ديوان”خروج من ربيع الرّوح” في اليوم السّابع

د

القدس: 4-2-2016 ناقشت ندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس ديوان”خروج من ربيع الرّوح”، للشّاعرة الفلسطينيّة ابتسام أبو شرار. صدر الدّيوان الذي صمّم غلافه محمد حلمي الرّيشة، عن بيت الشعر الفلسطيني، ويقع في 104 صفحات من الحجم المتوسّط.

ممّا يذكر أنّه صدر للشّاعرة أبو شرار ديوان شعر آخر قبل هذا الديوان هو “بيت المقدس في حيرة الصمت”

بدأ النّقاش ابراهيم جوهر فقال:

فيه روح الشباب المتمردة على واقع راكد: تغوص الشاعرة في ذاكرة الثقافة العربية فتتناص معها وتطعّم قصائدها بتناص ديني ذي صلة.

لغة بيانية بعيدة عن الغموض قريبة من القلب تبني بها ابتسام رسائلها الجميلة بقوة وثقة.

حين تنضج الموهبة على نار المطالعة والهدوء والوضوح تكون قصائدها ذات وقع قوي جميل.

لفت انتباهي في هذا الخروج من ربيع الروح هذه الثقة العالية بالذات الجمعية وتلك اللغة البيانية القوية التي حملت كمّا من المعاني والعاطفة والصدق والوضوح: وضوح التشخيص ووضوح الغاية.

حين تكتب ابتسام أبو شرار إنما تعبّر عن أصالة الموهبة والمكان فيكون الشعر حاملا لروحها المتوثبة بحثا عن روح البلاد والإنسان غير المنقطع عن إنسانيته.

نقلت الشاعرة ألمها بكلمات فيها روح الوجع كما نظرت إلى القادم بكلمات فيها معاني القوة والثقة. وتباينت لغة هذا الخروج قوة ورقّة حاملة إيمانا برسالة الإنسان بشكل عام وإنسان هذه البلاد على وجه التخصيص، لذا فإن (أنا) الشاعرة هي (أنا) المجموع الإنساني، ورفضها للظلم وإفرازاته إنما يعني انحيازها إلى جانب الناس ممن يشكّلون السواد الأعظم في مقصلة الحياة التي يمسك بحبالها قلّة من أشرار الحياة.

اعتمدت الشاعرة على الصورة الفنية التي رسمتها بعناية في قصائدها وعلى اللغة القوية ببيانها ومناسبتها للحالة اعتمادا على أصوات أحرفها.

وقال عماد الزغل:

قبل أنْ ألج إلى لجّة ديوانها، حاولت أن أستمع إليها بصوتها الحيّ، فقلّبت هاتفي بحثا عنها، فتمثّلت أمامي تلقي قصيدة على أحد منابر جامعة الخليل، فوجدتُ شاعرة منبريّة تلهب حماس الجمهور، ويقف عريف الحفل مفتخرا بتقديمها، فهي أكاديميّة تجمع بين دراسة اللغة الإنجليزية في البكالوريوس وماجستير اللغة الغربيّة.

وهذا هو الدّيوان الثاني للشاعرة بعد ديوانها الأول (بيت المقدس في حيرة الصمت) الصادر عام 2012، حاولت أن أرتشف ترانيم صوتها كما أردت بشغف الانصات وأن أطوف في فضاء حروفها وأن ألتهم أبجدية لغتها بأحداق التوق محاولا لملمة قصائدها في بوتقة واحدة فلم أستطع ذلك، لأنها تنوع في موضوعات قصائدها، ولكننا يمكن أن نرسم ملمحا واحدا جامعا لإبداعها، إذا استعرضنا قصائد هذا الديوان.

أولى قصائد هذا الدّيوان وأطولها هي قصيدتها الأولى (فصول تحت ضوء القمر) وهي برأيي أجمل قصائد الديوان لأنها تغوص في نفسها وتصبح قصيدتها مرآة لمشاعرها وأحاسيسها ومن خلال هذه الفصول، تستبطن الشاعرة نفسيّة امرأة شرقية تلوذ بالصمت ولا تستطيع البوح، ولذلك فوقتها المفضل هو الليل، له تبوح بأسرارها، وبه تشتعل ثورتها وصوتها المستضعف، ولذلك فهي تحمل عدائية واضحة للنهار وللفجر، إنّها تجسّد انطوائية المرأة الشرقية وبوحها بأحلامها وأسرارها للّيل فقط، في مجتمع ذكوري أعطى بوح النهار للرجال فقط، ولذلك فهي تفصح عن ذلك بوضوح، وتقول:

في الليل أعدّ أغاني الصباح، ويمتدّ ظلّ الغناء لليل آخر

يطمسه ضوء الفجر

وفي جملة شعريّة أخرى:

وأحلّق في الليل المبهم

وأخاف مجيء الصباح تغلّفه صاعقة

وهي تمثل شخصيّة جبانة تصنع معاركها في الظلام، وتنتصر على أعدائها في الصمت

وإذا ما خلا الجبان بأرض           طلب الطعن وحده والنزالا

حيث تقول:

الصمت أنا حين أباغت خصمي في خيالي، وأنقضّ عليه

ثمّ أجهش بالإسرار وأرديه

وهي مولعة بالليل، إلى درجة مخالفتها لأمرئ القيس على الرغم من تناصّها معه، فالليل عند امرئ القيس نجومه لا تتحرك كأنها شدّت بحبل، أما عند الشاعرة فهي التي تشدّ ذلك الحبل وتربطه بنافذتها ليطول ليلها وتستمر أحلامها التي يبددها ضوء الفجر، تقول:

وأشد نجومه للنافذة

بمغار الفتل

إن الليل يمثل للشاعرة كل شيء فهو مرتع يقظتها وتأملاتها وذكرياتها، والصبح بالنسبة لها إغفاء ونوم، ولكنها ترفض  في النهاية أن تتماهى مع هدأة الصمت، وترفض أن يموت شعورها لتجسده شعرا.

أما في قصيدتها الثانية ( مغنية من الزمن الآتي) فتتجذر الشاعرة في أصولها الكنعانية وتجوب فلسطين بكل ألوان طبيعتها أزهارها وطيورها وجبالها وتغني مع أزهارها وكناريها بفرح وسرور، ويمضي الإيقاع الفرح في القصيدة على الرغم من أنها تغني للأرض السليبة، وتصر على الغناء حتى النهاية:

فلا اللحن يوقفني، ولا الصمت والإيقاع

ومن الجميل أن الشاعرة تعطي اللون في القصيدة دلالة ثقافية وتاريخية فتفتخر باللون الأرجواني للمرأة الكنعانية، والمعروف أن الكنعانيين هم أول من اكتشف صبغة الأرجوان فزينوا بها أثواب عرائسهم.

وأما قصيدتها “رسالة من فوهة المنفى” فهي قصيدة مدرسيّة بامتياز تصلح لتدريسها في مناهج الطلبة ولا سيما في المرحلة الأساسية، وهي قصيدة عمودية على البحر الوافر، تمتاز بإيقاعها الجميل واستعاراتها الجميلة السطحيّة، وتشبيهاتها التي تخلو من التعقيد ولذلك فهي تصلح للمنهاج، وما أجمل ما جسدت به فلسطين طفلة شقيّة، فقالت:

فلسطين الشقية هل أراك؟      بثوب المجد يهجرك القساة

أراك تتوجين بتاج عزّ       بيوم القَوْد تحويك الحياةُ

وأما قصيدة (خروج من ربيع الروح) والتي تتوسط الديوان، فهي تجسيد حيّ لكارثة النكبة، ويبدو أنها نظمتها في هذه المناسبة، وهي تصلح أن تكون بكائية، لأنهلا صاغتها على لحن الضمير الجمعي، وفيها شيء من جلد الذات، وفيها لوم على خروج الفلسطينيين من فردوسهم على متن السفن التي كانت تنتظرهم في البحر،  وتشير إلى قصة “عائد إلى حيفا” لغسان كنفاني فتقول:

وغسان هناك يدوّن التاريخ نثرا في مصائرنا

وكانت النتيجة استيلاء اليهود على البلاد

فعدنا للضياع وهم رسوا فينا

وتهنا عن فلسطينيا

وتشكل قصيدة “متيم إيقاع أشعاري” ثنائية الشاعرة مع الوطن، وقد أمّلت أن تكون قصيدة غزلية تناجي فيه الشاعرة نصفها الآخر، ولكن الشاعرة صرحّت في النهاية أنه الوطن، عندما قالت:

وطني يا هبة الوجود

ستبقى عهدا على أسمى العهود

ستبقى وطرا على أوطاري

أما قصيدة “حكاية السرائر الأولى” فهي تنائية الشاعرة مع نفسها، وما أجمل تجريدها لنفسها حيث جعلت منها ومن نفسها عدوين وصديقين في الحالة نفسها، قريبين وبعيدين، ويبدو التناقض واضحا من خلال اتخاذ الشاعرة مجموعة كبيرة من الطاقات المتعددة لتجسيد حالة الصراع مع نفسها، وهو الصراع نفسه بين كل واحد منا ونفسه التي تكون موادعة حينا ومعادية حينا آخر:

قربان في بعدٍ وبعدان في القربِ

وتختمها بالقول:

أفقا أنا وأنتِ يا نفسي، وروحنا القدرُ

وفي قصيدة “أنا الحرف المهاجر” تخرج الشاعرة من قوقعة الصمت وتصرح بأنها لن تبقى صامتة، ويحدوها الأمل بالانتصار على جلادها وعلى عدوها، مجرّدة سلاح الصبر ومستلهمة من صبر أيوب ومن معاناة عيسى عليهما السلام أفق النجاة، حيث تجعل صوتها سلاحها المشرع في المواجهة القادمة، وفي هذا شيء من التناقض مع قصيدتها الأولى التي هي فيها تلوذ بالصمت وتعتصم بالليل.

أما في بقية قصائدها فتبدو الشاعرة كلاسيكية تمجدّ شعر المناسبات على عكس باقي القصائد، فتفرد قصيدة للمعلم هي “واهب المجد” وقصيدة للأسرى هي “ما فاز المخاتل”..، وأما قصيدة “وحدك على مقصلة الأفق” ففيها صوت عروبيّ قوم مستلهم قومي مستلهم من ثورات الربيع العربي. ولا تنسى الشاعرة .. غزة.. فتغرد لها قصيدة “يومات من تحت الركام.”

أمّا نمر القدومي فقد قال:

مذاقاتُ الأيّام عندنا تبدّلت.. وفصول السنة تكاثرت وبالأسى تلوّنت .. ودروب الآلام تعدّدت وتطاولت .. ما بين الصمت والبكاء توقّفت الدمعة وتخثّرت .. وما بين ليل ونهار ذابت أشعة الفجر ومنّا سُلِبت. نشُقُّ دروب اللاوعي في عالم الذّكريات.. ونصطنعُ الأحلام على وهج النّجوم اللامعات.. حُب الوطن وفداؤه مسيرة وصلت الأرض بالسماوات .. وينشد الحالمون بوعد الحقّ وتصير تراتيلهم كما في الصّلاة آيات. أمّا الشّاعرة الفلسطينيّة “إبتسام أبو شرار” فخرجتْ إلينا بتلك الطّاقة التعبيريّة ذات الظلال العاطفيّة، والأحاسيس الصّادقة في ديوانها الجديد “خروج من ربيع الرّوح” الصّادر عن بيت الشِّعر الفلسطينيّ عام 2015 ويقع في 104 صفحات من الحجم المتوسّط. خرجت إلينا بنصوص أدبيّة وشعريّة، وبلغة ومعان بليغة وقويّة لتخاطب أرواحنا وعقولنا، حيث تأمّلت الشّاعرة كثيرا وتمتّعت بالحسيّة المتمثّلة بذلك الإدراك الفطريّ، الذي يجعلها تُصوّر ما يقع تحت عينيها، وما يقرّ في آذانها، وما يجول أيضا في آفاقها، فكتبت عن معاناتها الحقيقيّة للواقع الذي تعيشه الإنسانيّة المُعذّبة.

تحرّرت الشّاعرة من القافية الواحدة في أغلب ديوانها، وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية وإختفائها من حين إلى آخر، وذلك حسب ما تقتضيه الدفقة العاطفيّة والشعوريّة لديها. فالكلمات الصّادقة في هذا الديوان، إنّما هي تجربة إنسانيّة مستقلّة في حدِّ ذاتها، جمعت العواطف والمشاعر والخيال والتراكيب الّلغويّة إلى جانب كل القدرات والإمكانات المتاحة عندها. كان لها دوافع إجتماعيّة وأخرى نفسيّة تأثّرت بها من خلال فصول ديوانها، وفي نفس الوقت أثّرتْ في الوسط الذي تُعايشه. حين رأت الشّاعرة أنَّ الإطار الإجتماعيّ ومكوناته أصبح عاجزا عن تحقيق أحلامه أو نبذ إضطهاده أو حتّى التّحرّر من قيود الإستعمار الجاثمة على صدورنا وأراضينا، عمدتْ إلى ذلك الحِسّ الدّاخليّ عندها وهو الرّغبة في التغيير وطرق أبواب السّماء إن عجزت الأرض عن إيقاظ الضّمير.

صبّتْ الشّاعرة “أبو شرار” من خلال نصوصها الأدبيّة والشّعريّة تمرّدها وثورتها، مُبدعة وخلاّقة، مبتكرة ومُغيّرة ومجدّدة كيفما تمليه عليها النّزعة الدّاخليّة لبواطن النّفس، ومرارة الألم وحُرقة الفرقة والتّهجير، وإغتصاب الأرض وقتل النّفوس البريئة.

لم تستثنِ الشّاعرة من نصوصها الشّعريّة والأدبيّة تمجيد وعظمة نبيّ الله “محمد” عليه الصّلاة والسّلام، فأسهبت بفضائله وكراماته على أبناء البشريّة عامّة. كذلك تغنّتْ بأمجاد العرب قديما وقوّتهم التي كان يهابها الكون كلّه. ولم يغب عن ذهنها أبدا حياة الأسرى وأرواحهم المُختنقة والتّوّاقة للّتحليق على جناحيّ ملائكة الحريّة.

“خروج من ربيع الرّوح” فصل من ديوانها تُعبّر فيه عن مأساة الشّعب الفلسطينيّ وخروج الجسد من نعيم وطنه، ومن أرضه وتربته وإحتلال الغاصب لهوائه النّقيّ، أضرموا النّيران فينا تحرقنا وهم يستدفئون بلهيبها. وبعد أن كان البحر مغنما لنا، أصبحت أمواجه تضرب شواطئنا بسفن الأعداء تنحر أعناقنا، وسالت الدّماء تروي الأرض، وهجرنا التين والبرتقال وبيوتنا. الطفل الرّضيع يبحث عن صدر أمّه الثّكلى، وعن بلادنا تغرّبنا، وسبوا أمانينا وعُدّتنا وكلّ هويّة فينا، فعدنا للضّياع وهم رسوا فينا وتُهنا عن فلسطينا !

هذا الدّيوان العريق إنّما إنعكاس لما تُعانيه الشّاعرة، ويُعانيه كلّ مواطن شريف، من واقع مؤلم نتج عن الكبت الرّوحيّ والماديّ الذي خلقه الإستعمار في عالمنا العربيّ، فكانت نتيجته وأد الحريّات في نفوس الشّعوب، وقتل الرّغبة في التّطلع إلى الحياة الفُضلى، مما أدّى إلى الشّعور بالغبن والظُلم والإستبداد والضّيق الشّديد والمعاناة الجامحة الذي نمّى في النّفوس حب الإنطلاق والتّحرّر من عقال الماضي. وما هذا العطاء الفنيّ أيتها الشّاعرة “أبو شرار” إلاّ ثمرة من ثمار الثّورة والتّمرد على الواقع المرير والبوح بالمعاناة التي تسكن فؤادك، كذلك إنها ترجمة لنوازع نفسيّة داخليّة تميل إلى رفض الحال الذي وصلنا إليه. والحقّ يُقال أنَّ كلماتكِ كانت في معظم الوقت تتحول من لفظٍ إلى صورةٍ وحركةٍ لذلك الحدث، ناهيك عن الإنفعال الذي يليه، فأضحت نصوصكِ مُعانقة لأرواحنا وأكثر إستيعابا لمضامينه الحيّة النّابضة.

وكتب فراس حج محمد:

اعتمدت الشاعرة ابتسام أبو شرار في صياغة نصوصها الشعرية في هذا الديوان على اللغة القرآنية بشكل لافت، فعدا أنها اقتبست من الآيات الكثير وتناصت مع أخرى كانت المفردات حاضرة وبقوة في المشهد الشعري مبثوثة في ثنايا النصوص، جزءا عضويا من بنيتها التركيبية.

كما استعارت من القصص القرآني كل تلك الرموز التي تدل في سياقاتها على فكرتها، فحضرت قصص عاد وثمود وفرعون وموسى، وقصة يوسف، وقصة سيدنا أيوب للدلالة على صبر الفلسطيني في مواجهة الطغاة والمحتلين.

ولم ينفصل عن هذه اللغة كذلك ما توكأت به الشاعرة على عصا التاريخ العربي القديم فحضر الغساسنة وقبائل العرب من قحطان وعدنان، فكأنها نسجت من كل تلك المعارف لغتها ونصوص قصائدها، تسائل اللحظة التاريخية الراهنة واشتباهاتها فيما مضى من أحداث.

ولعل اللافت أيضاً في هذا الديوان أن صوت المرأة لم يظهر، فكانت اللغة محايدة في رسم مشاعر المرأة في هذه النصوص، وكأن ما بها من انشغال بالتوظيف القرآني أنساها لغتها الخاصة وإحساسات بوح الأنثى الشفيف، ولعل لهذا الأمر ما يبرره؛ إذ كانت مشغولة بالهم السياسي والفكري العام، ولم تعرج على شيء من بوح وجداني خاص بها، حتى تلك النصوص التي احتلت صدارة الديوان، وهي نصوص أقرب إلى الفكرة المجردة أكثر من الوجد والعاطفة، غابت عنها ملامح الأنثى، ولا يظن ظان أن هذا ثلم في اللغة أو في النصوص، إنما هي إشارة فقط لما كانت عليه تلك اللغة هنا؛ للدلالة على المعاني العامة التي أرادت الشاعرة إيصالها للمتلقي.

ربما يطرح هذا الديوان بميزتيه السابقتين سؤالا إبداعيا كبيرا متعلقا بمدى قدرة المرأة الشاعرة على صياغة الشعر بلغة فكرية رجولية، فلا تقع فريسة البوح الأنثوي التي تقع في حبائله كثيرات من هاويات الشعر طلبا للجمهور ودغدغة لعواطفه البليدة اللاهثة وراء كل مخاتلة من لغة تخضع فيها الأنثى بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وظلت الشاعرة محافظة على هذا المستوى من الشعر واللغة حتى آخر قصيدة، والتي أهدتها لصديق عراقي راح ضحية الحرب، فلا شيء في القصيدة يشي بأن الراثي شاعرة!

وعلى الرغم مما ذكرت سابقا من لغة الشاعرة المتكئة على اللغة القرآنية لتعبر عن الوجع الأبدي المحلي والعربي، لم تكن تعتمد الشاعرة في صياغة النصوص على الصورة الشعرية الخارجة عن المألوف لدى المتأدبين والمثقفين، فجاءت الصورة الشعرية عادية مما تعارفنا عليه وقرأناه في الشعر القديم، وكأني بها لا تريد أن تشغل القارئ بترف الصور واللغة، وتريد له أن يظل متحفزا مستفزا تجاه قضاياه المعاصرة التي هي أكبر من كل صورة وأبلغ من كل البلاغة!

ومن هنا ظهرت في نصوص الشاعرة نصوص الشعر القديم من امرئ القيس والمتنبي وغيرهما من شعراء العربية الأقدمين، وكأن الشاعرة تريد أن تتناص فقط مع كل ذلك الموروث الثقافي لهذا العربي الموجوع في زمن القحط والخراب، وهذه الفلسفة الإبداعية وإن لم تلفت إليها الشاعرة إلا أن لها وجاهتها، وتدل دلالة أكيدة على فكر الشاعرة وانحيازاتها لمواقف محددة في السياسة والفكر على حد سواء.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، حسن أبو خضير، ديمة جمعة السّمان وجميل السلحوت.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات