قصة قصيرة – وقضى ربك

ق

وقضى ربك…

قصة قصيرة

يعيش سعيد مع زوجته واطفاله الثلاثة ووالده العجوز . الأسرة متحابة وسعيدة … كلهم يتمازحون ويمرحون ، ويجلسون أمام شاشة التلفاز ليلاً إلا أبا سعيد الذي يبقى مستلقياً على فراشه تحت وطأة أمراض الشيخوخة ، والوحدة التي أصبح يعاني منها بعد وفاة زوجته أمّ سعيد منذ ثلاثة أعوام .

زوجة سعيد تقدم وجبات الطعام لوالد زوجها بانتظام وفي أوقات محددة . أمّا سعيد فيكتفي بطرح تحية الصباح على والده قبل أن يذهب الى عمله ، وتحية المساء عندما يعود . وأبو سعيد لا يغادر فراشه إلا الى الحمام لقضاء الحاجة متكئاً على جدران المنزل وبصعوبة بالغة ، وأيام الجمعة يساعده ابنه سعيد بالاستحمام واستبدال الملابس، لكن حالته الصحية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم حتى صار قعيد الفراش ، لا يقوى على تحريك أطرافه .

أبو سعيد مُمدد على فراشه وشريط ذكرياته يدور دون توقف ، أحلام وردية ترسم بسمة على شفتيه، وهو يتذكر أيام الصّبا والشباب ، فيشعر بالرضا عن نفسه ، مطمئناً أن هذه سُنّة الحياة ، وأنه سيلاقي وجه ربه راضياً مرضياً، بينما سعيد حزين على وضع أبيه الصحي ، فكان يصلي الفجر ، ويحضر قهوة الصباح والإفطار لوالده ، يُطعمه ويسقيه بيديه ، ويقوم بتحميمه، ويُبدل له ملابسه قبل أن يذهب الى عمله ، وبعد أن يوصي زوجته برعاية والده .

وعندما يعود مساءًا يطعمه وجبة العشاء، ويحممه مرةً أخرى، ويبدل له ملابسه ، فيردد الوالد الله يرضى عليك يا ابني مرات كثيرة ، فيشعر سعيد أن الحياة تبتسم له ، فيلجأ إلى كتاب الله يقرأ ما تيسّر من آي الذكر الحكيم ، داعياً الله بالختام أن يفرج كرب والده ، وذات يوم قرأ قوله تعالى : ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ” فترقرت الدموع في عينيه، وهو يتذكر والدته المرحومة التي قضت نحبها عندما توقف قلبها دون سابق إنذار ، فسأل الله لها الرحمة ، وصمّم أن يقوم برعاية والده خير رعاية حتى يختاره الله الى جواره ، وحرصاً منه على عدم التقصير في حق والده، ذهب إلى أحد الحكماء للإستشارة وطلبا للنصيحة ، فشرح للحكيم حال والده، وأخبره بأنه يقوم بإطعامه ثلاث وجبات في أوقاتها ،ويحممه ويستبدل ملابسه صباح مساء ، فقال له الحكيم: أنت مقصر مع والدك ، إنتبه لقصورك وعدّله قبل فوات الأوان .. فشكر سعيد الحكيم وعاد إلى بيته حزيناً .. وقرر أن يأخذ إجازة من عمله ليتفرغ لخدمة والده ، وأصبح يُطعم والده خمس وجبات، ويحممه ثلاث مرات يومياً .. وبعد أسبوع عاد الى الحكيم وأخبره بما يقوم به في رعاية والده .. فقال له الحكيم ما قاله له في المرة الأولى . فعاد سعيد إلى بيته مهموماً مغموماً، وقرر أن يُبقى الطعام أمام والده طيلة النهار، وألا يأكل هو وزوجته وأطفاله إلا ما يتبقى بعد أن يشبع والده ، وأن يقوم بتحميمه واستبدال ملابسه خمس مرات في اليوم .. وبعد الأسبوع الثاني عاد الى الحكيم نفسه، وأخبره أن والده قد توفاه الله، فقال له الحكيم : ادعُ ربك له ولك بالغفران والرحمة، فقد قصرت معه يا بني . فاحتار سعيد بأمر الحكيم وسأله : وماذا كان بإمكاني أن أفعله ولم أفعله حتى أتلافى التقصير ؟؟ فأجاب الحكيم : عندما كنت قاصراً في طفولتك كان – رحمه الله – يرعاك بشكل فائق ،ويدعو الله لك بطول العمر وبالسعادة،منتظرا اليوم الذي تكبرفيه وتصير شابا، بينما أنت كنت ترعاه وأنت تـتأفف منه، وتدعو الله بأن يرحمه ويستعجل بوفاته .. وهناك فرق بين من تدعو له بالموت بينما هو يدعو لك بالحياة .. فبكى سعيد حتى احمرت عيناه وتأكد أنه كان مقصرا في رعاية والده

2 تعليقان

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات