندوة، كانت في حينه طالبة تدرس الصيدلة في الجامعة العبرية، فرأيت ملامح الطفولة على وجهها، لكنّها وهي التي لم تتجاوز العشرين من عمرها في حينة كانت ترى نفسها كبيرة وبعفوية تامّة كانت تقول “عندما كنت صغيرة…..حصل كذا”فعجبت من أمرها، ومن اعتبارها لنفسها كبيرة لها ذكريات! حتى مازحتها ذات مرّة عندما ردّدتْ عبارتها اللافتة”عندما كنت صغيرة..” وسألتها ماذا جرى معك أيتها العجوز وأنت صغيرة؟ لكن عندما قرأت كتاباتها واستمعت لحواراتها، وجدت نفسي فعلا أمام أديبة كبيرة، كبيرة في إبداعها ونتاجها الأدبي اللافت، وفي بلاغتها وقدرتها في التعبير عن ذاتها رغم عمرها الصغير، حيث فرضت نفسها أدبيا كندّ كفؤ لمن عمرهم أكثر من ضعفي عمرها. عندها استوعبت لازمتها”عندما كنت صغيرة..”فالقارئ لقصص نسب سيجد نفسه في خضمّ بحر متلاطمة أمواجه، لكنه يستطيع السباحة في مائه، وربما سيغرق في عذوبة مياهه، فهي تنقله من موضوع قصّة إلى قصّة أخرى لتزيده دهشة على دهشة بلغتها الانسيابية الخالية من التكلف، وسيجد أنّها تلتقط أحداث قصصها بعفوية وسهولة رغم عمق المعنى وجماليات اللغة، وهذه من سمات الأدباء المطبوعين، وسيجد صدق انتمائها لشعبها ولأمّتها، تتعذب لعذاباتهم وتفرح لفرحهم وتتألم لخيباتهم وانكساراتهم. وهي لا تتقبل الأمور على علّاتها بل تتساءل عنها وتفكر بها وتحللها، وتستخرج النتائج منها.والقارئ لقصصها سيجد أنّ أديبتنا الشابة التي جاءت القدس طالبة علم لا تعرف في المدينة المقدسة شيئا، ما لبثت أن سحرت بقدسية المكان وتاريخه وحضارته وعمرانه، وما يتعرض له من سلب ونهب، فسكنتها القدس كما سكنت هي القدس، وأخذت تجوب أسواق القدس وحاراتها وأزقتها ومساجدها وكنائسها، وقراها وتتمعن في سورها، وكأنّي بها تبحث عن عبق تاريخ المدينة الذي لا يكذب، هذا التاريخ الذي يعمل الغزاة على سرقته وتزييفه بعد أن سرقوا جغرافيتها، فترسخت قناعاتها من جديد بأن هذه المدينة لا يمكن أن تكون إلا فلسطينية عربية. وهي بهذا تؤكد أنّ القدس مهوى أفئدة الفلسطينيين أينما كانوا.وعودة الى قصص المجموعة، ففي قصّة” أشياء لم يجمّدها الصقيع بعد” ص90  نرى المأساة وحالة التشتت والضياع التي يعيشها الفلسطيني الذي تشبّث بتراب وطنه، وبقي فيها أثناء النكبة الأولى في العام 1948، وما يعانيه من اضطهاد قومي وطبقي، فـ”سيلين” بطلة القصة فتاة من الجليل الفلسطيني، أنهت الثانوية العامّة وتريد دراسة الطّب، ولم تقبلها الجامعات المحلّيّة كونها فلسطينية عربية، فغادرت الى موسكو لدراسة الطبّ هناك، وحصلت على إقامة سياحية لمدة ثلاثة أشهر،  ومن هناك أعادوها للحصول على فيزا طالب من سفارة روسيا في تل أبيب كي يسمحوا لها بالاقامة في موسكو، وفي البلاد كانت تعيش حالة يأس واحباط، وعندما سمعت وهي في قطار صافرة إنذار الخطر تنبئ باطلاق قذيفة من قطاع غزة، لم تختبئ تحت المقاعد كما فعل بقية الرّكاب، وهناك رأت شابا عربيا لم يختبئ هو الآخر، وهنا بدأت التساؤلات، حول حرص اليهود على حياتهم، وأخذهم الاحتياطات المبالغ فيها للحفاظ على الحياة، بينما الفلسطينيون يخرجون الى السطوح والشرفات لرؤية ما يجري بدلا من الاختباء في الملاجئ إن توفّرت، وبالرغم من وقوع خسائر في الأرواح بينهم أثناء حرب اسرائيل على لبنان في صيف العام 2006، ” حين تطلق الصافرات وتنطلق الصواريخ…فيما هم يسارعون الى الملاجئ ويتخذون حيطتهم، نحن لا نكتفي بعدم وجود ملاجئ مناسبة لنا، بل نسارع الى السطوح والشرفات…لنرقب موقع سقوط الصواريخ..ماذا نسمّي هذا؟” ص96. وهنا يثير العربي سؤالا قد لا يثار في أيّ بقعة من بقاع العالم وهو:” هل تعتقدين أنّه يوجد شعب غيرنا يفرح حين تسقط على بلاده القذائف؟” والجواب هو: بالتأكيد لا…لكن فرح الفلسطينيين في اسرائيل عندما تسقط القذائف من باب” شريك الخر…اخسر وخسره”.ولما حصلت”سيلين” على فيزا اقامة في روسيا من أجل الدراسة، وذهب والدها ليقترض من البنك لتغطية مصاريفها، شاهدت على شاشة التلفاز طالب الطبّ الغزاوي الذي قابلته في موسكو يرد على سؤال صحفي عن اسباب عودته الى غزة والحرب دائرة عليها، أجاب:”أتيت لأدعم بلدي وأقدم الافادة لأبناء شعبي…ولأنني شعرت في هذه الحرب كم تحتاجني غزة”ص100.فتأثرّت بالموقف واتصلت بوالدها قائلة:” أبي لا تطلب القرض…لن أسافر.”ص101. وهنا تنتهي القصّة.وهنا تتجلّى أديبتنا بطرح موقفها بفنّيّة عالية بعيدة عن المباشرة، وعن الخطابية، بدعوتها الفلسطينيين الى الصمود على أرضهم مهما كانت التضحيات.وقالت رشا السرميطي:عنوان المجموعة استوقف روحي طويلاً قبل البدء بقراءته، فرحت أحلِّق ما بين لوحة الغلاف التي هي للفنان طالب دويك الذي أعتبر نفسي من أشدِّ المعجبين بنبض ريشته، ومابين موسيقى الحرف في تكوين المعنى، على بساط من الخيال الذي اصطحبني مرغمة بأن أترك مشاغلي وأغوص وزورق أفكاري بلا مجاديف، في رحلة مجهولة، عنوانها: أوراق مطر مسافر. تضمنت احدى وعشرين، غيمة، محطة، ربما قصَّة كما أسمتها كاتبتنا. سألت نفسي: هل يسافر المطر أم أنَّ أوراقه تسافر؟شعرت بأنها لم تختر هذه العنوان عبثًا لمجموعتها القصصيَّة، أو المحطَّات الفكريَّة، التي قصدت ربما من ورائها أن تقول للقارئ توقف. وعلى عكس العديد من الكتَّاب الذين يطلبون من القارئ أن يتابع حتى آخر حرف في الكتاب، كنت كلَّما مررت على قصة أرى طيفًا لها يقول لي: توقفي. نسب دعت في مجموعتها للتأمل والتَّفكير في حالنا، كتبت عن وجع الغربة وحزن العشاق، تحدثت عن الهوية والأرض وحاكت آلام شعوب الخيام، الخيمة التي يعيب البعض منا من يسكنها، من أبناء المدن والقرى، أعتقد بأننا اليوم مهددون بسكناها بعد هذا الانحدار الشاسع في شأن قضيَّتنا الفلسطينية. حملتني الكاتبة مابين أذرع كلماتها المليئة بالحب والحنان، وقد تجلَّى ذلك في قصصها: أمل، أحلام صغيرة ودروب ضيِّقة، أشياء لم يجمدُّها الصَّقيع، مع الرِّيح وخلف العاصفة، وغيرها. ومما أختار لأكتب عنه مغرمة بقراءته من قصص كاتبتنا: وصايا الياسمين. رغم اعجابي بالمجموعة كاملة، اذ لديها من الحنكة اللغوية والبناء النصّي القصصي المتين الذي شدّني كقارئة، لأتشوق في المتابعة بمرح، وجدت لهفتي للقراءة تزداد عنوانًا بعد الآخر.وصايا الياسمين:-مررت على عبير حبر الياسمين الشَّذي الذي كتبت من نبع نقائه كاتبتنا كلمات قصتها، وأمّ خليل التي حملت قصّة الوطن والقرى المهجرة التي قوى أهلها على فراق نسائم الياسمين فيها، هم غابوا ثمَّ رحلوا، ولاعائد وصل أو اتصل حتَّى الآن، والياسمين لم يزل في نقائه وفيًّا ينتظر. القصة كانت معبرة جدًا من رنين الواقع، أتقنت الكاتبة إيصال فكرتها بأسلوب قوي وبلاغة عالية، حتَّى أنها مرَّرت عبر ما قصَّت لنا رسالة لجميع الأبواب المقفلة على أحزانها وآلامها، لأن تسرع جميعها وتفتح أبوابها للأمل، وأن نستعيد وحدتنا ونضم أوجاع بعضنا جيرةً وشعبًا. خليل المغترب الذي يئس من قضيته وبات يبحث عن الأمان له ولأمّه خارج حدود الطمأنينة، يمثل حالة للعديد من شبابنا وشاباتنا الذين تاهوا عبر السنين، ولا أجمل من ذاك القفل الذي وصفته الكتابة، وأخذتني معه إلى أيام دارنا وجدَّتي وتفاصيل حكايات بريئة نفتقدها اليوم ، في الأمس لم نكن نخشى، ولا كانت همّنا الأبواب، رغم اختزال الصور برعت الكاتبة في المقارنه مابين حياتين قبل نكبة 1948 وبعدها، وما قبل الوطن ومابعده، بقيت أمّ خليل تمثِّل الشُّرفاء الباقين حتَّى تشرق الحريَّة التامة على فلسطين. القهوة خير جليس مع عتبة دار وغصن من الياسمين وامرأة كست أحلامها تجاعيد السنين.أقولها بفخر لأخت رائعة قلمها سيال ويعجبني بعطره المنثور فوق الأوراق، نسب: أحسنتِ، وأبدع قلمك ليزيد رصيدك الأدبي في قلوب من يحبّونك ومن لايحبّونك من القراء، أنتِ بهذه المجموعة القصصيَّة ملأت المكان ببراعة فراشة تجبر الزَّهر أن يتفتَّح كي تؤدي لعبتها مع الرَّحيق.
وقال عيسى القواسمي:نسب اديب حسين تفتح اوراق مطرها المسافر .منذ قدمت تلك الشابة الحييّة من قريتها الرامة الجليلية لتبسط قلمها في صفحات القدس ما إنفكت نسب تلون بكلماتها الغيم فتسقط أحرف المطر، ثم ما يلبث هذا المطر بأن يسافر الى مدن أخرى حاملا معه ترانيم ما تلتقطه عيناها، وما سطرته أناملها بأحرف من وجع المدينة وغربة أهلها، ومعاناة أزقتها وربما مع القليل من الفرح .والكاتبة نسب هنا تتحايل على مفردات اللغة لكي تصوغها حسب الشعور بها في لحظة إندماج آنية تريد لها أن تعانق السطر من أجل اﻹكتمال بالمفهوم السردي الشيق للمعنى والرمز القصصي. والذي وجدت الكاتبة فيه مساحات من التفريغ الذي ﻻ شك كان قد تراكم في زوايا روحها طيلة تبصرها في الواقع المعقد. ذاك الواقع الذي أرادت نسب لنا اﻹنتباه اليه وفي تحايله على الزمان والمكان ليبقي على هويته وتاريخه . تحاول نسب نسج قصصها بعد أن يكون مفهومها للحدث قد اكتمل في ذاكرتها واصبح قادرا على التحول الى كلمات تخبر عن ذاتها .تبدأ اﻹهداء عن عجز الرهام والزوابع في التغلب على اﻷفق، ثم تعرج على حنايا أمّها. وللكاتب الكبير محمود شقير كلمة المقدمة التي اشار فيها واطال بمزايا نسب عبر نقدها ورؤيته لقصصها .في قصتها ( إحتماﻻت قليلة …مسافات اقصر) . أظهرت الكاتبة مقدرتها على فتح افاق أمام المتلقي لطرح أسئلة عدة فكان التخيل يتساوى مع الواقع في سردية بنيوية ما لبثت أن تقمصت الحكايا وقصصا مفعمة بالفلسفة الخاصة بها تحاكيها بواقعية وأحيانا بالتكهن المباح .ثم إنّ هناك أفق اﻹغتراب فاردا جناحيه في وطن كان لنا ثم أصبح للغرباء . تغتالنا فيه الذكرى كلما فتحنا فيه نافذة للأمل .. وكان واضحا ذاك الشعور في همسات الغرباء عبر هواجس نسب عند مدامع المدينة .ومن المدن والسراب والحلم والموسيقى تستخرج نسب أدقّ تفاصيل المعاناة التي رأيناها تصاحبها عبر ظلها في عزف مضى ﻻ يعيدها الى شذرات طفولتها. فتتوقف عند فقدان بعضها الذي خلفه موت والدها وهي في سنّ الطفولة المبكرة فكانت تحيك ملابس وجودها من هذا الفدان والذي ﻻ زال يمدها بأسباب الوجود .ثم انها تمرر لنا في اثمال الذاكرة ما لم تحجبه رياح القلب لكي تبقي على انكسارات روحها تحلق في امكنة بعيدة عن اﻹعتراف المتأخر للعشق .ونراها تعرج على وتر موسيقي فيتأخر الحبيب، ولكنه حين يأتي يكاد العزف يلغي شكواها . وهي تقسو إليه لينجح في إثبات وجوده فتكتمل الصورة..وفي رؤيا أخرى لها عبر الخيمة التي ترسخت في مفاهيمنا نحن لتكتشف أنّ هناك مفاهيم أخرى للخيمة غير تلك التي في الذاكرة وأمام أعيننا .وفي مجمل قصصها نكاد نكتشف خفايا ما في داخلها من رموز وإسقاطات.
وقال جمعة السمان:نسب أديب حسين هدية أهل الشمال.. معقل الثقافة والأدب والفن.. قلم جاء يٌلوّن بستان ثقافتنا بألوان فراشات الربيع.. فأحببناها وكانت لها ندوة اليوم السابع بستانا خصبا.. دافئا أمينا.. زرعت فأورق قلمها إبداعات لوّنت المكتبة العربية بأجمل نصوص الثقافة والأدب.. لتمتعنا أخيرا بمجموعة من القصص القصيرة.. جمعتها في كتاب بعنوان ” أوراق وطن مسافر”.”أوراق وطن مسافر” قصص قصيرة.. إذا كانت تتميّز بسحر ورشاقة وعذوبة اللغة.. فالفكرة والهدف ما كانت لتقل عن فائدة وجاذبية وجمالية اللغة.بعد أن قرأت جميع قصص “أوراق مطر مسافر” بدقة وروية.. خرجت ببعض الملاحظات.- أغلب القصص كُتبت بلغة الرواية.. أي بأسلوب النفس الطويل.. ودليلي السرد الطويل ودقة التفاصيل.. والإسهاب بالتوضيح.. وركوب جناح الخيال.. خصوصا القصة الأخيرة “بين البحر والصحراء”.- تكرار الحديث عن المطر جعلني أشعر أن لمنظرالمطر إيحاءات لا تستغني الكاتبة عنها.عدد قصص الكتاب اثنتين وعشرين قصة.. وحتى لا يطول عدد صفحات النقد والتحليل.. اخترت بعضا منها.”هي أسمال بالية”: اخترت هذه القصة لأنني وجدت فيها شيئا من شخصية الكاتبة كما أعرفها.. معتمدا على المقولة .. أن حبر قلم الكاتب من دواة قلبه.. وأن هذا الحبر من عصارة ما يعتمل في نفسه.. ويجيش به صدره من لواعج وأفكار وأحداث تركت بصمة على مسيرة حياته.. لتظهر أخيرا على صفحات ما يهمس به قلمه من حكايات وقصص وروايات.. وإن دلّت هذه القصة على شيء .. فهي تدل على أن بطلة القصة جدّية جدا.. وصاحبة قرار.. وهذه الشخصية قريبة جدا من شخصية زميلتنا الكاتبة نسب حسين حسب معرفتي بها.جرفتني الكاتبة برقة وعذوبة عاطفة كلماتها في بداية القصة لدرجة أنني تمنيت لو أنها تغفر من أجل عيون حبيب نادم.. ووساطة ممرضة رق قلبها .. أشفقت وتألمت على وجع حبيب تائب. حتى وإن كان في هذه القصة شموخ اللغة وعظمتها.. فالحسّ الإنساني كان أعظم.. رغم أن الفكرة ليست جديدة.. لكن الأسلوب كان بصمة انفردت به الكاتبة عن كل من كُتب في هذا الموضوع.. مدعومة بكرامة جرح مفتوح بسكين حبيب.جدائل الألحان والحروف: أعجبني في هذه القصة بالإضافة الى مفاجآت البداية والنهاية.. حديث البطلة مع نفسها.. فالحديث كان بوحا عن أساليب المرأة وميلها الطبيعي ومتعتها أن ترى الرجل يتلوى على صفيح ساخن.. من أجل أن تبتز منه كلمات غزل تُعزّز بها غرورها.. وكأن في هذا انتعاش لأنوثتها.. حين كانت تتساءل.. ماذا سيفعل بي.. هل سيحاول أن يُقبلني..؟؟.. لا لن أترك له مجالا ليفعل فعليه أن يسعى كثيرا حتى يحصل على هذه القبلة.”خيمة”:قصة خيمة.. حصل أن أقيمت بعض الخيمات ذات اللون الأبيض في الجامعة العبرية “جبل المشارف”.. وفي بعض مراكز المدن في كل من تل أبيب وحيفا وأسدود..أما هدف أصحاب هذه الخيم .. فكان المطالبة بالحقوق الإجتماعية .. وصدف أن تعلّقت نظرات بطلة هذه القصة بكوفية تُحيط بعنق فتاة يهودية مُلونة.. لكنها ليست مثل كوفية بطلة القصة.. فهي لا تُغيظ عدوّا ولا محتلا يرضخ للحق ويعيد المسلوب الى أصحابه.امتعضت البطلة حين ابتسمت لها الفتاة اليهودية ببسمة شاحبة.. ولسان حالها يقول.. ماذا تُفيدني بسمة ودّ شاحبة وسكّينها تحزّ رقبتي.. ماذا يُفيدني شبح بسمة وسكّين غدرها يسكن خاصرتي..؟؟”فوق الركام وخلف الدخان”:هي قصة عائلة فلسطينية استشهد ربّها مناضلا.. ودمرت قنابل الغدر بيته لتستشهد طفلتاه.. وتخرج الأمّ وطفلها محمد من بين الركام….صوّرت الكاتبة المأساة الفلسطينية بقلم يًوجع قلب القارئ.. ويجعله حاقدا.. وشاهدا على وحشيّة الإحتلال….قصة كان يصعب على يد الخيال أن ترسمها.. ولكن الكاتبة رسمتها وصورتها بحيث أنها جعلتني أسمع صوت الإستغاثة.. وأرى الأم وولدها محمد يخرجان من بين الرّكام وكثافة الدخان .. كأنه انفجار بركان.. أعمى عيون العالم عن رؤية بشاعة الإحتلال.”شتاء آخر دونك”قصة جميلة .. مقهى وعشيقة وعشيق.. أعطت فيها الكاتبة جوّا جميلا دافئا للعشق.. ولكن النهاية كانت هي الأجمل.. فلم يكن ليتوقعها قارئ.. حين قال قائل.. كم هي رائعة..إنها خطيبة أسير محكوم عليه بمؤبّدين.. وإذا بالقارئ بعد أن كان بعيش جوّ الرومنسية والحب.. يجد نفسه فجأة أمام قصة بطولة إخلاص ووفاء وتضحية.. وإصرار من خطيبة على التمسك بخطيبها.. رغم فقدان الأمل في أن تجمعهما ذات يوم وسادة.”أحلام صغيرة.. دروب ضيقة”هي قصة أبدعت فيها الكاتبة في وصف مأساة أطفال فلسطين.. في شخص الطفل الفلسطيني “صلاح” .. الذي هدم الإحتلال بيته.. واندثرت ألعابه بين ركام البيت.. ليصبح لاجئا في خيمة دون سرير وألعاب واحلام..أتساءل كم من “صلاح” خلّف الإحتلال على مدى خمسة وستين عاما.. يُقوّضون أحلام أطفال على شاكلة الطفل الفلسطيني صلاح..؟؟”عبق لزمن عابر”:قصة الصديق الإنسان.. الذي يحرص على شعور صديقه.”سهى” صيدلانية تعمل في قسم مختبر إعداد الأدوية السامة.. لها صديقة مريضة بمرض يحتاج الى المعالجة بالأدوية السامة التي هي نفس اختصاص صديقتها الصيدلانية “سهى”.كانت المريضة تصر على إخفاء أمر مرضها.. وتحرص كل الحرص على أن يكون سرّا لا يعلم به أحد.. الى أن ذهبت ذات يوم الى العلاج في المستشفى.. وكم كانت دهشتها.. حين تصادف وأن التقت وجها لوجه مع صديقتها الصيدلانية سهى.. حيث أنّها كانت تجهل أن صديقتها تعمل في نفس المستشفى.. وأنها على علم بأمر مرضها.. بسبب أنّها الممرضة التي على اطلاع بأحوال جميع المرضى الذين يحتاجون الى مثل هذه الأدوية التي هي من إختصاصها.. إلا أنّ الصيدلانية لم تسأل صديقتها عن سبب وجودها في المسشفى حرصا على شعورها ومن أذى قد يعكّر صفو حياتها.تخلصت المريضة من صديقتها بحجّة أن زوجها قد حضر الى المستشفى ليصطحبها.. وذهبت كل منهما في طريق.جاء دور المريضة وكشف عليها الطبيب وخرجت بصحبة زوجها لتسأل إحدى الممرضات .. ما هو عمل صديقتها سهى في المستشفى..؟؟ وكم كانت المفاجأة كبيرة حين أعلمتها أن صديقتها سهى تعمل في قسم الأدوية السامة المختصة بمرضها.ما أصعب أن تظن أن سرّك في أمان.. بعيدا عن لسان أيّ إنسان.. وإذا بك تفاجأ بمن يواجهك بما كنت تعتقد أنه السر الذي تحتفظ به لنفسك.. وكم تقدّر الصديق الإنسان الذي على علم بسرّك ولا يبوح به حرصا على شعورك.. وخوفا من أذى قد يلحق بك . كانت النهاية مفاجأة أعطت القصة زخما وجمالا.أشياء لم يّجمدها الصقيع بعد:هي قصة تلاميذ احتاروا في أداء الواجب بين الوطن.. وبين تكملة علمهم الجامعي.. في هذه القصة تُحمّل الكاتبة شباب الوطن مسئولية الدفاع عن الوطنليضعوه في أوّل مسئوليات حياتهم.. حتى وإن أوجبهم الإختيار بين نصرة الوطنوالعلم .. أن يختاروا نصرة الوطن. قصة هادفة.. تحثُ أبناء الوطن على الدفاع والتضحية من أجل وطنهم.إنسياب الذاكرة:هي قصة طفلين جارين.. فرق بينهما سفر عائلة أحدهما الى بلاد الغربة من أجل لقمة العيش.. ليعود الصديق الغائب بعد اثني عشرة عاما مشتاقا لصديقه.. ليواجه صدمة خبر وفاته.لا شك أن الكاتبة أعطت في هذه القصة مرحلة الطفولة حقها.. وأظهرت تاثير وأهمية هذه المرحلة على جميع مراحل حياة الإنسان.. حيث كان حبر قلمها من دموع صديق تغيّب عن صديق طفولته مدة اثني عشرة عاما ليعود متفاجئا بخبر وفاته.وصايا الياسمين:هي قصة ذات هدف .. فيها النصح والتجربة والتحذير.. من العودة الى إعادة خطأ ارتكبه الاباء والأجداد.. حين هجروا بيوتهم.. فالكاتبة أصابت حين قالت عن لسان عجوز.. تُحدّث عن الخوف الذي أفزع الأهل وجعلهم يفرون طالبين النجاة بأرواحهم هاجرين بيوتهم.. لو أن الأهل صمدوا ولم يتركوا بيوتهم.. ما دخلها اشباح .. ولا احتلها دخيل مستوطن.. ولا كان في أشتات الأرض مخيمات لاجئين فلسطينين.صور بالكلمات اعجبتني:- كأنما الألحان تتسلل بين قطرات المطر.. ص 38- يقتل أحزانه على أوتار آلته.. ص 52- لا لن تٌعد قلبها لإحتمالات الغياب.. ص 52- تٌرتب أنامله في كفها.- كيف تعترف أن زوجها وحبيبها صار عنوانه تلك الخيطان الصوفية.ص61- تظهر أضواء بعيدة من النوافذ .. فالبحر ابتلعه الليل..ص64- متّشحة بالسواد .. يختلط لونها بعتمة الغرفة72- لا بد ان يُذيب صخب المدينة ظلك ص 120- يرتفع المدّ يتسلق ساقي..ص 122- أتعثر بظلك كيفما سرت ص 123- أخبرتك منذ التقينا أنني أخشى اعتيادك..ص120في الختام لا شك أن أوراق مطر مسافر مجموعة من القصص الهادفة الشاملة المحببة.. التي ترضي جميع الأذواق.؟. فيها ألتوثيق.. والتذكير بالقضية الفلسطينية.. والحثّ على الجهاد والمقاومة.. هذا الى جانب الرومنسية بما فيها من قصص الحب.. تغوص الكاتبة في قلوب المحبين وتتحدث عمّا يعتمل فيها من سعادة في رحلات لقاء.. وعذاب البعد والفراق ساعة خصام.. إخلاص ووفاء.. غدر وخيانة.. حقا أنه كتاب إذا قرأته لن تنساه.وكتب ابراهيم جوهر:تغوص الكاتبة (نسب أديب حسين) في دواخل شخصياتها لتستجليها وتقف على معانياتها وأحلامها وعلاقاتها الإنسانية الودودة أو تلك المشوّهة العدائية.بهدوء باد في لغتها وإيقاع حركتها تعمل عدسة التكبير لدواخل شخصياتها، إنها تنقل معاناة الإنسان وأحلامه بمستقبل يغمره الحب والأمان والهدوء في وطن يعيش فيه الإنسان مثل العصافير التي لا يهمها سوى غنائها في يومها الجديد.وفي سبيل هذه الغاية التي بدت مسيطرة على قصص الكاتبة اختارت شخصياتها من المحيط الذي تتنقل فيه وتعيش وترى؛ فنجد المريض والطبيبة والعاشق الذي لا يعترف بعشقه والعاشقة التي تنتصر لكبرياء روحها فتختار مستقبلها بعيدا عن أسر الذكريات الماضية، ونقرأ عن لغة الموسيقى التي تجمع بين قلبين …..شخصيات قصص (نسب أديب حسين) في هذه المجموعة هم أوراق مطر مسافر إلى بلاد أكثر جمالا ودفئا وفهما لمعنى الحياة. إنها تقدّم شخصياتها في واقعهم النفسي والجغرافي والثقافي فهم عماد بنيان مشروعها الإنساني التنويري في هذه المجموعة القصصية. إنها تنتصر لقضايا الإنسان بعيدا عن إشكالات الدّم والحرب والسياسة العدائية، وكأنها تذكّر القارئ بطريقة غير مباشرة لتقول له: هذه حياتنا الفانية، فيها المرض والموت والغربة والبعد علينا عيشها بما تستحق منا من حب وإنسانية، والإنسانية هنا نقلتها شخصيات القصص نفسها وأحيانا راوي بعضها على ألا تكون على حساب الآخر. “نسب” هنا تنشد عالما طالما تاق إليه كل واحد منا؛ عالم الطمأنينة والسلام الروحي والصدق والصفاء. إنها تعبّر عن إنسانيتها الذاتية بأسلوب فني مشوّق يحمل صرخة للمتنازعين في هذا العالم مفادها باختصار: كفى!كفى قتلا للروح في الواقع السياسي والاجتماعي. دعوا الفرد يعيش حياته .واعتمدت الكاتبة في بعض قصصها على الرمز الشفيف كما هو في (شجرة الزنزلخت) صفحة 45. فالشجرة التي نبتت مصادفة بلا تخطيط ولا نيّة مسبقة صارت تمثّل وطنا للعصافير والذكريات وبراءة الطفولة. إنها تاريخ خاص للراوية وعام للحارة التي تفرّق ناسها، وأغلق سوقها، وتبدلت أحوالها، فغاب الأجداد خلف أطرهم الخشبية وزجاج صورهم.القصة بألفتها وحنينها هنا تشير إلى ماض جميل تحرص الراوية على إبقائه. وهذا الماضي جزء من كينونة الحاضر كما الأجداد الذين يراقبون الراوية من أماكنهم بصمت ورضى وتساؤل.وفي قصة (خيمة) صفحة 54 تقيم الكاتبة مقارنة بين مفهومين وثقافتين متعاكستين للخيمة. في نهاية الموقف تسير كل من الفتاتين في اتجاه معاكس، وكأنها تشير إلى عدم الاتفاق الحاصل بين طرفي النزاع بسبب الاختلاف في الرؤية والرؤيا والألم.لغة الكاتبة في قصصها هنا هادئة مستقصية تقف عند حدود المعاني وإن عرّجت قليلا على اللغة البيانية بمجازاتها وتشبيهاتها وصورها.وتصل الكاتبة إلى قمة التجلّي الفني في حواريتها الكثيفة بين البحر والصحراء في الصفحات 120 حتى 134 بما تحمله من رموز وأفكار ذاتية خرجت من ذاتيتها إلى عالم الموضوعية الأرحب. في حوارية البحر والصحراء حيث لا إمكانية للّقاء تعجن الكاتبة اللغة الشعرية بلغة النثر الحواري والفكر الإنساني في بعده الوطني . إنها تحاور روح المكان والإنسان ، وتستذكر ما كان وما سيكون وتستعرض ما هو كائن. أحيانا وجدت في حواريتها هذه روحا ذاتية خاصة لا تخرج إلى أبعد من بيتها وصورة والدها، وأحيانا وجدت مقابلة بين مواقف إنسانية عامة، وبين مواقف أخرى خاصة… النص الحواري هنا مفتوح على الاحتمالات جميعها وهو يحمل ما يبرر له هذا الفهم المتشعب ، فكل قارئ يجد فيه ما يناسب تجربته واهتمامه ووعيه.هنا يقف المتابع على تجربة جديدة في الحوار الأدبي تستحق الاهتمام لغة وأفكارا وأبعادا وتصويرا.ومن كفر ياسيف كتب الدكتور بطرس دلّة:الكاتبة نسب أديب حسين ابنة الرامة ليست ظاهرة جديدة على الساحة الادبية . فقد  أصدرت روايتها الاولى ” بعنوان الحياة الصاخبة ” عام 2005، كما أصدرت مجموعتها القصصية الاولى ” مراوغة الجدران ” عام 2009 وكانت قد أنشأت متحفًا عن  قريتها  الرامة الجليلية  على اسم والدها الدكتور  اديب  حسين, كما نشرت العديد من المواد الادبية  في الصحف المحلية الى جانب عدد من القراءات النقدية لكبار الأدباء من امثال محمود شقير وجميل السلحوت  ويحيى يخلف  وغيرهم .هذه المجموعة من القصص القصيرة والتي  صدرت هذا العام 2013 عن دار    الجندي في القدس والتي يديرها الدكتور سمير الجندي, تختلف عما عهدناه عند كتاب القصة القصيرة المحليين, فهي تحلق  في سماء  الكلمة وفي رحلة معمقة ممتعة، تبحث عن خبايا نفوس شخوصها فتعيش  معهم ماضيًا مضى وحاضرًا لا يستطيع الانفلات من ذلك الماضي ويعيش على ذكريات  الماضي بما فيها من معاناة ومشاكل. فلا تنسى أنّها فلسطينية الانتماء تتماهى مع قضايا شعبنا العربي الفلسطيني فيمضها الشوق الى يوم يتحرر فيه هذا الشعب من عبودية المحتل او من صلفه ومنعه من حق التحرر واقامة دولة فلسطين العتيدة اسوة بباقي شعوب العالم , خاصة لأن جميع قضايا اللاجئين قد وجدت حلولا لها أمّا قضية اللاجئين الفلسطينيين فلم تجد لها حلا منذ خمسة وستين عاما !!! فأين العدالة الدولية وأين الضمير  الانساني ؟؟؟تضم هذه المجموعة إحدى وعشرين قصة قصيرة. وفي تعريفه للقصة القصيرة يقول  الصديق  الاستاذ  محمد هيبي أبو المعتصم والذي  يعد  كتابة  رسالة  البحث  للقب  الثالث  الدكتوراة , يقول  ما يلي:”القصة القصيرة هي  فن أدبي نثري سردي لا بد أن يكون  قصيرًا نسبيًا بحيث تمكن قراءته دفعة واحدة وليس على مراحل. ولا بدّ أن تُحدث تأثيرًا وانطباعًا  في نفس القارئ أو المتلقي بحيث  يجعله  يتعاطف  أو يتساءل،  أو كليهما معًا،  ولا بدّ  كذلك أن يخضع  لقواعد ما كنت لأقول “صارمة” ولكن تحافظ على الأقل على الحبكة  بعناصرها  الخمسة الاساسية وهي :الزمان، المكان، الشخصية (الشخصيات)،  الحدث (الاحداث) والراوي.هذه العناصر لا يمكن لأية حبكة قصصية أن تستغني عن واحد منها، كما أنّه لا بدّ من تجديد كمّيّ ونوعي لكي لا نعدم التمييز، بينها (أي القصة القصيرة) وبين أمثالها من فنون القص المختلفة وعلى رأسها الرواية”.يجب أن نذكر هنا أيضًا أنّ هذا الفن لا يأخذه العرب عن أدب الغرب كما قد يدعي  البعض وذلك لأنّ له جذورا عميقة في أدبنا العربي كما في مقامات بديع الزمان الهمذاني مثلا وفي قصص ألف ليلة وليلة الشهيرة، وقصص أيام العرب عن الغزو والفتوحات العربية وغيرها.المؤلفة الأخت نسب أديب حسين تصور في هذه القصص موضوع معاناة الانسان الفلسطيني في ظل الاحتلال الى جانب معاناة قلب المرأة أو العاشقة وحبها وأحلامها. انّ لها عينا فاحصة ازاء ما تلمسه من قضايا ومشاكل حياتية يعيشها أبطالها، وهي لا تستطيع أن تغمض عينيها وهي ترى التمييز الفاضح والصارخ ضد الانسانية وضد الانسان الفلسطيني لمجرد كونه فلسطينيًا!عند قراءة هذه المجموعة وجدنا أنّ المؤلفة تضع نفسها في مكانة الراوية حيث تتفنن في أسلوب اشرد وابحث عن الكلمات التي تحمل  أكثر  من معنى, فتضفي عليها هالة من السمو لتصبح سهلة الهضم الى جانب بعض التغريب أو التعتيم في بعض القصص لتجعل القارئ يلهث  خلف  معاني النصوص في كل قصة من جديد.هكذا وجدتني في القصص الأولى أعود لقراءة كل قصة من جديد بسبب القفزات النوعية التي تمارسها الكاتبة بين الجملة والأخرى. إنّها أي المؤلفة تحلق في هذه القصص خاصة القصص  الأولى، وتوصل القارئ من حيث لا يدري الى أهدافها الايجابية، فهي ملتزمة كل الالتزام في كتابة الأدب المقاوم، الأدب الذي يأخذ بيد القارئ العادي فيحوّله الى قارئ ناقد و/أو ناقم على أوضاع يعيشها ابطال هذه القصص. إنّها تحاول بشكل متواصل الكشف عن خبايا نفوس أبطالها لتصل بهم الى عالم أكثر حياة وأكثر جمالا بالرغم من المعاناة التي يعيشها أبطالها .في قصتها الاولى “احتمالات قليلة … مسافات اقصر” تحاول الكاتبة البحث عن عنصر المفاجأة  بعد تأزيم الموقف بين العجوز التي صعدت الى الحافلة وبين الشاب الذي لم يقف ولم يعرض عليها الجلوس مكانه!  بعد هذا التأزيم تكتشف العجوز او نكتشف نحن أنّ ذلك الشاب  ذو عاهة، وهو بحاجة الى من يسنده عندما يترجل من الحافلة فتمدّ له العجوز يد المساعدة عندما تكتشف  أنّه مصاب  بعاهة لا تمكنه حتى من الوقوف والترجل من الحافلة وحده !وإمعانًا من الكاتبة في التشفي يكتشف الشاب أنّ العجوز إياها هي الطبيبة التي سوف تعاينه لتقدم له الدواء ! وعلى الرغم من أنّها حاولت ان تطمئنه عن حالته الصحية وان تلك الحالة قابلة للشفاء الا انه لم يكن ينصت لها بكل حواسّه لأنّ شيئا ما كان يقلق باله ويشغله في غرفته التي في البيت .وتضيف الكاتبة أنّه كان على تلك العجوز (الطبيبة) أن تكتشف ما ترسب في عظامه من حرائق تنهشه ببطء وتجعله عاجزًا أكثر منها. هنا يكمن عنصر القوة في هذه القصة! لأنّ هذه النهاية لم تكن متوقعة البتّة! فكيف اهتدت اليها الكاتبة وبهذه المفارقة القوية؟!عنصر السخرية “الايرونيا” في قصتها الثانية “هواجس عند مدامع المدينة”، تصل  الكاتبة الى السخرية في مقارنتها  بين العصافير والآدميين إزاء الجدار الفاصل الذي أقامته  سلطات الاحتلال الاسرائيلي ليقسم المدن الى أقسام ويمنع التواصل فيما بينها لتحولها الى سجون واسعة او كانتونات تضيق  الخناق على السكان الفلسطينيين. فإذا ما ارتفع صوت المؤذن في المدينة أو القرية العربية أية شكوى سيتقدم بها  أحد المستوطنين  اليهود الى محكمة العدل العليا لتفرض السجن على الريح، التي يجب ألا تحمل صوتا عربيا الى هنا او هناك – والمقصود هو صوت الأذان! وتضيف ساخرة في الصفحة المقابلة عن الجدار الفاصل فتقول (ص-27 ): “هل تأذى وطن العصافير؟ هل تنام في جهة وترحل الى الجهة الأخرى في الصباح؟ هل يستوقفها الجدار ويطالبها  بإبراز الهوية؟ هل تبذل جهدًا أكبر كي تعبره أم أنّه مجرد بناء  قائم لا يعنيها؟؟!! ”  ضمير  الغائبة هنا يعود الى العصافير التي لا تعرف حدود البشر لأنّها مزودة  بالأجنحة  التي تهزأ من الجدران كل الجدران حتى جدران السجون !! وعندما تلتقي بطلة القصة بالأطفال اليهود  يتأرجحون تتمنى ان تنظر الى السماء وتعبّ الهواء… وأن تكون  كما كانت في طفولتها  تتمنى ان تحملها الارجوحة بعيدا  لتطير… لتطير وتكون كما هي العصافير” (ص- 27).هكذا إذن تخرج البطلة في هذه القصة عن النمط النموذجي للقصة وتترك المجال  واسعًا أمام خيال القارئ! فهل تتماهى مع أمنيتها ام لا؟!  أعتقد أنّ الكاتبة قد زودت القارئ بكل العناصر التي تقيد توجهه وتفكيره ليسير باتجاه واحد نحو التماثل مع ما تريد بطلة هذه القصة وكذلك المؤلفة، تريد أن تتأرجح في الهواء وتنطلق  بعيدًا وعاليًا الى أن تتحقق الامنيات؟ هي أسمال  ذاكرة : إنّ انتقاء أسماء القصص لدى الاخت نسب حسين فيه الكثير من القوة والايحاء. إنّها تطلق على قصصها  أسماء غريبة وغير مألوفة لجمهور قرائنا فتأخذ  القارئ الى تقصّي  المعاني  وبقوة. فالقصة هنا على دراميتها بدت فيها ملامح قسوة الكاتبة التي دفنت أحاسيس بطلتها بعنادها! إنّه- أي فتى الاحلام – يحبها حقًا وليس من حقها أن تعاقبه مع أنّها تكنّ له كل الحب في داخلها, فأي قلب حديدي هذا الذي ينبض في صدرها ويتمنع على الحبيب؟؟!! لقد بذل هذا الحبيب قصارى جهده كي يبين لها مقدار حبه لها وتعلقه بها ! فهل كانت على موعد مع حبيب آخر يسكن  قلبها وكانت قد يئست من مصارحته  لها بحبه الحقيقي؟؟! إنّها فتاة ينبض قلبها بالحب الجارف ولكنّها تدوس على قلبها وتحطم حبها وكأنّ الحب قد بات ثانويًا لديها وهو ليس سوى ذكريات هي أسمال بالية مطلقة بعنادها فهجرته وكسرت قلبها.القصة التالية بعنوان “جدائل  الالحان والحروف” تنحو فيها الكاتبة نحوًا مغايرًا! وتنهيها نهاية طبيعية حيث يطرق الحب باب قلب البطلة ويقرب البعيد لتعيش معه اجمل ساعات وايام عمرهما ! لذلك فان عنوان القصة  فيه روعة ونهايتها السعيدة اكثر روعة !شجرة الزنزلخت:في هذه القصة مجموعة من التعابير الفنية التي تتقنها الكاتبة كقولها (ص – 46)”وصرتُ كلما أعود أجد الشجرة تكبر ومعها يكبر وطن جديد للعصافير”! إنّها أي  المؤلفة تخرج من جديد على النمط النموذجي للقصة القصيرة, فشجرة الزنزلخت مؤنسنة – أي تصبح إنسانة – لها ذكريات حبيبة الى قلب بطلتنا, إلا أنّ منشار الجار كان أقوى من كل الذكريات! وليس مهمًا إذا كان هذا الجار عربيًا أو مستوطنًا. فالهدف من هذه المقابلة هو إظهار وحشية الانسان ازاء حنان وعطف الشجرة التي لا تنسى ملاعب الصبا تحت أغصانها ولا رقصة العصافير فوق وبين اغصانها ! اما المحتل الذي يمثله الجار هنا فليس له قلب يشفق على تلك الشجرة !في قصة “وميض عند الهاوية” (ص– 48) تتحدث الكاتبة عن المستوطنين الذين يدوسون بأقدامهم  الهمجية طرابين اللوز والحبق  مقابل حساسية بطلة هذه القصة ومشاعرها الشفافة كمعلمة إزاء تلميذها! إنّه الالتزام من جديد فهل تستطيع التحرر منه؟ ولذلك فهي تؤكد تمسكها بالأرض الفلسطينية وبحق العودة الذي هو  أحد الثوابت الفلسطينية التي لا تنازل عنها .التناصّ :-التناص هو أن يعود  الكاتب أي كاتب الى قول أو مثل أو فكرة أو عبارة في إحدى الكتابات الكلاسيكية الشهيرة التي قد يكون تأثر بها فيعيد استعمالها بشكل أو بآخر. والمؤلفة في هذه المجموعة تتأثر  بقصيدة  الشاعر محمود درويش” لن تأتي”. إنّها تتخيل الشاعر أو الحبيب يقفُ مقابلها مع انّه مرّ عليها زمن لم تر عينيها في عينيه، ولم يبق في تلك اللحظة القصيرة الفارقة متسع لفواصل زمنية صغيرة، وهكذا تضيف (ص-53) “استدار… راح يضيع همس العبارة وراح وهج من عينيه يستبيح الابيات”. هذا هو الحب الحقيقي الذي تعيشه فتاة مراهقة تسحرها كلمات الشاعر الشفافة.قوّة الكلمة :-في قصتها “خيمة ” تقارن الكاتبة بين خيمة المستوطن  وخيمة اللاجىء في مخيم اللاجئين! وتلجأ الى  كلمة ” سليخا” (هكذا بلفظ الخاء بدلا من الحاء) لتؤكد أنّ صاحبة الخيمة الأخرى يهودية وهكذا تقلب مضمون الخيمة والقصة بكلمة واحدة هي “سليخا” اي عذرًا! وليفهم القارئ البعد الحقيقي بين الواقع المرغوب والواقع القائم ! ذروة القصص ” شتاء آخر دونك ” ( ص – 74 ) :- أعتقد أنّ هذه القصة هي أجمل ما في هذه المجموعة لسببين:الأول لأنّها خفيفة وقصيرة، والثاني لأنّها جميلة السرد يضاف الى ذلك انّها قد تكون واقعية جدًا، أو أنّ الكاتبة عاشت احداثًا أو إحدى صديقاتها قد مرّت بمثل تلك التجربة. فالبطلة الراوية هي فتاة عاشقة ولكنّها حزينة، ينتابها البكاء حتى في المكان العام أي في المقهى عندما تجلس وحيدة تشرب قهوتها فتسقط دمعتها الحرّى في فنجان القهوة، ويتساءل جلاس المقهى عن سبب بكائها. هنا في هذه اللحظات تشعر الكاتبة الراوية أنّ الانفجار أصبح ممكنًا، لأنّه لا احد  في ذلك المكان سيحاول لملمة شظاياها أو إيقاف دويّها، كما أن لا احد يقيد أو يحكم على كلماتها الداخلية بالصمت حتى وإن سمع صداها ..  اخيرًا نكتشف أنّها مخطوبة لأسير محكوم بالأسر مؤبدين!!  فبات الجميع يفهم معنى أن تجلس فتاة وحدها في ركن من أركان المقهى تشرب قهوتها بفنجان واحد وحيد فتسقط دمعتها في قهوة الفنجان.هنا أقول : أيتها العاشقة المميزة! عالمك خيالي لا سقف له، فيه عبقرية هي  توأم الجنون! تهيمين في مساحات البوح على مدى حدود اللانهاية مع فارس  احلامك، تغازلين الصمت على صهوة الكلام، هكذا وهكذا فقط ترتوي الجداول حبًا، بشرًا، املا  وجلّنار، يهبط عليك الوحي فتشتعلين كاشتعال  النار  في  الهشيم اليابس في غمرة المطر المسافر عامًا بعد عام. إنّها النار الأزلية  التي تهزّ الكيان فيغسلك الشوق لتتنشفي بالنور الذهبي وتزدادين تألقًا بأجملِ الكلمات التي لا تنتهي إلا بالدمعة الساخنة عندما تخرج تلك الكلمات بإحساس ما بعده إحساس!  ويظل  فارس الاحلام قابعًا وراء الاسلاك فتعرفين حينئذ أنّ الألم والوجع هما سيمفونية ربيعية مثيرة للأحلام تساعدك على الانعتاق من لا زمكانية المكان! فهل يأتي الدفء من البرد وأمام روّاد المقهى؟أنت تعشقين الحرف وتجعلين منه سيّدًا لأحلامِك وأنا أريد أن أهديك شيئًا من عطر  النيناريتشي لتتعطري به ولكن لا تتنشفي لأنّه سيبقى الى أبد الآبدين. أنت ايتها الاديبة الواعدة تسيرين مع المطر المسافر في دروب الكلمة المكتوبة. لديك موهبة واعدة كما كتب  معالي  وزير  الثقافة السابق يحيى يخلف، وأنا أتفق مع الأديبين الكبيرين جميل السلحوت ومحمود شقير بأنّه سيكون لك شأن  كبير  في  الابداع  القصصي في  المستقبل. حقق الله الاماني .

وقالت ديمة جمعة السمان:

قبل أن أبارك للكاتبة نسب إصدار مجموعتها القصصية الجديدة (أوراق مطر مسافر).. أبارك لندوة اليوم السابع المقدسية نجاحها في اختطاف فتاة الشمال الجليلية نسب على صهوة حصان الثقافة عروسا للثقافة.. تقدم أجمل باقات الثقافة للقدس لتتزين بها وتتعطر. فقد كان نصيب القدس كبيرا في معظم كتابات المبدعة نسب وأنشطتها الأدبية طيلة الست سنوات الماضية.

( أوراق مطر مسافر).. هو أكثر من عنوان.. هو نصّ مكثف كامل وافٍ عميق..  يسرح بفكر القاريء..  يصطحبه في رحلة داخل عمق الذات لا تنتهي.  (مطر مسافر) كان شاهد على الأحداث في الماضي .. وهو شاهد على الاحداث في الحاضر.. وهو الأقدر والأصدق على تدوينها في أوراقه الخاصة، بل والتنبؤ حول المستقبل.. فالخبرة طويلة طويلة.. عمرها عمر السنين.

( أوراق مطر مسافر) عنوان يصلح لكل قصة قصيرة  وردت في المجموعة..فكل ورقة تحكي وجعا يلامس القلب الفلسطيني.. تحكي حكاية..توثقها لتكون شاهدا على الاحتلال.. كتبت بنفس روائي جميل.

أما ريشة الفنان التشكيلي المقدسي الفلسطيني طالب دويك فقد قامت بدورها .. وبعثرت الأوراق ا(لاحدى والعشرين) على غلاف المجموعة القصصية بفنية عالية.. وهي على ثقة أن المطر المسافر بمساعدة الريح سيقومان سويا  بإيصال الأوراق الى العالم.. تحكي حكاية شعب يريد الحياة.

رزمة من التحف الأدبية تناولت مواضيع اجتماعية نفسية وطنية توثق الهمّ الفلسطيني وتداعياته من الشمال الى الجنوب..فقد كان للجليل حصّة، ولغزة حصص.. كلّ قصة لها هدفها ورسالتها.. دعوتها غير مباشرة وغير منفرة.. تفاصيلها تزيد من عنصر التشويق فيها.. فلا ملل أبدا.

كتاب يستحق القراءة.. أديبتنا نسب نجحت أن تحفر ما جاء في أوراق المطر داخل قلوبنا.. حقا .. قصص لا تنسى. بانتظار أوراق أخرى.

وشارك في النقاش كل من الروائي حسين ياسين، نبيل الجولاني، الشاعر سامي مهنا، راتب حمد والشاعر إياس ناصر.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات