رواية هناك في سمرقند في اليوم السابع

ر


القدس: 3 أيار-مايو- 2012 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، الأديب أسعد الأسعد، وناقشت  بحضوره روايته”هناك في سمرقند” التي صدرت في الأسابيع القليلة الماضية عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، وتقع في 172 صفحة من الحجم المتوسط.

بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:

هذه الرواية ليست الأولى للأديب أسعد الأسعد، فقد سبق وأن صدرت له رواية “ليل البنفسج” عام 1989 .

ورواية”عري الذاكرة” التي ناقشناها في هذه الندوة.

والأديب أسعد الأسعد الذي يعمل سفيرا لفلسطين في أوزبكستان  وبعض دول جنوب شرق آسيا الاسلامية شاعر قبل أن يكون روائيا، فقد صدرت له عدة دواوين شعرية منها:- “الميلاد في الغربة:، “كلمات عن البقاء والرحيل” و”أنت.. أنا.. القدس والمطر”. كما أنه باحث صدرت له دراستان بحثيتان في كتابين هما:- “الأرض والممارسة الصهيونية” و”المناهج الدراسية في الأرض المحتلة”. إضافة إلى عشرات الأبحاث والقصص التي نشرت في مجلة الكاتب التي أسسها عام 1979 ورأس تحريرها إلى أن توقفت عن الصدور عام 1994 بعد أن صدر منها 165 عددا .

وكانت تعتبر مجلة الثقافة الإنسانية، الوحيدة في الأراضي الفلسطينية. إضافة إلى آلاف المقالات التي نشرت في مختلف الدوريات الصادرة في الأراضي المحتلة خصوصا في صحيفة “البلاد” التي أسسها وأصدرها في الأراضي المحتلة عام 1995 وتوقفت عن الصدور عام 1998 .

ولأسعد الأسعد قصائد مغناة منها ” نزلنا ع الشوارع” التي رددها شبان الأراضي الفلسطينية في طول البلاد وعرضها خصوصا في الأنتفاضة الأولى.

واضح أنّ الأديب أسعد الأسعد استفاد من التاريخ، ومن عمله كسفير للسلطة الفلسطينية في أوزباكستان عندما كتب روايته”هناك في سمرقند” والرواية التي يطغى عليها عنصر التشويق، تتداخل فيها حكايات تشابهت فيها أحوال مسلمي جنوب شرق آسيا مع شبيهاتها عند الشعوب العربية، مثل ظاهرة تقديس الأولياء وأصحاب المقامات والأضرحة والإيمان بقدراتها الخارقة التي يخلقها، ويحيكها الخيال الشعبي، واذا كان  البطل الرئيس في الرواية(مالك)وهو عربي من العراق قد غادر العراق بعد انفجارات هزت مكان سكناه في حيّ”الكرادة” بعد احتلال العراق وقتلت عائلته، وهرب الى الشرق مارّا بإيران وأفغانستان، فإن حكومات الدول التي عبرها ما كانت لتسمح له بدخول أراضيها لو علمت بأمره، في حين أن الشعوب كانت تتعاطف معه، وهي شعوب إسلامية وعندها جاليات عربية منذ الفتوحات الاسلامية استوطنت بعض المناطق هناك واندمجت بشعوبها.

وكأني بالكاتب أراد أن يوصلنا من خلال روايته أن موقف حكومات الدول”الاسلامية” من المواطنين العرب لا يختلف عن موقف بعض الحكومات العربية التي تخضع لإملاءات الدول المستعمرة.

وبالتأكيد فإن أديبنا قد استفاد من عمله كسفير هناك، حيث اطلع على بعض المعلومات وبعض العادات بحكم عمله. ولعل حيدر ذلك الفلاح الإقطاعي الذي “تبني” مالك بعد فقدان ابنه تيمور، بل وأوكله بأملاكه لما رأى منه من وفاء وإخلاص،  ومفضلا إياه على موظفيه والعاملين عنده من أبناء قومه عندما سافر الى موسكو لزيارة ابنته التي يعمل زوجها فيها…كما  ساعده على الزواج من ثريا ابنة الحاج عبد الرحمن في سمرقند يبين مدى المحبة التي يكنها أبناء أوزباكستان للعرب، في حين نلاحظ أن مالك بقي يحمل أوراقا مزورة واسما مستعارا”أليشير”وحتى نهاية الرواية بقي وجوده في البلاد غير شرعي من الناحية الرسمية.

الأسلوب واللغة: اعتمد الكاتب أسلوب السرد الحكائي بطريقة انسيابية مشوقة، وطاف بنا في مناطق بالتأكيد هو سلك دروبها وتعرف على حياة سكان تلك البلاد…ولغة الكاتب سليمة فيها جماليات بلاغية من صور وتشبيهات…واستعارة ومقابلة وغيرها.

وقال سمير الجندي:

المكان في الرواية

رواية أسعد الأسعد “هناك في سمرقند” صدرت عن دار الجندي للنشر في القدس عام 2012، في 172 صفحة من القطع المتوسط، مقسمة إلى ثمانية فصول…

منذ اللحظة الأولى جعلنا الكاتب نحتار في اختيار الكاتب لعنوان روايته، باستخدامه اسم الإشارة للبعيد، الذي يدل على الظرفية المكانية، (هناك)، فهل كتب روايته أثناء وجوده في موطنه القدس؟ أم كتبها وهو في سمرقند، بحكم عمله سفيرا لفلسطين، فإذا كتبها وهو هنا في القدس، فلا غرابة في ذلك، ولكنني أعتقد بأنه كتبها وهو في تلك البلاد، فاستخدم اسم الإشارة للبعيد على اعتبار أنه يحمل وطنه أينما حل ورحل، فكان اختياره للعنوان هذا دلالة على قيمة المكان في ذائقته الأدبية الرفيعة، لكنه عندما يعلق في مدخل الرواية على ما قاله الهادي آدم( قد يكون الغيب حلوا إنما الحاضر أحلى) بقوله أن التشبث بالواقع هروب من الحلم يجعلني أتوقف عند هذا الأمر مليّا، بل إنني عدت لهذه الجملة مرارا، وكلما مرَّ علي شير بعقبة أو خطر محدق، في طريقه إلى سمر قند، وكلما كانت المقارنة بين الموصل أو حيّ الكرادة في بغداد، وبين ما تتعرض له تلك البلاد من القصف الأمريكي، هذا القصف الذي يشبه كثيرا قصفهم لكل تجمع بل لكل ممرّ أو جسر في طريق سفره المحفوف بأشكال المخاطر، نجد علي شير يستأنس بحلمه الذي سكنه منذ رأى ثريا وأحبها، فقد خط الحلم ما لم ولن يجعل واقعه أحلى، فترك المكان على بساط الحلم ليلتقي بمن أحبّ، يقول الكاتب: ( يواصل الترحال بحثا عن الحلم الذي سبقه إلى سمرقند)ص89…

أجاد الكاتب بوصفه للمكان، الذي وظفه توظيفا أفاد النص الروائي وجعله في موقع متقدم من النصوص الروائية الفلسطينية، بل والعربية، وقد تميزت الرواية بعنصر التشويق الذي لازم القارئ من الوهلة الأولى، كما أن أسلوبه في بناء الأحداث جاء غير عادي، فقد بدأ الرواية من سمرقند، ثم عاد إلى بناء الأحداث من البداية، وجعلنا نسير جنبا إلى جنب مع الشخصية الروائية التي سيطر عليها الكاتب بكل براعة واقتدار، فجعلنا نحزن على حزنها ونتألم مع ألمها ونحلق مع أحلامها، وندعمها في قرارها، بل جعلنا نغضب أحيانا عندما تصمت الشخصية، ونتمنى لو تحدثنا أكثر عن مكنوناتها، وجعلنا نشعر بالخوف والبرد والاعتراف بالجميل، عندما أظهر لنا مدى تعاون الأصدقاء مع الصديق الغريب، ومدى اهتمامهم بسلامته عندما تحيط به الأخطار، فكانت الحبكة الروائية متماسكة، وبناؤها الهندسي متقن الصنع…

استطاع الكاتب تعريفنا بما صنعته الحروب بهذه البلاد، وسيطرة الحكم البلشفي، وقد أشار الكاتب بذكاء إلى درجة طيبة تلك البلاد وعدم اكتراث أهلها لما يحدث على أراضيها المترامية الأطراف، والموزعة قراهم في كل الأنحاء عندما قال أن السوفييت حكموا البلاد سبعين سنة، وخرجوا ولم يشعر أهل القرى بذلك الوجود، هم مزارعون، مسالمون، ( بل إن كثيراً منهم لم يسمعوا بتبدل الحكم، ص49…

لم ينس أمراء الحروب، وكيفية استغلالهم للمكان، والإنسان؟ فتاجروا بالسلاح، وتاجروا بالمخدرات، واستغلوا الإنسان أبشع استغلال، ولكن عندما نعود إلى علي شير، أو مالك العربي، الذي غادر الموصل، ونتساءل: فهل غادر بلاده هربا من الواقع المرير ليحقق حلمه الخاص؟ لكن الواقع في تلك البلاد شبيها بواقع العراق، وهنا نجد الكاتب يطرح أفكاره ويفلسف الأمور في مواطن كثيرة من روايته، فالبلاشفة لم يستطيعوا تحقيق المدينة الفاضلة، ( دون أن يحققوا حلمهم الأفلاطوني) ص39. كما يقول الكاتب: (إن الجندي في الحرب يرتعد من الخوف إلى أن تبدأ المعركة)ص82، وهذا من باب فلسفته للأمور….

وقال إبراهيم جوهر:

عنوان رواية الكاتب (اسعد الأسعد) الأخيرة ( هناك في سمرقند) يدفع القارئ إلى السؤال: لماذا في سمرقند البعيدة هناك ؟ وليس هنا ؟ منذ العنوان الذي يعتبر أول ما يواجه القارئ حاملا معناه ورسالته، ثم لوحة الغلاف، يضع الكاتب قارئه في ساحة الأسئلة؛ تلك الأسئلة التي وفّرت للرواية تشويقا أليفا وهي تكشف له بدايات الحدث وشيئا من الحيرة وكثيرا من الأسئلة .

لقد نجح الكاتب في استثارة اهتمام القارئ، وتمكن من إبقائه على اتصال دائم مع أحداثه رغم ما قد يبدو إثقالا عليه بسبب ازدحام الصفحات بالمعلومات التاريخية التي شكلت خلفية نافعة أنارت صفحة من تاريخ العرب والمسلمين في تلك البلاد(هناك في سمرقند) ذات الطابع العمراني الشرقي والثقافة الشرقية .

لم يقصد الكاتب تقديم درس في التاريخ رغم المعلومات التاريخية التي قدّمها في روايته بقدر ما أراد الوصول إلى هدفه الذي ألمح إليه في المدخل إلى الرواية؛ البحث عن الحلم …إذ لكلّ منّا حلمه، ولنا حلم عام . جاء على الصفحة الخامسة قول الكاتب الأسعد الذي ناقض قول ( الهادي آدم) ؛

كتب الأسعد : (التشبث بالواقع ، هروب من الحلم). وكتب (الهادي آدم ) : ( قد يكون الغيب حلوا، إنما الحاضر أحلى ).

فكرة الكاتب (اسعد الأسعد) تشير إلى مواصلة البحث عن الحلم وتحث عليه، وتفسير الواقع بأحداثه ومعانياته. لذلك جاء على لسان الشخصية الرئيسة (علي شير) : ” …جئتك من الموت المحدق بالعراق، حاملا همّي، ولست أملك غير بقية من حلم أعاد إليّ بعضا من روحي منذ رأيتك، وحملني إلى سمرقند لعلّي أجد فيها ما يعينني على لمّ ما تبقى من أشلائي ” ص 69 .وجاء في الصفحة 158 : ” يبدو أن بعض الأحلام كالأرواح لا تموت، ربما تتراجع لتكمن في زوايانا، أو تنتقل من مكان لآخر لتعود ثانية ، بشكل مختلف …”فالكاتب يبني روايته كلّها على فكرة الحلم، ثم البحث عنه في محاولة الحصول عليه وتحقيقه. وهو لا يتبنى فكرة (موت الحلم) ولا التكيف مع غياب تحققه .

البعد الوطني، والإنساني، والفكري المبدئي هنا يتضح بجلاء. والكاتب في سبيل إيصال فكرته – رسالته الأدبية بأسلوب فني، فيه اقتداء وتعليم وإشارة تنبيه، ساق لقارئه أحداثا متفرعة من حدث رئيس بدأ من العراق، ثم ارتحل إلى إيران ففلسطين ثم سمرقند في رحلة محفوفة بالمجازفة والجنون والخطر والترقب والتشويق والتاريخ والفكر والنقد، ولغة الشعر الجميل في الوصف لمشاهد الطبيعة والغروب …

تلتقي الشخصية المركزية في الرواية مع الفتاة التي بدا أن لقاءه بها نوع من الاستحالة والجنون والمغامرة .

فلا مستحيل مع الإرادة والإصرار …وهذا أمر جميل يحسب للكاتب الذي رسم أحداثه وبناها في لحظة إعجاب بالتاريخ الذي اتكأ عليه وأحياه في ربط موح بين ما كان، وما هو كائن، وما سيكون .

اعتمد الكاتب على أسلوب الحكاية في الرّوي وتقديم أحداثه وشخصياته ومعلوماته، لأن الحدث تاريخي على أرض من التاريخ. ومن هنا وجدناه يسوق الحدث ويسهّل العقبات بأسلوب المصادفة التي قد لا تقنع دائما،

كانت المصادفة هي التي أنقذت من الحاجز العسكري على الحدود، وهي التي ساقت الرجل الغني الذي وفّر الملاذ والغنى والتمكّن للشخصية الرئيسة، وكذا الحال مع إتمام الزواج والحصول على الهدف – الحلم …

لقد استفاد الكاتب (السفير) أسعد الأسعد من عمله الديبلوماسي في أوزباكستان سفيرا لفلسطين، وجمع مادة تاريخية تستحق الاحترام، وقدّم لنا رواية مثيرة تستحق الدراسة، فيها المتعة والفائدة والرسالة الفكرية التي لم تضع في زحمة العمل الديبلوماسي السياسي الذي يميل في العادة إلى التكيف، وربما الترويج، لنسيان (الحلم ).(هناك في سمرقند) لسان حلمها يقول: هنا في القدس .من هنا لم يكن مصادفة أن يخالف الكاتب قول (الهادي آدم) الذي جمّل الحاضر .

وقال موسى أبو دويح:

تذكر الرواية الأساطير التي تصدّقها العامّة وتدعوهم إلى التمسّح بأضرحة النّبيّين والأولياء الصالحين، وسؤالهم والطلب منهم أن يقضوا حاجات السائلين. هذا وقد يكون للنّبي أو الوليّ أكثر من مقام في بلدان متعددة ومتباعدة. ويظهر من الرواية أنّ لـ(دانيال) ضريحاً في الموصل وثانياً في سمرقند وثالثاً في الرَّملة من بلدان فلسطين، في القرية المسمّاة باسمه (دانيال). بطل الرواية شابّ عربيّ اسمه (مالك) وتَسمّى في بلاد الغربة باسم (علي شير) أو (أليشير) كما يسميه الأعاجم. هذا الشاب يطوّف في البلاد، يذهب إلى شمال بلاد فارس التي تسمّى اليوم إيران، ويرسلونه من هناك إلى الرملة في فلسطين حيث ضريح النبي دانيال، وهؤلاء بدورهم ردّوه إلى مقرّ دانيال في سمرقند. وهناك عند الضريح دسّ ورقة يسأل صاحب الضريح لماذا سمح وأَذِنَ لتيمورلنك بدخول بغداد واستباحتها.

وهناك في سمرقند التقى مالكٌ بخادم الضريح الشيخ بختيار، وسأله عن حيّ العرب في سمرقند؛ لأنه تعرّف في الموصل على فتاة اسمها (ثريّا) فتعلّق بها قلبه، إلا أنها سافرت مع أهلها إلى سمرقند. وبوساطة الشيخ بختيار ذهب مالك إلى وليمة أقامها الحاج عبد الرحمن، حيث رأته ثريا وهو في طريقه إلى بيتهم من حيث لم يرها. وبعد انصراف المدعوين تلثّمت ثريا ولحقت بالشيخ بختيار تسأله عن الفتى الذي جاء بصحبته إلى الوليمة. فسألها: وهل تعرفينه؟ فقالت: إنه ذاك الفتى الذي التقيناه في الموصل واسمه مالك. فأخبرها بأنه اختار لنفسه اسم (علي شير). فسألته أيضاً: وما الذي جاء به إلى هنا؟ فقال: جاء يبحث عن ثريا، عنك يا بنتي. فقالت: وأين هو الآن؟ قال: ضاع في زحمة وليمة والدك. (صفحة33).

اضطر بختيار أن يطلب من الحاج عبد الرحمن أن يساعده في العثور على أليشير، فوعده خيراً. وذهب بختيار يبحث عن الفتى في كل مكان فلم يعثر عليه. وبعد صلاة فجر اليوم التالي أشار الحاج عبد الرحمن إلى الشيخ بختيار أن يتبعه إلى بيته. وهناك ذهل بختيار عندما رأى (علي شير) يقف عند باب البيت مرحّبا. فقال الحاج عبد الرحمن لبختيار: هذا صديقك مالك.

أقام مالك في بيت عبد الرحمن في الطابق الأرضي آمناً مطمئناً، إلى أن سمع صوت أم ثريا تقول لزوجها: وماذا نعرف عنه؟ ربما يكون طامعاً فينا. فأجابها: وكيف يطمع فينا وهو لا يعرف من أمرنا شيئاً؟ فقالت: الحذر واجب. فقال لها: ثريا صغيرة، ولا أظنها تفكر في الارتباط بأحد في هذه الأيام. فأجابته: ولأنها صغيرة أخاف عليها. ابنتنا تستحق من هو أفضل منه. فقال: ابنتنا سوف تأخذ نصيبها فلا تتعجلي أمرها.(صفحة108).

صعق مالك مما سمع حتى غشي عليه؛ فرشوا عليه الماء، فلما أفاق تذرّع بحاجته إلى النوم وأخذِ قسطٍ من الراحة. لكنه قرّر مغادرة البيت بعد الذي سمعه. فخرج ليلاً ولم يلتفت خلفه وقرر أن يكفّ عن حلمه، وقفل راجعاً إلى سمرقند مغادرًا حي العرب فيها.

وأثناء عودته رأى عجوزاً تحمل من البقول والخضار مثل وزنها تقريباً، فساعدها مالك متبرعاً. فجاءها رجل عليه علامات الثراء فأخذ كل ما معها من خضار أو (أعشاب) كما يقول أهل تلك البلاد. فحملها مالك إلى سيارة الرجل، وعرض عليه الثري واسمه (حيدر) أن يرافقه إلى البيت. وهناك في بيت حيدر فتحت لمالك أبواب السماء؛ إذ اعتبره صاحب البيت ابنا له بدل ابنه المفقود، وبنى له بيتاً وملّكه إياه. وسافر معه إلى حي العرب فس سمرقند، وطلب له يد ثريا من أبيها، فتزوّجها وحملت منه وقالت لزوجها: أسمعُ دبيبه في بطني، أراه محدّقاً بي، يسألني عنك ويطلب الرفق به. فاقترب مالك من حضنها مداعباً حيدر الصغير –وهو اسم ولي نعمته حيدر الذي أوصله إلى مراده- متمنيا له السعادة في قادم الأيام.

الوصف في الرواية رائع وممتع، فوصف الشوارع وما فيها من مطبات وحفر ووصف وقت المغيب وما فيه من لمعان وجمال. ووصف طعام الكبسة التي يسمونها (البلوف)، ووصف (الصمصة) باللحمة المفرومة أو البطاطا، ووصف الفلاحات وما يحملن من خضار وفواكه، وكيف يضعنها مرتبة أمامهن على أرصفة الشوارع وقارعة الطريق، ووصف المزارات والأضرحة، وما عليها من حرير أخضر وعصابات خضراء على رأس الضريح وعند قدميه، والأربطة التي تربط على أغصان الشجرة التي تجاور الضريح، ووصف تمثال جحا راكباً على حماره بالمقلوب، ووصف الثلج وجماله. كما وصف كل ما رأى في تلك الديار.

أما السياسة فلها في الرواية نصيب ومنه قوله: (إنّ من أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي هزيمة الروس في أفغانستان. وكانت سيطرة طالبان على البلاد بدعم من الغرب والأمريكان. بل إنّ ظهور حليف الولايات المتحدة والغرب السابق، بن لادن، الذي انقلب على حلفائه الذين دعموه في حربه ضد الروس، وتحمّله مسؤولية ما حدث في 11 أيلول سنة 2003، على الرغم من أنّ كلّ العقلاء في العالم يدركون بأنّ بن لادن وحركته ليسوا قادرين على فعل ذلك). (صفحة 70).

الرواية رائعة بما حوته من وصف وتاريخ ومعارك وأشخاص وشعراء، وتشدّ القارئ إلى متابعتها لما فيها من عُقَدٍ، تجبره على متابعة القراءة ليرى كيف حلّها والنجاة منها. إلا أن فيها أسماءً غريبة لأشخاص وأماكنَ كثيرة يصعب على القارئ الإحاطة بها.

والرواية كذلك لم تخلُ من أخطاء يسيرة من الناشر والكاتب:

1. صفحة 7: الكلمة الأولى (على مقعد من خشب) والصحيح عن مقعد.

2. صفحة 34: (يا ابنتي) والصحيح (يابنتي) بحذف ألف ابنتي؛ لأنها تحذف بعد النداء.

3. صفحة 50: (مجتمع مديني) والصواب مدنيّ.

4. صفحة 61: (أطلق العنان لناظريه) والأحسن أطلق مالكٌ العنان؛ لأنها بداية فصل جديد.

5. صفحة 69: (وها أنا في ديارك) والصوب (هأنذا)؛ أي بحذف ألف ها وألف أنا ويضاف إليها ذا. ولقد تكررت أيضا في صفحة 148.

6. صفحة 71: (فهو متّهم إلى أن تثبت إدانته) والصواب براءته.

7. صفحة 89: (إلى مخبأه) والصواب إلى مخبئه؛ حيث تكتب الهمزة على نبرة لا على ألف.

8. صفحة 111: (لكن مشهد الفلاحات…) لا يوجد خبر للكنّ أو خبر للمبتدأ مشهد إذا كانت لكنْ بدل لكنّ. وكان عليه أن يقول (شدّه وحدّق في عجوز) بدل إنشدّ إليهن.

9. صفحة 122: (سوف نعرفه لاحقاز) تكتب فاصلة بدل حرف الزاي.

10. صفحة 146: (لا أحد هنا إلاي) والصحيح إلا أنا؛ لأنّ الياء هنا ضمير نصب، وما بعد إلا هنا مرفوع لا يجوز نصبه.

11. صفحة 156: (أحسّ برجليه لا تقويان على حمل) والصحيح على حمله.

12. صفحة 171: (رأى حيدر جالساً) والصواب رأى حيدراً جالساً. وفيها (لم يبق إلاي) والصواب لم يبقَ إلا أنا.

ومع كلّ هذا، فالرواية جديرة بالمطالعة وحريّة بالاقتناء.

ومن الخليل كتبت لنا خولة سليم:

“سمرقند مثل غيرها من المدن لها ذاكرة لا تختلف عن ذاكرة البشر ، وكما يلفظ البشر الأطعمة الغريبة فإن المدن تلفظ الغرباء أيضا، حتى وإن دخلوها عنوة “ص59.

تعيش  مع الرواية رحلة بين أسماء مناطق وشوراع وأزقة غريبة في أسمائها … في عاداتها… في تقاليدها… في  فكرها… يخيل اليك أنك تعيش حياة مختلفة كليا .

تبدأ أحداثها بزيارة بطل الرواية”اليشير”   لضريح دانيال في سمرقند…يشكو للضريح وجعه وألمه لفراق محبوته “ثريا ” والتي يتمنى لقاءها ،،، وقد غادر بلاد الرافدين  بحثا عنها… يتجه  اقصى شمال العراق… الى أوزباكستان… ثم طشقند الى أن يستقر به المقام أمام الضريح… يطلب المساعدة للوصول…تبدأ الأحداث بالتتابع … تسرد قصة شاب من أحياء بغداد- ينجو من الموت بأعجوبة من قصف صاروخي مباغت يفقده أسرته كاملة، ويقرر الهرب الى الشمال ..يلتقي فتاة تدعى ثريا من سمرقند…يحسّ أنها ملاذه الآمن…يفقدها في لحظات يخيل إليه دوما أنه على موعد مع الفراق… يتجول مكرها في بلاد لم يشأ أن يطأها إلّا باحثا عن حبّه الذي سار به هناك الى سمرقند… يبقى يعيش بين قدرين لا ينفكان يطاردانه ردحا من الزمن….القدر الأول كوابيس الصواريخ تضرب الكرادة ويفقد أهله فجأة ويهيم الى الشمال هربا للنجاة… وقدر الحب الذي يربطه بتلك الفتاة… وكيف رمى به القدر بين أحزانه وهمومه ويبقى كابوس حبّه المزمن يطارده…يهاجر متنكرا ومنتحلا أسماء أوزباكية ؛ كي يستطيع الوصول عبر عدة محطات تفتيش مقيتة …يهرب منها بشق الأنفس الى أن يصل الى برّ الأمان… كان القدر على موعد معه ودون سابق ميعاد، وبعد أن فقد الأمل عدة مرات في لقاء مع من أحبّ…الى أن يشاء ويحن عليه بلقاء أبدي…يكمل مشوار حياته من غربة الى غربة…يأمل في حياتة تنسيه أنه غريب في بلاد لا تحترم الغرباء.

أسلوب الكاتب مميز جدا في صور وتشبيهات ولا أجمل… ويستخدم أبياتا من الشعر المحكي في قديم الزمان على لسان أبطال الرواية،  فيعيد للأذهان أيّام زمان خلت … أشعار قيلت في سالف العهد والزمان…وقصص من التراث الإسلامي والعربي ترتبط بشرقي آسيا …وبعض الأحداث أيام الثورة البلشفية…وحرب الأوزبيك …ويعرج في أحداث القصة على تهريب الأسلحة والمخدرات وضحاياها… وكيف أن الشاب أثناء رحلته الطويلة تلك يمر بتاريخ يتحرك أمام عينيه يكاد يعرج بنا الكاتب على بلاد جميلة رائعة زاخرة بكل ما فيها…تستحق أن يبحر فيها الكاتب بكل عذوبة ويسر، لينقلنا الى أجواء مغايرة… يشدّك الشغف الى نهاية الرواية في أسرع وقت ممكن…فعنصر التشويق يسلب وقتك لتكمل الرواية ولا تتركها لحظة.

وبعدها جرى نقاش شارك فيه بعض الحضور منهم: الروائية  ديمة السمان والشاعر رفعت زيتون.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات