الغول

ا

منشورات مركز بعثة الطفولة الفلسطينية2007-رام الله فلسطين

استيقظت خديجة مع آذان الفجر مذعورة ، وبولها ينساب بين فخذيها ليبلل ملابسها وفراشها… استعادت بذاكرتها تلك الحكاية التي حدثتها جدتها بها ، وكيف أن الغول يستطيع أن يضع رجلاً ضخماً في الفراغ بين أسنانه ؟ وبحسبة بسيطة وجدت أن خمسة أطفال من جيلها لا يملأون الفراغ الواقع بين ضرسين من أضراس هذا الحيوان المخيف ، فغفت…. وهي ترتجف من شدة الخوف ، ورأته في حلمها ضخماً بحجم جبل الزيتون الذي يحتضن مدينة القدس من جهتها الشرقية ، فتحةُ فمه تستطيع استيعاب بناية من سبعة طوابق ، له عين في منتصف جبينه بحجم بحيرة صغيرة …. أسنانه أطول وأضخم من أعمدة الضغط العالي الكهربائية …. مدّ لسانه فجذبها إلى جوفه دون أن تلتطم بفكيه ، ورأت نفسها تدور في معدته مثل حشرة صغيرة في فضاء مزبلة ، فاستيقظت وهي تبول في فراشها من شدة الخوف ، بقيت في فراشها ترتعد وتبكي بصمت ، إلى أن أشرقت الشمس، وملأت فضاء الغرفة بضوئها … التفتت إلى جدتها التي كانت تداعب سبحتها بيدها اليمين وهي تحرك شفتيها بكلمات لم تفهم منها الصغيرة خديجة شيئاً ، فوقفت على استحياء ، وركضت مسرعة إلى والدتها التي كانت في مطبخ السكنة العلوية …. وقفت أمامها وحمرة تعلو وجهها ….. وقالت :-

لقد بُلت في ملابسي يا أمي لأنني …. فانهالت الأم عليها ضرباً وصراخاً قبل أن تسمع قصتها ، فبكت خديجة بمرارة، وهي تتمنى لو أن أمها تعطيها الفرصة لتحدثها حكاية الغول المخيف الذي حدثتها جدتها عنه ، ثم اقتادتها والدتها عنوة إلى الحمام ، حيث حممتها بالماء البارد ، واستبدلت ملابسها بالمريول المدرسي، وهي ترتجف من الخوف والبرد، وسط شتائم لا تـنقطع …. لم تذق خديجة طعام الإفطار .. وتمنت لو أن أباها لم يخرج إلى العمل مبكراً، لكان وفر لها الحماية.

حملت خديجة حقيبتها وذهبت إلى روضتها ، فرأت معلمتها حالها ، وأشفقت عليها خصوصاً وأن خديجة من الأطفال الأذكياء المتفوقين …. حضنتها بدفء، وطبعت قبلة على جبينها، وهي تسألها عن حالها … انفرجت أسارير خديجة …. وأخذت تقص على المعلمة حكاية جدتها عن الغول … وكيف بالت في فراشها من شدة الخوف …. وكيف عاقبتها أمها دون أن تسمع لها … داعبتها المعلمة ، وقدمت لها بعض البسكويت ، ونفت وجود حيوان اسمه الغول … وأدخلتها إلى غرفة الصف بعد أن قرع الجرس في الساعة الثامنة صباحاً .

وقفت المعلمة أمام الطلاب ، وأخذت تشرح لهم عن الغول الخرافي الذي لا وجود له … فسألتها خديجة : إذن لماذا تحدثني جدتي عن حيوان خرافي غير موجود ؟ فأجابت المعلمة:-

انه جهل الجاهلين … فجدتك لم تتعلم ، وتعتقد أن هذه الحكايات مُسلية للأطفال . فرحت خديجة بعد أن علمت أن الغول حيوان خرافي غير موجود على أرض الواقع … وعادت في نهاية الدوام المدرسي فرحة إلى بيتها ، وقالت لأمّها : الغول حيوان خرافيّ غير موجود …. ولن أستمع إلى حكايات كهذه مرة أخرى … وسأحدث جدّتي عن جمال الطّبيعة في مدينة أريحا كما رأيته في الرحلة المدرسية.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات