قصة صانع الأحلام

ق

قصة صانع الأحلام للدكتور طارق البكري

في ندوة اليوم السابع

القدس 2006-2-2 :ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القد س الشريف قصة للاطفال بعنوان “صانع الاحلام ” تأليف الدكتور طارق البكري.

بدأ النقاش عريف الندوة الكاتب جميل السلحوت فقال :

اسقاط مفاهيم الكاتب في قصة صانع الأحلام للأطفال …
قرأتُ كما أذكر للدكتور طارق البكري، وهو شابٌ لبناني حاصل في العام 2005 على درجة الأستاذية “الدكتوراة”، في أدب الأطفال من جامعات لبنان، قرأتُ له ثلاث قصص للأطفال على صفحات موقع (أدب الأطفال) ويرأس تحريره الأستاذ رافع يحيى والذي يدرس هو الآخر في جامعة اليرموك في الأردن، ويُعد لشهادة الأستاذية أيضاً في أدب الأطفال.

وكانت قصصه عادية وواقعية، وقصيرة لا تتجاوز الصفحة طباعة، وهذه هي المرة الأولى التي أقرأ له فيها قصة طويلة للأطفال، استخرجتها من الشبكة العنكبوتية – الانترنت- فجاءت على ثماني صفحات من الحجم الكبير بدون رسومات، وهي قصة ” صانع الأحلام “، والقصة مقسمة الى ثلاث وعشرين فقرة متفاوتة في طولها وعدد كلماتها أيضاً، وتتمحور القصة حول “الأحلام” عند الأطفال، فهل وُفق الكاتب في معالجة هذه القضية؟؟ وهل استعمل التحليل النفسي في هذه القصة؟؟ وما هي الجدوى التربوية والتعليمية من هذه القصة؟؟

وسنحاول الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها من خلال قراءتنا لها.
في الفقرة الأولى يعطينا الكاتب لمحة عن حياة ريم، فهي طفلة عمرها عشر سنين تعيش في “قصر” واسع تحيط به أشجار عالية من كل اتجاه، وحديقة جميلة مزروعة بزهور ونباتات خضراء متنوعة… وفي زاوية منها مراجيح مسلية،ويتوفر لريم في بيتها مختلف الألعاب العادية والالكترونية “متعددة الأشكال والأحجام، وأقراص الحاسوب، وأسرتها نموذجية مكونة من أب وأم وثلاثة اخوة أكبر منها،وريم تعيش مع أسرتها سعيدة، ومعلماتها يحببنها لأنها متفوقة ومتميزة، وهذا هو مضمون بداية القصة، اذن نحن أمام طفلة من بنات الملوك أو الأمراء، أو الأثرياء ثراء فاحشاً، فهل من تتوفر له مثل هذه الأشياء يكون سعيداً حقاً؟؟ وبما أن القصة موجهة للأطفال العرب، فما هو عدد من تتوفر لهم مثل هذه المتطلبات؟؟ وهل يشكلون نسبة في المجتمع العربي؟؟ يقول الكاتب: “ريم تعيش مع أسرتها سعيدة… تقضي معظم الأوقات بعد المدرسة في البيت والحديقة” أي أنها تلعب وحدها، فأخوتها أكبر منها، ولا وجود للأقران معها، كما أنها لا تتواجد معهم، فهل يتمتع طفل بلعبه وحده؟ بمعنى لو وضعناه في جنة كالبيت الذي وصفه الكاتب ومهد لقصته فيه؟ بالتأكيد سيكون الجواب: لا، وبالتأكيد أيضاً لن تتفوق ريم في دراستها، لأنها تعيش سجينة ترف الثراء الذي سيلبد دماغها، وسيعيق قدرتها.

وتأتي الفقرة الثانية لتتناقض مع الفقرة الأولى، وذلك عندما طلبت احدى المدرسات “من طالبات فصل ريم أن تتحدث كل واحدة منها عن أحلامها،والسؤال هنا ليس عن الطموحات وأحلام اليقظة، بل عن الحلم الحقيقي الذي يراه النائم ويعيشه سواء كان خيراً أم شراً، فتفرح الصغيرات للسؤال ويجبن.

– فسعاد مثلاً حلمت أنها “تحلق في الفضاء، وتركب السفن الفضائية وتطير بالهواء من نجمة الى نجمة “، وهذا خيال علمي ايجابي، فهي تفكر في الكون، وتفكر في غزو الفضاء.

– ” نورا حلمت أنها صارت أماً وجدة وعندها بنات وأولاد وأحفاد” وهذا حلم تقليدي لفهم تقليدي لدور المرأة في المجتمع العربي، والتربية التقليدية للطفلة العربية تحصر دورها في الزواج والانجاب والعناية بالأطفال.

– ” نسرين تحلم بالسفر والتنقل بين البلاد… قالت أنها زارت في منامها دولاً كثيرة، وبعضها زارتها حقيقة مثل: مكة والمدينة والقاهرة… وتحلم أن تزور باريس لتشاهد ديزني لاند وبرج ايفل”، وهذا حلم يحمل نقيضين، فالحلم الديني قادها لتحلم بزيارة مكة والمدينة، وهذا يأتي من شعائر العمرة والحج، لكن أنّى تأتي معرفة الأطفال العرب بديزني لاند وبرج ايفـل في باريس؟؟

– “منى تحلم أنها من أصحاب الملايين… تعيش في قصور وتملك سيارات لا حصر لها ولا عدد” وهذا حلم المحرومين والفقراء، وهو حلم واقعي، فالانسان يحلم بالأشياء التي يحبها أو يكرهها أو يخاف منها او يفتقدها.. الخ أو على رأي أشقائنا المصريين “الجائع يحلم بسوق العيش” والعيش هنا هو الخبز.

ويأتي دور ريم في الفقرة الثالثة لتقول: “لا أعلم… أنا… أنا… أنا في الحقيقة لا أعرف معنى أحلام”!!

وهنا الارتباك والحيرة والتناقض، فمن المستحيل أن تتعلم ريم التي شاهدناها في الفقرة الأولى في مدرسة مع اطفال يحلمون بأشياء يفتقدونها، والذين يتضح من أحلامهم أنهم محرومون، ومع ذلك فإن ريم لا تعرف معنى الأحلام، فهل من تتوفر له ظروف رفاهية الحياة لا يحلم؟؟ بالتأكيد انه يحلم بأمرين، فهو يحلم أن يزداد ثراءاً، ويحلم بفتح المشاريع التي تدر عليه أضعاف ما عنده، وهو يحلم أيضاً بحياة الفقر والحرمان ويجد متعة في ذلك، لأنه محروم منه، ولا يمكن أن يكون عقل أطفال الملوك والرؤساء والأمراء والأثرياء محايداً لا تشغله أمور أخرى، والا فإنهم سيكونون أغبياء، وهذا مجانب للحقيقة.

وتستهزىء زميلات ريم منها لأنها لا تحلم، وهذا أيضاً يجانب الحقيقة، لأن الأطفال عادة يخافون من الأحلام، وعادة يغبطون من لا يحلم حتى ولو في ليلة واحدة، لأنهم لا يستطيعون تفسير الأحلام أو معرفة كنهها،وقد وقع الكاتب هنا في مطب تربوي فمن الممنوع تربويا الاستهزاء بالأطفال حتى من اطفال مثلهم.

وفي الفقرة الرابعة تعود ريم الى بيتها حزينة، وتخبر والدتها بما حدث في المدرسة حول الأحلام فتقول الأم “لا تقلقي يا حلوتي… مشكلتك بسيطة وسنجد لها حلاً” فيا سبحان الله، فهذه الأم تملك عصا سحرية لحل المشاكل، والسبب بسيط ، أنها ثرية، لكن الأحلام لا تخضع للثراء أو للفقر، ومن حق القارىء أن يتساءل اذا ما كان الفقراء قادرين على حل مشاكلهم غير المادية كالأحلام مثلاً؟؟

وفي الفقرة الخامسة: “ذهبت ريم برفقة أمها الى طبيب مشهور يدعىصانع الأحلام” فهل هناك طبيب للأحلام؟؟ وهل هناك جدوى تربوية أو تعليمية في اعطاء هكذا معلومة للأطفال؟؟ أم أن ذلك يندرج في باب الخيال؟؟ والجواب نعم عندنا “دجالون” و”مشعوذون” يزعمون معرفتهم بالأحلام وتفسيراتها غير المبنية على أسس علمية أو دينية أو أخلاقية، وهدفهم هو الكسب المادي فقط عن طريق استغفال الناس والضحك عليهم، ولا جدوى تعليمية او تربوية من هكذا معلومة.

ومع ذلك فإن طبيب ريم يحضر “أدوية عجيبة غريبة” ويعطيها واصفاً طريقة استعمالها “ضعي ثلاث نقاط في عينك اليمنى، ونقطتين في عينك اليسرى قبل أن تنامي مباشرة” وهنا انتقلنا في القصة من القول الى الفعل، وفي الفقرة السادسة تستعمل ريم الدواء لكنها لم تحلم، فيغير الطبيب خلطة الدواء، ومع ذلك لم ينفع الدواء في جعل ريم تحلم!! فيتعجب الطبيب من ذلك ويقول أنه جربه على نفسه وعلى الآخرين فنجح، وبينما أنا أقرأ متمعناً ذلك، عدت بذاكرتي الى طفولتي عندما أصبت بالرّمد في عيوني وأنا في الخامسة من عمري، فاصطحبتني جدتي الطيبة- رحمها الله- الى أحد المشعوذين، فوصف لها براز حرذون جاف، توضع ذرات منه في عيني المحمرّة، فاستنفرت العائلة الأطفال والفتية الأكبر مني سناً، لمراقبة جحور الحراذين، واحضار برازها الجاف، الذي وضعوه في عيني – رغماً عنى- حتى فقدت احدى عيني.

وفي الفقرة السابعة يذهب الطبيب الى بيت ريم، فيدخل غرفتها ويتجول في أنحاء المنزل فوجد عندها “أجمل الأثاث، وجد ثياباً رائعة باهظة الثمن، في كل زاوية من غرفتها رأى لُعباً متراكمة” فشعر الطبيب بالعجز لأن “ريم لديها كل ما تريد… دون أن تحلم بها” ومع ذلك فإنه وعد بالعودة بالحل، وهنا السؤال مرة أخرى وهو: هل تعرف الأحلام حدودا تقف عندها؟؟ وهل الأثرياء لا يحلمون؟؟ وهل الاحلام حكر على الفقراء والمحرومين؟

وفي الفقرة الثامنة يعود الطبيب بالحل وهو كيس كبير مليء بالكتب يحمله على ظهره، وهنا يجب التوقف قليلاً، فهل توضع الكتب في أكياس كبيرة وتحمل على الظهر خصوصا من طبيب؟؟ وهل هذه هي الطريقة المثلى التي نعلمها لأطفالنا في العناية بالكتب وحفظها ونقلها من مكان الى آخر؟؟ ومع ذلك فإن توجيه الأطفال للمطالعة والقراءة أمر غاية في الأهمية، وهنا تبدأ ذروة القصة في اكتساب المعلومات، واشغال الفكر، واخراجه من الدائرة الضيقة التي تحاصره، فتتأثر ريم في الكتاب، وتبدأ أحلامها في الفقرة التاسعة، وتشرع في روايتها لمعلمتها وقريناتها، فيسعدن بالحكايات التي روتها لهن ريم.

وفي الفقرة العاشرة، يقع نظر ريم على كتاب كبير ثقيل اسمه “فراشة الغابة الغريبة” فتعجب به، ورغبت في قراءته كما نلاحظ في الفقرة الحادية عشرة، وبما أن قصة الكتاب طويلة وتحتاج الى ساعات لتكملتها، فوضعت الكتاب جانباً عندما “اقترب موعد نومها” وهذه قضية مهمة، وهي تعويد الأطفال على النوم في ساعات محددة، وان كان بطريقة غير حديدية، وتنام ريم، وتبدأ تحلم بأنها فراشة تطير بين الزهور، وفي الفقرتين الثانية عشرة والثالثة عشرة تحلم ريم بأنها أصبحت فراشة، تتنقل في بستان الورود الجميلة، وهو نفس البستان المرسومة صورته على غلاف الكتاب، وفي الفقرة الرابعة عشرة، لماذا ارتعبت ريم من كونها فراشة؟ وكيف اكتشفت ذلك مع أنها لم تصح من نومها؟ فالفراشة جميلة، وناعمة وغير مؤذية، فلماذا لم تتقبل أن تكون فراشة، علماً أنها في الفقرة السابقة “تحولت ريم نفسها الى فراشة الغابة الجميلة”، فلماذا تبكي؟؟

وفي الفقرة الخامسة عشرة قالت بخوف: “يكفي.. يكفي.. أنا نائمة أليس كذلك؟ أريد العودة الى بيتي الآن” فما دامت نائمة وما دامت تحلم أنها فراشة، فكيف تساءلت قائلة… أنا نائمة أليس كذلك، فالذي يحلم في النوم يعيش الحدث بكل تفاصيله، ولا يدرك أنه يحلم، انه يدرك ذلك بعد أن يستيقظ ، ومع ذلك فإن تناسق الطبيعة والفراشة جزء منها ظاهر في هذه الفقرة، وتعيش ريم حياة الفراشة في الغابة وتخاطب الطيور، والورود والأشجار والأزهار، وتأكل أكل الفراشات، وغير مبرر أيضاً في الفقرة السابعة عشرة ادراك ريم في حلمها أنها انسانة وليست فراشة.

وتعلم ريم في الفقرة التاسعة عشرة وجود ثمار سامة لبعض الأشجار، كما تعلم بوجود الأفاعي السامة في الفقرة عشرين.

أهمية الكتاب:

توجيه الأطفال لمطالعة الكتب، وتوجيه الأهالي لشراء كتب الأطفال لأطفالهم قضية في غاية الأهمية، فمن خلال الكتب يكتسب الأطفال معلومات جديدة، كما أن الكتب تنمي الخيال عندهم، وتحثهم على استعمال العقل، وقد رأينا في القصة أن مشكلة ريم في عدم الحلم وجدت طريقها الى الحل من خلال كتاب، وهذه قضية تُسجل لصالح القصة.

الأسلوب:

استعمل الكاتب أسلوب السرد القصصي في قصته، لكنه اتكأ على الحكي أكثر من اتكائه على القص، وكان تدخله واضحاً في مواضع عدة في تحريك شخصية ريم بطلة القصة، ولم يتركها تتحرك وحدها كطفلة ابنة عشر أعوام، لقد اسقط وعيه عليها، كما انه اعطى على لسانها جملا تفسيرية كان بامكانه الاستغناء عنها.

الخيال:

للخيال أهمية كبرى في فن القص للأطفال، وهذا لا ينفي طبعاً القص الحقيقي والواقعي، وواضح أن الكاتب يملك خيالاً واسعاً، وان كان هذا الخيال يتناقض مع البناء القصصي أحياناً.

ويبقى أن نقول أن في القصة تسلية للأطفال، وتنمية لخيالهم، وتعطيهم بعض المعلومات، مثل وجود افاعي سامة ووجود ثمار ايضا، كما انها تشجعهم على الاستمتاع بجمال الطبيعة.

تم تحدث محمد موسى سويلم فقال:

” الجوعان بحلم برغيف العيشي” مثل مصري قديم جديد، ريم بماذا ستعلم ؟ وعندها ثياب رائعة باهظة الثمن، تحصل على أي شيء تطيله دون عناء ودون ان تحلم به، وكأن الاغنياء يحلمون بشيء، والفقراء يحلمون بشيء مختلف ، ثم ان اضافة مكتبة الى ممتلكاتها سيحسن الوضع.

الصندوق السحري سيعلم اطفالنا ان بعض الثمار سامة ؟ وان هذا مجرد احلام ؟ لماذا لم يختر الكاتب شجرا ساما فعلا، او شجرا معروفا يعطي ثمارا ولكنه بحاجة الى طبخ مثلا او ما شابه ذلك ؟

الصندوق السحري ، سيعلم اطفالنا السحر ونشرح لهم عن السحر ، لعل اطفالنا يؤمنون برب هارون وموسى ، وسنشرح لهم عن طبيب يدعى صانع الاحلام ، وسنتصل بالمركز الصحي نسأل عنه ، وهل هو ضمن التأمين ام لا ؟ ثم ما علاقة العيون والدواء ؟ حسب معرفتي الاحلام تكون في العقل الباطني للانسان ولا اريد ان استرسل في الشرح ، اما ان نضع نقاطا في العين فنحلم ، فسنشرح هذا لاطفالنا فيما بعد.

www.adabatfal.com اهنئك يا استاذ ابراهيم جوهر فهذا ادب اطفال من العيار الثقيل ، قصة وانحسبت عليك ، اقرأ وفتح عينيك ودير بالك على ادب الاطفال الله يرضى عليك ؟

الان تريد تفسير لهذا الحلم ، وارجو ان يتوفر كتاب ابن سيرين لتفسير الاحلام لمراجعة هذا الحلم .

وقال الاديب ابراهيم جوهر :

بطلة القصة الطفلة ريم ابنة السنوات العشر تصل في نهاية القصة الى ان الكتب والتثقيف عن طريقها وقراءتها هي التي تصنع الاحلام، وان جاءت ” الاحلام ” هذه في القصة غامضة غير محددة لا تخدم مفهوم الاحلام التي يجب ان نضع اطفالنا على بداية طريقها، ودفعهم الى تصورها ، وتخيلها ، وممارستها ، وتحبيبهم بها .

لقد ظلت الاحلام مجرد تهيؤات ، واحلام ليلية بعيدة عن الواقع، فالواقع يضاد الحلم الليلي ويعاكسه ، والحلم الليلي امر سلبي ، وليس هو المقصود بالحلم بالمفهوم المتداول في الادب والعلم والتربية .

إن الحلم يعني الرؤيا ، في حين جاءت احلام القصة واحلام ريم رؤية ليلية .

انها احلام لا دخل لطموح ريم فيها ، ولا لثقافتها ، ولا لاصرارها الذي يجب ان يكون دافعا لمن هم في مثل سنها ، وان يكون حافزا لهم للاقتداء بها .

من هنا لم تكن ” ريم ” شخصية قدوة يقتدى بها ويذوتها الاطفال القراء .

والمغامرة التي يعشقها الاطفال الذين هم في عمر ريم جاءت مغامرة غريبة، سيرت ريم من خلالها، بل انها اقحمت فيها اقحاما، فلم تخطط لها ، ولم تستمتع بها، ولم تخرج بأي فائدة منها ، بل نراها وهي تصر على اشباع حاجتها الفسيولوجية ( الجوع ) حتى لو كان في ذلك موتها .. وهي تقدم نموذجا سيئا وهو نموذج لا تربوي – في ان تموت شبعانة خير من ان تموت وهي جائعة ! !

امر غريب هذا الذي يقدمه الكاتب !

وعودة الى مقدمة القصة التي جاءت وصفية مقحمة من الكاتب اقحاما خارجيا سرديا ،على طريقة الحكاية الشعبية التقليدية التي تركز على المضمون بعيدا عن اللغة الادبية ، وان كانت الحكاية الشعبية نفسها تعوض نقصها هذا باسلوب راويها وساردها الخبير الذي يستعين بالحركة والايماءة والصوت .. فان هذا لا توفره القصة المكتوبة التي تفترض من طفل قارئ ان يقرأها بنفسه معتمدا على خياله واحساسه، هذا الاحساس الذي يتوجب على أدب الطفل ان ينميه ويفتح له آفاقا رحبة من الجمال .

والجمال في أدب الطفل يتمثل في جمال اللغة ، وجمال المضمون ، وجمال التصوير ، وجمال الصورة ، وجمال الخبرة المكتسبة ، وجمال الطبيعة ،لقد ركز الكتاب على جمال الطبيعة واستعان بجمال اللغة، ولكن الحدث الذي ساقه ومنطق الشخصية ( ريم ) صادر هذا الجمال، ولم يتساوق معه، ولم ينسجم كذلك .

ثم هناك تناقض في شخصيته ريم غير مبرر ، فهي متفوقة ومتميزة كما يصفها الكاتب ، ولكنها بعد لحظات لا تعود تلك المتفوقة المتميزة، بل تصير مترددة ، خائبة ، لا تفهم معنى الحلم، حتى بعد ان استمعت لزميلاتها التلميذات في الصف وهن يتحدثن عن احلامهن ، فأين التفوق ؟ وأين التميز ؟

ثم يقع الكاتب في اشكال آخر من الناحية التربوية ، اذ نراه ينطق أم ريم بعد سؤالها لابنتها عن سبب حزنها، فتقول محاولة تلطيف جو حزنها:” مشكلتك بسيطة وسنجد لها حلا” .

( سنجد) – نحن معا ، وليس : عليك ان تجدي لها حلا انت وحدك، وهذا يعيدنا الى التربية التي تقود الى الاتكالية والعجز والتهرب .

وفعلا ، حاولت الأم ان تجد هي وحدها الحل لحزن ريما ومشكلتها التي اوقعتها في حرج بعد ان ضحكت زميلاتها من بلادتها ، وهي التي وصفها الكاتب بانها متميزة ومتفوقة ، ولعل الكاتب لم ينتبه الى موضوعة ضحك الزميلات المستهزئ من ريما هنا ! ! لقد وجدت الأم حلا لمشكة ابنتها ( هي التي وجدت وليس الإبنة! ) فذهبت الى الطبيب العجيب الذي يصف وصفة عجيبة، ثلاث نقط في العين اليسرى، ونقطتان في العين اليمنى ( لماذا ؟ وما هذا المنطق ؟ – لا احد يعرف ! )

الطبيب خلط خليطا عجيبا، ووصف وصفة اعجب، وهو مقتنع بصحة عمله ، هكذا .. لم يحاور ، ولم يذهب الى الحل المرسوم سلفا في ذهن الكاتب … بل توصل اليه بعد فترة ليعود يحمل كيسا كبيرا كبيرا ( هذه لغة الكتابة لسن اصغر من سن ريم .. ) فيه كتب عجيبة ، كتب تتكلم ، ثم تبدأ أحداث مشجعة على القراءة .

الفكرة جميلة ، ولكن الاسلوب والحدث لم يكونا موفقين .

لقد استفاد الكاتب من اسلوب الحكاية الشعبية واجوائها الخيالية المتنقلة من موقف الى آخر ، ولكنه لم يوفق في جملة المفاهيم التربوية ، اذ ان كاتب ادب الاطفال مرب قبل ان يكون كاتبا .

وبعده تحدث خليل سموم فقال:

· قصة خيالية ، تثير الخيال عند الاطفال وتساهم في تنميته .

· قصة مشوقة، ممتعة، ورائعة.

· قصة محبوكة جيدا، وفيها حركة كبيرة ومستمرة.

· قصة البطل فيها انثى وليس ذكرا، وهذا شيء ايجابي ، اذ ان الأغلبية الساحقة من ابطال قصصنا العربية هم ذكور .

· قصة عميقة، تدعو للتفكير والتأمل .

· قصة هادفة، ملآى بالقيم التربوية الايجابية

· قصة يدور محورها حول مدى تأثير القراءة ايجابيا على عقل الانسان.

· قصة كان الافضل ان يدور عنوانها حول ذات ريم ، لان القصة تبدا بريم وتنتهي بها.

· يلفت الكاتب في قصته نظرنا – اكثر من مرة – الى توفر كثير من رسائل التسلية والامتناع والفائدة في بيت ريم ما عدا الكتب ، وهذا مما خلق لها مشكلة رغم انها متفوقة ومتميزة في دراستها، والمشكلة ان عقلها لم يكن يتحرر تماما ، ولم يكن منطلقا بشكل عام ، بل كان محدودا ومنغلقا على نفسه ، رغم انه كان متفوقا ومتميزا في عدة نواح.

· ورغم انني قرأت القصة بعناية ثلاث مرات، الا ان ما قلته سابقا يمثل نظرة سريعة مستعجلة عليها ، دون التفكير التام اللازم في تفاصيلها وفي مجملها، فالقصة كما قلت في البداية – عميقة ، بل انها عميقة جداً ، تحتاج من ناقدها الى ان يلتفت بعناية شديدة الى كافة تفاصيلها، ويفكر فيها بشكل عام بكل هدوء وروية وعمق ، ليخرج بحكم شامل وصائب عليها.

وكان مسك الختام مع الكاتبة حذام العربي حيث قالت :

بداية تجدر الملاحظة ان هذه هي المرة الاولى التي اقرأ فيها لهذا الكاتب،

قرأت القصة ثلاث مرات ،في القراءة الاولى، بعين ناقدة، قرأت قصة للاطفال، وقد استفزني ما قرأت الى حد الغضب في القراءة الثانية، قلت لنفسي ربما سقطت رسالة القصة على اذن غير صاغية، وعليه يستحسن التمحيص مرة اخرى، وفي محاولة للاسترشاد بعيون وآذان اخرى، قمت بتوزيع نسخ من هذه القصة على بعض الاطفال من مثل عمر بطلة القصة 10 سنوات، وكذلك الى احدى المربيات العاملات مع جيل الطفولة وامهات لاطفال بهذا الجيل،وفي القراءة الثالثة، حاولت الالتفاف على ما ظهر من هذا النص، لايجاد ما قد يسوغ امكانية قراءة باطنية، ان جاز التعبير، وان كان في ذلك محاولة لتحميل النص اكثر بكثير مما يحتمل.

اكثر ما لفت انتباهي في هذا النص استعمال المفردات واشكالياتها، للمفردات معان ومضامين، يستحسن ان توضع في موقعها، ويجدر بنا توخي الحذر والدقة في استعمالها، خاصة عند مخاطبة او محاورة الاطفال، بغض النظر عن وسيلة الحوار، هذه المفردات تساهم في تشكيل وعي الطفل، وهي من اهم وسائل التنشئة ان لم تكن اهمها على الاطلاق، ومع تقدم الانسان في العمر تزداد ثروته من المفردات، وكذلك تتعمق وتتجذر مضامين ومعاني هذه المفردات في الوعي واللاوعي، وكما ان الثروة اللغوية لابن الخامسة عموما اقل بكثير من ثروة ابن العاشرة، كذلك يستوعب ابن العاشرة ما لا يستطيعه ابن الخامسة من معاني غير محسوسة، مركبة و/ او مُطلقة لبعض المفردات ،مفردات مثل سعيدة، متميزة، متفوقة، حزينة، سخرية، التي وردت في سياق النص ص1 ، لرسم واقع البطلة بدت متناقضة او على الاقل غير منسجمة مع اجواء النص، لا بل اضفت الكثير من البلبلة، ما هي السعادة؟ ان يعيش الانسان/الطفل في رغد اقتصادي مثلا؟ هل هذا فقط من اسباب السعادة أم انه من بين عدة اسباب اخرى؟ لقد رسم لنا الكاتب لوحة لريم ابنة العاشرة، وهي بطلة النص، وعائلتها المكونة من الوالدين وثلاثة اخوة، ووصف لنا بيتها الذي يشبه القصر، موضحا ان في بيتها كل ما تشتهيه، واذن فهي سعيدة! او هكذا يصفها لنا النص. وفي نقلة دراماتيكية، عندما سُئلت عن احلامها فإذا بالقارئ يقف امام ريم التي لا تعرف “.. ما معنى أحلام؟ .. لم تتكلم… احمر وجهها خجلا…” والتي اصبحت محط سخرية وضحك زميلاتها، لا بل انضمت المُدرّسة الى زميلات ريم في جوقة “الاندهاش والتعجب” من ريم التي لا تعرف ما معنى الاحلام ولا يدري القارئ اين اختفت شخصية ريم السعيدة المتفوقة والمتميزة!

يوحي النص بأن ريم بطلته ابنة عائلة غنية اقتصاديا، او تنتمي لشريحة اقتصادية-اجتماعية فوق المتوسطة على الاقل، هل الاغنياء لا يحلمون؟! هل الاحلام وقف على الفقراء؟! هل الاحلام تشكل رافدا للسعادة؟ واذن كيف كانت بطلتنا سعيدة وهي تفتقد القدرة على ان تحلم؟! واذا كان افتقادها للاحلام ينتقص من سعادتها، وفق ما يمكن استخلاصه من النص، فلماذا توصف بانها طفلة سعيدة؟!

مفردة “التفوق” قد تفيد عدة اوجه منها الذكاء الاجتماعي، الرياضي، العاطفي وغيره، فهمت فيما فهمته من هذا النص ان ريم فتاة متفوقة، بمعنى التحصيل الدراسي، واذ بريم هذه تقول للطبيب متهكمة ص3 “… كتب..كتب..كتب… يا لهذه المفاجأة.. ظننتك ستأتيني بدواء فأتيتني بما يصيبني بالملل ووجع الرأس..”، الحد الادنى من الانسيابية يحتم ان يتحلى الطالب/الطفل المتفوق بملكة القراءة وعلاقة ودية مع الكتاب، بشكل مبدئي.

مفردة “التميُّز” قد تفيد السلب والايجاب، وفي سياق رسم صورة البطلة ص1 ، فهمتُ انها متميزة بايجابياتها، واذ بالسياق العام يفيد ان ريم هذه “متميزة” بأنها لا تعرف معنى الاحلام، وهي من الامور السلبية المثيرة للضحك والسخرية والدهشة وفق النص.

“.. عادت ريم الى بيتها حزينة.. رأتها امها.. احست بحزنها.. سألتها…؟ أخبرتها ريم بما حدث..” يستوعب القارئ من هذه الجمل المكثفة ان هناك تواصلا بين ريم وأمها، فالأم هنا تتمتع بموجات بث والتقاط ، متفاعلة مع ابنتها وتستشعر احاسيسها، واذ بها في السطر اللاحق مباشرة تقول “.. لا تقلقي… مشكلتك بسيطة و{سنجد} لها حلا..” أي ان هذه الام الرائعة المتفهمة والمستشعرة لأحاسيس ابنتها وهمومها، اقحمت نفسها كصاحبة علاقة، لها على الاقل دور جزئي في حل المشكلة بداية، ثم لم تتورع عن اشغال حيز هام من مشكلة ابنتها، بطلتنا في هذا النص ريم، هذا مع العلم ان المشكلة اصلا وفق النص مشكلة ذاتية خاصة بريم، هكذا وببساطة يهمش النص بطلته، ويعطي صورة مزدوجة المعايير عن علاقة الأم بابنتها، وعوضا عن التدعيم والتعزيز تقوم هذه الأم مقام الوصي الذي يشجع على الاتكالية، ناهيك عما في هذا الاسلوب من قول خطير يوحي للقارئ الطفل وغيره ان المشكلة، حتى مشكلتك الذاتية الأكثر حميمية كالأحلام، تستطيع ان تذهب و “تشتري لها حلا” من السوق، دون ان تجتهد وتفتش عن حلّ ذاتي داخلي، اذ ان الأم وجدت الحل ليس في التعاطي مع المشكلة بل في التوجه “.. الى طبيب مشهور يدعى صانع الاحلام..” ص2 ،

في هذا الكثير من مفاهيم وقيم اشكالية من مثل، انا ممتاز وادائي رائع، وحتى اذا كانت لدي مشكلة، فالحل ليس عندي بل يرتبط بجهد خارجي او جهة اخرى، وعليه فانا في حِلٍّ من الالتزام بالتفتيش او على الاقل محاولة ايجاد حل لمشكلتي، الامر الذي يسوغ للقارئ وبخاصة الطفل سلوكية ” … إنا هنا قاعدون ..”.

مفردة “طبيب” تفيد تعاطي مهنة تحتاج الى الدراسة والتخصص لعدة سنوات، وهناك احكام ملزمة لمزاولة هذه المهنة، ويتبدى للقارئ من الوهلة الاولى، أنه أمام نص يحاول تسويغ وشرعنة التوجه الى طبيب اعصاب او طبيب نفسي من جهة، وأنسنة المريض النفسي، الامر الذي لا زال يندرج في اطار التابو في مجتمعنا العربي على وجه العموم، أي اننا امام حالة مرضية تستدعي الذهاب الى الطبيب، واذ بالنص يلقي بالقارئ من اعالي توقعاته الى حضيض شئ ما يشبه الشعوذة اكثر مما يشبه الطب، فهذا “طبيب” يمارس الشعوذة و”.. يخلط ادوية عجيبة غريبة..” واستعملت ريم وصفته ثلاثة مرات ولكنها لم تُجدِ نفعا، وعليه “.. اصيب الطبيب بإحباط شديد”، وقرر “.. يجب ان اكتشف السر..” فيذهب لمعاينة الظروف المعيشية لريم، وفي هذا السياق يقع النص في عدة محاذير وتناقضات منها على سبيل المثال، “.. طلب الطبيب من والد ريم السماح بدخول غرفتها، فتح الطبيب غرفة ريم..”، في حين اعطى النص لبطلتنا ريم رغد العيش وسعة المساحة الخاصة، كتمتعها بغرفة خاصة بها،واذ بالطبيب يقتحم مساحتها {غرفتها} دون استئذانها وهي صاحبة الشأن، بل بإستئذان والدها ص2 ، وفي هذا خرق واضح لخصوصياتها، كان من الأجدر بث رسالة تفيد احترام خصوصيات الطفل، وسيادته على اشيائه الصغيرة، فما احوج مجتمعنا العربي الى ذلك!.

ثم يصف النص غرفتها “.. في كل زاوية.. لعب متراكمة.. ثياب رائعة باهظة الثمن.. ريم.. تحصل على كل الاشياء الجميلة الرائعة.. دون ان تطلبها.. دون ان تحلم بها..”، ولاحقا يأتي “الطبيب”، “.. صانع الاحلام يحمل كيسا كبيرا.. فتح الكيس.. اخرج منه كتبا جميلة رائعة مليئة بالدهشة والروعة والاحلام.. كتب تتحدث.. تتكلم.. تحاور..تفرح.. تضحك.. أصيبت ريم بالحزن.. قالت متهكمة: كتب كتب كتب يا لهذه المفاجأة .. أتيتني بما يصيبني بالملل ووجع الرأس..” وبعيد برهة تصيح ريم بدهشة: ” واو!.. كتب تتكلم وتتحرك.. اشكرك يا عمي العزيز هذا فعلا ما افتقده.. واحتاجه.. فقال لها: .. لديك كل الاشياء الجميلة الرائعة.. لكنك لا تملكين مكتبة مثل هذه.. الكتب.. اقرئي كل يوم قصة.. واحلمي كما تشائين.. وخرج “الطبيب” سعيدا .. متأكدا انه اكتشف سر ريم وانها ستحلم دون شك..” ص3 .

مطلوب قليل من الرأفة بعقول وقلوب الاطفال القراء، الخلط بين الطبيب والمشعوذ ليس مستحبا في مجتمع لا يزال يمارس طقوس الشعوذة لطرد الجن من الاجساد التي يأكلها داء السرطان وغيره من الامراض، وبخاصة الامراض النفسية والعصبية، لا بل يستحسن الفرز الواضح، ووضع الامور في نصابها، أي انه اذا كان النص يعتمد اللامعقول فلا بأس، ولقصص الخرافات، الجن والغول والاساطير وغيرها، دور هام في تكوين نفسية وشخصية الانسان، الا ان النص في هذا السياق وقع في محظور العيارات المزدوجة، والرسالة المبلبلة، بكسر وفتح الباء.

لا ادري اذا كان هذا النص يخاطب الطفل بالمعقول ام باللامعقول، ولكن ارى في هذا الخطاب استهتارا بقدرة القارئ الطفـل على استخلاص النتائج، فالنص في بدايته يفترض ان ريم طفلة سعيدة، متفوقة، متميزة، ومن حيث المستوى المادي، تحصل على كل ما تريد من الالعاب والهدايا والملابس الثمينة، حتى دون ان تطلب، تعيش مع عائلة نموذجية من حيث التواصل واستشعار الآخر فيها، كل هذا دون الاشارة اذا كان لديها كتب او مكتبة؟! هل هذه هي العقدة او المشكلة؟! عدم وجود كتب في بيت ريم، ولذلك فهي لا تقرأ وعليه لا تحلم؟! لا بل استبطن النص اشارة الى نوعية الكتب التي جلبها “الطبيب” على انها من نوع خاص ومميز، “..انها قصص رائعة..” ص3 ، وكأن الكتب انواع وفصائل مختلفة يتم استعمالها كاطباق الطعام، أي ان هذا يحتوي على فيتامين أ او د وذاك يحتوي على الفوسفور وهلم جرا، وكذا قراءة هذه القصص المحشورة في هذا الكيس حصراً، ستؤدي بريم الى ان تحلم كما تشاء! استعراض كهذا فيه كثير من التسطيح لوعي القارئ وبخاصة القارئ الطفل.

كذلك في هذا النص نقلات نوعية تقـفـز فيها البطلة من حالة نفسية الى اخرى متناقضة دون تمهيد، او تفسير، او حتى اشارة الى ما اوجب او سَبَّب ذلك، والتقلبات المزاجية والمتناقضة احيانا وغير المبررة التي تصيب بطلة النص ريم، تسترعي الانتباه، من التفوق والتميز الى الخجل واعتماد الصمت والجهل{بالحلم}، ومن الاحباط والاستكانة الى الاثارة والتشوق {لقراءة الكتاب} ، وقد تكون هذه شخصية البطلة ولا بأس في ذلك، وقد تكون اسباب اخرى لرسم هذه الشخصية على هذا الحال، كاتب النص ادرى بها، ولكني كقارئة، فاجأني النص اكثر من مرة بهذه النقلات النفسية غير المقنعة وغير المترابطة، الى درجة افترضت الحاجة الحتمية لمعالجة نفسية/عصبية لبطلة النص.

ثم الى الجملة او المقولة الاساسية التي فيما فهمته تشكل حجر الزاوية في هذا النص، انه الحلم والقدرة على ان يحلم الطفل، وربط ذلك بالكتاب {بالقراءة} كمحفز اساسي، او عمليا تجيير الحلم كرافعة للتشجيع على القراءة.

جيَّر النص مفردة “الحلم” لثلاثة معاني مغايرة ساهمت في اضافة الكثير من البلبلة، في الصفحة الاولى يستدل القارئ الى ان المقصود هو الاُمنية، بدليل ما حلمت به زميلات ريم، أي ماذا تتمنى كل واحدة ان تكون في المستقبل، في حين سرد النص حلم نسرين على انه ما رأته اثناء نومها، أي المنام، وكذا عجبت المدرسة {لان ريم} “.. انسان حي لا يحلم.. غير معقول..”، ومن جهة ثالثة حاول “الطبيب” معالجة هذا الانسان الحي الذي لا يحلم، بوصفه الكتب الممتعة والقصص الرائعة ما ان يقرأها الانسان حتى يحلم كما يشاء، وهذا الحلم اقرب الى اطلاق العنان للخيال والتهيؤات التي ترافق القراءة، او احلام اليقظة ان صح التعبير، وهذا ما أكد عليه النص، اذ ما ان بدأت ريم بالقراءة حتى ذهبت في رحلة خيالية الى ومع كتاب فراشة الغابة الجميلة، حتى “.. كانت المفاجأة الكبرى.. لقد تحولت ريم الى فراشة الغابة الجميلة..”، وفي نهاية النص يدرك القارئ، المنهك من القفز الاكروباتي وراء النص، ان هذه الرحلة ابتدأت بعيني خيالها، وانتهت بمنام، اذ ان النص يشير الى ان ريم شعرت “.. برغبة شديدة في قراءة القصة.. لكن القصة طويلة.. وموعد نومها اقترب.. والوقت متأخر، ثم قالت لا بأس سأقرأ صفحات قليلة ثم اكملها غدا .. ربما عندما أنام احلم بالفراشات والزهور.. وصارت ريم تضحك وتضحك..” . هذه ليست حالة النائم!

مفردات مثل: تفاجأت، عجبت، إرتعبت، بكت، خافت، اكتشفت، استغربت، ذُهلت، اندهشت، تفيد وجود اجواء ضاغطة على الاقل ان لم تكن ارهابية ومرعبة، هل ترافق الرحلات الخيالية اجواء كهذه، ام انه عنصر التشويق الذي بتضافره مع فحص قدرة القارئ على القفز الطويل والعريض والعالي، كاد ان يقطع حبل الود مع النص؟!

جاء في النص استعمال اسم بطلته ريم واحيانا اخرى ريم الفراشة، وفي مرات اخرى تتم مخاطبة ريم بإسم الفراشة الجميلة ص5 – 10 ، لم استطع الوقوف على الهدف من محاولة النص الخلط بين هذه الاسماء الثلاثة في ذات الصفحة احياناً، هل هذا من باب اختزال الهوية ام هذا هو خط الدفاع ووظيفته في بلبلة الاعداء؟!هل هناك وجه آخر لهذا النص؟

استعمال احلام اليقظة، او الحلم بمعنى المنام، تم طرقه اكثر من مرة في عدة انتاجات ابداعية، وهو اسلوب جميل حين يتمتع بالبساطة والسلاسة، عندها يكون الحلم كالنسمة العليلة، ويكاد القارئ فيه يسمع ادق الاصوات في الطبيعة الى اكثرها ضجيجا من حفيف الاشجار الى خرير المياه.

لم اجد ما يلفت النظر في مغامرات ريم الخيالية، التي احتلت ست صفحات من عشرة، هي كل النص، سوى محورين، العام والخاص “.. اتدرين ايتها الفراشة..ان مصير هذه الورود.. وتلك الغابة.. متوقف عليك؟.. انت جئت لتنقذينا جميعا من خطر اكيد.. جئت لتنقذينا مما نحن فيه من جمود وخمول وكسل.. اشياء تشبه الموت..” ص5 ، يُحَمِّل النص وزر مصير الورود والغابة وحياتها على اكتاف هذه الفراشة، ويأخذ القارئ بدون مقدمات الى فرضيات تكاد تكون قَدَرية! ثم يمعن النص في هذا الاتجاه، اذ يقول “.. نحن منذ سنين ننتظر ان تأتي الينا وتنقذينا..اخبرنا حكماء غابتنا.. ستأتي فراشة رائعة وتنقذنا من جمودنا وتحجرنا.. لا تتركينا.. فنحن مسؤوليتك..” ص6 ، وكأن النص يمهد لبطلته ريم، ببعض الغيبيات، كي تعتلي موقع المسيح المنتظر الآتي حتما لانقاذ هذه المخلوقات. في هذا يشبه النص ظلالا باهتة لبعض ما جاء في كتب الحكمة!

ثم جاءت الاشارة بتحقيق الوعد، وقدوم المسيح المنتظر “..الاستيقاظ من السبات والعودة للحياة.. العودة للارض .. للحب.. للوطن .. للعطاء..” ص6 . هل هذا حلم طفولي بريء؟! ام انها اماني اللاواعي تطغى على كل شيء حتى تطفو على السطح، ولا يملك الكاتب إلا ان يجد لها متنفسا، تماما كما هي وظيفية الحلم بمعنى المنام في حياة الانسان، من الطفولة الى الكهولة.

هل هذه هي اشارة لاحتياجات الوطن؟ {العودة للارض، للحياة، للحب وللعطاء؟}. ولاحقا “.. هذه الاشجار سامة.. تريد قتلك.. لانها تحب النوم.. وتريد ان تظل كل الطبيعة نائمة ساكنة خاملة مثلها.. هي لا تحب الحياة.. لا تحب ان تستيقظ الطبيعة..” ص8 . هل هذا ببساطة صراع بين الخير والشر؟! ام ان وراء الاكمة ما وراءها؟! وفي بلاد العرب كثيرا ما يتكتم الانسان حتى على ابسط مشاعره، فما بالك بالكاتب اذا اراد طرق موضوعات شائكة لها علاقة بالوطن، وذات ابعاد تتعلق بالمستقبل، الحكمة، الفلسفة، الحب والطبيعة والحياة؟! أما اذا كان كذلك، فلا يسعني كقارئة سوى التماس العذر للنص وكاتبه، آخذة بعين الاعتبار ان اهل مكة ادرى بشعابها!

على ما سبق، اذا كان هناك متسع لقراءة باطنية، ان صح التعبير، فعندها سيكون هذا النص قد اوغل في محاولاته الالتفافية، كما انه قد ظلم القارئ الطفل وحمله فوق طاقته، هذا علما، ان عنوان النص لم يشر الى ان القصة للاطفال، بل ترك الباب مفتوحا على كل مجالات التأويل، والقارئ العادي الذي يقرا نصا لبطلة بعمر 10 سنوات يعتبرها عموما ضمن وسقة “ادب اطفال” مع العلم ان الكثير من الاهالي وكبار السن يستمتعون تماما كالاطفال بالكثير من الاعمال الابداعية الموجهة للاطفال، كتابيا، مسرحيا، سينمائيا وغير ذلك.

“..لكن ريم توقفت فجاة عن الاكل مستغربة مندهشة.. وقالت: غريب حقا انا لست فراشة حقيقية وآكل رحيق الازهار!! .. قالت البجعة.. انت الآن فراشة ولست انسانا، وطعامك طعام فراشات، لكن ريم لم تقبل هذه الفكرة.. صاحت: اريد لبناً.. اريد خبزاً و..”. انها المعرفة، والحالة الذهنية التي تحتم القناعة، القناعة بالهوية الذاتية، وعلى الرغم من مغامرة التقمص او تبديل الهوية {التي يحبها الاطفال عموما} ، تبقى المقولة الثابتة بأن الوعي والادراك يبقى المدماك الاساس لكيان الانسان، وتدعيمه بالمعرفة، معرفة الهوية الخاصة والذاتية والتواصل معها، تشكل ركيزة اساسية لحياة غنية افقيا وعاموديا.

عندما استيقظت ريم “..وقفت على قدميها.. تأملت .. لاحظت.. قالت لأمها اني جائعة.. ضحكت الأم ..{وقالت} بماذا كنت تحلمين الليلة الماضية؟؟.. ريم لم تخبر أمها بقصتها.. بقصة الكتاب.. لأنها بالتاكيد لن تصدقها.. لكن ريم ظلت تحلم..” ص 10 . هكذا بجرة قلم يلغي، النص تلك العلاقة الجميلة التواصلية بين الأم وطفلتها، لا بل يناقض ما قد وصفه لنا في البداية عن طبيعة هذه العلاقة، ويضرب بينهما إسفينا من الشك وعدم التصديق والتخوف.

احببت في النص اسناد بطولته الى ريم الانثى، على الرغم من اهمال شخصيتها في المراحل الاولى، ولاحقا ظهورها كشخصية مفككة، ليس لها عمود فقري، كذلك عجبت لماذا يسمى النص ب “صانع” الاحلام {صيغة المذكر} هذا من جهة، ومن جهة اخرى لا اعرف اذا كان النص يستهدف استعراض الاحلام على انها انتاج او “صنعة”، ولكنني لم استسغ التعاطي مع الاحلام، بمعانيها الثلاث كما جاءت في النص، على انها انتاج بالمعنى الصناعي ولا الزراعي ولا التقني ولا التطبيقي ولا غيره، وهذه مسألة فيها وجهة نظر، اذ ارى فيها تعبيرا شخصيا ذاتيا حميميا، واكاد اجزم ان الاحلام كالبصمات، تتشابه بهذا القدر او ذاك، ولكنها في النهاية تحمل بعض الفروقات والتمييز.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات