بدون مؤاخذة- الجهل المقدّس

ب

“لقد خلق الله عيني الانسان في مقدّمة رأسه لينظر إلى الأمام، ولو أراده أن ينظر إلى الخلف لخلقهما في مؤخّرة رأسه” هذا ما قاله أحد المفكّرين، فهل ينطبق هذا علينا نحن العرب والمسلمين؟ فثقافتنا مليئة بتقديس القديم، وإضفاء صفات الكمال عليه، فمثلا نعتبر الأجداد مالكي الحكمة والرّجولة والعلم والبطولة، وكلّ ما هو إيجابيّ، وأستذكر هنا ما قاله أحد الأشخاص بأنّ عمره جاوز الأربعين عاما وهو يعتقد بأنّ والده بطل العالم في القوّة، لأنه دائما كان يحدّثه عن انتصاره في المشاجرات، وأنّ أحدا لم يكن يجرؤ على الاقتراب منه، علما أنه كان إنسانا عاديّا. ويؤمن المسلمون أن لا قداسة في الدّين إلّا للقرآن الكريم، والسّنة النبويّة الصّحيحة، ومع ذلك فإنّنا نقدّس كل مؤلّفات الأقدمين! مع أنّهم بشر مثلنا يخطئون ويصيبون، ومع الإيمان بأنّ الاسلام يصلح لكلّ زمان ومكان، إلا أنّنا لا ننتبه أنّنا نعيش في واد والعالم الحديث المعاصر يعيش في كوكب بعيد عنّا، رغم قربه المكانيّ والزّمانيّ منّا، فموروثنا الدينيّ من مؤلّفات الأقدمين مليء بالخرافة والأساطير، والاسرائيليّات وغيرها، ومع ذلك نصرّ على تقديسها وعدم الاستعداد حتى لمناقشتها وتمحيصها…ولم نتخلّ عن عقليّة رعاة الابل في الصّحاري، والتي نغذّيها بشرب بول البعير كعلاج لمختلف الأمراض!…حتى من كتب لنا بأن “الكرة الأرضية تقف على قرن ثور في جزيرة، وكلما حرّك الثور رأسه تحصل البراكين والزلازل!” وذاك الذي شرح لنا بأنّ الجنين يتكوّن في رحم المرأة”عندما يروب ماء الرّجل بدم حيض المرأة كما يروب الحليب ويتحوّ ل إلى لبن!” وغيرها من الأمور التي دحضدتها العلوم الحديثة، لكنّها تجد من يقدّسها!

وسياسيا فإن الجرائم التي تمارسها بعض الجماعات الدّينيّة المتطرّفة كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها، لها جذورها وفتاويها عند الأقدمين، وهذا ما تعتمد عليه جماعات ارهاب “المتأسلمين الجدد” ظنّا منهم أنّ جرائمهم عبادة ستوصلهم الجنّة.

وفي حروب الاقتتال الدّاخلي بدءا من مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ومعركة الجمل وما تبعها، وجدنا من يفتي بأنّ قتلى طرفي الصّراع في الجنّة، لأنّهم كانوا يقاتلون معتقدين أنّهم على حق! وكأنّ المسلم على حقّ دائما سواء كان قاتلا أو مقتولا ظالما أو مظلوما! وبالتّالي فليس هناك مسلم مخطئ.

وهذا ما أطلق عليه المفكّر المصريّ اسلام بحيري “تقديس الجهل”. ويقوم بنقضه معتمدا على القرآن الكريم، والسّنّة النبويّة الصّحيحة، وهذا ما فعله أيضا المفكر الاسلامي عثمان صالحية في كتابه” “الدّراية- الفريضة المصيريّة الغائبة في التّراث- الشّفاعة أنموذجا مفصّلا”. ومع ذلك فإنهم يجدون معارضة شديدة من أفراد ومن جماعات اسلاميّة تصل إلى درجة “التّكفير”

والمثير للانتباه أنّ غير المستعدّين لمناقشة كتب الأقدمين لم يسألوا سبب تخلّف المسلمين في مختلف المجالات؟ وما مدى مساهمتهم في العلوم والابتكارات الحديثة؟ ويقولون بفخر أنّ المسلمين هم أوّل من وضع مبادئ العلوم! ولو افترضنا جدلا صحّة هذا القول، فلماذا لا نتساءل عن أسباب عدم مواكبتهم للتطوّر العلميّ الهائل؟ ولنستذكر دولة غالبية شعبها مسلم وهي ماليزيا، والتي تطوّرت في مختلف المجالات بشكل هائل في العقود الأربعة الأخيرة، عندما طوّرت حكومتها برئاسة مهاتير محمّد مناهجها التعليميّة، من خلال ارسال مبعوثين إلى جامعات الدّول المتقدّمة، ومهدّت لهم الطريق لتطوير بلدهم…وهذا البلد المسلم الذي علّم شعبه قضى على “الطائفيّة” ويحترم المعابد “البوذيّة، ويعتبرها إحدى وسائل الجذب السّياحي، في حين “دواعشنا” دمّروا متاحف ومكتبات وأضرحة وآثار عمرها آلاف السّنين في العراق وسوريا وليبيا وسط التّكبير والتّهليل. ومن العجيب أنّ ” مقدّسي ثقافة الجهل والتّجهيل” يعتقدون أنّ العلوم كلّها أساسها الدّين، وهم بهذا لا يميّزون بين الدّين وبين العلوم الدّنيوية، في حين أنّ العالم جميعه يعتبر الرّياضيّات أساس العلوم. لذلك هم تطوّروا ونحن بقينا في عقليّة ما قبل أكثر من ألف عام. فهل ننتبه إلى جهلنا ونرفع عنه “هالة القدسيّة”؟

21- 4-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات