هل تستطيعين الصفير يا جوانا

ه

هــــل تستطيعيـــن الصفيـــر يـــا جــوانـــا

دعــــوة للعنـــايـــة بــا لشيـــــوخ

القـــــدس:ـ 5-3-2005

ناقشت الندوة هذا المساء قصة “هل تستطيعين الصفير يا جوانا”، تأليف أولف ستارك ورسومات أنا هيجليند، تقع القصة في 46 صفحة من الحجم الكبير، بطباعة أنيقة وغلاف مقوى، وقام بالترجمة إلى العربية الدكتور وليد سيف:

جميــــل السلحــــوت قــــال:

تعالج هذه القصة قضية في غاية الأهمية، وهي قضية العلاقة ما بين الأطفال والشيوخ، وهي قضية موجودة عند كل الشعوب، والفوارق فيها هي فوارق في الاختلاف ما بين الثقافات،

وفي ثقافتنا العربية يمكن تلخيص اهداف القصة بالحكمة الشهيرة التي تذهب مذهب الأمثال والقائلة: “احترم الكبير ولاطف الصغير”.

وإذا ما عدنا إلى موروثنا الشعبي في هذا المجال فإننا سنجد من ينتقد عدم الاهتمام بكبار السن بالقول انه في البادية والريف يشغلون العجائز والشيوخ عندنا بتركهم يرعون ويحرسون “الحملان” وهي صغار الغنم من ضأن وماعز، في حين ينصرف باقي أفراد الأسرة في قضاء أعمالهم وأمورهم، أما عند سكان المدن فإنهم يتركون الشيوخ للعناية بالأطفال خلف الأبواب المغلقة، في حين يذهب بقية افراد الأسرة إلى السينما.

أما بالنسبة لدور المسنين في بلادنا فهي قليلة جدا، وإن وجدت فإن العناية والرعاية بها شبه معدومة، وأن روادها هم من لا أقارب لهم، وهم فقراء معدمون وصلوا إلى حد العجز التام،

وهذه الأوضاع ناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية، وعن سوء التخطيط والأدارة،

والوضع في أوروبا وغيرها من الدول المتقدمة مختلف تماما، حيث أن دور المسنين فيها مقومات الحياة الكريمة لنزلائها، وإن كانت أيضا بشكل نسبي ومتفاوت.

ونلاحظ من خلال قراءتنا لقصة “هل تستطيعين الصفير يا جوانا” ، ان الطفل بيرا ابن السابعة بحاجة إلى جد يحنو عليه، ويعطيه القروش، ويقدم له الحلوى، ليتساوى مع صديقه اولف، فيقوده “اولف” إلى بيت للمسنين ليجد العجوز “نيلز” الذي لا يوجد له أقارب، ويعيش وحدة قاتلة، يلعب ورق “الشدة” مع نفسه، ويسلي نفسه بالنظر إلى محتويات غرفته وهي: صورة زوجته، ساعة مذهبة، وتمثال الحيوان “الموظ” وهو نوع من الظباء، ويسعد “نيلز” العجوز “بالحفيد” الذي جاءه هدية من السماء، وكان بينهما شبه حيث أن كلاهما يضع ضمادة صغيرة على ذقنه، وإن اختلفت أسباب كل منهما، فبيرا جرحت ذقنه عندما اصطدمت بخشبة كان يلعب عليها مع صديقه اولف، بينما العجوز نيلز جرحت ذقنه وهو يحلقها بيده المرتجفة.

وكان اللقاء ضروريا للأطفال وللعجوز أيضا. فماذا استفاد كل من الطرفين؟؟.

لقـــد استفـــاد الأطفـــال وخصــــوصـــا “بيــــرا”:

ـ الحنان من العجوز.

ـ قضاء وقت فراغهم.

ـ صنع لهم طائرة من القماش.

ـ التعلم بأن الطائرة بحاجة إلى ذنب.

ـ التنزه مع العجوز.

ـ الحصول على بعض النقود وعلى بعض الحلوى.

ـ المشاركة في احتفال عيد ميلاد العجوز.

ـ زيارة مؤسسة المسنين والاطلاع على ما فيها.

ـ تعلم لحن أغنية جديدة “هل تستطيعين الصفير يا خوانا”.

أمــــا العجــــوز فقـــــد استفـــــاد:

ـ وجد من يؤنس وحدته.

ـ وجد من يقوده إلى الخارج ليتمتع بجمال الطبيعية.

ـ وجد من يحتفل بعيد ميلاده.

ـ وجد من يعيده إلى طفولته عندما اصطحبه الطفلان لقطف الكرز البري.

ـ وجد من يقدم له الزهور.

وهكذا فان الطرفين يحتاج كل منهما للآخر.

ويلاحظ في القصة أن الكاتب قد تدخل في حركة شخوصها، من خلال فرض مفاهيمه عليهم، فمثلا عندما أخذ الطفل بيرا زهرة صفراء اللون للاحتفال بعيد ميلاد “جده” نيلز، واللون الأصفر يدل على التوحد، كما يدل على بداية الزوال، في حين أخذ وردة حمراء القاها على جثمان الجد عندما مات، وهي دلالة على استمرارية الحياة.

كما أن الكاتب عندما سار بالأطفال لزيارة الجد للمرة الثانية وجد الزهرة قد فقدت أوراقها، وهي اشارة إلى قرب موت الجد.

وقد أبدع الكاتب عندما جعل “بيرا” يتعلم الصفير في نفس الفترة، وهذا ايحاء بأن الحياة مستمرة فجيل يموت ويولد جيل جديد، وما أبدعه السلف يتوارثه الخلف.

ديمـــــة السمـــــان قـــــالــــــت:

هل تستطيعين الصفير يا جوانا، هي حقا من روائع الأدب السويدي.. قصة مؤثرة جدا تتناول موضوعا إنسانيا، نادرا ما يتطرق له الأدباء.

أهمية دور الجد في حياة الطفل وحاجته النفسية له.. وعلى صعيد آخر دور الطفل في إسعاد الجد كونه امتدادا له..

القصة جميلة ومحبوكة بشكل محكم.. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. لمن تمت كتابة هذه القصة الحزينة.. رغم ما تحمل من معاني وقيم؟ لا أعتقد أنها تتناسب مع نفسية الأطفال.. رغم انها تتحدث عنهم.

أعتقد انها موجهة للآباء والأمهات الذين لا يدركون أهمية وجود الجد في حياة أطفالهم.. كما أنها دعوة للعاقين منهم بضرورة عدم إهمال آبائهم وأماتهم وعدم مراعاة نفسياتهم وحرمانهم من أحفادهم الذين يشكلون لهم (حياة).

أعتقد إن الحزن الذي تتميز به القصة لا يتناسب مع نفسيات الأطفال خاصة الحساسين منهم.. فهي تأتي بنتائج عكسية تتعس الأطفال وتدب الحزن في نفوسهم.. ولا ينقص أطفالنا – الحمد لله – حزنا وإكتئابا.. فنحن نبحث عن ما يسرهم ويغير من نفسياتهم، الذي فرضها عليهم وضعنا الحالي الناتج عن ممارسات الاحتلال اللاإنسانية بحقهم وبحق أفراد عائلاتهم، وما يترتب عليها من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وغيرها.. فلا نريد أن نحمل فلذات أكبادنا فوق طاقاتهم.

أنـــــور داود قــــــال:

يلفت الكاتب نظرنا إلى قضايا شتى في هذه القصة، بين هذه الموضوعات تبرز الارادة القوية والحاجة الماسة بالحفاظ على دائرة الحياة او الدائرة السحرية كما اصطلح البعض على تسميتها! ففي هذه الدائرة ندور نحن بني البشر بوتيرة ثابتة، يعد السابقون منا طيارة ورقية للاحقين، ولن تطير طيارة هؤلاء قبل أن يحين الموعد المعد لذلك، يعلم السابقون اللاحقين “الصفير” هؤلاء لا يتقنون الصفير إلا بعد ان يغيب المعلم الجد.

فلسفيا لكل منا جده وجده فهناك من خانه جده وفقد جده، وهناك من تعثر حظه وضله حفيده، وبين انتظار الجد لحفيد وتبني الحفيد للجد، نشير إلى العلاقة الجدلية بين الحفيد والجد، فلا الجد جد دون الحفيد ولا الحفيد بالحفيد دون الجد، كلاهما بحاجة للآخر حاجة تامة.

وحين يقول لي أحدكم لكن الجد ولى وترك الحفيد، نقول: اشتدت العلاقة الجدلية لتقول الموت برهان على وجود الحياة، فإذا مررنا بمقبرة تكون الشاهد على وجود الحياة، أي كانت هنا حياة في الماضي، يعني أنها من الممكن ان تكون هنا غدا، فلماذا يقف بن العبد باكيا على الأطلال؟ لماذا لا يقف على الأطلال يهتز سعادة لان آثار النار إشارة إلى حياة خولة، نعم خولة ما زالت على قيد الحياة، وانتقلت إلى موقع يسمح لها بمواصلة المسيرة، وأنا واثق أن هذا الجد ما رحل إلا بعد أن اطمأن انه ربط الحلقة الأخيرة بالحلقة السحرية، هذا الجد ما رحل إلا بعد ان اطمأن ان الحفيد يستطيع ان يصفر “هل تستطيعين الصفير يا جوانا”؟

لحظة هل انتبهتم أن كلمة الصفير فيها محاكاة للصوت “اونوموتوبيا” وهي كذلك في كل اللغات التي استفسرت عنها؟ يجب ان يكون دائما صوت الصفير!

أما عن قضية الصليب على التابوت فإننا نحتاج إلى أكثر من أمسية كي نضع بعضا من جاهليتنا في التابوت لنتفادى بعض المآسي اذا كانت على نمط ما يجري في لبنان او في المغار الجليلية.

سميــــر الجنـــدي قـــــال:

اعتقد ان هذه القصة جيدة للأسباب التالية:

1ـ فكرة القصة مناسبة جدا للأطفال وتعبر عن واقع ملموس.

2ـ احداث القصة مرتبة ومتسلسلة بطريقة منطقية في حبكة جيدة التشكيل.

3ـ الحوار بين الشخصيات كان موفقا.

4ـ البيئة المكانية/ بيت العجزة، الحديقة، السوق، مناسب للأحداث.

5ـ البيئة الزمانية محددة بشكل معقول.

6ـ لمح الكاتب إلى الهدف، من البداية وادى تسلسل الاحداث والحبكة إلى الوصول للهدف بكل سلاسة ويسر بعيدا عن الاسهاب والتكلف مستخدما بعض الصور الفنية بنجاح واقتدار.

7ـ كانت النهاية منطقية لا تخرج عن اطار القصة العام وكأنها متوقعة.

8ـ اعجبت بالعبارة الأخيرة من القصة: “الآن نجرب الطائرة، فقد هبت الريح اخيرا”. فهي تعبر عن استمرار الحياة للطفلين ليبتدعوا ما يمليه عليهم خيالهم وليكملوا حياتهم بسعادة، حاملين معهم ذكريات ايام قضوها مع الرجل العجوز.

هناك بعض الملاحظات القليلة منها:

ـ اخطاء كتابية ونحوية وفي حركات الترقيم.

ـ كان الرجل العجوز بالكاد يستطيع المشي فكيف جعله الكاتب يتسلق شجرة الكرز؟ وكأنه ابن العشرين خاصة وان قلبه ضعيف حسب ما ذكرت الممرضة.

هـــالــــة البكــــــري قـــالــــت:

تحكي قصة “هل تسمعين الصفير يا جوانا” وهي كما كتب على الغلاف من روائع الأدب السويدي، عن الطفل بيرا الذي يتملكه الشعور بالدهشة والكآبة حين يعلم أن صديقه أولف له جد يتناول عنده الحلوى والكعك، ويحصل منه على نقود، وأن الأجداد عادة يقدمون لأحفادهم الطعام والشراب ويصحبونهم للنزهات.

أولف الطفل الراوي جريء قيادي ومبادر، يقترح على صديقه بيرا فكرة الحصول له على جد في بيت المسنين.

القصة جميلة ومثيرة غلافها متين ورسومها جميلة ومعبرة، وتتلخص فكرة كاتبها على أن البشر كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم ضعيفهم وقويهم بحاجة للتواصل الانساني، والأخذ والعطاء، رغم الفروق المختلفة.

القصة عالجت بشكل غير مباشر الشقاوة المحببة، واتحدت فيها شقاوة الصغار بالكبار، فالشقاوة تمثل أحد ركائز هذه القصة عندما يتقمص الصغير بيرا شخصية الحفيد بذكاء، فيقول للعجوز نيلز: بأنه كان مشغولا عنه كل هذه المدة، ويدخل هنا العجوز مع الطفل في لعبته البريئة ويوافقه، وهنا يبدع الكاتب، فحاجة العجوز المعزول عن العالم الخارجي اكبر من حاجة الطفل، لذلك لم يمانع من مشاركة الطفلين اللذين اقتحما حياته قسرا لعبتهما، ويضحي باشيائه الخاصة مع ان لها ذكريات عنده في سبيل إسعادهما، وتعويضهما عن الذهاب إلى البحيرة لاصطياد السمك كما يفعل الأجداد عادة عندهم، فصنع لهما طائرة من منديل زوجته الحريري الناعم الملمس، وتخلى عن ربطة عنقه ليضع لها ذيلا، وحاول أن يعلم الصفير لبيرا الصغير، وهنا أحب ان أشير أن العجوز قام باسعاد الطفلين، وتصرف بدافع نفسي بالعودة إلى الحاضر ليتمتع بالحيوية والحياة التي يفتقدها في بيت المسنين، وبادر الطفلان أيضا بالعطاء، فقدموا للجد الهدايا والطعام، وساعدوه في حلاقة ذقنه…

وتتصاعد أحداث القصة حين يقبل العجوز الاحتفال بعيد ميلاده المصطنع، ويكذب على الممرضة كذبة بيضا، وهو خارج بصحبة الطفلين، فيقول: “اليوم عيد ميلادي” ويحقق له الطفلان أمنيته المكبوتة، فيرجعونه إلى عمر الطفولة ليخرج الطفل الكامن في قلبه، يتسلق شجرة الكرز، ويجلس على غصن، ويدلي ساقيه بشقاوة، يأكل حبات الكرز متلذذا ومعلنا أنه في قمة السعادة “هنا يجلس الواحد كأنه في السماء” ضاربا عرض الحائط المخاطر التي قد يقع بها.

يمتثل الصغير بيرا لرغبة جده في تعلم الصفير، ويقرر أن لا يعود لزيارته الا بعد أن يتقنه، يحاول ويحاول ويتدرب بجد وصبر، وعندما يعود بصحبة أولف لا يجد للعجوز اثرا، وتخبره العمة تورا انه غادر ويقيم في السماء، يغضب كرد فعل طبيعي لطفل يفقد إنسانا عزيزا عليه، ولأنه لن يسمع صفيره، ثم يتحول غضبه إلى ردة فعل عاطفية واعية ومؤثرة، حين يعلن رجل الدين في دار الصلاة: أن العجوز لم يكن له أقارب، فصاح بيرا “لقد كان جدي على كل حال” ووقف أمام النعش يصفر لحن نيلز المفضل وكأن لسان حاله يقول: لن انساك لقد حققت لك امنيتك يا جدي، وتعلمت الصفير.

حين أقرأ مثل هذه الكتب التي كتب عليها أنها من روائع الأدب أصاب بالغيرة والاحباط، وأسأل نفسي أين موقف كتابنا وادبائنا وادبنا من العالم اليوم، وهل تعقد ندوة في العالم تناقش ما كتب كاتب للأطفال عندنا؟ وهل ما نقرأه ينطبق على واقعنا وحياتنا وتفكيرنا واطفالنا؟ وخاصة أن جدتي رحمها الله كانت تعلمنا ان الصفير يجلب الشياطين؟.

سميــــر الجنــــدي قـــــــال:

قصة تربوية ذات معاني ومغازي عميقة ورائعة، تتناول الأخلاص والوفاء والأمانة بشكل بريء ومبسط، كما تتناول العلاقات الانسانية المبنية على الاحترام والمحبة والطيبة.

تجري احداث القصة في بلدة صغيرة من السويد… وابطالها طفلان في السابعة من العمر، وشيخ ارمل يعيش الدقائق الاخيرة من عمره مع بعض الذكريات، حتى دخول الطفلين لمشاركته بهذه الفترة القصيرة ومعهما بعض الحنين إلى الماضي ا لسحيق، حقا هذا الشيخ يتسلق الأغصان ويقطف الكرز كما كان يفعل قبل عشرات السنين وهو يتذكر: انه يعتقد ان امتع الاشياء كانت قطف ثمار الكرز اللذيدة من حدائق الاخرين ص21.

ـ (بعض القوانين في الدول الاسكندنافية لا تسمح للاطفال حتى سن السادسة عشرة بصيد الاسماك او قطف الثمار للاستهلاك الشخصي حتى من المناطق الخاصة).

ـ اما الطفل بيرا فوجد به الجد الذي بحث عنه بعدما سمع الكثير من صديقه اولف حول جده الذي يحب ان يأكل ارجل الخروف المطبوخة، ويصطحبه للبحيرة لأصطياد السمك.

ـ واولف الذي يسرد القصة ويقوم بدور المساعد الطيب والمخلص لصديقه.. كان يتابع التطورات بكل تفاصيلها ويشارك في الأحداث بصورة مباشرة.

ـ يندمج العجوز في علاقة حنونة مع الاطفال، كونه لا يستطيع مرافقة الاطفال للبحيرة، فقد فكر بأن يعمل معهم طائرة من المنديل الحريري الذي كان اهداه فيما مضى لزوجته ذات العيون الواسعة، اعتقد ان الكاتب هنا يشير إلى مسألة ان الشيوخ في الفترة الاخيرة من حياتهم يشعرون بان المجتمع بمن فيه الاقارب ينفضون من حولهم، ولا يلازمهم احد لفترة كبيرة من الوقت، بل لرفع العتب ان جاز التعبير، وفي هذه المرحلة يكون وقتهم ثمينا جدا ولكنه خال من الاحداث، فقط يأكلون ويشربون وينامون ويلعبون الورق لوحدهم.. ليس من الغريب ان يندمج نيلز بسرعة كبيرة مع بيرا وأولف، وان يخيط لهم الطائرة بأثمن ما يملك، انه الوحيد الذي يعرف ثمن الوقت، وثمن الخروج من الروتين إلى حياة سوف تحمله لعقود اخرى في ذاكرة الطفلين..

قصة جميلة وشيقة ويمكن للاطفال قراءتها، واخذ الكثير من العبر المفيدة منها. وتستمر الحياة بعد الموت، فاذا كان الموت لا ينتهي فأن الفرح لا يتوقف، وتطير الطائرة ذات المنديل الحريري بينما تتعانق روح نيلز مع روح زوجته يرقبان المنديل..

محمــــد مـــوســـى ســـويلـــم قــــال:

اللهم امتنا ميتة ابي خارجة.

قال: وكيف مات ابو خارجة هذا؟

قال: اكل لحما شويا وشرب ماء رويا ونام في الشمس، فمات دفآن ريان شبعان.

ـ ماذا اقول للصعايدة في مصر؟

ـ ماذا اقول للطفايلة في الاردن؟

ـ ماذا اقول للخلالية في فلسطين؟

ـ ماذا اقول لمضارب البدو في جزيرة العرب؟

جد طاعن بالسن في السويد يأكل ارجل خراف مطبوخة، ترى ما اسم هذه الطبخة عندهم؟ قوارع… زموع… أطراف… مقادم… الله اعلم.

قفز عن الخشبة فوقع بيرا على ذقنه، حسب المعلومات عندي ان اطفال السويد لديهم من الأدب والتربية بما يكفي فلا آسف… ولا sorry … ولا اتاخذنيش… ولا اسليخا… ولا أي شيء، وكأن ما حصل شيء طبيعي جدا، ولو حصلت عندنا ولم نتعقل لسال الدم للركب.

البحث عن جد لبيرا… يا سلام بهذه العفوية والبراءة الطفولية، طفل بلا جد يقدم الهدايا، ويعطي النقود للاطفال.

ذهبت امرأة إلى مركز الشرطة… سألها الشرطي عن حاجتها فقالت ضاع زوجي، قال صفيه لنا؟؟ قالت اشقر الشعر، ازرق العينين، الاسنان فرق، نحيل الخصر، فقالت لها ابنتها هذه ليست صفات ابي، قالت اسكتي لعلهم يأتونني بواحد افضل من ابيك.

في السويد يبحثون عن جد، يدخلون بيتا للمسنين الكبير الشبه بدور المسنين عندنا، ويتحدثون مع احد المسنين مباشرة دون المرور على المسؤولين للاستئذان وطلب المشورة والمساعدة في الحصول على مبتغاهم، وما ان صادفوا اول غرفة لعجوز حتى حصلوا على ضالتهم.

بدأ بيرا يتصرف مع العجوز كما ان الوضع حقيقي، بل براءة وعفوية، وما ان تم التعارف، وشارفت الزيارة على الانتهاء، حتى قال بيرا: جدي لقد نسيت شيئا، وهو السبب الكامن في نفس بيرا، فسأل الجد ما هو؟؟ آه لقد وصل بيرا أخيرا إلى السبب الحقيقي الذي يبحث عنه، جد يعطيه النقود آه “أجت العتمة على قد ايد الحرامي”، حصل على جد وعلى نقود والله يستر من آخرها…

زيارات متكررة، وخروج من دار المسنين لقاء ليلة جميلة، واضاءة الشموع والاحتفال بيعيد ميلاد الجد، الذي صار على غفلة وأكل الكيك وتدخين السيجار، وتغافل المسؤولين في الدار عن هذا الخروج رغم تصريح الجد بانه لا يعرف العودة وحيدا، او لا يعرف الطريق الصحيح، عمل طيارة ورقية، وربط ذيل لها بواسطة ربطة العنق، منديل الحرير الخاص بالزوجة، حمل العجوز السكين، ومقص، وابرة وخيوطا، لماذا لم يحمل ماكنة خياطة؟ كله خيال في خيال، يذكر العجوز اسم زوجته الله يرحمها ويوسع لها، فأنشد يقول هل تستطيعين الصفير يا جوانا.

انجز الجد وحفيده وصديقه الطيارة، ولكنها لم تطر، ربما تعبيرا عن كبر سن الجد، او فعلا بسبب انعدام الريح في ذلك الوقت في السويد، سار الجد في الاتجاه الخطأ، ترى كيف رجع إلى بيت المسنين؟ لعلهم كتبوا في الجريدة اعلان “خرج ولم يعد”.

سقط الجد على الارض بعدما قال: هنا يجلس الواحد كأنه في السماء، لم يصب الجد بأذى، ولكن الارض هي التي تضررت من جراء الوزن الثقيل، جلسوا واكلوا بعدها عرض عليه أكلة المقادم، قال بيرا “لعلك تحب الان ان تتناول بعض المقادم اذن هل في السويد مقادم، او لعل المترجم يعرفها بالمقادم كما نحن.

“وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت عنه تحيد” مات الجد الحاني على بيرا، وتم ترتيب أمور الجنازة من تابوت وصلاة وورد جميل وهدية من بيرا وهو الصفير الذي تدرب عليه “هل تستطيعين الصفير يا جوانا” ودع بيرا وصديقه الجد باكيين.

عادت الامور نحو الماضي، لتهب الريح والان نذهب لتطير الطائرة الورقية بعد ان امضينا وقتا ممتعا مع جد بيرا، يا بيرا اذهب وابحث عن جد آخر، “هل تستطيعين الصفير يا جوانا” نعم تستطيع الصفير لنعبر عن أمور يجب أخذها بحيطة وحذر:

ـ تقديم السجائر هدايا، ترى هل يسمح الاهل بذلك للاطفال؟ او نقول للاطفال خذ السيجارة لفلان او ناولها لفلان؟

ـ قطف الازهار من الحدائق الخاصة والعامة اعمال صبيانية اليس كذلك؟ هذا في السويد، اما عندنا فلله الحمد نخلع الورود من جذورها، ونجعل الحدائق مكبا للنفايات ومرتعا للحيوانات ومنفضة للسجائر، وكاسات القهوة والشاي للسائقين والمارة، هي من الافعال الرجولية واثبات للذات والنفس الامارة بالسوء؟

ـ خروج كبار السن من دار المسنين مع طفلين صغيرين لا يمتان اليه بصلة بلا وجهة محددة ولا رقيب ولا مرافق.

ـ حمل ادوات مثل السكين والمقص والأبرة مسموحة في دور المسنين.

بثينـــــة شقيـــــرات قــــالـــــت:

حكاية صغيرة كبيرة في نفس الوقت تدور حول الطفل بيرا، طفل حرم من الجد في حياته ولم يذق ضرورة ومتعة من أن يكون له جد، فكل ما لديه من أفكار عن مفهوم الجد استقاه من صديقه أولف، الذي يحدثه دائما عن جده، وما يقدم له من هدايا وحلويات، وكيف يصطحبه في نزهات وجولات ممتعة، وكيف يعطيه النقود؟

في الجانب الاخر من الحكاية هناك العجوز نيلز في بيت للمسنين، يعاني من الوحدة والعزلة، وعدم وجود روابط اجتماعية وانسانية مع العالم خارج جدران ملجأ المسنين، إذ ان نقطة الالتقاء عند الطرفين هو “الحرمان” .

الذي هو اصل الحكاية، فالطفل بيرا يبحث عن جد – العجوز نيلز هو الجد الموعود، ومن هنا انطلق الكاتب والرسامة ورسما احداث القصة التي جاءت غنية بأفكارها، سلسلة بلغتها، ممتعة في رسوماتها التي احتوت الالوان الحارة والدافئة في نفس الوقت، والتي تحوي العديد من مواقف الحركة والتصوير الحسي للاحداث والتي تجعل الطفل وكأنه يشاهد فيلما كرتونيا على الشاشة الفضية.

كما ظهر في ص19 عندما، ارتطمت الطائرة بالارض، استخدام تشبيهات قريبة من اهتمامات الطفل مثال ص25 اصبح وجهه شبيها بكعكة مكسوة بالقشدة المخفوقة ص30.

كذلك ابدعت الرسامة عندما جعلت ريشتها تحاكي خيال الاطفال حول شخص يمنعهم من الحصول على اشياء يحبونها، يصرخ عليهم ويوبخهم فتحول صاحب الحديقة إلى “وحش” فهي بهذا اسقطت ما يتخيله الاطفال عن شخصية كهذه، فتوحدت مع خيالهم فكان هذا النتاج الرائع الذي يدل على ان الكاتب والرسامة تماهيا جدا مع احاسيس ومشاعر الاطفال.

كذلك ص 36، ص37 يوجد فيها تصوير حسي بشكل فني جميل بتصوير الصفير .

القصة حسب تجربتي السابقة في العمل مع المسنين، تنقل للاطفال بشكل مبسط جدا كيف يعيش المسن وحيدا، يمارس نشاطه بشكل منفرد داخل جدران الملجأ الكئيبة الخالية من الالوان الزاهية، ومن الطبيعة التي تجعل القلب والعقل قادرا على العمل معا، فالملجأ هو بمثابة سجن نسي فيه المسن شكل الطبيعة خارج اسواره. كيف وصف الملجأ بغرفة باهتة الألوان، واستخدم كلمة سراديب.

ـ القصة نقلت للاطفال – ان المسنين اشخاص، بشر، هم أصلا أطفال كانت لهم اهتماماتهم والعابهم التي هي شبيهة بالعاب واعمال أحفاد اليوم، نقطة التقاء للطفل والمسن بالاحلام الالعاب الممارسات المشتركة.

ـ نقلت القصة ايضا بشكل رائع تطور هذه العلاقة الانسانية وكيف الطفل بيرا يبحث عن الاعمال والاشياء التي تبعث في نفس الجد السعادة مثل الكعك، القهوة، حفلة عيد الميلاد والمغامرة في بستان الكرز.

بالمقابل نجد الجد دائم التفكير حول الامور التي تجعل حفيده يشعر بالسعادة، فها هو يتنازل عن جزء من ممتلكاته الخاصة، والتي هي بمثابة ثروة، ويحولها إلى طائرة ورقية حتى يسعد قلب حفيده، فهده العلاقة المتبادلة في العطاء هدفها الخفي هو استشعار الحاجات العاطفية لكل من الجد والحفيد، للابقاء على هذا التواصل وطرق البحث عن اسعاد كل منهما للاخر.

ـ ظهر في القصة ايضا قيمة الحث على المحاولة والتجربة وعدم الاستسلام للاحباط والفشل من المحاولة الاولى غير الناجحة.

ـ الجد يحث حفيده على تعلم الصفير، يحثه على ان يطير الطائرة كما ظهر في ص 19، في ص 18 كان فيها دعوة للاستمرارية والمواظبة للتوصل إلى قطف ثمار النجاح.

ـ ص28، الحفيد يحث الجد على المحاولة “بل تستطيع كل ما تحتاج اليه بعض الممارسة والا فلن تتوصل إلى شيء.

ـ اذن هناك نقطة التقاء عند الجد والحفيد في طريقة التوصل للحصول على الاشياء.

ـ ظهرت في القصة قيمة المعرفة عندما كان هناك تركيز على نعومة الحرير وخفة وزنة وجماله، تعريف الاطفال بخصائص الحرير.

بعض النقاط التي من الممكن ان تكون سلبية او ايجابية في نفس الوقت.

ـ في تصوري ان القصة حملت العديد من الرموز، التي تجعل عقل وقلب طفل في السابعة او حتى العاشرة لا يمكنه ان يحملها.

مثل: اختيار موقع ملجأ المسنين بجانب مصلى الجنائز – رمز لأن المسن اقترب في هذه المرحلة للموت، بمعنى ان المسنين أحياء اموات ص 6، رمز آخر، عندما طلب من الحفيد عندما خرج الجد من الملجأ، وشم رائحة الازهار، وسمع صوت الطيور، قال: كدت أنسى هذه الرائحة، تذكرا انتما جيدا، بمعنى – انه في يوم من الايام ستدخلان الملجأ وتواجهان ما اواجهه من حرمان من جمال الطبيعة -ص17.

ـ رمز آخر وفاة العجوز نيلز في الوقت الذي تمكن فيه الحفيد من تعلم صفير لحن هل تستطيعين الصفير يا جوانا، بمعنى أن الطفل سوف يكمل رحلة الحياة عندما تعلم اللحن، وكيف اختار الكاتب فصل الخريف وسقوط الاوراق واصفرارها للموت، هبوب الرياح وطيران الطائرة الخاصة بالحفيد عندما مات ا لجد رمز لاستمرار عجلة الحياة.

ـ رمز آخر: خلو غرفة العجوز الجد من ممتلكاته عدا القبعة التي ارتداها الطفل الحفيد واخد يصرخ ويبكي على ان الحياة مستمرة والاحفاد يرثون الاجداد.

ـ واذا اردنا ان نرى انها ايجابية نقول ان الكاتب وجه القصة للاطفال الابناء وللكبار الاباء والامهات حتى يفهم كل منهما الفكرة ويتعلمون الحكمة من وارء القصة، اذا هي قصة متعددة الابعاد، الدعوة لتذكر هؤلاء المسنين داخل جدران الملاجيء من حيث زيارتهم، احترامهم، تقديرهم لأنهم في الاساس هم من أعطانا الحياة وورثنا عنهم اسرار التعامل مع الحياة.

خليــــل سمـــــوم قـــــــال:

ـ قصة جميلة، ممتعة، ذات اهداف تربوية.

ـ القصة تنطبق على واقع الشعب السويدي، ولا تنطبق على واقعنا نحن كعرب فلسطينيين، وتتوافق مع مجتمعه، ولا تتوافق مع مجتمعنا العربي الفلسطيني.

ـ تطرح القصة مشكلة تخص المجتمع السويدي خصوصا، والمجتمع الغربي عموما، لذا فهي موجهة للمجتمع السويدي بشكل خاص، وللمجتمع الغربي بشكل عام، وهذه المشكلة لا يعاني منها المجتمع العربي، وبضمنها المجتمع الفلسطيني.

ـ ومن هذا المنطلق، فإن اطفالنا لن يستفيدوا شيئا من مضمونها، ولكن لا بأس من ان يقرأوها لمجرد الاطلاع فقط.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات