ذات خريف لكاملة بدارنة

ذ

ذات خريف لكاملة بدارنة

عن دار الجندي في القدس صدرت هذا العام 2012 مجموعة (ذات خريف) القصصية للكاتبة الفلسطينية كاملة بدارنة، وتقع في 116 صفحة من الحجم المتوسط.

واضح أننا أمام كاتبة استفادت من عملها كمدرسة، ومما يدور في مجتمعها،  ومن ثقافتها الدينية لالتقاط مضامين قصصها، فخلطت فنّ القص الكلاسيكي بفن الحكاية الشعبية، متكئة على الثقافة الشعبية السائدة.

فقصتها الأولى في المجموعة(امتحان) قصة تعليمية حسب الفهم الاسلامي للطلاب الذين يذهبون لتقديم الامتحانات، بما فيها امتحان الثانوية العامة الذي يشكل مفصلا هاما في حياة الطلبة، فعلى الطالب أن يطلب رضى والديه منذ الصباح”طلبت من والدتي المسامحة على ما سببته لها من إجهاد في إيقاظي”ص13. وعليه أن يطلب منهما الدعاء له بالنجاح” طمعت منها بالدعاء، كي يسهل الله أمري”سمع الله لمن حمده”ص13. وعليه أن يبدأ إجاباته بالبسملة”بدأت رحلتي الكتابية بالورقة الأولى “بسم الله الرحمن الرحيم”ص14. وبعد أن يقرأ الأسئلة ويستوعبها عليه أن يحمد الله. وعليه أن يصبر اذا ما لحق به ظلم عن قصد وعن دون قصد، وهذه وصية والدته له. وعليه أن يعتمد على نفسه بأن لا يغشّ ولا يغشش غيره”لكم دينكم ولي دين”ص15. وعند الانتهاء من الامتحان عليه أن يصلي على النبي….وعليه أن يخلص النية في صلاته، واذا ما سها فيها فعليه اعادتها كي ينال ثوابها.

ويلاحظ أن الكاتبة قد أوصلت فكرتها التعليمية الدينية هذه بدون طلب مباشر، بل من خلال القصّ الذي جاء على لسان طالب ما…وهذا يسجل لصالح الكاتبة، وفي تقديري أن الكاتبة لم توفق بما جاء على لسان الطالب بعد أن فهم المراقب التفاتته خطأ ورسم له إشارة تنبيه، فجاء على لسان الطالب”اجتاحتني رغبة جارفة في لكم الرجل، لكنني تذكرت دعاء والدتي بالاصطبار”ص14، وهذا خطأ تر بع بوي، فعلى الطالب أن يحترم معلميه في كل الظروف والأحوال، وأن لا يلجأ حتى الى مجرد التفكيربلاعتداء على معلمه.

أمّا القصة الثانية”بين عشية وضحاها” وملخصها أن امرأة فقدت ابنها صباح يوم عيد، وحزنت عليه حزنا شديدا، حتى أنها نسيت أن تعتني بطفلتيها، واتهمها الناس بالجنون، وعملت لها”شيخة”رقية، وزارها شيوخ آخرون، وبالتالي اعتبروها قديسة، وأصبح الآخرون يرتادون بيتها للعلاج…ويروى على لسان الأمّ أنه جاءها عارض في الليل واصطحبها لرؤية ابنها الميت، وهناك أخبرها بأنها تحرق ابنها بدموعها، واقتنعت بعدم البكاء، وهناك أي في المقبرة أعطتها فتاة قتيلة منديلا أحمر لفّوا رأسها به عند دفنها، ليكون شاهدا على صدقها، وطلبت منها أن تبلغ أهلها “أنا فتاة بريئة،قُتلت واتهم الناس أخي-الذي لم يفلح في تبرئة نفسه- أنه قتلني حفاظا على شرف العائلة، وها أنا أتعذب بسبب ظلمهم له، فأخبريهم أن قاتلي هو شاب قتلني بدون عمد”ص22. وفي نهاية القصة تساءلت ابنة المرأة وهي الساردة في القصة اذا ما كانت أمّها مصابة بمرض الهلوسة، أم أن هذه هي قصتها الحقيقية.

والكاتبة روت قصتها هذه بحيادية تامة على لسان فتاة، وحاولت أن تزرع بذور الشك بمدى صحتها في نهاية القصة….ومع أن هكذا خزعبلات موجودة في مجتمعاتنا مع الأسف، إلّا أنني أتساءل عن الجدوى من طرحها وتعميمها؟ فبكاء الأمّ الثكلى على ابنها أمر مشروع دينيا وانسانيا، والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بكى ابنه ابراهيم وحزن عليه، أمّا أن دموع الحزن على الميت نار تحرقه فهذا ثقافة شعبية لا أصول دينية لها…والزمن كفيل بتخفيف الحزن وإنهائه…أما نشر الخرافة فهو المريب في الموضوع…صحيح أن أصحاب  اللحى والعمائم الخضراء وغير الخضراء، يدعون الكرامات ويوزعونها ويوزعون البركات، لكنهم نصابون محتالون، وبعضهم يستغل دجله وشعوذته لسلب الناس أموالهم، وللاعتداء على أعراض الناس، وهذا ما يجب فضحه وتعريته.

وقد توقفت كثيرا عند قصة الفتاة القتيلة “بدافع الشرف”، فهل تبرئتها لأخيها لأنه بريء حقيقة، أم أن المرأة الضحية دائما مدانة، وجلادها بريء؟

قصة”سكين العشق قتال” تدور أحداث القصة حول فتاة أسموها خطيبة لفتى منذ يوم ولادتها، وعندما شبّت رفضته وتزوجت من غيره، فتسللل الى بيتهما وقتلهما، وتسمية البنات منذ الولادة ليكن خطيبات لذكور آخرين -وغالبا ما يكونون من نفس العائلة-، كانت موجودة بشكل لافت في مجتمعاتنا، وهي معدومة أو شبه معدومة في أيامنا هذه، وهذه العادة القبيحة كانت لها ضحايا كثيرات، حيث كثيرون من الذكور تزوجوا من أخريات بعد أن “حجزوا” الفتيات على أسمائهم لسنوات طويلة، وقد ولّدت هذه العادات عداوات بين أفراد العائلة نفسها، وكانت ضحاياها الفتيات، اللواتي كانت العنوسة أو الزواج من كبار السنّ أو من متزوجين من نصيبهن.

غير أن كاتبتنا خرجت عن المألوف هنا فجعلت الفتاة هي التي ترفض من خطبوها له منذ ولادتها. وقد أسمت الفتاة نبيهة، وهذا الاسم مقصود، وليس عفويا، فبنباهتها رأت أن”ثائر” ليس كفؤا لها فرفضته وتوزجت من غيره، غير أن ثائر أيضا لم يكن ثائرا، بل كان مجرما وقاتلا.

أمّا قصة”بالروح بالدم…”ملخص القصة شاب اغتصب فتاة ثم استشهد فقالت”هذا هو اليوم الذي انتظرته طويلا…لقد تحققت عدالة السماء”ص35. بداية “بالروح بالدم نفديك يا شهيد” شعار خاطئ رغم شيوعه، فالشهيد غادر الحياة الدنيا ويستحيل أن يعود اليها، فكيف سيفتديه مرددوا هكذا كلام؟ وأعجب كيف اختارت الكاتبة المغتصب ليكون شهيدا، فهذا الاختيار فيه تكريم للمغتصب وإهانة للشهداء ولمفهوم الشهادة.

أمّا قصة “ذات خريف” التي تحمل المجموعة اسمها فانني أعجب كيف أصبحت لشجرة التين المقطوعة”خطيّة” وتسببت بحادث طرق لابن مالكها الذي قطعها.

أمّا القصص القصيرة جدا، ؟ فانني أرى أنها كانت موفقة علما بأن القص القصير جدا لم يستقر بعد على قواعد فنية ثابتة .

4-تموز 2012

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات