بدون مؤاخذة- الجهل المقدس متشعب

ب

مع أنّ تقديس القديم أصيل في ثقافتنا، إلا أنّنا متضادّون في التعامل معه، وموقفنا منه ينبع من وعي كلّ منّا كأفراد وجماعات، فمثلا “المتأسلمون الجدد” قاموا بتحطيم وحرق وتدمير تراثنا الحضاريّ كالمكتبات والمتاحف والآثار في العراق وسوريّا وليبيا، وهذا تراث موروث من آلاف السّنين، وهم يستمدّون وحشيّتهم من كتب تراثية مليئة بالخرافات والأساطير، ولم يستعملوا عقولهم عندما أخرجوا التاريخ من سياقه، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم، حطّم أصنام قريش في فتح مكّة، لأنها كانت آلهة تعبد، فهل يوجد في عصرنا من يعبد تمثالا منحوتا، أو لوحة مرسومة حتى نقوم بتحطيمها أو حرقها من منطلقات إيمانية، وكي نستمرّ في تحريم النّحت والفنون التشكيليّة؟ وهل كان الخلفاء المسلمون كفرة – والعياذ بالله- عندما أبقوا التماثيل الفرعونية في مصر والأشورية في العراق والبوذيّة في دول جنوب شرق آسيا المسلمة، وبنيت الأضرحة الاسلاميّة في عصورهم حتى يقوم “دواعش” القرن الحادي والعشرين بتحطيمها؟ وهل غير المسلمين الموجودون في العالم العربي والاسلامي مواطنون أصليون في بلدانهم أم هم غزاة محتلون حتى يتمّ قتلهم واستباحة بيوتهم وأموالهم وأعراضهم مثلما حصل في العراق على أيدي الدّواعش؟  وألا توجد عقول تفكّر أم هو “الجهل المقدّس؟ وماذا يضرّ الشّيعة تولّي أبي بكر وعمر وعثمان الخلافة قبل عليّ؟ وماذا ينفع أهل السّنّة لو تولّى عليّ الخلافة قبل من سبقوه؟ وهل يستحق ذلك استمرار المناكفة والتّكفير والاحتراب لأربعة عشر قرنا؟ أوَ ليسوا كلّهم صحابة رسول الله؟ وما ذنب الأجيال الحاليّة بمن مضوا؟

واضح أنّ “للجهل المقدّس” رؤوس متعدّدة كتلك الأفعى السّامة ذات الرّؤوس السّبعة التي خلقها الخيال الشّعبيّ، وافرازاته خطيرة جدّا على الأفراد والشّعوب. وهو أساس تخلّفنا في مختلف المجالات، فعلى مستوى صحّة الأفراد أليست مصيبة أن نجد من يظهرون على الفضائيّات من أصحاب العمائم واللحى ينظّرون لفوائد شرب بول البعير، ولا يؤمنون بالطّب الحديث؟ ألا يشكّل هذا انتحارا يجب على الحكومات منعه، وتوعيّة النّاس من مخاطره؟ أو ليست مصيبة أن ينظّروا على الفضائيّات لمرضى الجهاز العصبيّ كالصّرع وغيره بأنّ المريض مسكون بالجنّ ولا يخرج إلا بضرب المريض ضربا موجعا وصل إلى درجة الموت في كثير من الحالات؟ علما أنّ الدّين يقول “أنّ الجنّ مخلوقات ضعيفة لها عالمها الخاص ولا علاقة لها بالانسان” أليست هذه جرائم مسؤولة عنها كتب تراثية مليئة بالجهل والخرافات؟ ولماذا التّمسّك بالجهل والخرافات ومعاداة العلم؟ علما أنّ في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة الشّريفة نصوص كثيرة تدعو إلى طلب العلم والتفكير، فلماذا نتركها ونتبع الخرافات؟ ولماذا نرتضي الانغلاق الفكريّ ولا نطّلع على الحضارات الأخرى؟ أليس من المحزن أن تنشر اليونسكو قبل حوالي عامين، أنّ ما ترجم إلى الاسبانية في عام واحد يعادل ما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون 786-833 وحتّى الأن؟ وماذا يعرف منظّرو “الجهل المقدّس” عن “الغرب الكافر”؟ ولماذا نستعمل ابتكارات واختراعات “هؤلاء الكفّار” في بيوتنا ونهاجم علومهم”الكافرة” أليست إنارة مساجدنا ومكيّفات الهواء فيها، ومكبّرات الصّوت التي نهاجمهم من خلالها هي من ابتكاراتهم ومن صناعتهم؟ وكي لا يبقى”أخو الجهالة في الجهل ينعم” فإنني أحلم بيوم تأتي فيه حكومة راشدة وترسل “منظّري “الجهل المقدس” إلى دول متقدّمة ليروا بعيونهم أين وصلوا؟ وكم قرنا نحن متخلفون عنهم؟ وتقوم في نفس الوقت بتطوير المناهج التعليمية في مختلف المراحل.

22-4-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات