بدون مؤاخذة-سوريا هي الأهمّ

ب
تعيش سوريا حربا أهلية منذ ما يزيد على عام ونصف، سقط خلالها أكثر من خمسة وعشرين ألف مواطن سوري، وأكثر من مئة ألف جريح، ونزح عشرات آلاف المواطنين خارج وطنهم بحثا عن أمن مفقود، ليكونوا فريسة للطامعين في أكثر من مجال، كما تم تدمير المدن والقرى في هذا البلد الذي ما عاد آمنا، وقد استغلت القوى الامبريالية ما يسمى الربيع العربي لتصفية حساباتها مع نظام الممانعة في سوريا، فقامت بدعم وتسليح قوى المعارضة ذات المشارب الفكرية المتعددة، بما في ذلك تنظيمات تزعم أنها “جهادية”لكنها بدون أهداف، حتى بات الحديث عن دخول مقاتلي القاعدة المحارَبَةِ عربيا واسلاميا ودوليا الى سوريا، من خلال دول تحارب القاعدة وتعتبرها تنظيما ارهابيا، والحرب المعلنة على سوريا وتدور رحاها على الأرض السورية، وضحاياها من الشعب السوري، والاقتصاد السوري، أهدافها تتعدى الحدود الجغرافية لسوريا، فعدا أنها تهدف الى تركيع سوريا بعد تدميرها واضعافها لتمرير المخطط الامبريالي لإعادة تقسيم المنطقة من جديد، لصالح المشروع الامبريالي الصهيوني، ولتصفية القضية الفلسطينية على حساب الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، وهذا ليس ضربا في الغيب، فكلنا يذكر تصريحات كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا السابقة عندما أعلنت من بيروت في تموز 2006 أثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان”الآن بدأ تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد” وذلك لاعتقادها أن تلك الحرب ستنهي وجود حزب الله اللبني كحزب مقاوم، غير أن صمود المقاومة اللبنانية وبدعم من سوريا خيب أمال الوزيرة الأمريكية، وفوت تطبيق المشروع الامبريالي…..لكن ملفات هذا المشروع بقيت على الطاولة، فجرى تقسيم السودان، ولا تزال هناك محاولات لتقسيم ما تبقى منه، وتم اشعال الحرب على سوريا، لانهاء نظام الممانعة فيها، وبالتالي انهاء المقاومة، ولفك تحالف سوريا مع ايران تمهيدا لضرب ايران، لمنع ظهور أي قوة اقليمية ندّ لاسرائيل أو منافسة لها.
ولا يختلف اثنان على حق الشعب السوري في بناء دولة القانون، ونظام ديموقراطي يختاره الشعب السوري، واطلاق الحريات الحزبية والفكرية وحرية الصحافة وغيرها، إلا أن هذا ليس مبررا للاستقواء على الدولة بقوى أجنبية.
وليس خافيا بكاء أمريكا ودول حلف الناتو على الحريات في سوريا، فحرية سوريا عندهم هي سوريا المدمرة الضعيفة الموالية لهم في كل شيء، ومن حق المواطن السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام أن يتساءل عن دور الدول “الباكية على الحريات في سوريا” وسكوتها على الاحتلال الاسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية وجوهرتها القدس، والجولان السورية منذ ما يزيد على خمسة وأربعين عاما، وما يصاحب هذا الاحتلال من قتل وتدمير واعتقال للشعب الذي يعيش في الأراضي المحتلة، وما كان هذا الاحتلال ليستمر كل هذه المدة لولا الدعم اللامحدود له وفي مختلف الاتجاهات من هذه الدول وعلى رأسها أمريكا، واذا كانوا معنيين حقا بحرية الشعب السوري فلماذا لا يساعدونه لاستعادة ارضه المحتلة في الجولان؟ ولماذا يشارك “دعاة الحرية” هؤلاء في حصار مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة الى درجة التجويع والموت من نقص الدواء وغيره؟
وأكثر ما يثير الريبة فيمن يزعمون أنهم معارضة تحرص على حرية شعبها، هو دعوتهم لتدخل أجنبي من قبل حلف الناتو ورأس حربته تركيا”المسلمة” المجاورة، فهل هناك حر شريف يدعو الى تدمير بلده واحتلاله من قوى استعمارية؟ وهل هناك ثورات نقية دعمتها امريكا وحلف الناتو؟ وهل تعلّم معارضو سوريا مما جرى في العراق حينما رفعت أمريكا شعر “تحرير” الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري؟ فقامت بتدمير العراق واحتلاله، وقتل أكثر من مليون مدني عراقي، وتشريد أكثر من سبعة ملايين عراقي، وتيتيم أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي، وترميل أكثر من مليون ماجدة عراقية، واشعال فتن طائفية وعرقية تمهيدا لتقسيم هذا البلد، وتدمير ونهب وسرقة حضارة العراق واقتصاده، واعادة هذا البلد مئة سنة الى الوراء.
واذا كانت المعارضة السورية ترفع شعار الاسلام، أفلا ينتبهون الى حرب العالم الغربي على الاسلام والمسلمين؟ أو لم تصلهم أخبار الفيلم المنتج في أمريكا والمسيء لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، ولأخبار الرسومات المسيئة في مجلة فرنسية وأخرى ألمانية؟ ولماذا لم تحترم الدول الداعمة لهم مشاعرهم ومعتقداتهم الدينية؟
ولم يعد ما يثير الدهشة في دعم حزب الكتائب اللبناني للمعارضة السورية وحرصه على أهل السنة، مع أن دماء أهل السنة في مخيمي صبرا وشاتيلا لا تزال تستصرخ شرفاء هذه الأمة – ان بقي فيها شرفاء-.
ومع عظم وخطورة المؤامرة التي تتعرض لها سوريا وشعبها، فهل يدرك الرئيس بشار الأسد أن القوى المتحالفة ضده لن تتركه ولن تترك نظامه، ولن تترك سوريا ما لم يتم تغيير النظام؟ وأن الدماء التي سفكت هي دماء سورية غالية بغض النظر عما اذا كان معارضة أو موالية، وهي خسارة للجميع، وأن اللجوء الى الخيار العسكري وان كان مفروضا على النظام لم يكن في صالح أحد في سوريا…وبالتالي فان الحكمة المطلوبة والملحة هي انقاذ سوريا أولا وأخيرا، وهذا يتطلب تشكيل مجلس حكم انتقالي من المعارضة والمولاة العقلانية، ليتولى شؤون البلاد والترتيب لانتخابات ديموراطية ليختار الشعب السوري حكامة بشفافية عالية، ولانقاذ ما تبقى من سوريا.
22-9-2012

جميل السلحوت:بدون مؤاخذة-سوريا هي الأهمّتعيش سوريا حربا أهلية منذ ما يزيد على عام ونصف، سقط خلالها أكثر من خمسة وعشرين ألف مواطن سوري، وأكثر من مئة ألف جريح، ونزح عشرات آلاف المواطنين خارج وطنهم بحثا عن أمن مفقود، ليكونوا فريسة للطامعين في أكثر من مجال، كما تم تدمير المدن والقرى في هذا البلد الذي ما عاد آمنا، وقد استغلت القوى الامبريالية ما يسمى الربيع العربي لتصفية حساباتها مع نظام الممانعة في سوريا، فقامت بدعم وتسليح قوى المعارضة ذات المشارب الفكرية المتعددة، بما في ذلك تنظيمات تزعم أنها “جهادية”لكنها بدون أهداف، حتى بات الحديث عن دخول مقاتلي القاعدة المحارَبَةِ عربيا واسلاميا ودوليا الى سوريا، من خلال دول تحارب القاعدة وتعتبرها تنظيما ارهابيا، والحرب المعلنة على سوريا وتدور رحاها على الأرض السورية، وضحاياها من الشعب السوري، والاقتصاد السوري، أهدافها تتعدى الحدود الجغرافية لسوريا، فعدا أنها تهدف الى تركيع سوريا بعد تدميرها واضعافها لتمرير المخطط الامبريالي لإعادة تقسيم المنطقة من جديد، لصالح المشروع الامبريالي الصهيوني، ولتصفية القضية الفلسطينية على حساب الحقوق المشروعة والثابتة للشعب الفلسطيني، وهذا ليس ضربا في الغيب، فكلنا يذكر تصريحات كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا السابقة عندما أعلنت من بيروت في تموز 2006 أثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان”الآن بدأ تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد” وذلك لاعتقادها أن تلك الحرب ستنهي وجود حزب الله اللبني كحزب مقاوم، غير أن صمود المقاومة اللبنانية وبدعم من سوريا خيب أمال الوزيرة الأمريكية، وفوت تطبيق المشروع الامبريالي…..لكن ملفات هذا المشروع بقيت على الطاولة، فجرى تقسيم السودان، ولا تزال هناك محاولات لتقسيم ما تبقى منه، وتم اشعال الحرب على سوريا، لانهاء نظام الممانعة فيها، وبالتالي انهاء المقاومة، ولفك تحالف سوريا مع ايران تمهيدا لضرب ايران، لمنع ظهور أي قوة اقليمية ندّ لاسرائيل أو منافسة لها.ولا يختلف اثنان على حق الشعب السوري في بناء دولة القانون، ونظام ديموقراطي يختاره الشعب السوري، واطلاق الحريات الحزبية والفكرية وحرية الصحافة وغيرها، إلا أن هذا ليس مبررا للاستقواء على الدولة بقوى أجنبية.وليس خافيا بكاء أمريكا ودول حلف الناتو على الحريات في سوريا، فحرية سوريا عندهم هي سوريا المدمرة الضعيفة الموالية لهم في كل شيء، ومن حق المواطن السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام أن يتساءل عن دور الدول “الباكية على الحريات في سوريا” وسكوتها على الاحتلال الاسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية وجوهرتها القدس، والجولان السورية منذ ما يزيد على خمسة وأربعين عاما، وما يصاحب هذا الاحتلال من قتل وتدمير واعتقال للشعب الذي يعيش في الأراضي المحتلة، وما كان هذا الاحتلال ليستمر كل هذه المدة لولا الدعم اللامحدود له وفي مختلف الاتجاهات من هذه الدول وعلى رأسها أمريكا، واذا كانوا معنيين حقا بحرية الشعب السوري فلماذا لا يساعدونه لاستعادة ارضه المحتلة في الجولان؟ ولماذا يشارك “دعاة الحرية” هؤلاء في حصار مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة الى درجة التجويع والموت من نقص الدواء وغيره؟وأكثر ما يثير الريبة فيمن يزعمون أنهم معارضة تحرص على حرية شعبها، هو دعوتهم لتدخل أجنبي من قبل حلف الناتو ورأس حربته تركيا”المسلمة” المجاورة، فهل هناك حر شريف يدعو الى تدمير بلده واحتلاله من قوى استعمارية؟ وهل هناك ثورات نقية دعمتها امريكا وحلف الناتو؟ وهل تعلّم معارضو سوريا مما جرى في العراق حينما رفعت أمريكا شعر “تحرير” الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري؟ فقامت بتدمير العراق واحتلاله، وقتل أكثر من مليون مدني عراقي، وتشريد أكثر من سبعة ملايين عراقي، وتيتيم أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي، وترميل أكثر من مليون ماجدة عراقية، واشعال فتن طائفية وعرقية تمهيدا لتقسيم هذا البلد، وتدمير ونهب وسرقة حضارة العراق واقتصاده، واعادة هذا البلد مئة سنة الى الوراء.واذا كانت المعارضة السورية ترفع شعار الاسلام، أفلا ينتبهون الى حرب العالم الغربي على الاسلام والمسلمين؟ أو لم تصلهم أخبار الفيلم المنتج في أمريكا والمسيء لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، ولأخبار الرسومات المسيئة في مجلة فرنسية وأخرى ألمانية؟ ولماذا لم تحترم الدول الداعمة لهم مشاعرهم ومعتقداتهم الدينية؟ولم يعد ما يثير الدهشة في دعم حزب الكتائب اللبناني للمعارضة السورية وحرصه على أهل السنة، مع أن دماء أهل السنة في مخيمي صبرا وشاتيلا لا تزال تستصرخ شرفاء هذه الأمة – ان بقي فيها شرفاء-.ومع عظم وخطورة المؤامرة التي تتعرض لها سوريا وشعبها، فهل يدرك الرئيس بشار الأسد أن القوى المتحالفة ضده لن تتركه ولن تترك نظامه، ولن تترك سوريا ما لم يتم تغيير النظام؟ وأن الدماء التي سفكت هي دماء سورية غالية بغض النظر عما اذا كان معارضة أو موالية، وهي خسارة للجميع، وأن اللجوء الى الخيار العسكري وان كان مفروضا على النظام لم يكن في صالح أحد في سوريا…وبالتالي فان الحكمة المطلوبة والملحة هي انقاذ سوريا أولا وأخيرا، وهذا يتطلب تشكيل مجلس حكم انتقالي من المعارضة والمولاة العقلانية، ليتولى شؤون البلاد والترتيب لانتخابات ديموراطية ليختار الشعب السوري حكامة بشفافية عالية، ولانقاذ ما تبقى من سوريا.22-9-2012

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات