ماذا نوفر لأبنائنا الطلبة؟

م

مع أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، خصوصا في فلسطين المحتلة، إلّا أن هذا لا يعني أننا يجب أن نبتعد عن الصحيح، فبناتنا وأبناؤنا الطلبة محرومون من كلّ محفزات التعليم، فغالبية المدارس لا يوجد لها أبنية نموذجية مخصصة للدراسة، وهناك صفوف دراسية في غرف مستأجرة هي في الأصل مخصصة للسكن وليس للتدريس، ولا يوجد ملاعب حتى للاصطفاف الصباحي، ولا توجد مختبرات ومكتبات مدرسية، ولا يوجد وسائل ايضاح، عدا عن المناهج غير الملائمة، والأمن الشخصي في فلسطين غير متوفر للطلبة في بيوتهم أو مدارسهم أو في الطريق ما بين البيت والمدرسة، وهناك مطالبة بل تطبيق لليوم الدراسي الطويل من الثامنة صباحا حتى الرابعة بعد الظهر، مع أن غالبية الطلبة لا يتوفر له ثمن “ساندويش فلافل” مما يبقيه جائعا حتى عودته الى البيت، ولا يتوفر له تدفئة في الشتاء، أو تهوية في الصيف.

وجزء من المعلمين غير مؤهل للتدريس، وغير متمكن من أساليب التدريس، وهكذا…ومع ذلك نطالب بناتنا وأبناءنا بالابداع والتفوق، فهل طلبنا قابل للتحقيق في ظلّ كلّ ما ذُكر؟

ولكي نقف على حقيقة وضعنا التعليمي المأساوي سأجري مقارنة مع دول متقدمة، فعلى سبيل المثال: لي قريب درس الاقتصاد في احدى الجامعات الأمريكية في شيكاغو، وفي السنة الدراسية الأولى وهي سنة تحضيرية حصل على العلامات كاملة دون نقصان، مما لفت انتباه أساتذته، خصوصا وأن معدله في الثانوية العامة كان 73% فقط حيث تخرج من احدى مدارس القدس الخاصة، فقررت ادارة الجامعة دراسة أسباب عدم حصوله على معدل عال في الثانوية العامة، فأرسلوه الى مدرسة مختلطة نموذجية، وطلبوا منه الدوام في الصف الثاني عشر خمسة أيام في الأسبوع بعد أن أمنوا له المبيت والطعام في فندق خمسة نجوم، وفي الأسبوع الثاني أخذوه للدوام في الصف الثاني عشر في مدرسة بنات تشرف عليها كنيسة، وبعدها أعطوه نموذجا فيه 400 سؤال ليختار الاجابة الصحيحة من أربع إجابات للمقارنة بين المدرستين اللتين داوم في كل واحدة منهما خمسة أيام، وبين المدرسة التي درس الثانوية فيها في مدينة القدس المحتلة. وبعد ذلك درسوا الأسباب وخلصوا بالنتائج بأن مدارسنا غير مؤهلة للتدريس من جميع النواحي، وأنه لا ينجح فيها الا الطلبة النوابغ لعدم توفر أسباب النجاح.

وقد زرت أكثر من مدرسة في شيكاغو للاطلاع على الفوارق بين مدارسنا ومدارسهم، وقد حفزني على ذلك قبل أكثر من أربعة عشر عاما عندما جاءت رسالة من إدارة مدرسة يدرس فيها ابن شقيقتي فاطمة تطلب حضور أحد الوالدين الى المدرسة لأمر يتعلق بابنهم، وكان في الصف الابتدائي الأول، فذهبت بصحبة شقيقتي لأتفاجأ بأن طلب الادارة كان يتمحور على عدم قبول ابن شقيقتي تناول وجبة الافطار في المدرسة، حيث أنه يتناولها في البيت لعدم علم والديه بأن المدرسة تقدّم إفطارا، وعجبت أنها تقدم وجبة غداء أيضا، وأن المدرسة لها ملاعب واسعة جدا، وفيها موقف يتسع لمئات السيارات، ولفت انتباهي أن الطابق الأول مجرد قاعة كبيرة في صدرها مطبخ ومكان للطعام، والبقية ليلعب فيها الأطفال في الأجواء الباردة، وفي الوسط هناك طاولات عليها دفاتر وأقلام ليأخذ الطالب منها حاجته مجانا، وأن مساحة كل صفّ دراسي 64 مترا مربعا، وفي حائطيه الجانبيين صفّ من النوافذ، وهو مجهز بأجهزة تكييف للبرد وللحرّ، ولا يجوز أن يزيد عدد طلاب الصف عن 27 طالبا، وأن هناك معلمين تزيد خبرتهم التعليمية عن عشر سنوات لتقوية الطلبة ضعاف التحصيل في أيّ مادة دراسية. ولفت انتباهي أن المدارس مخصصة لكلّ ثلاث سنوات دراسية لتكون أعمار الطالبات والطلاب متقاربة منعا لاستغلال الكبار للصغار، فمثلا هناك مدارس من الصف الأول الابتدائي الى الثالث ومدارس أخرى للصفوف من الرابع حتى السادس ودواليك.

وفي المرحلة الابتدائية هناك رحلتان مجانيتان سنويا في سيارات تتسع لخمسة وعشرين شخصا، ويحق للطالب أن يصطحب أحد والديه أو كليهما معه، وتقدم لهم وجبتا افطار وغداء، في الأولى يتعرفون على ملامح مدينة شيكاغو التي تبلغ مساحتها 28 الف كيلو متر، وفي الثانية يتعرفون على مناطق أخرى في ولاية الينوي التي تقع فيها شيكاغو، وفي المرحلتين الاعدادية والثانوية يزور الطلاب ولاية أخرى كلّ عام.

ومن خلال أسئلتي عن وجبات الطعام، وجدت أن الطلبة الفقراء يعفون من ثمن الوجبة الرمزي في مختلف المراحل التعليمية، بينما أبناء الأثرياء يدفعون مبلغا رمزيا لوجبة الغداء في الثانوية، فعلاء بن شقيقي داود الطالب في الصف الحادي عشر هذا العام الدراسي 2013-2014 يدفع دولارين ونصف ثمن وجبة الغداء؟

ورغم اتساع الملاعب اللافت فان الطلاب لا يصطفون في الصباح كما يحصل عندنا، بل يدخلون الى صفوفهم فور سماعهم صوت الجرس، ولا ينشدون للزعيم ولا يقرأون الفاتحة كما يحصل في مدارسنا.

ونظرا للقوانين التعليمية الصارمة والعادلة التي تربّى الطلاب وأولياء أمورهم على احترامها، فان التعليم يسير على ما يرام، فمدرسة علاء بن شقيقي داود فيها ثلاثة آلاف طالبة وطالب ثانوي، وتديرها سيّدة وغالبية هيئتها التدريسية نساء، وهي مدرسة مختلطة، ومع ذلك لا مشاكل ولا فوضى فيها.

17-9-2013

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات