بدون مؤاخذة-فوز مرسي ليس عجيبة

ب



قبل سنوات ليست بالبعيدة فاز زعيم حزب نازي متطرف برئاسة النمسا، واحترم الغرب خيار الشعب النمساوي، وفي العام 2000 وصل جورج دبليو بوش الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، واحتل ودمر أفغانستان والعراق، وافتتح سجن غوانتينامو الرهيب، وأشعل حروبا في الصومال والسودان وغيرها، وكان يصرح بأنه يتلقى أوامره من الرّب يوميا، وفي العام 2004 انتخب لفترة رئاسية ثانية، ودمر اقتصاد بلاده واقتصاد العالم، وصرح أكثر من قائد – ومنهم قادة عرب-أكثر من مرّة بإعجابهم بشجاعة هذا الرئيس وقدرته على صنع السلام العالمي، واسرائيل تحكمها أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية، وتدير ظهرها للعالم أجمع مدعومة من البيت الأبيض، وهي حكومة تتمترس خلف غيبيات دينية تؤمن بها، بما في ذلك سياسة الاستيطان الجنونية التي ستمنع تحقيق أيّ حلّ سلميّ للصراع الشرق أوسطي،  ولم يعترضوا عليها، وفي أماكن كثيرة من العالم فازت أحزاب دينية بالحكم، وحكمت بهدوء ودون احتجاج من أحد.

وعندما فاز الدكتور مرسي  برئاسة مصر من خلال صناديق الاقتراع بدأت المخاوف، وبدأت أقلام تتهم وتحذر من القادم، في حين أن الموقف الرسمي لبعض الدول مثل اسرائيل وأمريكا كان موقفا عقلانيا في العلن، -لأنها لا تملك غير ذلك الموقف-  لكنه مريب في الخفاء.

واللافت هو موقف بعض الساسة والمثقفين والكتاب  العرب الذين يبدون مخاوفهم من حكم جماعة الإخوان المسلمين، وهو موقف عبرت عنه إحدى مناصرات اللواء أحمد شفيق بسذاجة، عندما أصيبت بانهيار عصبي فور إعلان نتائج انتخابات الرئاسة المصرية، وشتمت المجلس العسكري الحاكم في مصر واتهمته بأنه “باع مصر للفلسطينيين الخونة”…فهل هذه المخاوف في مكانها الصحيح؟ وهل لو فاز اللواء أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانوا سيتخذون الموقف نفسه؟ وبغض النظر عن الإجابة إلّا أن السؤال الأهم هو: ماذا نريد نحن العرب؟ وماذا تريد الشعوب والأحزاب العربية؟ ولماذا اندلعت ثورات الشعوب العربية؟ وهل الخوف من التجديد يشكل دعوة للعودة الى القديم؟ وهل القديم كان في صالح الشعوب والوطن؟ وهل جربت الشعوب حكم الإخوان المسلمين حتى تحكم عليهم؟ وهل هناك صدام بين الفكر القومي والفكر الديني في العالم العربي؟ وهل الثقافة العربية مبنية على ثقافة الدين الاسلامي-باعتباره دين الغالبية- أم على ثقافات أخرى؟ وهل العرب الذين  يدعون العلمانية علمانيون حقا؟ وهل الماركسيون العرب يستنبطون ماركسيتهم من ثقافتهم وتراثهم أم أنهم دعاة فكر مستورد، حيث يقول لينين “بأن على شيوعيي الشعوب الأخرى أن يبحثوا  عن ماركسيتهم في ثقافته وتراث شعوبهم”؟ وغيرها الكثير من الأسئلة الملحة.

وفي واقع مصر باعتبارها أكبردولة عربية، وذات موقع استراتيجي  يتحكم بمقادير دولية كثيرة، فقد كان النظام السابق يشكل”كنز اسرائيل وأمريكا الاستراتيجي” وهذا النظام نهب ودمر اقتصاد البلاد، وحصر نفوذ الدولة داخل حدودها، وتخلى عن الدور الريادي لمصر في العالمين العربي والاسلامي، وفي إفريقيا، حتى باتت مياه النيل مهددة، وأدخل البلاد في مديونية عالية مما جعل اقتصاد البلاد رهينة للدول الدائنة، فهل معارضة انتخاب الدكتور مرسي لرئاسة البلاد تحمل في طياتها دعوة لإعادة النظام السابق؟ وهل لو كانت مصر هي مصر  التي نعرفها، ونتمنى لشعبها الخير كله، هل كان الطامعون والناهبون والمحتلون للوطن العربي، والمستهترون بالشعوب العربية سيستمرون بسياساتهم العدوانية ضد العرب؟ وهل كانت اسرائيل وبدعم أمريكا اللامحدود لها ستواصل احتلالها للأراضي العربية؟ وهل كانت يد اسرائيل العسكرية الطويلة ستبقى تهديدا دائما للدول والشعوب العربية؟ وهل حاول “المفكرون”و”المثقفون” العرب والأجانب البحث عن أسباب المدّ الديني وأسباب قوة الأحزاب الدينية في الشرق الأوسط؟ وهل انتبه المثقفون الى أسباب تراجع المدّ القومي؟ وهل درسوا أسباب فشل التيارات القومية التي وصلت إلى الحكم؟ وإن فعلوا هل اتعظوا من ذلك؟ وهل تساءلوا عن أسباب حملة العالم الامبريالي العدائية على الإسلام والمسلمين؟ وهل حاولوا دراسة الدين الاسلامي ليروا إن كان ما يقال عنه في الحملة المضادة صحيحا أم لا؟ وهل تعلموا من مثقف عربي كبير ورائع هو الراحل ادوارد سعيد الذي دافع عن الاسلام كباحث منصف- مع أنه غير مسلم- حتى اعتقد البعض أنه مسلم؟  وهل تساءلوا عمّن يقف خلف أصحاب الفتاوى المضحكة والمثيرة للتقزز، والذين لا يرون الاسلام إلّا من خلال ما بين فخذي المرأة؟ ومن هذه الفتاوي جواز زواج الطفلات من رجال في مختلف الأعمار، وجواز معاشرة الزوج لزوجته المتوفاة، وزواج المؤانسة، وإرضاع العاملة لزميلها كي تحرم عليه!!! وغيرها كثير…وهل أصحاب هذه الفتاوى علماء حقيقة وحجة على الاسلام، أم أنهم يسبحون في بحور الجهل والتخلف، ويفتون من خلال اللحى والعمائم؟

وهل تجربة(إمارة حماس) في قطاع غزة بما لها وما عليها تشكل نموذجا لحكم الاخوان المسلمين؟

وهل كان الحكم الاسلامي الذي امتد من القرن السابع الميلادي حتى العقد الثاني من  القرن العشرين شكل رافعة للعرب تحديدا، وللإنسانية جمعاء أم كان عبئا عليها؟ وهل كان العرب أمّة ماجدة قبل الاسلام وبعد انتهاء الحكم الإسلامي؟

لقد وصل الدكتور مرسي الى الرئاسة المصرية بطريقة ديموقراطية، وسيتسلم إدارة بلد يعاني مشاكل كثيرة، وأوصله النظام البائد الى حافة الانهيار،  ويحتاج الى قيادات مخلصة وعقول علمية كبيرة لإعادة بنائه، وعلى الجميع احترام خيار شعب مصر العظيم، وستكشف السنوات القليلة القادمة مدى صلاحية النظام الجديد أو عدمها.

26-6-2012

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات